يبلغ العدد الإجمالي المصرح به رسميا للمنخرطين في مجموع المكتبات العمومية ( لا يدخل ضمن هذا العدد المكتبات المدرسية والجامعية والمتخصصة ) حوالي101.126منخرطا. أي أن المعدل العام لتغطية الخدمات التي تقدمها الدولة في مجال العلم والمعرفة ، بمجموع أنحاء البلاد لا يتعدى 0.33 °/° من إجمالي عدد السكان. مما يضع شعارات مثل محاربة الجهل ، والتوعية الجماعية والتنمية المتكافئة ( التنمية البشرية ) وغيرها في موقف حرج. هذا مع التسليم مبدئيا بأن جميع هؤلاء المنخرطين يستعيرون ويقرأون. وللاستئناس والمقارنة، فإن هذه النسبة تبلغ في فرنسا مثلا 10.42 °/° - وفي الدانمارك 36.5 °/° - وهنغاريا 20.5 °/° وفي فنلندا 80 °/° من الساكنة يترددون بمعدلات مرتفعة على المكتبات البلدية. وإن أردنا استعمال مصطلحات علم التسويق، فيمكننا أن نستخلص بأن جهود السياسات الوطنية على مستوى عرض الخدمات المعرفية بواسطة المكتبات، لا تتجاوز الصفر. مما يطرح استفسارات حول مدى جدية الاستعداد لمواجهة الرهانات العديدة، وإعداد المواطنين لدخول المنافسة العالمية في شتى الميادين، في زمن صارت فيه المعرفة والثقافة والتكنولوجيات الحديثة للمعلومات تشكل البؤرة العالمية لهذه المنافسة. وكيف نجيز لأنفسنا أن نتحدث عن إمكانيات القراءة العمومية في سوق لا تتعدى العروض فيه مستوى الصفر. ومن الملاحظات الغريبة في المشهد المغربي، أن الارتفاع النسبي للرصيد الوثائقي – كما هو حال جهة طنجة-تطوان بالقياس مع جهات أخرى – (105.797 كتاب) لا ينعكس بصورة إيجابية على عدد المنخرطين ( 4300 ) أو على عدد الاستعارات ( 6014 ) مما يعني أنه حتى في حالة رفع معدل الاقتناءات دون دراسة مسبقة لمواقف القراء ولرغباتهم الحقيقية، ودون بناء الأرصدة على أسس صلبة مرتبطة بنوعية الأهداف التي تسعى المكتبة لتحقيقها، فإن الوضعية لن تتغير. فهناك بالتأكيد عوامل كثيرة تتحكم في زيادة نسب الإقبال تحتاج لأبحاث ميدانية، ومساهمات سوسيولوجية وبيداغوجية متعددة. – غياب الاقتناءات : يبلغ مجموع الأرصدة التوثقية بالمكتبات المغربية العمومية مع إدراج البعثات الأجنبية في الحساب، ما يناهز 1.276.498أي بمعدل 0.04 لكل مواطن تقريبا أو 4 كتب لكل 100 نسمة.في وقت ترى فيه المنظمات الدولية أن من الواجب توفير كتاب ونصف كحد أدنى لكل فرد عند افتتاح أي مكتبة جديدة، كلما بلغ عدد التجمع السكاني 10 آلاف نسمة، شريطة أن يستمر الرصيد في النمو سنويا بنسبة لا تقل عن ربع العدد الإجمالي عند الافتتاح، حتى يصل مجموع الرصيد إلى 3 كتب لكل فرد. وحسب المخطط الوطني الأخير ( 2000 – 2004 ، والأمر لم يتغير كثيرا اليوم ) فإن هناك كتابا واحدا لكل 34 مواطنا، أي 3 كتب لكل 100 مواطن وهو تقدير غير بعيد عن الوضع الحالي. وللاستئناس مثلا، فإن معدل الاقتناء في مجموع الدول الأوربية سنة 2002 بلغ 57.600.000 كتابا.وبلغ الرصيد خلال نفس السنة في هنغاريا وحدها 45.559.575 وثيقة ( عدد السكان 10.100.000 ) وفي تشيكيا يبلغ 60.669.380 وثيقة ( السكان 10.300.000 نسمة ) وفي فنلندا 36.925.598 كتاب – وبلغت الاقتناءات سنة 1999 ما يناهز 1.866.740 كتاب في نفس الدولة ( السكان 5.300.000 نسمة ) وعلى مستوى البنيات، حسب مصادر وزارة الثقافة ذاتها ، فإن هناك مكتبة واحدة لكل 134.982 نسمة، بمعدل من الأرصدة لكل جهة من الجهات 16 لا يتعدى 79.781 كتابا على أحسن تقدير. وذلك على الرغم من إدخال كل من الوحدات المغلقة ومكتبات البعثات الأجنبية في الحساب. وإن نحن حاولنا احتساب معدل النقص في الأرصدة، حسب ما هو مطلوب باحترام التوصيات والمعايير الدولية، فسوف نجد أن البلاد في حاجة – كحد أدنى – مباشرة لحوالي 25.167.450 كتابا اعتمادا على عدد المتعلمين فقط آخذين بعين الاعتبار أن نسبة الأمية لا تتعدى 45 °/° . أما إذا قدرناه باحتساب مجموع السكان فإنه سوف يصل إلى 45.759.000 كتابا. ولأخذ فكرة تقريبية عن الحكامة كما هي مطبقة من طرف المكتبات العمومية عندنا( إضافة لما سبق ذكره)، نسوق نماذج من بعض الجهات. فمثلا، لا يتعدى رصيد " خزانة مولاي الحسن بتطوان" – وهي تابعة لوزارة الثقافة – حوالي 8500 كتاب، وذلك على الرغم من كونها أسست عام 1937 . فعلى افتراض أنها كانت لا تتوفر عند الافتتاح سوى على ألفي كتاب، فإن معدل الاقتناء بها لم يتجاوزوتيرة 90 كتابا في السنة. وبهذا الشكل فإن تجديد الرصيد بنفس الوتيرة سيتطلب أكثر من 72 سنة أخرى. وفي مدينة الحاجب، انتهى الأمر إلى إغلاق "الخزانة" لتقادم الأرصدة. وفي جهة الشاوية- ورديغة، وهي بالمناسبة تضم ثاني أقدم مكتبة بالمغرب من خلال " خزانة " خريبكة التي أسست بدورها عام 1937 ، نجد نفس الخزانة لا تضم سوى 12.000 كتابا، ولا يتجاوز معدل الاقتناء بها 139 كتابا في السنة باستخدام نفس التقدير والافتراض. وللمقارنة، فإن اليونيسكو تحبذ ألا يتعدى معدل السنوات اللازمة لتجديد الأرصدة 7 إلى 10 أعوام. مما يعني ببساطة، أننا نقوم بتجديد فكرنا وأرصدتنا مرة واحدة عندما يغيرها العالم سبع أو عشر مرات( نقضي 72 سنة للوصول للعلم المستجد حين يمضي الآخرون 7 سنوات فقط ). ويستدل من الرقم مقدار تضخم الخصاص والفقر والتأخر الذي تعاني منه البلاد في ميدان العلم والمعرفة. في نفس الجهة أيضا تم إغلاق 5 وحدات من 20 المتوفرة، أي بنسبة الربع تماما. في حين تم فتح مكتبة واحدة عام 2005 . ويلاحظ أن 9 وحدات تم افتتاحها في الفترة ما بين 1990 – 1997 . وهناك فقط 17 °/° من عدد الجماعات التي يبلغ عددها 117 جماعة، تتوفر على مكتبة ( 20 من 117 ). ومن المفارقات التي تدعو لإمعان النظر كون عدد المنخرطين بالجهة فيما تبقى بها من مكتبات، لا يتعدى 2841 منخرطا استفادوا من 18.123 استعارة خلال سنة 2008 أي بأزيد من 6 كتب لكل منخرط، وبذلك يكون كل منهم قد قرأ مبدئيا كتابا واحدا كل شهرين. وتؤكد الملاحظة ما سبق ذكره حول ضرورة العمل على بحث طبيعة العلاقة بين المستعمل كقارئ فعلي مع الأرصدة واختبار وجهة نظره فيما يعرض عليه من الخدمات . حيث لا شك في وجود تأثير متبادل بين القراء وبين وتيرة الانخراط والاستعمال. كما تؤكد ضرورة إجراء بحوث تشمل أسباب العزوف أو التهافت على الانخراط في المكتبات العمومية واستعمال ثرواتها. – تأتي هذه النتائج، كمحصلة طبيعية للسياسة المتبعة في الميدان. حيث يستفاد من المخطط الوطني الأخير( 2000 – 2004 ) ، أن مجموع النفقات المخصصة طيلة خمس سنوات لفائدة الكتاب والخزانات، لم تتعد 89.790.000 درهم. يضاف لها 68.525.000 درهم لفائدة دور الثقافة( المجموع 158.315.000 درهم ) وهو ما يعادل 5 دراهم لكل مواطن طيلة خمس سنوات، أي درهم واحد كل سنة للفرد. وقد خصص منها 52.790.000 درهم لإصلاح وتجهيز الخزانات ( 1.75 درهم للمواطن على امتداد 5 سنوات ) وخصص مبلغ 4 ملايين درهم لاقتناء حافلات القراءة، أي 250.000 درهم لكل جهة من جهات المملكة. أما بالنسبة لاقتناء الكتب، فقد تم رصد 27 مليون درهم طيلة فترة المخطط أي 0.9 درهم لكل مواطن( 90 سنتيما ). وهنا يجب الاعتذار عند الرجوع لهذه الأرقام القديمة نسبيا لأن غياب معطيات جديدة رسمية حول الميزانيات المخصصة للقراءة والمكتبات هو السبب. وهو أحد مؤشرات التردي وسوء التدبير الطاغية على الميدان. وعلى العموم فإن أوضاع هذه البنيات ربما تكون قد استفحلت أكثر خصوصا وأن ميزانية الوزارة المعنية لم تشهد زيادات مؤثرة كما أن الجماعات المحلية لا تهتم بوضعية هذه البنيات ولا تضعها في الحسبان . باحث في سوسيولوجيا الثقافة