دأبت وزارة التربية الوطنية في السنوات الأخيرة على نشر إحصاءات تخص حالات الغش المضبوطة في امتحانات الباكالوريا ( 3112 حالة خلال الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا دورة يونيو 2012 ). ويعلم الجميع، مراقبون وتلاميذ ، أن مجموع حالات الغش المرصودة بتراب أكاديمية واحدة يفوق العدد المصرح به على الصعيد الوطني. إن الأساتذة المراقبين يتوخون حفظ الهدوء وتوفير الجو الملائم لإجراء الاختبار، لذا يتم التصدي لأغلب محاولات الغش دون شوشرة تذكر: فإذا ضبط تلميذ في حالة تلبس تسحب منه الورقة التي ينقل منها أو الهاتف المحمول الذي يتلقى عبره الإجابات ويواصل الاختبار وكأن شيئا لم يحدث. والجدير بالذكر أن حصر كل محاولات الغش في الظروف الحالية يتطلب مراقبا ثالثا يتولى ملء المحاضر ليتفرغ الآخران لتعبئة المطبوعات الشكلية المرفقة وأوراق المتغيبين والتأكد من هويات المترشحين وضبط توقيعاتهم وترتيب أوراقهم والخروج من حين لآخر بحثا عن المزيد من أوراق التسويد والتحرير خاصة إذا كان الامتحان في الرياضيات أو الفيزياء، كما أن حرمان التلميذ من الاستفادة من ذخيرته التي كلفته الكثير من الوقت والجهد والمال يؤدي أحيانا إلى رد فعل آني يخلق ضوضاء يستغلها آخرون للقيام بنفس العملية . لرفع هذا الحرج وتسهيل مأمورية المراقبين في الحفاظ على جو الامتحان ومصداقيته بعيدا عن المناوشات والتهديدات ، يجب وضع كاميرات في قاعات الامتحان وإسناد مهمة الزجر للجنة تعتمد على الأشرطة المسجلة . وبما أن التلاميذ بدورهم يوظفون التقنيات الحديثة في الغش ، يجب أن تكون كل مراكز الامتحان أثناء الإجراء خارج تغطية شبكات الهاتف المحمول: هناك تلاميذ يتلقون مكالمات هاتفية تسرد الموضوع كاملا في الفلسفة أو الاجتماعيات أو العربية. فإذا كان وضع السماعات يستعصي على التلاميذ الذكور الذين يكتفون بزرعها في طرف الكم الأيسر وإسناد الرأس إلى اليد اليسرى عند الكتابة، فالأمر هين عند الإناث ، غطاء الرأس أو الشعر المنسدل يفيان بالغرض المطلوب. أما الرسائل القصيرة فهي خدمة للضعاف في اللغات الأجنبية من الغشاشين حيث يفضلون تلقّيها مكتوبة مثلما ينتظر آخرون التوصل بالخرائط والرسوم البيانية والتخطيطية مصورة. ومهما كانت المراقبة صارمة فهي تضعف أمام وضعيات ُيتحرى فيها احترام حقوق المترشحين: تلميذ أتم الامتحان لا يمكن حبسه حتى انتهاء الوقت القانوني ،غير أن انصرافه قبل ذلك بساعة واحدة كاف لتسريب الامتحان وتحريك الهواتف النقالة. خروج تلميذ للشرب أو لقضاء الحاجة قد يكون ضروريا ، لكنه أيضا فرصة لتبادل الأجوبة. وفي إطار تقريب الماء من المترشحين يعمد بعض رؤساء مراكز الامتحان مشكورين إلى وضع دلو في كل جناح يشرب منه العطشى ويتحلق حوله المتعطشون لأشياء أخرى. تلميذ توجه لزميله بكلمات كانت مفتاح الجواب وعند تدخل أحد المراقبَين برر اتصاله بالجملة الجاهزة : " سألته كم الساعة؟ " . إذا أراد المراقب أن يدون الحدث في محضر، ما دليله ؟ وكم يلزم من محضر لتسجيل كل عمليات الغش "الشفوي" ؟ أثناء الاختبار يصعب حرمان تلميذ من أداة طلبها من زميله . لكن ، إذا علمنا أن في كل قسم لا يوجد في الغالب إلا قلم رصاص واحد ومُبيّض (blanco) واحد وبضع حاسبات لنا أن نتصور عدد التمريرات التي تتم بين المترشحين في حصة واحدة علما أن بعضها لا يخطئ الهدف المنشود. وتجدر الإشارة أخيرا أن تشديد عقوبة زجر الغش وصرامة الرقابة أثناء الإجراء لا يردعان التلاميذ المتهاونين الذين يتشبثون ب "حقهم المكتسب" ولا يتخيلون إرجاع ورقة التحرير بيضاء مهما كلف الأمر. فالغش الذي استفحل جزء من الفساد الذي تجذر ، ومسيرة الإصلاح لم تبدأ بعد .