شهدت تونس، التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها منارة للتحولات الديمقراطية في العالم العربي، تدهورا ملحوظًا في مشهدها السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل رئاسة قيس سعيد. منذ توليه منصبه في عام 2019، قاد الرئيس البلاد خلال فترة مضطربة اتسمت بمخاوف كبيرة بشأن حقوق الإنسان، وحملة قمع مثيرة للقلق على المعارضة السياسية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والعلاقات الدبلوماسية المتوترة داخل منطقة المغرب الكبير، وخاصة مع المملكة المغربية. لقد شابت ولاية الرئيس قيس سعيد تدهور ملحوظا في مجال حقوق الإنسان حيث تم انتخاب إدارة سعيد في البداية بتفويض واسع النطاق لمعالجة الفساد مشفوعا بعدم الكفاءة، ولجأ بشكل متزايد إلى الإجراءات الاستبدادية التي تقوض الحقوق الأساسية للتونسيين. وكان أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق هو تقييد الحريات السياسية والعامة التي تم اكتسابها بتضحيات تاريخية خلال ثورة 2011. إن حرية التعبير، وهي حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي، تتعرض لتهديد شديد حيث يواجه الصحفيون والناشطون والمواطنون العاديون الترهيب والمضايقات والإجراءات القانونية الطارئة بسبب التعبير عن آراء معارضة. وتزايدت التقارير المتعلقة بالرقابة على وسائل الإعلام، حيث تمارس السلطات ضغوطًا على وسائل الإعلام المستقلة للحد من انتقادات حكومة الرئيس. ولم يؤد هذا القمع إلى خنق الرأي العام فحسب، بل خلق أيضًا بيئة من المخاوف بين أولئك الذين يرغبون في مساءلة الحكومة. علاوة على ذلك، كانت هناك حالات موثقة لوحشية الشرطة والاعتقالات التعسفية للمتظاهرين. وقد أدى المنهج المتشدد الذي اتبعته الدولة في التعامل مع الاضطرابات المدنية إلى وقوع العديد من الإصابات، وفي بعض الحالات، الوفيات. وقد دقت منظمات حقوق الإنسان ناقوس الخطر بشأن الاستخدام المفرط للقوة وعدم محاسبة أفراد الأمن المتورطين في هذه الحوادث. في هذه الفترة الراهنة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، تشهد تونس حملة قمع غير مسبوقة ضد المرشحين المحتملين. ويبدو أن حملة الاعتقالات هذه تهدف بشكل استراتيجي إلى خنق المنافسة السياسية وتعزيز السلطة داخل الإدارة الحالية. وقد تم اعتقال شخصيات سياسية بارزة ومرشحين طموحين بتهم مشكوك فيها، تتعلق في كثير من الأحيان باتهامات بالفساد أو تهديدات للأمن القومي. وقد واجه مرشحون محتملون آخرون مصائر مماثلة، الأمر الذي خلق جواً من الترهيب السياسي. إن هذا الاستهداف الممنهج لشخصيات المعارضة لا يقوض العملية الديمقراطية فحسب، بل يحرم الناخبين أيضًا من حقوقهم من خلال الحد من خياراتهم. وقد أعرب المجتمع الدولي عن قلقه إزاء هذه الإجراءات، ودعا إلى ممارسات انتخابية نزيهة وشفافة لضمان شرعية المؤسسات الديمقراطية في تونس. كان الوضع الاقتصادي في تونس سيئًا، مع وجود تحديات كبيرة تفاقمت في ظل إدارة الرئيس سعيد حيث واجهت البلاد مجموعة من القضايا الاقتصادية البنيوية، وسوء الإدارة، وتأثير جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى انكماش اقتصادي حاد. واستمرت معدلات البطالة في الارتفاع، وخاصة بين الشباب. وقد أدى نقص فرص العمل إلى تأجيج الاضطرابات الاجتماعية وساهم في هجرة العديد من الشباب التونسي بحثا عن فرص أفضل في الخارج عبر الهجرة غير الشرعية. كما ارتفع معدل التضخم، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين وزيادة تكاليف المعيشة. من جانب آخر فقد تدهورت الخدمات العامة في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من عجز مالي متزايد. وقد عانت الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية من نقص في التمويل، مما أدى إلى تفاقم جودة الحياة للعديد من التونسيين. وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب عدم الاستقرار السياسي، مما أعاق الاستثمار الأجنبي وأعاق جهود التعافي الاقتصادي. وقد قوبلت الجهود المبذولة لتأمين الإعانات المالية من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، بشروط صارمة تتطلب إصلاحات اقتصادية كبيرة. ومع ذلك، فإن هذه الإصلاحات، بما في ذلك خفض الدعم غير المباشر وزيادة الضرائب، لم تحظى بشعبية كبيرة وأدت إلى احتجاجات واسعة النطاق. ولم يؤدي عجز الحكومة عن تنفيذ هذه التدابير بفعالية إلا إلى تعميق الضائقة الاقتصادية. بالإضافة إلى هذه التحديات الداخلية، أصبحت العلاقات الخارجية لتونس، وخاصة داخل منطقة المغرب الكبير، متوترة بشكل متزايد في عهد الرئيس سعيد. وتعد التوترات الدبلوماسية مع المغرب مثالا هاما على هذا التدهور. لقد حافظت تونس والمغرب تاريخياً على علاقات ودية مثالية إلى حدود تولي الرئيس محمد المرزوقي، لكن السنوات الأخيرة شهدت فتوراً في العلاقات. وقد ساهمت الخلافات حول المسارات السياسية المتباينة في هذا الاحتكاك. وكان نزاع الصحراء المغربية المفتعل، على وجه الخصوص، نقطة خلاف، حيث تبنت تونس قيس سعيد موقفا أكثر انحيازا للجزائر الداعمة والحاضنة لجبهة البوليساريو الانفصالية. علاوة على ذلك، أدى عدم الاستقرار الداخلي في تونس وتركيز حكومة قيس سعيد على توطيد سلطتها إلى الحد من قدرتها على الانخراط بفعالية في الدبلوماسية الإقليمية. وقد أدى ذلك إلى الشعور بالعزلة وإضعاف نفوذها في منطقة المغرب الكبير وشمال أفريقيا على نطاق أوسع. كما أثرت العلاقات المتوترة مع جيرانها وبلدان جنوب الصحراء على التعاون الاقتصادي، مما قلص من فرص التجارة والاستثمار التي يمكن أن تعود بالنفع تحسين وضعها الداخلي. لقد اتسمت رحلة تونس في عهد الرئيس قيس سعيد بانتكاسات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والحرية السياسية والاستقرار الاقتصادي. وأدى تصاعد حملة الاعتقالات ضد المرشحين الرئاسيين والحملة القمعية الأوسع نطاقاً ضد المعارضة إلى إثارة مخاوف جدية بشأن المستقبل الديمقراطي للبلاد. وقد أدى الانهيار الاقتصادي وتدهور الخدمات العامة إلى تفاقم التحديات التي يواجهها التونسيون ، في حين أدت العلاقات المتوترة مع الدول المجاورة، وخاصة المغرب، إلى زيادة عزلة البلاد على الساحة الدولية. ويتعين على المجتمع الدولي ولوبيات المصلحة المحليين الدعوة إلى العودة إلى المبادئ الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الفعّالة. يعتمد مستقبل تونس على معالجة هذه القضايا الحاسمة وضمان عدم نسيان تطلعات ثورة 2011. فقط من خلال الالتزام الحقيقي بالحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان يمكن لتونس أن تأمل في التغلب على تحدياتها الحالية وبناء مستقبل مزدهر وشامل لجميع مواطنيها.