سبعة علماء و مفكرين وخبراء، كل واحد منهم في مجال تخصصه أكد مما لا يدع مجالا للشك بان المادية التاريخية لا زالت لديها راهنيتها. بالنسبة لهؤلاء العلماء و المفكرين المراحل التاريخية التي يعيشها الإنسان ليست إلا مرحلة من بين مراحل تطوره. هؤلاء العلماء والمفكرين هم على التوالي: مارشال ماك لوهان ميشيل فوكو ريجيس دوبري يونا فريدمان جويل دي روسناي فرانسوا ريشودو جان بيير شانجو هؤلاء العلماء والمفكرين على اختلاف رؤاهم ومجالات تخصصاتهم أثبتوا كذلك بان الانشغالات الفكرية ليست ترفا وجوديا أو تنظيمات خطابية زائدة عن اللزوم لهذا فالأدوار السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي يضطلعون بها هي بالغة الأهمية. المفكر الأول ساهم في تطوير النظام الإعلامي الغربي, المفكر الثاني عمل على توضيح خطورة النظام المعرفي الغربي, المفكر الثالث قام بفضح النظام السياسي الغربي, المفكر الرابع أثبت علميا استحالة تحقق النظام العالمي الجديد المعروف بالقرية الشمولية, المفكر الخامس أثبت استمرار النظم التقليدية للتسيير حتى بداخل المجتمعات المتقدمة المفكر السادس كشف عن عجز تمارين القراءة الشفاهية في التكوين المفكر السابع وضح الروابط ما بين الموصلات العصبية(المخبرين) و المعمل الجنائي(الخلية العصبية) اقتصاديا تحولت المجالات المعرفية لهؤلاء العلماء والمفكرين إلى مجالات إنتاج ساهمت في تثبيت بنيات مجتمعات الإعلام والمعرفة. سياسيا بفضل الأنظمة الفكرية الجديدة التي صاغوا مفاهيمها استطاع رجال السياسة والأمن إعادة النظر في كيفية تناولهم للقضايا و المعطيات. الأفكار الجديدة التي أتى بها هؤلاء العلماء، بالإضافة إلى اكتشافاتهم العلمية، تبدو بسيطة وبدون أي قيمة لكن ما أحدثته بداخل الأذهان و المجتمعات هو بمثابة الزلزال الكبير. سنة 1964صرح عالم وخبير وسائل الاتصال والتواصل الكندي مارشال ماكلوهان قائلا: "الخبر هو الوسيط، كل خبر يحدث تأثيرات مختلفة حسب الوسيط الإعلامي الذي يتكفل بإيصال الخبر". هذا التصريح دفع بكل القوى المتصارعة بداخل الدول و المجتمعات إلى و ضع كل وسطاء وسائل الإعلام تحت المجهر و التتبع. بعد هذا التصريح بقليل استطاع الفرنسي جان بيير شانجو اكتشاف وجود الموصلات العصبية على مستوى الخلية العصبية، وأكد على أن هذه الموصلات هي نوعان: كيميائية وكهر بائية وتتكفل هي الأخرى بحمل المعلومات نحو المعمل الكيميائي حيث يتم تحليل المعطيات. لم تدم إلا مدة قليلة على هذا الاكتشاف، حتى صرح عالم وسائل الاتصال والتواصل المناضل الفرنسي المعروف صديق شي كيفارا قائلا: "إننا اعتقدنا في الأشياء على أنها حقيقية لأننا شاهدنا كل شيء بأم أعيننا ولكن ما كنا لنرى كل تلك الأشياء بأم أعيننا لو لم نعتقد سلفا". هكذا أصبحت الرؤيا والاعتقاد تتهم فيها الواحدة الأخرى هل نعتقد لأننا نرى بأم أعيننا فعلا ما نراه، أم نرى فقط ما نراه لأننا نعتقد في ذلك ونريد أن نراه. الرؤية، خصوصا الرؤية الاجتماعية للواقع و الأحداث، لم يعد يسمح لها أن تبقى في إطارها الخام، ساذجة و تلقائية، الرؤية الاجتماعية لديها صناعها و مروضوها و لم تعد من اختصاص محللي الأحلام الفروديين وقراء النوايا الاستطلاعيين. الرؤية أصبح لديها خبرائها وأخصائيوها وهم مجموعة من العلماء الموزعين على مجالات علمية متعددة، من علوم الأعصاب إلى علوم البصر والبصريات، ومن علوم الإشهار إلى علوم الكلام والتوهيمات الكلامية. كل الأحداث التي تعيشها المجتمعات الحداثية الحالية تكون مرفوقة بالرؤية المحددة لها سلفا، بمعنى حتى الرؤية و التأويل المرتبط بالأحداث المعاشة متحكم فيه. ليس فقط ماركس وانجلس هم الوحيدين الذين قسموا التاريخ البشري إلى تقطيعات كليانية بل أصحاب هذه التقطيعات كثيرون من ميشيل فوكو إلى مارشال ماك لوهان مستكشف قارة كوتنبرغ Galaxie Gutenberg الرائعة التي نحيا جميعا بفضلها، ومن مارشال ماك لوهان إلى فرانسوا ريشودو متتبع حركات العين بالكاميرات الدقيقة و متتبع عدد الأحرف المقروءة في الثانية الواحدة؛ ومن فرانسوا ريشودو إلى غيره كل حسب المجال المعرفي الذي يشتغل بداخله. ميشيل فوكو قام بتحديد قطيعتين معرفيتين تحددان لثلاث أنظمة معرفية: النظام المعرفي للقرون الوسطى، النظام المعرفي للكلاسيكيين والنظام المعرفي للمحدثين. فرانسوا ريشودو قام تقريبا بنفس الشيء الذي قام به ميشيل فوكو إلا أن هذا العالم حدد قطائعه بداخل النظام التواصلي البشري خصوصا على مستوى التعامل مع ما هو مكتوب: المرحلة الأولى هي مرحلة التعامل مع ما هو مكتوب باستعمال الحبال الصوتية لترديده وإنتاجه فيزيائيا، المرحلة الثانية هي استعمال الذاكرة الشفوية من اجل القيام بترديد داخلي لما هو مكتوب، المرحلة الثالثة التي مثلها مثل الشيوعية عند ماركس وانجلس، أعلى مراحل التعامل مع ما هو مكتوب، إنها القراءة بالعينين فقط، القراءة الصامتة التي كان قراء الألفية الأولى من التاريخ البشري يعتقدون أنها شكل من أشكال التواصل مع الملائكة والأرواح. خلال الألفية الأولى عدد القراء بالعينين فقط كان ضئيلا ولربما محسوبا على رؤوس الأصابع، لأنه كان يحتاج إلى تثبيت العينين على صفحات ما هو مكتوب لمدد طويلة ولعدد كبيرة من السنين، وهذا لم يكن باستطاعة كل القراء آنذاك فكان من يستطيع تحقيق هذا الإنجاز يرفع إلى درجة الملائكة والأرواح الأخرى.