أشرنا في مقال "الحقبة الماوية بسلبياتها وايجابياتها، لعبت دورا بالغ الأهمية في تهيئة الشعب الصيني للقبول بإصلاحات مابعد 1978…" إلى أهم الإنجازات التي تم تنفيذها طيلة الحقبة الماوية و خاصة بعد "الثورة الثقافية"، هذه الإنجازات كان لها دور بالغ الأهمية في تسهيل وإنضاج عملية الانتقال إلى مرحلة ما بعد 1978، فتضامن الشعب مع تيار المعتدلين، وقناعة "ماو" ذاته بأن سياساته قادت البلاد في مناسبتين إلى الوراء، واستنجاده بالجناح المعتدل بعد الثورة "الثانية" و"الثالثة"، كلها عوامل أعطت ل "دنغ شياوبينغ" وأنصاره قدرا كبيرا من المشروعية لقيادة عملية التحديث الأيديولوجي للحزب، حتى يتمكن بدوره من قيادة الصين نحو التحديث.. فمن دون شك أن الحزب الشيوعي الصيني كان و لايزال طليعة الطبقة العاملة الصينية، وهو كذلك طليعة الشعب الصيني والأمة الصينية، والنواة القيادية لقضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، و يمثل متطلبات تطور القوى المنتجة المتقدمة الصينية، كما يمثل اتجاه التقدم للثقافة المتقدمة الصينية ، ويمثل المصالح الأساسية للغالبية الساحقة من الشعب الصيني. والمثل العليا والهدف النهائي للحزب هو تحقيق الشيوعية[1] و يتخذ CCP من الماركسية اللينينية وأفكار "ماو تسي تونغ" ونظرية "دنغ شياو بينغ"[2] وأفكار"التمثيلات الثلاثة[3]" الهامة دليله المرشد في العمل . أما الخط الأساسي ل CCPفي المرحلة الأولية للاشتراكية فهي : قيادة وتوحيد أبناء مختلف القوميات في البلاد، اتخاذ البناء الاقتصادي مركزا،و التمسك بالمبادئ الأساسية الأربعة والإصلاح والانفتاح، الاعتماد على الذات والعمل الشاق، الكفاح في سبيل بناء دولة اشتراكية حديثة قوية غنية وديمقراطية ومتحضرة[4]. والتمسك بالطريق الاشتراكي، وبالديكتاتورية الديمقراطية الشعبية، وبقيادة CCP، والتمسك بالماركسية اللينينية وأفكار "ماو تسي تونغ"، ومعارضة النزعات الليبرالية البرجوازية. كما أن الحزب يرى في سياسة الإصلاح والانفتاح الطريق لتقوية البلاد، وضرورة إصلاح النظام الاقتصادي الذي يقيد تطور القوى المنتجة إصلاحا جذريا، والتمسك بنظام اقتصاد السوق الاشتراكي وتعميقه. وللتكيف مع توجه اقتصاد السوق الاشتراكي يجب إدخال إصلاحات على الهيكل السياسي وعلى مجالات أخرى. ويجب التمسك بسياسة الدولة الأساسية للانفتاح على العالم الخارجي، واستيعاب والاستفادة من كافة المكاسب الحضارية التي يبدعها المجتمع البشري[5]. ويتولى الحزب الشيوعي قيادة الشعب الصيني في تنمية اقتصاد السوق الاشتراكي. وتوطيد وتطوير اقتصاد القطاع العام ، مع تشجيع ودعم اقتصاد القطاع ، ويعترف دستور الحزب بأن الدور الأساسي للسوق يظهر في توزيع الموارد. كما أن الحزب مطالب بإنشاء نظام متكامل للتنسيق والسيطرة الكلية، و بالتخطيط الموحد للتنمية الحضرية والريفية والتنمية الإقليمية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المتناغمة بين الإنسان والطبيعة، والتنمية المحلية والانفتاح على العالم الخارجي. وتعديل الهيكل الاقتصادي وتحويل نمط التنمية الاقتصادية. كما يعمل الحزب على بناء الريف الجديد الاشتراكي، وسلوك طريق التصنيع ذي الخصائص الصينية، وإقامة الدولة المبتكرة، وبناء مجتمع الوفرة والصديق للبيئة. ويقود CCP الشعب في تطوير السياسة الديمقراطية الاشتراكية. والتوحيد العضوي بين قيادة الحزب وكون الشعب سيد الدولة وحكم الدولة وفقا للقانون، وسلوك طريق التنمية السياسية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتوسيع نطاق الديمقراطية الاشتراكية، وإكمال النظام القانوني الاشتراكي، وبناء الدولة الاشتراكية التي تدار بالقانون، وتوطيد دكتاتورية الشعب الديمقراطية، وبناء الحضارة السياسية الاشتراكية[6]. ويتمسك الحزب بتطوير نظام مجلس نواب الشعب، ونظام التعاون بين الأحزاب المتعددة والمشاورات السياسية تحت قيادة الحزب الشيوعي، ونظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي، وكذلك نظام الحكم الذاتي الجماهيري في الوحدات القاعدية[7]. كما يقود CCP الشعب في تطوير الثقافة الاشتراكية المتقدمة، ويعمل على بناء الحضارة الروحية الاشتراكية، وتنفيذ مبدأ الجمع بين حكم الدولة وفقا للقانون وحكم الدولة بالفضيلة، ورفع النوعية الأيديولوجية والأخلاقية والعلمية والثقافية للأمة برمتها[8]. وترسيخ المثل العليا المشتركة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتطوير الروح القومية التي لبها الوطنية وروح العصر التي نواتها الإصلاح والإبداع. والدعوة إلى نشر وتعميم مفهوم الشرف والعار الاشتراكي، لتقوية الروح الوطنية المتمثلة في احترام الذات والثقة بالذات وتقوية الذات، ومقاومة تأثيرات الأيديولوجيات الرأسمالية والإقطاعية الفاسدة، واجتثاث مختلف الظواهر الاجتماعية الشنيعة، والعمل الجاهد لتمكين الشعب من أن يكون شعبا يتحلى بالمثل العليا والأخلاق الحميدة والثقافة والانضباط.. ومن المستجدات التي انبتقث عن المؤتمر السادس عشر هو التزام الحزب بقيادة الشعب الصيني في بناء مجتمع متناغم اشتراكي، والعمل على الحل الجيد للمشاكل التي تواجه مختلف أفراد الشعب،والسعي وراء خلق وضع يعمل فيه كل أفراد الشعب حسب قدرته ويحصد كل ما يفعله ويتعايش في تناغم، كما يهتم الحزب بتحسين معيشة الشعب الصيني[9]. يعمل CCP على صيانة وتطوير العلاقات القومية الاشتراكية المتسمة بالمساواة والتضامن والمساعدة المتبادلة والتناغم، ويعمل بنشاط على إعداد واختيار كوادر من بين أبناء الأقليات القومية، ويساعد الأقليات القومية والمناطق ذات الحكم الذاتي القومي على تنمية الاقتصاد والقضايا الثقافية والاجتماعية لتحقيق التضامن والتنمية المشتركة لكافة القوميات. ويحاول CCP انتهاج سياسة خارجية سلمية ومستقلة، ويتمسك بطريق التنمية السلمية، وإستراتيجية الانفتاح المتصفة بالمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، ويقوم بالتخطيط الموحد للمصلحتين العامتين على الصعيدين الداخلي والدولي، ويطور بنشاط علاقاته الخارجية، لكسب بيئة دولية صالحة للإصلاح والانفتاح وبناء التحديث في البلاد. ويلتزم الحزب بتطوير علاقات الصين مع سائر دول العالم على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي. وتطوير علاقات حسن الجوار والصداقة للصين مع الدول المجاورة، وتعزيز التضامن والتعاون مع سائر الدول النامية[10]. . ويقوم الحزب على أربع مبادئ أساسية ينبغي على كل عضو بداخل الحزب الالتزام بها وهي : * التمسك بخط الحزب الشيوعي.. * التمسك بتحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع. * التمسك بخدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص.. * التمسك بنظام المركزية الديمقراطية السياسية والتنظيمية وسنحاول تحليل هذا المبدأ الرابع نظرا لأهميته في صنع القرار بداخل ومن تم بداخل مختلف هياكل الدولة . و من خلال التحليل السابق نخلص إلى أن عقيدة الحزب شهدت تحولا عميقا منذ إنطلاق إصلاحات 1978 إلى اليوم ، فبالرغم استمرار الحزب في تبنيه لخيار البناء الاشتراكي والأيديولوجية الماركسية- اللينينية والإرث الماوي.. إلا أن واقع الحال، يؤكد على أن الحزب أخد يميل أكثر إلى الفلسفة الليبرالية أكثر من تشبثه "بالأيديولوجية الحمراء " ، فرغم أن الحزب لازال يؤكد في أدبياته الانتقال إلى المجتمع الشيوعي، إلا أن التوجه الحالي لن يقود نحو الشيوعية بل يقود باتجاه "ليبرالية متوحشة"، تقوي القوي وتقصي الضعيف. وهنا يمكن للتوجه الاشتراكي للحزب أن يقلص من حدة الاندفاع نحو مجتمع اللامساواة أو"مجتمع 20 مقابل 80" ، لكن أن يتمسك الحزب بالانتقال إلى الشيوعية فهذا أمر مستبعد وذلك لسببين : السبب الأول: هو أن الإصلاحات التي لازال الحزب يعتبرها ضرورية ولا يمكن التراجع عنها، تتعارض مع مبدأ الشيوعية… فالملكية الخاصة أصبحت هي القاعدة بينما الملكية العامة هي الاستثناء. هذا إلى جانب أن المبادرة الفردية غدت المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي للصين، فهل سيفجر الحزب ثورة شيوعية جديدة بملكية خاصة، أو سيعمد إلى تأميم ما تمت خصخصته؟. أما السبب الثاني: فتاريخ الشيوعية في الصين لا يحفز الشعب الصيني على الإقدام على مثل هذه الثورة، لاسيما بعدما أحس بنعيم الانفتاح و النمو، وأصبح يتطلع بشغف إلى ذلك المجتمع المزدهر والديمقراطي، الذي تعهد الحزب ببلوغه في أفق الخمسين سنة القادمة . ويبقى الشيء المؤكد، هو أن الحزب شهد تحولا عميقا باتجاه تبني الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرار. فبعد وفاة "ماوتسي "و"دونغ" انقرضت الزعامة الكاريزمية، وحل محلها توزيع الأدوار بين مجموعة من القادة، وهو مؤشر ايجابي باتجاه تعزيز الديمقراطية الداخلية . خاصة وان مختلف أجهزة الحزب أصبحت تخضع للانتخاب، مع تحديد فترة الولاية في دورتين متتاليتين لا يسمح بتجاوزهما.، لكن هذا المعطى علينا التعامل معه بحذر في عهد الأمين العام للحزب الشيوعي و الرئيس الصيني الحالي "شي جينبينغ "و الذي في عهده وافق البرلمان الصيني على مقترح للحزب الشيوعي، يلغي تحديد فترات بقاء رئيس البلاد في السلطة، مما يفسح المجال للرئيس شي جينبينغ بالبقاء في السلطة مدى الحياة.وقد كان التقليد المتعارف عليه دستوريا، هو بقاء الرئيس في منصبه لولايتين لا أكثر، و كان من المقرر أن يتنحى "شي" في عام 2023، لكن "شي جينبينغ" ،عزز قوته السياسية عندما صوت الحزب على تكريس اسمه وأيديولوجيته السياسية في دستور الحزب – مما رفع مكانته إلى مستوى مؤسس الحزب "ماو تسي تونغ" ، و هو ما سنحاول توضيحه في المقال الموالي إن شاء الله تعالى.. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.. أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..
[1] -CONSTITUTION OF THE COMMUNIST PARTY OF CHINA(Amended and adopted at the Seventeenth National Congress of the Communist Party of China on Oct. 21, 2007)at site web http://english.cpc.people.com.cn/65732/index.html. [2] – هذه النظرية هي نتاج الاندماج بين المبادئ الأساسية للماركسية اللينينية والممارسة الصينية المعاصرة وخصائص العصر، وهي وراثة وتطوير أفكار ماو تسي تونغ في ظل الظروف التاريخية الجديدة، كما أنها المرحلة الجديدة لتطور الماركسية في الصين والماركسية في الصين اليوم وبلورة الحكمة الجماعية للحزب الشيوعي الصيني, فهي ترشد البلاد لمواصلة دفع قضية التحديث الاشتراكي إلى الأمام. CONSTITUTION OF THE COMMUNIST PARTY OF CHINA.op.cit.( Preamble). [3] – وتعني أن الحزب الشيوعي الصيني يمثل 1- متطلبات التنمية للقوى الإنتاجية الاجتماعية المتقدمة الصينية، و2- المسار التقدمي للثقافة المتقدمة الصينية، و3- المصالح الأساسية للأغلبية الساحقة للشعب الصيني، وهذه التمثيلات الثلاث تمثل مرجعية أساسية للحزب الشيوعي الصيني وهي أساس حكمه ومصدر قوته. ويقصد بتمثيل متطلبات التنمية للقوى الإنتاجية الاجتماعية المتقدمة الصينية أن تتفق نظرية الحزب وخطه ومنهاجه وسياسته ومبدأه وكل أعماله مع قانون تطور قوة الإنتاج، وتجسد متطلبات الدفع المستمر لإطلاق العنان لقوة الإنتاج الاجتماعي وتطورها، ورفع مستوى معيشة الجماهير باستمرار من خلال تطوير قوة الإنتاج؛ ويقصد بتمثيل المسار التقدمي للثقافة المتقدمة الصينية، أن تجسد نظرية الحزب وخطه ومنهاجه وسياسته ومبدأه وكل أعماله متطلبات تطوير الثقافة الاشتراكية القومية والعلمية والجماهيرية التي تواجه التحديث والعالم والمستقبل، ودفع الارتفاع المستمر للنوعية الفكرية والأخلاقية والعملية والثقافية لكل الأمة الصينية لتقديم قوة محركة معنوية وأفكار للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي الصيني؛ ويقصد بتمثيل المصالح الأساسية للأغلبية الساحقة للشعب الصيني أن نظرية الحزب وخطه ومنهاجه وسياسته ومبدأه وكل أعماله أن تنطلق من مصلحة الشعب الأساسية وتعود إليها، وإظهار مبادرة الجماهير وقدرتها علي الابتكار والإبداع بصورة كاملة، لتحصل على المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية الفعلية وباستمرار على أساس التطور والتقدم الاجتماعي المستمر.http://english.cpc.people.com.cn/65739/4521326.html. [4] – CONSTITUTION OF THE COMMUNIST PARTY OF CHINA.op.cit.( Preamble) [5] – Ibid. [6] – Ibid. [7]– Ibid. [8] – Ibid. [9] – Ibid. [10] – Ibid.