ثلاثة أعمال مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب    أساتذة "الزنزانة 10" ينتقدون التأخر في تسوية ملفهم ويلوحون بتصعيد احتجاجاتهم    مطالب بافتحاص شامل لمخطط " المغرب الأخضر" ومحاسبة المسؤولين عن هدر أمواله    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    بعد "إلغاء الأضحية".."حماية المستهلك" تدعو لاتخاذ تدابير تحقق الأمن الغذائي وتحد من الغلاء    حموني يطالب الحكومة بتدخل عاجل لإنقاذ الكسابة من الإفلاس وتعويض خسائرهم بعد "إلغاء الأضحية"    إبراهيم دياز ينافس على جائزة أفضل لاعب في ريال مدريد    حادثة سير مروعة بالطريق الساحلية تودي بحياة شاب من بني بوعياش (فيديو)    مطالب باحترام إرادة ساكنة فكيك الرافضة لخوصصة مائها واستنكار ل"تغوّل" سلطة الوصاية    من بينهم طفلة…"الجمعية" تدين اعتقال عائلة "هشام جيراندو" وتطالب بإطلاق سراحهم    الصحافي الذي مارس الدبلوماسية من بوابة الثقافة    جائزة الأوسكار لوثائقي عن تهجير الفلسطينيين في حفلة حضرت فيها السياسة بخجل    ضرورة تجديد التراث العربي    حارس أمن آسيوي يطرد مواطنا من مصنع صيني ويثير جدلا واسعا    حراس الأمن الخاص المطرودين من العمل بالمستشفى الجهوي لبني ملال يواصلون إعتصامهم    كولر يستبعد عطية الله ورضا سليم من لائحة الأهلي لمونديال الأندية    نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال يترأس لقاء تواصليا بالفقيه بن صالح    بورصة البيضاء تفتتح التداول بالأخضر    رمضان في الدار البيضاء.. دينامية اقتصادية وحركة تجارية في الأسواق ومتاجر القرب    استقالة جواد ظريف نائب رئيس إيران    مقتل إسرائيلي بعملية طعن بمدينة حيفا ومقتل المنفذ    هل بدأ ترامب تنفيذ مخططه المتعلق بالشرق الأوسط؟    قائمة أبرز الفائزين بجوائز الأوسكار    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    من هو "الأخطبوط" الذي "ينخر" هذا القطاع؟.. النقابة الوطنية للصحة تفجر "فضائح" حول الوضع الصحي بمراكش    إحداث كرسي الدراسات المغربية بجامعة القدس، رافد حيوي للنهوض بالتبادل الثقافي بين المغرب وفلسطين (أكاديميون)    ترامب يبحث عن الإجراءات الممكن اتخاذها ضد اوكرانيا    توقعات أحول الطقس اليوم الإثنين    مجلة إيطالية: المغرب نموذج رائد في تربية الأحياء المائية بإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط    سوق الجملة الهراويين بالدار البيضاء يستقبل أزيد من 720 طنا في اليوم الأول من رمضان    نتائج قرعة دور ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2025    قراءة فيدورة جديدة من بطولة القسم الثاني : الكوكب تعزز صدارتها وتوسع الفارق …    حكيمي ينافس على جائزة لاعب الشهر في الدوري الفرنسي    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    النصيري يسجل هدفا في فوز فريقه أمام أنطاليا (3-0)    الصين: إجمالي حجم الاقتصاد البحري يسجل 1,47 تريليون دولار في 2024    ترامب يعلن إدراج خمس عملات مشفرة في الاحتياطي الاستراتيجي    دوبلانتيس يعزز رقمه العالمي في القفز بالزانة    كرة القدم: كوريا تتقدم بطلب تنظيم كأس آسيا 2031    سؤال التنمية ولماذا كل هذا الاستعصاء؟    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    المغرب ماضٍ في طريقه .. والمغاربة يعرفون جيدًا من معهم ومن ضدهم    وفاة مأساوية لشاب خلال مباراة رمضانية بطنجة    شابة تقدم على الانتحار نواحي سطات    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    إحباط محاولة تهريب حوالي 26 كيلوغراما من مخدر "الشيرا"    أصيلة .. تشييع جثمان الوزير الأسبق ورجل الثقافة الراحل محمد بن عيسى    "خليه عندك".. حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات ذات الأسعار المرتفعة    أبرز الترشيحات لجوائز الأوسكار بنسختها السابعة والتسعين    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    









الأزمة الحكومية ومدى استقلالية القرارات الحزبية
نشر في لكم يوم 28 - 05 - 2013

منذ بزوغ نجم حزب العدالة والتنمية في سماء السياسة المغربية بعد الزوبعة والأعاصير التي ضربت منطقة شمال إفريقيا والنظام المغربي يعيد ترتيب أوراقه أمنيا ودستوريا وجغرافيا. فخبرته الطويلة بمثل هذه الاهتزازات والتراكمات التي ترسبت لديه بفضل أرشيفه الغني الضارب جذروه في أعماق التاريخ وفرت له تأمين السيرورة السلمية بحمولات دينية وتاريخية وعرفية وسياسية، وهكذا خرج منتصرا ومنتصب القامة بعد الانحناءة الظرفية والتكتيكية.
وإذا كان كثير من المحللين السياسيين وعلماء اجتماع السياسة يذهبون إلى أن المخزن استطاع اختراق كل أجهزة الأحزاب السياسية الإدارية والوطنية، فإن بعضهم يذهبون إلى التأكيد على أن الأذرع المخزنية ساهمت في إنجاح بعض الأمناء العامين للأحزاب، وعلى رأسهم شباط نظرا لماضيه وحاضره الذي لا يخلو من قضايا ما تزال في ردهات المحاكم أو محفوظة في رفوف الداخلية العميقة. فهذه الملفات تُخفّض سرعتها أو تُنوّم إلى حين، ويستطيع أهل الحل والعقد من خلالها إن آجلا أو عاجلا استخدامها كورقة ضغط أو ابتزاز.
طبعا نحن لسنا مؤهلين للحكم على هذه الأقاويل بالصواب أو الخطأ لانعدام الدلائل المادية والأحكام الفاصلة والنهائية في تلك القضايا، ولكننا بغض النظر عن هذه الخلفيات التي تطبع حياة كل فرد وهيأة فإننا نجزم أن الشفافية والديمقراطية التي أطرت المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية، وانتخاب السيد عبد الإله بنكيران أمينا عاما بطريقة ديمقراطية أذهلت كل المتتبعين في الداخل والخارج، فشهد لها الخاص والعام بالمصداقية. وهذا الأمر جعل باقي الأحزاب تتطلع إلى بلوغ تلك المرحلة أو الدرجة لكيلا ينفرد الحزب الإسلامي بهذه الهالة والإشارة بالبنان. وما دام أن حزبا الاستقلال والإتحاد الاشتراكي هما الحزبان العتيدان والعريقان اللذان يعتبران نفسيهما حزبين وطنيين ديمقراطيين كبيرين فإنهما عملا كل ما في وسعهما ليبدوا على أنهما حزبان لا يقلان شأنا وديمقراطية عن العدالة والتنمية.
ولأول مرة في تاريخ الحزبين يحتدم الصراع على الأمانة العامة بين متنافسين كثر بطريقة ديمقراطية، وذلك بالتخلي عن أسلوب المرشح الوحيد والإجماع الذي ساد في مرحلة ما قبل الربيع العربي. وقد حاول الكثيرون إرجاع ذلك إلى غياب الكاريزما التي اتصفت بها شخصيات مثل علال الفاسي ومحمد بوستة وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي. ولكن هذه التبريرات لم تكن وحدها كافية للتوجه نحو دمقرطة الأحزاب لولا العاصفة العربية التي خلخلت كثيرا من الاعتقادات السائدة، ولولا توسع شبكات التواصل الإجتماعي، وانتشار الوعي بفتح فضاء التعليم في كل مناحيه. كل هذا ساهم في تسريع حركة الدمقرطة إلا أنه مع ذلك وبدون شك فإن للنظام المغربي بعض اللمسات على البنيات الحزبية التي تعلو وتنحدر بقوة وضعف الأحزاب وهياكلها.
وفي نظري المتواضع إن من يجعل الأحزاب كلها في خانة واحدة ويظن أن الدولة تتحكم في كل صغيرة وكبيرة فهو إما عدمي أو جاهل أو ما زال يفكر بعقلية ما قبل سقوط جدار برلين وما قبل الثورة الإعلامية. وكذلك الشأن بالنسبة لمن يقول إن الأحزاب الوطنية بعيدة كل البعد عن التدخلات المخزنية فهو واهم ويعيش سباتا سوف لن يستفيق منه إلا بعد مرور مدة كافية للكشف بعدها عن أسرار الدولة العميقة.
وبإطلالة قصيرة على خرجات شباط المتكررة في المهرجانات واللقاءات والمجالس والتلفزيون التي ينتقد فيها الحكومة، ويصف نصف أعضائها بالسكارى، ويكيل الاتهامات في كل اتجاه ويطلق أعيرة نارية في الهواء فتتناثر مخلفات البارود فتصيب أطرافه ويضطر إلى الاحتماء بمكالمة هاتفية مع عاهل البلاد يستجدي من خلالها إيقاف تنفيذ الانسحاب من الحكومة الذي ظن في البداية أن القرار ما هو إلا فزاعة لبنكيران للرضوخ لمطالبه التعجيزية والاستفزازية والتطاولية على اختصاصات ليس أهلا لها. وكل هذا لم يكن ارتجالا أو عفويا كما يظن بعض المتتبعين بل هي أمور مخطط لها داخل الحزب وخارجه بإيعاز من جهات نافذة في الدولة لجس نبض الشارع المغربي بعد تمرير أولى حلقات هذه الاختبارات في الانتخابات الجزئية الأخيرة التي أثبتت أن الوقت لم يحن بعد للإجهاز على هذه التجربة الديمقراطية. والحال هذه لا يجب أن يغيب عن اللبيب مؤشر التصويت بالإجماع في برلمان حزب الاستقلال للانسحاب من الحكومة ثم العودة بعد برهة إلى الإشارة إلى الفصل 42 من الدستور، وما شاب كل ذلك من فوضى وضبابية في التصريحات. فحينا يقولون إن الملك هو الذي أشار إلى الفصل 42، وأحيانا أخرى يقولون إن الأمين العام هو الذي اقترح على الملك الرجوع إليه.
ولكلتا التخريجتين تفسير أحادي ينصب في الخانة السلبية لشباط، وأن ذلك لن يكون في صالح الحزب ، بغض النظر عن توقيت إعلان الانسحاب الذي لا يستقيم ووجود الملك خارج المملكة. فإذا اعتبرنا أن الملك هو من لوح بالفصل 42 فإن في ذلك إشارة واضحة منه إلى عدم رضاه وسخطه على طريقة تعامل شباط مع رئيس الحكومة بالتشويش على السير العادي للمؤسسات. ولا يمكن للمرء إلا أن يتخيل ويستحضر ثقل الملك في هذه النازلة التي هي صراع بين رئيس حكومة وبين رئيس حزب فالفصل 42 مما جاء فيه: ''يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور'' كما أن هذه الظهائر توقع بالعطف من رئيس الحكومة فكيف يريد السيد شباط أن يصدر الملك ظهيرا شريفا ينتصر فيه لهذا الحزب أو ذاك وهو الساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي؟ ثم كيف يوقع رئيس الحكومة بالعطف في قضية يكون فيها خصما وحكما؟ أما إن كان فعلا شباط هو الذي طلب من الملك تفعيل الفصل 42، وهذا مستبعد، فذلك يعتبر سوء أدب، وستكون له ارتدادات لاحقة تضرب مستقبل شباط السياسي وهو ما ستنبئنا به الأيام المقبلة.
ونحن لا نستبعد مطلقا أن تكون للمخزن يد في تحريك هذه الزوابع لفتح نقاشات في مستوى الدستور الجديد لاختيار الحل الأنسب وغير المكلف أو الأقل تكلفة على الأرجح. فالدولة في إطار تفعيل الدستور الجديد تريد دائما أن تكون على بينة مما يجب عمله قبل حدوثه. فهي تسابق الزمن وتطرح افتراضات وتفتح نقاشات قبلية لتتخذ القرار المناسب في الوقت الأمثل بأقل الخسائر. كما أنها تبحث عن مؤشرات شبه واقعية على مستوى النخب وأثر ذلك في عامة الشعب. وخير دليل على ذلك ما أتحفتنا به القنوات الإعلامية المغربية من نقاشات واستجوابات واحتمالات انصبت كلها في اتجاه تغليب التفاوض بين الخصمين واستمرار الحكومة الحالية في تحمل المسؤولية. واستبعاد حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها.
وفي نظري هناك احتمالات أخرى يخطط لها من قبيل إخراج حزب الاستقلال إلى المعارضة ليقوي صفوفه مع الاتحاد الاشتراكي قصد تشكيل جبهة بديلة للكتلة تقف في وجه اكتساح العدالة والتنمية للأصوات، وإمكانية تحالف الأحرار مع الأصالة والمعاصرة لتكون البدائل ممكنة في الانتخابات المقبلة. وفي هذه الحال سيلتجئ رئيس الحكومة مؤقتا إلى الأحرار لرتق لحمة الحكومة. أما القول بحكومة أقلية فهو تأويل غير ديمقراطي، ولا ينسجم مع روح الدستور الجديد ولا مع إرادة الشعب وطموحه.
أما من يستبعد حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها نظرا لتكاليفها التي ستكون عبءا على الدولة في عز أزمتها المالية فهو قول يحتاج إلى مناقشة لكون من يقول بمثل هذا التفسير ما زال يفكر بمنطوق الدستور القديم. وأنا لا أستبعد بتاتا أن تعاد الانتخابات لإعطاء صورة للخارج مفادها أن المغرب يحكمه الدستور، وأن الشعب هو الوحيد المخول للفصل في مثل هذه النزاعات السياسية، أما التكلفة المادية فتتكفل بها الصناديق السوداء.
خلاصة القول إن مؤسسات الدولة موجودة وآليات اشتغالها بيد النظام. والشعب المغربي في تدافع يومي للحصول على المزيد من المكاسب والمخزن له دوما بالمرصاد ليحد ما أمكن من تطلعاته التي لا حدود لها وكلما صعدت حدة مطالب الشعب إلا ورضخ المخزن، وانحنى ردحا من الزمن ليعود مرة أخرى لجمع فتات موائد المشاغبين فيستثمره في استرجاع جزء من الهيبة المسلوبة. وبهذه الجدلية تسير عجلة التاريخ وتنتصر الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.