المغرب يستعد لإطلاق 5G لتنظيم كان 2025 ومونديال 2030    الكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    ينحدر من إقليم الدريوش.. إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس النافذ    الفتح الرباطي يسحق النادي المكناسي بخماسية    أمن البيضاء يتفاعل مع مقطع فيديو لشخص في حالة هستيرية صعد فوق سقف سيارة للشرطة    رابطة حقوق النساء تأمل أن تشمل مراجعة مدونة الأسرة حظر كل أشكال التمييز    بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا        ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    على سوريا المستقبل الزاهر مناديا    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            أخبار الساحة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء
نشر في لكم يوم 23 - 12 - 2024

أثارت تصريحات بعض الناشطين المغاربة في المجال الحقوقي جدلا واسعا، وموجة من الامتعاض والرفض داخل الأوساط المغربية، سيما وأنها تضمنت بعض المفردات والتعابير التي عادة ما تنهل من القاموس المناوئ للوحدة الترابية، مفردات تتقاطع وتتشابه إلى حد التطابق مع السردية الانفصالية، مما يؤشر على أن هذا الاطار المؤسساتي(الجمعية المغربية لحقوق الانسان) بات ينهل تصوراته ومرجعياته الفكرية والنضالية من نفس التوجه الأيديولوجي لبعض التيارات المؤثرة داخل الجمعية عوض الاعتماد على المرجعية الحقوقية الكونية خاصة في ظل التحولات التي وقعت بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي.
وفي معرض التفاعل مع الخرجة الإعلامية لرئيس الجمعية، وبعيدا عن منطق السباب وتبادل الشتائم والنعوت القدحية، يبدو أن النقاش الداخلي حول السردية الانفصالية بات أمرا ملحا خاصة مع بعض المكونات والتيارات ذات النزعة اليسارية والحقوقية، نقاش على الأرجح قد يساعد على إعادة قراءة تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة الانفصال، وفق منطق حجاجي يستحضر كافة المرجعيات الدولية القانونية والحقوقية، دون القفز و_بدون خلفيات ايديولوجية وأحكام جاهزة_ عن متطلبات الدولة الوطنية والمحاذير المرتبطة بالمشاريع الغربية المعلنة الرامية إلى التجزئة والتقسيم.
وبالعودة إلى السردية الانفصالية، ومن منطلق القانون الدولي وبالاعتماد على المعطيات السوسيولوجية والتاريخية والجغرافيا السياسية، تحاول هذه الورقة( وهي مستوحاة من مقالتي العلمية المنشورة بالعدد الأول، من مجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية حول المفاهيم المؤسسة لأطروحة الانفصال)، دراسة الخطاب الانفصالي وقاموسه الدعائي من خلال تفكيك وتحليل مجموعة من المفاهيم المتداولة المليئة بالمغالطات بشأن الصراع حول الصحراء، إذ صار الجهاز المفاهيمي أو القاموس الدلالي المتداول خاضعا وبشكل تعسفي للدعاية الإعلامية لخصوم المغرب.
إن رهان إعادة تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة الانفصال بات رهانا داخليا وبنفس الأهمية التي يدار بها ملف النزاع خارجيا على مستوى الترافع، لاسيما وأن تلك المفاهيم يتم توظيفها واستعمالها على نطاق واسع حتى صارت بمثابة "يقينيات" وحقائق عند معتنقي أطروحة الانفصال، بل وحتى بالنسبة لمعتنقي الاطروحة الحقوقية بالداخل.
ومن بين المغالطات على سبيل المثال، الإشارة في كل مناسبة من طرف خصوم المغرب ومن يدور في فلكهم إلى "إدراج الملف ضمن اللجنة الرابعة، وذلك بغية الطعن والتشكيك في سيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية، والإيحاء ومحاولة خلق اعتقاد بين إدراج الملف ضمن لجنة تصفية الاستعمار و"اعتبار المغرب محتلا"، وهو ربط مخالف للحقائق التاريخية.
على النقيض من ذلك، فالسردية التاريخية التي تؤكد وجود مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي لا تستثني الصحراء من مجال تطبيق الاتفاقيات بين المغرب وبعض الدول، كما أن بعضها حرص على تحميل المغرب المسؤولية عن أي استهداف لهذه الدول من الصحراء، مثلا، اتفاقيتان بين المغرب وأمريكا سنة 1786 و1836، واتفاقية بين المغرب وبريطانيا 1791، واتفاقيتان مع إسبانيا سنتي 1799 و1861 وذلك قبل الاستعمار الإسباني للصحراء سنة 1884. بالإضافة للاتفاقية للا مغنية سنة 1845، واتفاقيات أخرى كلها كانت تعتبر المملكة هي المسؤولة وصاحبة السيادة الإدارية على المناطق الصحراوية.
كما تعتمد الأطروحة الانفصالية على هذه المغالطة المرتبطة بإدراج ملف النزاع ضمن اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار، بهدف نشر وتمرير مجموعة من المفاهيم الخاطئة ومحاولة تغليفها وصبغها بمبادئ القانون الدولي.
صحيح أن مشكلة الصحراء مدرجة ضمن اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار، لكن الأسئلة المغيبة والتي يراد تغيبها والقفز عليها، هي التي تتعلق بمن أدرجها؟ ولماذا أدرجت في الأمم المتحدة؟ ومتى تم إدراجها؟ من الناحية التاريخية، فالمغرب هو الذي أدرج سنة 1963 هذه القضية ضمن اللجنة الرابعة، وذلك بهدف إخراج المستعمر الإسباني من الصحراء، لكن عندما استرجعت المملكة الصحراء سنة 1975 بواسطة المسيرة الخضراء. لم تستطع أن تخرج هذا الملف من اللجنة الرابعة بسبب عدة اعتبارات إقليمية ودولية، خاصة عندما دخلت الجزائر على الخط وأسست البوليساريو وعرقلة إخراج الملف من خلال توظيف تعقيدات وتوازنات الحرب الباردة ليظل الملف الى اليوم مدرجا ضمن اللجنة الرابعة.
أما من الناحية القانونية، وارتباط بميثاق الأمم المتحدة. فإدراج ملف الصحراء ضمن اللجنة الرابعة يتعارض ويخالف مقتضيات هذا الميثاق، حيث بالنظر الى المادة (12)، التي تؤكد على أنه " عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن".
وأخذا بعين الاعتبار أن مشكلة الصحراء بين يدي مجلس الأمن كنزاع سياسي/إقليمي وفق البند السادس، فإن، استمرار إدراج هذا الملف ضمن اللجنة الرابعة يطرح عدة تساؤلات حول خلفيات هذا الخرق السافر لأهم مواد الميثاق الأممي.
المفاهيم السوسيولوجية والجغرافية والتاريخية
يعتبر النزاع حول الصحراء من بين أطول النزاعات الإقليمية والدولية، وكنتيجة لهذا الصراع الذي أخذ أبعادا إعلامية ادعائية وعسكرية ودبلوماسية، فإن القاموس التداولي المرتبط بالصراع لم يسلم بدوره من تحريف ومغالطات على مستوى المفاهيم المتداولة والأحداث التاريخية والحقائق الميدانية.
إذ بالموازاة مع الحرب الدبلوماسية والاحتكاكات الميدانية، هناك حرب أخرى جرت وتجري بأدوات إعلامية ادعائية وهي الحرب الناعمة التي يتم من خلالها استدعاء وتوظيف بعض الأحداث والمعطيات التاريخية والمفاهيم بطريقة مغلوطة في عملية الحشد والاستقطاب وتوسيع دائرة المناصرين لأطروحة الانفصال.
أ-المفاهيم السوسيولوجية والجغرافية
توظف في الحرب الدعائية مجموعة من المفاهيم ذات الطبيعة السوسيولوجية والجغرافية والتاريخية، إذ بفضل الاستعمال المكثف والممنهج لبعض المفاهيم، صارت تحظى بنوع من "الصدقية " و "الحجية" بالرغم من الانحرافات والمغالطات وعدم الدقة والتحريف الذي طالها.
إن مسألة التدقيق ومراجعة بعض المفاهيم والأحداث المرتبطة بالصراع حول الصحراء المغربية، هي غاية في التعقيد بفعل الصعوبات التي تجعل رهان تدقيق وتصحيح بعض المفاهيم، قد يجعل الباحث يقع عن غير قصد في العمل الدعائي/التحريضي، أو قد يصنف في هذه الخانة من طرف البعض بحسب التأويلات التي قد تخدم هذا الطرف أو ذاك.
1-الشعب الصحراوي
في خضم الصراع حول الصحراء برز مفهوم "الشعب الصحراوي" كمفهوم محوري ضمن مكونات وسرديات النزاع، حيت حاولت الآلة الدعائية للنظام العسكري الجزائري ومن يدور في فلكها أن تخلق "تمثلا " يختزل الصراع بين "شعب مضطهد" و"نطام توسعي". وبالاستناد إلى المصادر التاريخية، فإن مصطلح "الشعب الصحراوي" يعتبر مصطلح غير دقيق، وهو وليد ظرفية سياسية وسياقات جيوسياسية ومخالف للتاريخ وحقائق الجغرافية .
إن وجود شعب من الناحية السوسيولوجية والجغرافية، يفترض وجود "دولة" بالمفهوم القانوني، وما يستتبع ذلك من ضرورة وجود روابط قانونية وثقافية وسياسية تجمع بين هذه المجموعة البشرية التي تسمى عادة "شعب".
إن الحديث عن المجموعة البشرية، يستدعي من الناحية المنهجية التمييز بين مفهوم الشعب والأمة، الشعب يفيد وجود مجموعة من الناس يقطنون إقليما معين، ويخضعون لنظام سياسي معين، وقد تكون الجماعة متجانسة أو غير متجانسة من الناحية الاجتماعية والثقافية.
أما الأمة، فتعني وجود مجموعة بشرية على أرض معينة، ويرتبطون بمصالح وأهداف وغايات مشتركة، وتستند على مقومات واحدة من حيث الأصل أو اللغة أو الدين أو التاريخ.
ولا يشترط في شعب الدولة أن يكون أمة واحدة، قد يكون جزء من أمة، وقد يكون شعب الدولة مكون من عدة أمم، أو قد يكون أمة واحدة.
وبالتالي، فإن مفهوم "الشعب الصحراوي" من الناحية التاريخية غير موثق ولم تسجل كافة المصادر ارتباط هذا المفهوم بالمكون الصحراوي، إذ ارتبط هذا المكون بمجموعة من القبائل الممتدة على كافة التراب المغاربي سواء في كل من المغرب وموريتانيا وليبيا ومصر والجزائر.
كما أن مصطلح " الشعب الصحراوي" وفق الأبحاث والدراسات التاريخية التي ركزت على بنية المجتمعات المتحركة (الرحل ونصف الرحل) أو بتعبير عبد الكريم مدون "مجتمعات الرحل. فإن هذا المصطلح يعتبر مخالف للموروث الثقافي والسوسيولوجي، لاسيما وأن القبائل التي استوطنت منطقة الصحراء كانت تعتبر جزء من المكون الهوياتي للدولة التي تمتد إلى المناطق التي تدخل في نطاق سيادتها.
2-الصحراء الغربية
تضم منطقة الصحراء الغربية الساقية الحمراء ووادي الذهب، ويقعان من الناحية الجغرافية جنوب المملكة المغربية، وهي منطقة شاسعة تقع شمال غربي إفريقيا ومساحتها حوالي 266 ألف كيلومتر مربع، ويدير المغرب نحو 80 في المائة من هاته المساحة، وارتبطت تاريخيا قبائل منطقة الصحراء الغربية بالسيادة المغربية بفعل روابط البيعة التي كانت تجمع بين سلاطين المغرب وشيوخ القبائل الصحراوية. وينقسم الإقليم إلى منطقتين رئيسيتين، هما:
أ منطقة الساقية الحمراء في الشمال وعاصمتها العيون بمساحة تقدر ب 82000 كلم مربع.
ب منطقة واد الذهب في الجنوب وعاصمتها الداخلة بمساحة تقدر ب 184000 كلم مربع.
وفي سياق محاولة المغرب استرجاع الصحراء من إسبانيا، تم إدراج الصحراء الغربية سنة 1963 كمنطقة متنازع حولها، وتم تصنيفها في إطار المناطق غير الخاضعة للحكم الذاتي. وبعد خروج إسبانيا وبروز منظمة البوليساريو واحتضانها من طرف نظام القذافي والهواري بومدين، تم إخراج مفهوم "الصحراء الغربية" من نطاقه الجغرافي وإعطائه حمولة سياسية، تتجاوز الأبعاد التاريخية والامتدادات الجغرافية التي ساهمت في تشكل هذا المفهوم.
ويحاول خصوم المغرب توظيف مصطلح "إقليم الصحراء الغربية" باعتباره إقليما غير خاضع للحكم الذاتي وفق مقررات الأمم المتحدة، وذلك من أجل تحقيق ثلاثة أهداف أساسية:
* إنكار السيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية، على اعتبار أن الإحالة على "الغربية" باعتبارها توصيفا جغرافيا عوض "المغربية"، غايته محاولة خلق التضارب والتضاد بين المصطلحين. وهو الخطأ الذي وقع فيه المغرب نظرا لتعاطيه بحساسية مفرطة مع هذا المفهوم الجغرافي.
* محاولة خلق الترابط بين البوليساريو وهذا الفضاء الجغرافي، وجعل الصحراء الغربية في "تمثلات الصحراويين " فضاءا صحراويا خالصا، يعكس الروابط الهوياتية، وهو تمثل خاطئ يقفز على التاريخ والجغرافية اللذان يؤكدان على أن المكون القبلي أو "مجتمعات الرحل" كما توصف، لا ترتبط بمجال محدد ولا تعترف بالحدود الجغرافية.
* على المستوى الإعلامي، هناك حضور قوي لمصطلح" الصحراء الغربية " في مختلف القصاصات الإخبارية والمقالات والكتابات على مستوى المنابر الدولية، بل إن هذا المصطلح يعتبر من كلمات المفتاح الرئيسية (بجميع اللغات) خاصة على مستوى محرك البحث " كوكل"، بل أصبح هذا المفهوم الجغرافي يقترن بأطروحة الانفصال، على اعتبار أنه نادرا ما يتم استعمال وتوظيف هذا المفهوم من لدن الباحثين والإعلاميين المغاربة، مقابل التوظيف المكثف لهذا المصطلح من طرف من يتبنى الأطروحة الانفصالية.
من جانب أخر، فالملاحظ أن المغرب كان ولا يزال يتعامل بحساسية شديدة مع مصطلح "الصحراء الغربية"، رغم أنه مفهوم جغرافي، حيث بسبب التوظيف المكثف لهذا المصطلح من طرف خصوم المملكة، أخذ أبعادا سياسية، لاسيما وأن توظيف المغرب لمصطلح " المغربية" كمقابل لمصطلح " الغربية"، أدى إلى خلق نوع من التقابل الذي قد لا يكون في صالح المغرب، بسبب أن هذا المفهوم(الغربية) يعتبر التوصيف الجغرافي للمنطقة والتسمية المرجعية المعتمدة ضمن قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام.
3-المكون القبلي والرموز
تتعدد وتختلف المكونات القبلية في منطقة الصحراء، وطوال مدة الصراع، حاولت الأطروحة الموالية للانفصال، أن تستغل هذا التنوع والاختلاف، لإضفاء نوع من الشرعية والغطاء القبلي على رهان الانفصال، وذلك من خلال توظيف بعض القبائل والرموز بطريقة غير دقيقة و"تعسفية" -في بعض الأحيان- بغية تحريف الوقائع التاريخية وقلب الاحداث، والتشويه والطعن في انتماء بعض القبائل لمنطقة الصحراء.
إذ جرى في هذا السياق، تصوير القبائل الوحدوية على أنها "قبائل غير صحراوية"، أو دخيلة من حيث الهوية والثقافة والامتداد القبلي، كما تم الطعن في هوية وانتماء بعض القبائل إلى منطقة الصحراء. وبالموازاة مع ذلك، تم الترويج لبعض المغالطات والأحداث غير الدقيقة، من خلال تشويه الحقائق وبتر الوقائع والأحداث، ومحاولة وضع بعض الشخصيات الصحراوية -مثل "بصيري محمد سيدي براهيم بصيري" والوالي مصطفى السيد التي توفي في ظروف غامضة- في خانة رموز أو معتنقي أطروحة الانفصال، وذلك بهدف استثمار واستغلال رصيده التاريخي والنضالي ضد المستعمر الإسباني لخلق "ذاكرة وطنية مفقودة" وتوظيفها في حرب الدعاية والبروباغندا ضد المغرب.
إذ رغم أن محمد بصيري من مواليد أزيلال وسليل "الزاوية البصرية"، إلا أن الاطروحة الانفصالية حاولت أن تجعل من الانتماء إلى الصحراء مقدمة لخلق الاعتقاد بأن الأصول الصحراوية لهذه الشخصية تبرر وتشرعن الميولات الانفصالية وإن كانت غير صحيحة، لاسيما وأنه أسس منظمة الطليعية لتحرير الصحراء في إطار محاكاة " تجربة جيش التحرير" ومحاولة تشكيل بدائل ميدانية جديدة لمواجهة اسبانيا، خاصة بعد القمع الذي تعرض له جيش التحرير خلال عملية أوكيفيون.
وتعتبر المنظمة الطليعية من بين أهم التنظيمات السرية التي تشكلت في منطقة الصحراء للمطالبة بجلاء الاحتلال الاسباني، حيث نظمت عدة مظاهرات احتجاجية بداية السبعينات، بل وصل الامر إلى القيام باعتصام بالخيام تصدت له السلطات الاسبانية بالقوة والقمع.
الحقيقة هي أن محمد بصيري قد سافر لمتابعة دراسته الجامعية بكل من سوريا ومصر بعد إتمام مراحلها الأولى بالمغرب، وعند رجوعه إلى الدار البيضاء سنة 1966، أصدر مجلة الشهاب أو الشموع. صحيح أنه تأثر بأفكار تلك المرحلة، أي القومية العربية، لكنه ظل مغربيا وحدويا بخصوص قضية الصحراء المغربية.
وانطلاقا من عدة حقائق تاريخية وشهادات لمن عايش تلك الحقبة، فإن محمد بصيري لم يكن انفصاليا بل كان مناضلا وحدويا، وانخرط مثل العديد من الشباب في عدة تنظيمات وتكتلات وحدوية لتحرير الصحراء الغربية المغربية من المستعمر الإسباني.
إن تزوير الأحداث وقلب الحقائق فيما يتعلق بالمكونات والرموز الصحراوية يعتبر جزءا من الإستراتيجية الدعائية التي حاولت من خلالها جبهة البوليساريو إدارة "الحرب الناعمة" ضد المغرب.
ب- المفاهيم والحقائق التاريخية
تعمل الأطروحة الانفصالية على الترويج لمجموعة من المفاهيم ذات الحمولة التاريخية بصورة تكاد تكون متناقضة ومخالفة للتاريخ وللواقع، إذ يجري توظيف مجموعة من المفاهيم الجاهزة والخاطئة التي صارت بمثابة سرديات مثل " الاحتلال" و " المستعمرة الأخيرة في إفريقيا" و"وضعية الملف ضمن لجنة تصفية الاستعمار" و"الجمهورية الصحراوية" و"المناطق العازلة " و"اتفاقية مدريد "، إذ توظف هذه المفاهيم بشكل مكثف لإضفاء نوع من المصداقية والشرعية على الطرح الانفصالي، مع أن التاريخ يؤكد عكس ذلك، وتبعا للحقيقة التاريخية، فالمغرب لم يوظف بشكل جيد تلك الحقائق في ترافعه على وحدته الترابية ودحض أطروحة الانفصال.
أولا، المغرب و"اللجنة الرابعة"
إن إدراج ملف الصحراء ضمن اللجنة الرابعة داخل الأمم المتحدة، وهي لجنة مختصة في تصفية الاستعمار، يعتبر من الناحية الواقعية أمرا تابتا ولا يمكن إنكاره، لكن مقاربته من الناحية التاريخية يحتاج إلى تدقيق وتوضيح. لاسيما وأن الآلة الإعلامية والدعائية التابعة للجزائر والبوليساريو ومعتنقي الطرح الانفصالي بشكل عام توظف هذا المعطى بنوع من الاختزال والتسطيح.
يدافع الانفصاليون عن أطروحتهم من خلال تكرار سردية أن "ملف الصحراء مدرج ضمن لجنة تصفية الاستعمار"، وبطريقة توحي وتربط بين هذا " المعطى" للطعن والتشكيك في سيادة المغرب على صحراءه. لكن يتناسى ويتعمد هؤلاء بشكل مقصود على " عدم تحديد الجهة " التي وضعت الملف ضمن اللجنة الرابعة، وتوقيت وضعه، وسياقات إدراجه.
أسئلة يجري القفز عليها بغية قلب الحقائق ونشر المغالطات، وإن كان المسار التاريخي وسياقات إدراج الملف لا تخدم أطروحة الانفصال.
كما هو معلوم، فالمغرب خضع للاحتلال الفرنسي والإسباني، وتبعا لذلك قسمت المملكة إلى ثلاث مناطق نفود: دولي في طنجة، إسباني في الريف والساقية الحمراء ووادي الذهب، وفرنسي في باقي المناطق. غير أن الاستعمار الإسباني امتد ما يقارب 91 سنة (1884-1975)، إذ شكلت ولعبت معارك جيش التحرير في مختلف مناطق الصحراء، والمسيرة الخضراء دورا أساسيا في حسم معادلة الصراع.
إن استدعاء كرونولوجيا الصراع المغربي الإسباني حول الصحراء، يساعد على فهم الأحداث والإجابة على بعض التساؤلات خاصة بما يتعلق بسياقات إدراج الملف ضمن اللجنة الرابعة، وهنا يمكن سرد بعض المحطات المهمة:
-1957 تحرير قوات جيش التحرير للسمارة وبئر انزران واسرد ووصولها إلى ادرارة بالشمال الموريتاني
-1958 توغل جيش التحرير المغربي في الصحراء، وخلال فبراير من نفس السنة بداية عملية المكنسة وهي عملية أطلقتها فرنسا وإسبانيا لهجوم مشترك لتصفية جيش التحرير
-1961 إعلان الصحراء الغربية محافظة إسبانية,
-1963 إدخال الملف إلى اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار من طرف المغرب.
-1965 اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرارها (2072) لمطالبة إسبانيا بإنهاء استعمارها للصحراء.
وبالتالي، فالادعاء بأن ملف الصحراء مدرج ضمن اللجنة الرابعة للتشكيك في سيادة المغرب على صحرائه، هو ادعاء غير مؤسس ومجانب للصواب وبمثابة تحريف للوقائع التاريخية، لا سيما وأن إدراج هذا الملف كان وفق سياقات تاريخية لم يكن فيها أصلا تنظيم جبهة البوليساريو موجودا أو "قائم الذات".
ثانيا، البوليساريو حركة تحرر أم حركة انفصالية
عدة أسئلة طرحت ولا تزال تطرح من طرف الباحثين والمهتمين بالنزاع حول الصحراء، خاصة المتعلقة بطبيعة تنظيم جبهة البوليساريو، وأهدافه وسياقات تأسيسه، هل البوليساريو أسست بغرض الانفصال عن المغرب؟ أم أن تأسيسها كان بهدف تحرير الصحراء من طرف المحتل الإسباني؟
هذا، مع الاخذ بعين الاعتبار أن اسم البوليساريو انتقاء للحروف الأولى لعبارة إسبانية تعني: "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب".
مؤشرات عديدة تؤكد أن تنظيم البوليساريو وفق الملابسات التاريخية كان عبارة عن "حركة تحرر وطنية" وليس تنظيما انفصاليا كما يروج له من طرف معتنقي أطروحة الانفصال، على الأقل فيما يتعلق بالمحطات التأسيسية الأولى.
وارتباطا بهذا الجانب، يجب التمييز بين غايات التأسيس الأولى لهذا التنظيم، والتحول الذي وقع فيما بعد، مما دفع بهذا التنظيم أن أصبح تنظيما انفصاليا ومعاديا للوطن الأم. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى ثلاثة مؤشرات ودلائل تؤكد بأن حركة البوليساريو تأسست وفق غايات تحررية ولم تكن انفصالية.
* إن الجيل المؤسس لجبهة البوليساريو كلهم درسوا في العاصمة المغربية الرباط (الوالي مصطفى السيد، محمد عبد العزيز، محمد بيد الله، البشير الدخيل، المحجوب السالك، عبد القادر طالب عمر، إبراهيم غالي، المحفوظ علي بيبا،..) وعائلاتهم وآبائهم عملوا في وظائف الجيش والقوات المساعدة وباقي الوظائف المدنية.
* الاتصالات التي أجراها قادة تنظيم البوليساريو بأعضاء جيش التحرير من أجل الحصول على الدعم والأسلحة، بحيث كان هدفهم هو الانخراط في تحرير الصحراء من المحتل الإسباني.
3- الأدبيات والشعارات التأسيسية لهذا التنظيم، كانت ترتكز على مبادئ التحرر وطرد الإسبان ولا يوجد ضمن الوثائق التاريخية ما يؤكد طرح أو خيار الانفصال.
ثالثا: اتفاقية مدريد
إن توقيع الاتفاقية الثلاثية (اتفاقية مدريد سنة 1975) بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا، جاء نتيجة مسار تفاوضي لم يكن سهلا، إذ حاول المغرب استثمار الزخم والضغط الذي خلفتهما المسيرة الخضراء من أجل طرد إسبانيا من الصحراء.
وتبعا لمخرجات اتفاقية مدريد، تم تقسيم الصحراء بين المغرب الذي ضم الساقية الحمراء، مقابل احتفاظ موريتانيا بوادي الذهب.
إلا أن تنازل موريتانيا على منطقة وادي الذهب لصالح جبهة البوليساريو تحت ضغط هاته الأخيرة المدعومة آنذاك بالعتاد والسلاح من طرف الجزائر، دفعت بالمرحوم الحسن الثاني، إلى إصدار أوامره إلى الجيش الملكي قصد إعادة الانتشار واسترجاع إقليم وادي الذهب سنة 1979 بعد معركة شرسة ضد الجيش الجزائري الذي قاتل خلف مليشيات البوليساريو.
دعاة الانفصال يوظفون خطابا دعائيا يحاول النفخ في بعض "الثقوب" واللعب على التناقضات، إذ يشككون في سيادة المغرب على صحرائه انطلاقا من مضمون الاتفاق الثلاثي، بدعوى أنه كيف ولماذا سمح أو تنازل المغرب عن وادي الذهب لموريتانيا إذا كانت الصحراء مغربية بحسب زعمهم.
إن الجرأة في طرح وتفكيك هذه المعطيات والأحداث التاريخية، يعتبر مدخلا أساسيا لهدم الثقوب وملء المناطق الرمادية التي تستغلها الأطراف الأخرى لإضعاف موقف المغرب ومحاولة النفخ في بعض الأحداث والنيل من سيادته من خلال تسليط الأضواء على هكذا وقائع.
إن توقيع الاتفاقية الثلاثية ورغم ما يعتري ذلك من ملاحظات ومآخذ، فالسياقات والضغوطات لم تكن لتسعف في البحث عن خيارات أفضل من التي كانت متاحة لاسترجاع الصحراء أو على الأقل لتهيئة الأجواء لذلك عبر التخلص من إسبانيا في البداية وقلب معادلات الصراع في المنطقة في المحطات الموالية.
إن القبول بموريتانيا والتنازل لصالحها في الاتفاق الثلاثي، ربما قد يكون تكتيكا لا بديل عنه، كان الغرض منه قطع الطريق على جزائر الهواري بومدين، وفي نفس الوقت إخراج إسبانيا، إذ بعد الاتفاق كان من الممكن فتح مسار تفاوضي جديد مع موريتانيا لمعالجة كافة الإشكالات خاصة وأن المغرب لم يعترف باستقلالها إلا سنة 1969، بمعنى أن الامتداد الجغرافي والثقافي للجار الغربي كان حاضرا في ذهنية المقرر المغربي في عملية التفاوض والتنازل، لاسيما وأنه كان ينظر في تلك الفترة خاصة السبعينات إلى موريتانيا على أنها امتداد جغرافي للوطن الأم المغرب، لكن عوامل إقليمية ودولية وداخلية لربما لعبت دورا في تفكك وتمزق المغرب الكبير.
على الأرجح، فالمفاهيم السوسيولوجية والجغرافية والحقائق التاريخية رغم أهميتها على مستوى إعادة تشكيل وبناء الجهاز المفاهيمي المرتبط بالصراع حول الصحراء، إلا أن المفاهيم الأخرى، سواء القانونية المرتبطة بالقانون الدولي أو بعض المفردات ذات الحمولة السياسية، فإنها لا تقل بدورها أهمية على مستوى الترافع عن الوحدة الترابية للمملكة.
المفاهيم القانونية والحقائق السياسية
لم يسلم القاموس التداولي بشأن النزاع حول الصحراء من التحريف والتزييف، إذ جرى ويجري استعمال وتوظيف بعض المفاهيم القانونية بطريقة تفتقر إلى الدقة لا سيما وأن بعضها مرتبط بقواعد القانون الدولي مثل مفهوم "الاحتلال" "واللاجئين" و"الدولة الصحراوية".
لقد تمكنت الآلة الدعائية الانفصالية من تثبيت بعض المفاهيم المغلوطة في مخيلة الأنصار والتابعين، بل غدت تلك المفاهيم والمصطلحات مؤسسة وتشكل النواة الصلبة في عملية الاستقطاب وتوسيع دائرة التيار الانفصالي.
أولا، المفاهيم والمصطلحات القانونية
تنهل وتعتمد أطروحة الانفصال على قاموس دعائي/تحريضي يرتكز على مجموعة من المفاهيم والمفردات القانونية المرتبطة بقواعد القانون الدولي بمختلف حقوله وتخصصاته. لذا، فإن تفكيك "بنية الخطاب الانفصالي" يستدعي إعادة قراءة ومراجعة المفاهيم والطروحات المؤسسة، لاسيما وأن "الحرب الناعمة" _التي تعرف بأنها القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للوسائل العسكرية والصلبة"_ باتت تخاض عبر اعتماد مرجعيات قانونية ودولية، وذلك بغرض المحاججة والترافع في الساحة الدولية والإقناع وإيجاد مناصرين ومتعاطفين مع القضية.
1- مفهوم تقرير المصير
يعتبر تقرير المصير من بين أهم المبادئ التي تم التنصيص عليها في العهدين الدوليين سواء الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أو العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعلن عنها سنة 1966.
إلا أن سياق تضمين هذا المبدأ في العهدين، ارتبط بمحاولة تشجيع الدول خاصة حديثة الاستقلال أو الخاضعة للاحتلال على التوقيع على العهدين. وقد تم تبني هذا المبدأ من طرف المنتظم الدولي في سياق متسم بمناهضة للاستعمار، مما جعل هذا المفهوم خلال الستينات من القرن الماضي يحظى بانتشار وتأييد واسعين من طرف كافة الدول.
هذا المفهوم الذي انتشر قبل ولادة البوليساريو بسنوات، سيصبح بعد انحراف هذا التنظيم عن المبادئ وأهداف التأسيس، من بين أهم الشعارات التي يرفعها رفقة الجزائر ضد المملكة المغربية في المحافل الدولية، وقد جرى تحريف استعمال هذا المبدأ بشكل يتعارض مع أهم المبادئ المؤسسة لميثاق الأمم المتحدة وباقي الصكوك الأخرى وهو مبدأ "وحدة وسلامة الدول".
كما حاولت الجزائر عبر البوليساريو أن تجعل من الاستفتاء كآلية وحيدة لتقرير المصير، بل إن هذا الاختزال غير الدقيق لمفهوم تقرير المصير وعلاقته بالاستفتاء غدى من بين المسلمات التي توظف للدفاع عن أطروحة الانفصال.
في حين لم يرد ضمن الوثائق المرجعية للأمم المتحدة ما يشير إلى اعتماد الاستفتاء كآلية وحيدة لتقرير المصير، حيث حددت الجمعية العامة أربعة نتائج لاعتماد تقرير المصير دون تحديد الوسيلة أو الطريقة، الشراكة والاندماج والاستقلال (القرار 1541) وحرية اختيار الوضع السياسي (القرار 2625). ومنذ سنة 1945 أشرفت الأمم المتحدة على ما يقارب خمسة استفتاءات (2 نتج عنهما الاستقلال في كل من نامبيا وتيمور الشرقية، وواحد أفضى إلى اندماج ايريان الغربية في إندونيسيا عام 1963، واثنان نتج عنهما رفض قانون الشراكة الحرة المقترح بين طوكلوا ونيوزيلندا سنتي (2006 و2007).
2- مفهوم الاحتلال
يصف دعاة الانفصال المغرب "بدولة الاحتلال" حتى صار هذا التوصيف في مخيلة الشباب في مخيمات تندوف وبعض المناطق الخاضعة للمغرب بمثابة "حقيقة" أو "قناعة" لدى البعض، وذلك نتيجة سنوات من التحريض عبر الآلة الإعلامية.
هذا بالإضافة إلى أن مقولة "الصحراء آخر مستعمرة في إفريقيا" باتت تروج بكثافة حتى صارت بمثابة سردية يرددها البعض في كافة المحافل الدولية والقارية.
وبالعودة إلى قواعد القانون الدولي فإن مفهوم "القوة المحتلة" تم تحديده بدقة بموجب قرار لاهاي لسنة 1907 ومعاهدة جنيف الرابعة الصادرة بتاريخ 12 غشت 1949، حيث تعتبر "القوة المحتلة" وفق هاتين الوثيقتين بأنها تنطبق على استعمار أرض دولة موجودة فعلا خلال نزاع دولي مسلح.
وانطلاقا من هذا التعريف، يلاحظ أن وصف المغرب بالاحتلال، مجرد توصيف دعائي يسائل ضعف وعدم قدرة المملكة على دحض هذه المغالطات وعدم قدرتها على الترافع بشكل عقلاني، لاسيما وأن قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام منذ بداية مسار التسوية الأممي لم تصف أو يرد ضمنهما ما يوحي أو يشير إلى اتهام المغرب ب"الاحتلال".
3- "الدولة الصحراوية"
أعلنت جبهة البوليساريو بإيعاز من الجزائر سنة 1976 بعد توقيع الاتفاق الثلاثي عما يسمى "الجمهورية الصحراوية". وهذا الإعلان/الادعاء يفتقر إلى أسس وضوابط ومقومات عادة ما يفترض وجودها قبل الإعلان عن "الدولة".
مفهوم الدولة في القانون الدولي يرتبط بوجود مقومات أساسية وهي شعب، إقليم، سلطة سياسية، سيادة، وهي مقومات غير متوفرة لدى جبهة البوليساريو. وارتباطا، بهذا المعطى القانوني، فإن تفكيك مقومات الدولة في جوانبها القانونية والسوسيولوجية، يجعل هذا التنظيم أبعد ما يكون عن الدولة، وهو ما يبرر عدم اعتراف الأمم المتحدة بهذا الكيان كدولة، بل بالعودة إلى تقارير الأمين العام وقرارات مجلس الأمن يلاحظ أن التوصيف الأقرب من خلال متن ومضمون التقارير والقرارات هو "حركة انفصالية".
وبالنظر إلى ضرورة التوفر على مرتكزات ومقومات الدولة وفق القانون الدولي، فالبوليساريو حاولت طيلة مسار النزاع أن تقدم إجابات وسد النقائص في هذا الجانب، لكنها فشلت وإن كان الاعتراف بها عضوا في الإتحاد الإفريقي ساعدها قليلا على الأقل من الناحية الدعائية.
وفق هذا الأساس، فالمقومات الأساسية غير موجودة، حيث أن "الشعب الصحراوي" كمرادف لشرط وجود شعب، يعتبر مفهوما غير دقيق كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا، أما الإقليم، ونظرا لسيادة المغرب على 80 في المائة من الأراضي المتنازع حولها، فقد عملت الآلة الدعائية على الترويج لما بات يعرف "بالأراضي المحررة"، وهي أراض تقع في المنطقة العازلة خاصة على مستوى بئر الحلو وتفاريتي.
أما شرط وجود "السلطة السياسية"، فلا يمكن اعتبار تنظيم مسلح بالنظر إلى أدبياته وهيكلته المعلنة، على أن له سلطة سياسية، في ظل غياب المرتكزات المؤسسة للشرعية والتمثيلية (الانتخابات)، فالبوليساريو، تنظيم مسلح يعتمد على تراتبية صارمة لا تسمح بالاختيار أو مناقشة الاختيارات وتقرير المصير.
ثانيا، المفاهيم والحقائق السياسية
إن إطالة أمد النزاع حول الصحراء، أفضى إلى تغليب الخطاب الدعائي/التحريضي على حساب الحقيقة والواقع، مما أدى إلى نشر مجموعة من المغالطات تصل لدرجة "الأكاذيب" والمفاهيم والأقاويل غير الدقيقة.
إذ جرى في سياق الصراع، القفز على بعض الحقائق التي تعتبر من جوهر وأدبيات هذا النزاع، من قبل طبيعة النزاع، هل هو إقليمي أم دولي أم محلي، وكذلك مفهوم اللاجئين أو "المحتجزين"، هذا بالإضافة إلى طبيعة عضوية البوليساريو في منظمة الإتحاد الإفريقي.
1- طبيعة النزاع حول الصحراء
تحاول الأطروحة الانفصالية أن تختزل الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو وهي مقاربة خاطئة وغير دقيقة، لأن الصراع في جوهره إقليمي وإن أخذ أبعادا دولية بفعل تحولات وعوامل دفعت في اتجاه تدويل الملف. فالمعطيات التاريخية والحقائق السياسية تؤكد أن النزاع إقليمي ولا يغدو أن يكون امتدادا لصراع الريادة والتوسع بين المغرب والجزائر. لذلك، لا يمكن فهم طبيعة النزاع حول الصحراء دون استدعاء التاريخ خاصة "حرب الرمال"، وغيرها من الأحداث المفصلية.
إن استدعاء التاريخ واستحضار ملف الصحراء ومنطق الزعامة والرهانات الجيو-استراتيجية، تعتبر مفاتيح ومداخل مهمة لتفكيك وفهم وتحليل الوضعية المأزومة التي وصلت إليها العلاقة بين الطرفين، لا سيما وأن الصراع وقواعد الاشتباك الدبلوماسي لم تعد كما في السابق؛ إذ باتت المواجهة المباشرة مطروحة وغير مستبعدة في ظل الاحتقان الموجود.
تعتبر حرب الرمال واقعة أليمة في سجل العلاقة بين الطرفين، إذ تبرر المملكة المغربية تدخلها عسكرياً للرد على استفزازات حدودية من الجيش الجزائري، والجزائر تقول إنها ردّت أطماعا مغربية في أراض على الحدود.
تتعدد وتختلف المسوغات التي يسوقها كل طرف؛ المغرب يبرر موقفه من خلال الدفاع عن حقوقه التاريخية المشروعة في بعض المناطق المتمثلة في بشار وتندوف وأقصى الجنوب الجزائري، بحيث يعتبر أن الاستعمار الفرنسي اقتطعها منه.
وتبعا لذلك، يرى المغرب أن قادة الجزائر لم يوفوا بعهودهم، لا سيما وأن المملكة رفضت ترسيم الحدود الشرقية مع فرنسا وارتأت أن تناقش هذا الأمر مع سلطات الجزائر بعد استقلالها، خاصة بعد تطمينات فرحات عباس، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، الذي صرح، بحسب مذكرات قائد الأركان السابق الطاهر زبير "نصف قرن من الكفاح"، بخصوص مطالب المغاربة بالقول: "نحن الآن في حرب، وبعد الاستقلال سيكون هناك مجال للحديث في هذه المسألة والتفاوض بشأنها". وقال الطاهر زبير في مذكراته: "وبنى المغرب موقفه على هذا الكلام".
2- اللاجئين الصحراوين وسؤال التمثيلية
تستعمل جبهة البوليساريو ومن خلفها الجزائر مصطلح "اللاجئين الصحراويين" لتوصيف ساكنة تندوف، بالمقايل تصفهم الآلة الإعلامية المغربية "بالمحتجزين"، وإن كانت الجزائر وفق خلفيات وسياقات ترتبط بالحرب الباردة قد تمكنت من شرعنة مفهوم "اللاجئين" على مستوى تقارير وقرارات مجلس الأمن، إلا أن هذا المفهوم لا يتناسب مع حمولته الإنسانية ومقتضيات الشرعية الدولية. لاسيما وأن الجزائر لاتزال ترفض إحصاء عددهم وإعمال المبادئ المتعلقة بهذه الفئة.
وبالعودة إلى قواعد القانون الدولي، فإن اتفاقية 1951 المتعلقة باللاجئين تعتبر الإطار القانوني المرجعي لعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتعرف هذه الاتفاقية "لاجئ"، وتتضمن كافة حقوقه، بما في ذلك حقوقه من قبيل حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق في الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدد على أهمية التزاماته / التزاماتها تجاه الحكومة المضيفة. وتنص أحد الأحكام الرئيسية في هذه الاتفاقية على عدم جواز إعادة اللاجئين، والمصطلح القانوني هو حظر الطرد أو الرد إلى بلد يخشى/ أو تخشى فيه من التعرض للاضطهاد. كما أنها تحدد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن بروتوكول سنة 1967، أزال الحدود الجغرافية والزمنية الواردة في الاتفاقية الأصلية التي كان لا يسمح بموجبها إلا للأشخاص الذين أصبحوا لاجئين نتيجة لأحداث وقعت في أوروبا قبل 1 يناير 1951، بطلب الحصول على صفة اللاجئ.
كما تعرف المادة الأولى من الاتفاقية بوضوح من هو اللاجئ. إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل / تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.
ومن خلال تعريف اللاجئ وحقوقه، وبإسقاطه على "ساكنة تندوف" التي توصف من طرف الجزائر وضمن تقارير الأمين العام ب "اللاجئين الصحراويين"، يتضح أنه هذا المفهوم لا ينطبق على هذه " الفئة"، لاسيما وأن صحراويي تندوف لا تنطبق عليهم مجموعة من المعايير القانونية:
* صحراويي تندوف لم يتعرضوا للاضطهاد وليسوا مضطهدين، خاصة وأن أبناء عمومتهم وعائلاتهم يعيشون بالمناطق الجنوبية تحت السيادة المغربية. بل هناك من يتبنى الفكر الانفصالي ويعبر عن مواقفه وإن كانت مناوئة للوحدة الترابية المغربية.
* حقوق التنقل غير متوفرة في مخيمات تندوف، بحيث تخضع المخيمات لإدارة وإشراف الجيش الجزائري.
* اللاجئ بحسب الاتفاقية هو شخص مدني، والشخص الذي يستمر في الاشتراك في أنشطة عسكرية لا يمكن النظر في منحه اللجوء. وهذا الأمر مناقض لوضعية البوليساريو الذي يعتبر تنظيما عسكريا، بل يتوفر وبشكل علني على مليشيات عسكرية تقدر بالآلاف، وهو ما يطرح علامة استفهام حول هذا الوضع غير القانوني المخالف لقواعد القانون الدولي.
* ساكنة مخيمات تندوف تعيش أوضاع مأساوية نتيجة أزمة العطش التي أخذت هذه المرة منعطفا جديدا، إذ يخرج بين الفينة والأخرى بعض الشبان من داخل المخيمات عبر تقنية الفيديو، لمطالبة الجزائر والمنتظم الدولي بالتدخل لانقاد أرواح الأطفال والشيوخ وإيجاد حلول جذرية لهذه المحنة التي طالت، محنة جاءت لتضاعف معاناة أفراد وأسر، لا ينظر إليها إلا كأرقام إضافية في سوق السياسة والمصالح.
أما سؤال تمثيلية هؤلاء لساكنة الصحراء فهو مخالف للواقع بفعل عدة تحولات، سيما وأن تنظيم البوليساريو كما سبق الذكر هو تنظيم عسكري يعتمد في تركيبته وهيكلته تراتبية صارمة لا مجال فيها للاختيار أو الاختلاف وفق المبادئ الديمقراطية.
انطلاقا من المؤتمرات العامة التي عقدت من طرف تنظيم البوليساريو، فاختيار القادة وانتخاب الهياكل يتم بطريقة صورية ومحسومة سلفا، لاسيما وأن الجزائر تتدخل بشكل مباشر في اختيار وتعيين من يقود هذا التنظيم.
فمسألة التمثيلية مرتبط وفق المبادئ الديمقراطية بالاختيار، وهذا الميكانزيم غير موجود وغير متوفر في مخيمات تندوف، إذ يوظف القمع بطريقة مفرطة تجاه الأصوات الحرة بدعوى أن " التنظيم" في حالة حرب تارة، واتهام كل من يعبر عن مواقف مخالفة ومناقضة للقيادة بخدمة أجندة المغرب وتخوينهم وسجنهم تارة أخرى.
لكن، المفارقة الصارخة، تتجلى في كون أغلبية الصحراويين موجودون بالأقاليم الجنوبية للمغرب، وتشارك في الانتخابات المحلية والتشريعية بشكل دوري، وبالتالي، ادعاء تمثيلية الصحراويين من طرف البوليساريو مسألة مضللة وغير دقيقة.
مدير مجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.