خطاب الملك أمس دق آخر مسمار في نعش مسلسل الإصلاحات الذي أطلقه الملك ومحيطه بدءا بخطاب 9 مارس 2011، بل إنه أكد المسار التراجعي لهذه الإصلاحات وزكى حالة الارتداد التي تعرفها بلادنا على المستوى السياسي بوقف العمل تقريبا بروح دستور فاتح يوليوز رغم علاته الشكلية والمضمونية، وعلى المستوى الاقتصادي بالاستمرار في اقتصاد الريع وعدم الفصل بين السلطة والثروة، وعلى المستوى الحقوقي بتزايد حدة الانتهاكات في حقوق الإنسان، وعلى المستوى الاجتماعي بتدهور المستوى المعيشي للمغاربة من خلال الزيادات وإغلاق المهامل وارتفاع البطالة ومعانة الفلاحين الصغار والقائمة طويلة لا تحصى الملك أمس قال لنا بالواضح: 1- المغرب معزول عن محيطه الاقليمي والدولي: لأن الخطاب كله لم يشر من قريب أو بعيد أو بشكل مباشر أو غير مباشر لما يجري في سوريا ومصر وتونس وغيرها وهي أحداث لا يمكن نهائيا أن لا نتأثر أو نؤثر فيها لأننا لسنا في جزيرة معزولة. على هذا المستوى فالملك وفي لشعاره "تازة قبل غزة" والدبلوماسية المغربية لم تشهد مراجعة مع وجود العثماني على راسها، وطبعا لا نتحدث عن قطيعة لأننا حينها نستخدم منطقا ثوريا في التحليل؛ 2- قال الملك بالوضح أن نظام الحكم في المغرب ملكية تنفيذية يسود فيه الملك ويحكم ويقيم أداء كل المؤسسات والفاعلين والبرامج ويتبع ذلك بالوصفة والبرنامج اللذان يراهما الأصلح، ولذلك فهو نقط حكومة عباس الفاسي ووزيرها في التعليم اخشيشن بشكل جيد ومنحهما امتيازا وحمل مسؤولية الفشل لحكومة بنكيران والتي هي حكومة الملك أولا وأخيرا، وبالمقابل أبرز مكامن الخلل وبدأ في الخطوات العلاجية من دون استشارة الحكومة المنتخبة المسكينة من خلال تفعيل المجلس الأعلى للتعليم بصيغته الحالية انطلاقا من التدابير الانتقالية للدستور الحالي وتعيين رئيس لهذا المجلس هذاالصباح هو مستشاره عزيمان ؛ 3- ضرب الملك عرض الحائط كل التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية حول التلاعبات والتبدير وعدم الجدوى والارتباك والاختلالات التي طالت تنزيل المخطط الاستعجالي، وفي هذا ضرب لمصداقية كل هذه المؤسسات. لنا أن نتساءل بعد كل هذا عن مصادر المعلومات التي يتم الاستناد إليها لصناعة القرار السياسي في القصر الملكي، هل هناك مؤسسات أخرى؟ 4- كل الحكومة، وفي مقدمتها وزيرا التعليم والتعليم العالي، والمؤسسات التي صاغت تلك التقارير مسؤولة، من الناحية الأخلاقية على الأقل، أن تخرج عن صمتها وتبرئ ذمتها وتعلن مرجعياتها في صياغة تلك التقارير والخلاصات؛ 5- رئيس الحكومة ملزم أن يتكلم ليوضح ما يجري للرأي العام في خطاب رسمي واضح قطعي الدلالة تنويرا للراي العام الذي لم يعد يعرف حقيقة ما يجري ومن المسؤول؛ 6- يتضح للراي العام صحة كل التحليلات والتخوفات التي ما فتئنا نذكر بها وهي أن الحكومة ليست إلا واجهة تلصق بها كل الاختلالات والفشل ويمكن التخلص منها بسهولة، 7- كل الأحزاب مسؤولة ويلزم أن تخرج عن صمتها بسبب التوصيف الذي طالها وإلا فإنها ارتضت لنفسها تلك النعوث وذلك الحجم، وبطبيعة الحال لا يلومن أحد منها الشعب في حالة عزوفه ولا مبلاته ومقاطعته للانتخابات القادمة لأنه ما جدوى أن يصوت الشعب على برنامج وحكومة ليس لها من القرار أي شيء. 8- محاولة تحميل المسؤولية في فشل المنظومة التعليمية للغة العربية غير صحيح بالمرة لأن المشكل ليس في اللغة فكل التجارب الناجحة تثبت أن اللغة الوطنية كانت هي اللغة الرئيسية للتعليم، ومصيبتنا أن مستوى التعليم جعلنا أمام شباب لا يتقنون اي لغة، سواء العربية أو الفرنسية أو غيرهما. أما الانفتاح على باقي اللغات فعدد الساعات والطريقة تبين أنه يستحيل الانفتاح على هذه اللغات الحية بهذا المنطق القديم والمتجاوز. أعتقد أن خطاب الملك أمس وضع النقط على الحروف وتحدث بوضوخ عن انحيازه إلى خيار معين، وبالتالي على المعنيين بكلامه الخروج عن صمتهم وتجاوز اللغة الخشبية لتوضيح الصورة للراي العام المسكين.