بنهاية شهر غشت انتهت المهلة التي حددتها وزارة الداخلية للأحزاب السياسية المغربية لرفع مذكراتها مفصلة تتضمن مقترحاتها التي تتعلق بمراجعة القوانين المؤطرة للانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في شتنبر 2026. هذه الخطوة جاءت استجابة لدعوة وزير الداخلية، بتوجيه ملكي ورد في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2025، الذي شدّد على ضرورة إعداد ترسانة قانونية جديدة للانتخابات قبل نهاية السنة الجارية، بما يعزز النزاهة ويعيد الثقة للمواطن في العملية السياسية ومؤسساتها.
وزارة الداخلية كانت قد دعت الأحزاب إلى تقديم مقترحاتها مكتوبة في مذكرات تنظيمية، مع فتح باب النقاش عبر لقاءات مباشرة مع قياداتها، بغرض بلورة تعديلات جوهرية تهم القوانين الانتخابية الثلاثة (مجلس النواب، مجلس المستشارين، الجماعات الترابية)، إلى جانب القانون التنظيمي للأحزاب السياسية. الهدف المعلن هو تجاوز مظاهر التشكيك التي رافقت بعض الاستحقاقات السابقة وضمان شفافية أكبر في العملية الانتخابية المقبلة. أبرز المقترحات الحزبية التجمع الوطني: ركّز على تعزيز مشاركة الشباب والنساء عبر رفع نسب التمثيلية في اللوائح الوطنية والجهوية، وتوسيع دائرة التصويت الإلكتروني لتشمل الجالية المغربية بالخارج. كما دعا إلى مراجعة نمط الاقتراع بما يضمن تمثيلية متوازنة بين المدن الكبرى والمناطق القروية. الأصالة والمعاصرة: طالب بترسيخ آليات مراقبة التمويل الانتخابي وتشديد العقوبات على شراء الأصوات، مع إدراج هيئة قضائية خاصة لمراقبة الحملات. كما شدّد على إصلاح عتبة القاسم الانتخابي لتمكين الأحزاب المتوسطة والصغيرة من حضور سياسي وازن. الاستقلال: دعا إلى تقوية الجهوية السياسية عبر منح الجهات دوراً أكبر في اختيار ممثليها، واقترح مراجعة شروط الترشح لرفع كفاءة النخب المنتخبة. كما شدّد على ضرورة تعزيز الثقة عبر إشراك هيئات المجتمع المدني في مراقبة العملية الانتخابية. العدالة والتنمية : ركّز على تعزيز الشفافية في فرز الأصوات باعتماد أنظمة إلكترونية للمراقبة، والدعوة إلى تقليص العتبة الانتخابية التي اعتبرها عائقاً أمام التعددية السياسية. كما طالب بتوسيع صلاحيات البرلمان في الرقابة على العملية الانتخابية. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: شدّد على ضرورة مراجعة القوانين المنظمة للحملات الانتخابية، وخاصة تمويلها، مع الدعوة إلى تخصيص حيز زمني منصف للأحزاب في الإعلام العمومي. كما طرح مقترحات حول تمكين الشباب والنساء عبر تحفيزات مالية للأحزاب التي ترشّحهم. الحركة الشعبية: ركّزت على تمثيلية العالم القروي وضمان وصول صوته داخل البرلمان، مع الدعوة إلى مراجعة التقطيع الانتخابي. كما طالبت بإعادة النظر في شروط التزكية الحزبية لتفادي النزاعات الداخلية. فيدرالية اليسار واليسار الموحد: دعتا معاً إلى تبني نمط اقتراع يوسّع من التمثيلية الحقيقية للقوى الصغرى، وإلغاء العتبة الانتخابية نهائياً، معتبرتين أن الديمقراطية تقتضي تمكين كل الحساسيات السياسية من الحضور داخل البرلمان. كما طالبتا بإصلاح شامل للإعلام العمومي وحياده في تغطية الحملات. الاتحاد الدستوري: ركّز على إصلاح منظومة المراقبة المالية وتعزيز حياد الإدارة في العملية الانتخابية، مع الدعوة إلى تحفيز المشاركة السياسية للشباب عبر برامج موازية موجهة. رغم اختلاف الصياغات، اتفقت معظم المذكرات على ثلاث قضايا أساسية: تشديد الرقابة على المال الانتخابي، تعزيز مشاركة الشباب والنساء، وضمان حياد الإدارة وشفافية العملية برمتها. ينتظر أن تبدأ وزارة الداخلية في تجميع ودراسة هذه المقترحات قبل صياغة مشاريع القوانين الجديدة التي ستعرض على البرلمان خلال دورة الخريف. ويرى مراقبون أن التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين مطلب تعزيز التعددية السياسية من جهة، والحاجة إلى استقرار الأغلبية الحكومية المقبلة من جهة أخرى. وبينما تراهن الأحزاب على هذه الإصلاحات لإعادة الثقة إلى صناديق الاقتراع، يبقى الرهان الأبرز هو إقناع الناخب المغربي، الذي سجلت نسب مشاركته تراجعاً ملحوظاً في الاستحقاقات السابقة، بالعودة بقوة إلى مراكز التصويت في انتخابات شتنبر 2026.