ألقى الملك محمد السادس، يوم الجمعة، خطابًا أمام البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية الحالية، في ظرف سياسي واجتماعي دقيق، تزامنًا مع موجة احتجاجات شبابية تعرف إعلاميًا ب"احتجاجات جيل زد"، رفعت شعارات العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمحاسبة. وقد ترقّب كثيرون أن يتفاعل الخطاب الملكي مباشرة مع هذه الحركة، خصوصًا بعد الرسالة التي وجّهها الشباب إلى الملك، لكن الخطاب جاء محافظًا في لغته، محمّلًا بإشارات غير مباشرة، ما خلّف لدى بعض الشباب إحساسًا بخيبة أمل أولية، مقابل قراءة أخرى ترى في مضامينه استجابة ضمنية لمطالبهم. الخطاب أُلقي في مرحلة مفصلية تسبق انتخابات جديدة، ما يمنحه بعدًا مزدوجًا: تقييمًا لإنجازات الحكومة والبرلمان خلال الولاية المنتهية، وتوجيهيًا لرسم ملامح المرحلة المقبلة. ويرى عدد من المراقبين أن الخطاب حاول إعادة توجيه النقاش الوطني من الشارع إلى المؤسسات، مكرسًا فكرة أن الدولة تُصغي للاحتجاجات وتستوعب رسائلها ضمن الأطر الرسمية.
من بين أبرز الإشارات الضمنية التي التقطها المتابعون، تلك المتعلقة بانتقادات "جيل زد" لسياسات الدولة التي تعطي أولوية للمشاريع الرياضية على حساب الخدمات الاجتماعية. فقد شدّد الملك على أنه "لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية"، في ما يمكن اعتباره ردًا غير مباشر على هذه الانتقادات، ومطالبة بتحقيق توازن بين التنمية المادية والاجتماعية. مشكل التواصل أما الإشارة الثانية فتمثلت في الدعوة إلى تحسين التواصل بين الدولة والمواطنين، إذ قال الملك إن "دعم وتوعية المواطنين بمبادرات السلطات العمومية ومختلف القوانين والقرارات، لا سيما تلك التي تمس حقوقهم وحرياتهم بشكل مباشر، هي مسؤولية مشتركة"، تشمل البرلمان والأحزاب والمجالس المنتخبة والإعلام والمجتمع المدني. وهي فقرة فسّرها البعض كاعتراف رسمي بضعف قنوات التواصل، وبضرورة إصلاح العلاقة بين المؤسسات والمجتمع. ورغم أن الخطاب لم يشر صراحة إلى "جيل زد" أو إلى الاحتجاجات الجارية، إلا أن مضامينه بدت موجّهة إليهم بوضوح، من خلال الاعتراف بتأخر المشاريع التنموية، والدعوة إلى تسريع خلق فرص العمل وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتأكيد مسؤولية النخب في تأطير المواطنين والتواصل معهم بشفافية. لكن هذه المقاربة غير المباشرة قد تُفسَّر لدى بعض الشباب على أنها تجاهل متعمّد لمطالبهم، أو محاولة لاحتواء الحراك بدل التفاعل معه، ما يجعل رد فعل "جيل زد" نفسه العامل الحاسم في تحديد أثر الخطاب المقبل. الخطاب حمل ثلاثة محاور أساسية: العدالة الاجتماعية والمجالية، ثقافة النتائج بدل منطق الوعود، والتعبئة الشاملة. فقد تم تقديم العدالة الاجتماعية لا كشعار بل ك"توجه استراتيجي ورهان مصيري"، يسعى إلى إعادة التوازن بين المركز والهامش وضمان تكافؤ الفرص في الولوج إلى الخدمات. أما الدعوة إلى "ترسيخ ثقافة النتائج" فبدت رسالة واضحة إلى النخب السياسية والإدارية بأن زمن الشعارات انتهى، وأن الشرعية تُقاس بالنجاعة والمردودية. بينما عكست الدعوة إلى "تعبئة جماعية" تحولًا في فلسفة الدولة نحو إشراك الجميع، انسجامًا مع مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" الوارد في الدستور. بنبرة تمزج بين الواقعية التقنية والصرامة السياسية، شدّد الخطاب على ضرورة نجاعة الاستثمار العمومي ومحاربة هدر الزمن والموارد، مجدّدًا الدعوة إلى "جيل جديد من السياسات الترابية" باعتبارها مشروعًا ملكيًا يتجاوز الأجندة الحكومية. رسائل ضمنية وثلاث أولويات وعلى المستوى العملي، وجّه الخطاب رسائل مضمّنة إلى مختلف الفاعلين. فالحكومة دُعيت إلى تسريع وتيرة تنفيذ البرامج التنموية، دون تحميلها مسؤولية مباشرة عن الاحتقان الاجتماعي، في إشارة إلى أن التغيير الحكومي غير مطروح. أما البرلمان فذُكّر بأن ولايته في سنتها الأخيرة تستوجب العمل الجاد لا الدخول في حملة انتخابية مبكرة. وبالنسبة للأحزاب، فقد حمّلها الملك مسؤولية تأطير المواطنين واستعادة الثقة المفقودة، رغم إدراكه أن هذه الدعوات غالبًا ما تصطدم بعزوف الشباب عن الأحزاب. أما الرسالة غير المعلنة فكانت موجهة إلى "جيل زد" نفسه: الخطاب لم يتبنَّ لغتهم ولا شعاراتهم، لكنه أقرّ بشرعية جزء من مطالبهم، وحوّلها إلى أجندة مؤسساتية تشمل التشغيل والتعليم والصحة والعدالة المجالية. إنها استجابة هادئة وملتبسة في الوقت نفسه، توحي بأن الرسالة وصلت، لكن دون أن تُقال. في المجال التنموي، حدّد الخطاب ثلاث أولويات واضحة: سياسات مخصصة للمناطق الجبلية والواحات تراعي هشاشتها، تفعيل قانون الساحل لحماية البيئة البحرية، وإعادة تأهيل المراكز القروية لتقريب الخدمات وتدبير التوسع الحضري. وهي رؤية تسعى إلى تقليص الفوارق بين "المغرب المفيد" و"المغرب الهامشي"، ضمن ما وصفه الملك ب"الجيل الجديد من التنمية الترابية". بهذا، يمكن القول إن الخطاب الملكي حاول أن يوازن بين الإنصات والمساءلة، بين الواقعية والتطمين، لكنه ترك الباب مفتوحًا أمام التأويلات. فبين من رأى فيه تجاوبًا مؤسساتيًا مع مطالب الشباب، ومن شعر بخيبة أمل لغياب التفاعل المباشر، يبقى الرد الحقيقي بيد جيل زد نفسه، الذي سيُظهر في الأيام المقبلة إن كانت رسالته قد وصلت فعلاً — أم أن الحوار لا يزال مؤجلًا بين الدولة وشبابها.