التأكد من هوية الشاب المغربي الذي عُثر عليه في البحر قبالة سبتة المحتلة    المغرب والسعودية يعززان التعاون الثنائي في اجتماع اللجنة المشتركة الرابعة عشر    المملكة العربية السعودية تشيد بجهود جلالة الملك رئيس لجنة القدس من أجل دعم القضية الفلسطينية    المملكة العربية السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    دي ميستورا يبحث تطورات قضية الصحراء المغربية مع خارجية سلوفينيا    الوقاية المدنية تتدخل لإنقاذ أشخاص علقوا داخل مصعد بمصحة خاصة بطنجة    إجهاض محاولة تهريب دولي للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 107 كيلوغرامات من الشيرا    أوزين: عدم التصويت على قانون الإضراب مزايدة سياسية والقانون تضمن ملاحظات الأغلبية والمعارضة    تعرف على برنامج معسكر المنتخب المغربي قبل مواجهتي النيجر وتنزانيا في تصفيات كأس العالم 2026    لهذه الاسباب سيميوني مدرب الأتليتيكو غاضب من المغربي إبراهيم دياز … !    صرخة خيانة تهز أركان البوليساريو: شهادة صادمة تكشف المستور    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية تُشيد بمبادرات جلالة الملك محمد السادس لدعم صمود الفلسطينيين    الاستثمار السياحي يقوي جاذبية أكادير    الكاف يشيد بتألق إبراهيم دياز ويصفه بالسلاح الفتاك    فيفا يكشف جوائز مونديال الأندية    المغرب يستقبل أولى دفعات مروحيات أباتشي الأميركية    "حماس" تؤكد مباحثات مع أمريكا    سلا: حفل استلام ست مروحيات قتالية من طراز 'أباتشي AH-64E'    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وزخات مطرية رعدية قوية الأربعاء والخميس    فاس تُضيء مستقبل التعليم بانضمامها لشبكة مدن التعلم العالمية    3 قمم متتالية تكرس عزلة النظام الجزائري وسط المجموعة العربية وتفقده صوابه ومن عناوين تخبطه الدعوة إلى قمة عربية يوم انتهاء قمة القاهرة!    المغرب..البنك الأوروبي للاستثمار يسرّع دعمه بتمويلات بقيمة 500 مليون أورو في 2024    دنيا بطمة تعود لنشاطها الفني بعد عيد الفطر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    تداولات بورصة البيضاء بأداء سلبي    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    "أونسا" يطمئن بشأن صحة القطيع    وكيل أعمال لامين يامال يحسم الجدل: اللاعب سيمدّد عقده مع برشلونة    مونديال الأندية.. "فيفا" يخصص جوائز مالية بقيمة مليار دولار    قصص رمضانية.. قصة بائعة اللبن مع عمر بن الخطاب (فيديو)    مطار محمد الخامس يلغي التفتيش عند المداخل لتسريع وصول المسافرين    هذه مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر من الرجال    العثور على أربعيني ميتًا نواحي اقليم الحسيمة يستنفر الدرك الملكي    حدود القمة العربية وحظوظها…زاوية مغربية للنظر    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    تحذير من حساب مزيف باسم رئيس الحكومة على منصة "إكس"    طنجة تتصدر مدن الجهة في إحداث المقاولات خلال 2024    النيابة العامة تتابع حسناوي بانتحال صفة والتشهير ونشر ادعاءات كاذبة    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    كسر الصيام" بالتمر والحليب… هل هي عادة صحية؟    اليماني: شركات المحروقات تواصل جمع الأرباح الفاحشة والأسعار لم تتأثر بالانخفاض في السوق الدولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    هذه أبرز تصريحات ترامب في خطابه أمام الكونغرس    أبطال أوروبا.. قمة ألمانيا بين البايرن و ليفركوزن واختبار ل"PSG" أمام ليفربول    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    الصين تعلن عن زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 7,2 بالمائة للعام الثالث على التوالي    المنتخب المغربي يدخل معسكرا إعداديا بدءا من 17 مارس تحضيرا لمواجهة النيجر وتنزانيا    اجتماع بالحسيمة لمراقبة الأسعار ومعالجة شكايات المستهلكين    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل اقتصادي: المؤشرات الكبرى للإقتصاد المغربي تميل نحو اللون الأحمر
نشر في لكم يوم 13 - 02 - 2013


خطر الصدمة
لقد انتهت سنة 2012 ، وبالتالي السنة الأولى من عمر الحكومة الحالية التي يتولى رئاستها زعيم حزب العدالة والتنمية، على إيقاع تدهور اقتصادي شامل يجعل الخطاب الذي تباهى في عهد حكومة عباس الفاسي بالإفلات من الأزمة العالمية وبقوة النظام المالي وأساسيات الاقتصاد المغربيين وصمودهما أمام تداعياتها ضربا من الباطل ، فالأزمة تضرب الاقتصاد الواقعي بقوة اليوم وتجعل النظام المالي عرضة للخطر في ظل سياسة نقدية أورتودوكسية تقود إلى تدميرالنقود أكثر من إحداثها وتوسع الفارق النقدي السلبي تهدد بالانكماش (déflation).
ذلك أن عجز الحساب الجاري لميزان الآداءات يستمر في الاستفحال ليصل إلى ما يقرب من 10 في المائة، وهومستوى يذكر بثمانينات القرن الماضي ، ونتيجته ضغط قوي على احتياطي العملة الصعبة الذي تراجع إلى ما يعادل أربعة أشهر من الاستيراد في أحسن الأحوال ، وذلك بعد تعبئة قرض بمليار ونصف دولار من السوق المالية الدولية ، مما يهدد بالوصول إلى وضعية يجد فيها المغرب نفسه يواجه صعوبة في أداء مستحقات دينه الخارجي أو في أداء فاتورة واردات أساسية ، أو يضطر إلى العودة إلى السوق المالية مباشرة أو بواسطة المؤسسات العمومية للاقتراض بكلفة عالية وتضخيم الدين الخارجي، أو اللجوء إلى استعمال الخط الائتماني الموضوع رهن إشارة المغرب من طرف صندوق النقد الدولي وبالتالي الخضوع لإملاءات هذه المؤسسة الدولية وللبرنامج الذي تضعه وتراقب تنفيذه بشكل مباشر.
هذه السيناريوهات الكارثية تبدو اليوم مستبعدة ، والحكومة تستبعدها إلى الآن كما يتبين من إخبارها لصندوق النقد الدولي بأنها لن تستعمل الخط الائتماني وتبقي عليه كضمانة فقط ، بعد أول مراقبة لخبراء الصندوق في إطار تقييم الوضعية الاقتصادية والمالية للمغرب وفقا لما تقضي به قواعد هذه الآلية التمويلية لما يتعلق الأمر بتخصيصها لمدة تتجاوز ستة أشهر وأكثر من 300 في المائة من حصص البلد المستفيد، و صندوق النقد الدولي من جهته يستبعدها لحد الآن بدليل موافقته على الاستمرار في وضع الخط الائتماني(6،3 مليار دولار )رهن إشارة المغرب ، لكن تخفيض موديز لتصنيف المغرب ، الثاني من نوعه في المدة الأخيرة من طرف الوكالات الدولية المختصة، يشير إلى شك دولي في القدرة على تجاوز مثل تلك السيناريوهات.
وقد نتج هذا التدهور الكبير للحساب الجاري لميزان الأداءات ، الذي كان يحقق فوائض بشكل متواصل من سنة 2000 إلى 2007 ، ولاحتياطي العملة الصعبة ، الذي كان يغطي بين 9 و12 شهرا من الاستيراد في السنوات الأولى من الألفية الجديدة إلى حدود سنة 2007 وأزيد من 7 أشهر بعد ذلك ، نتيجة للارتفاع المتواصل لعجز الميزان التجاري الذي بات يتجاوز عائدات الصادرات ولا تغطيه مداخيل العملة الصعبة المترتبة عن السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج والاستثمارات والسلفات الخارجية المباشرة إلا بشكل محدود.
ذلك أن عجز الميزان التجاري قد بلغ 197 مليار درهم في نهاية 2012 في حين بلغت عائدات الصادرات 183،2 مليار درهم وفقا لإحصائيات مكتب الصرف، وذلك نتيجة ارتفاع فاتورة الواردات إلى 380،4 مليار درهم( + 6،3 في المائة) بشكل أسرع من عائدات الصادرات (+4،7 في المائة) وبالتالي تدهور معدل تغطية الصادرات للواردات الذي تراجع إلى 48 في المائة تقريبا ، مايعني أن فاتورة الواردات تتجاوز عائدات الصادرات بأكثر من الضعف.
من المؤكد أن تفاقم عجز الميزان التجاري يعود بنسبة تتجاوز 50 في المائة إلى فاتورة استيراد المواد الطاقية ، كما كان عليه الحال في السنة السابقة (60 في المائة) ، إذ تشير إحصائيات مكتب الصرف إلى أن فاتورة المواد الطاقية ارتفعت بنسبة 14،8 في المائة ( 13،4 مليار درهم) مقارنة مع السنة السابقة ، وبلغت فاتورة البترول الخام 36،4 مليار درهم (+ 15،7 في المائة ) والغازوال والفيول 36 مليار وغاز البترول ومحروقات أخرى 19،4 مليار درهم ومنتجات طاقية أخرى 3،2 مليار.. مسجلة جميعها ارتفاعات بنسب مائوية كبيرة . لكن فاتورة المواد الغذائية التي بلغت 41،5 مليار درهم (+7،1 في المائة ) والمواد الاستهلاكية المنتهية الصنع التي بلغت كلفتها 64،6 مليار درهم ( + 5 في المائة) ثم سلع التجهيز التي كلفت 73 مليار درهم (7،9 في المائة ) كلها ساهمت في مفاقمة ذلك العجز ووصوله إلى المستوى المنذر بالخطر الذي وصل إليه.
وتعني هذه الأرقام أن المغرب يعاني من تبعية قوية للخارج ليس فقط فيما يتعلق بحاجياته الطاقية ، التي تتجاوز 95 في المائة، بل وأيضا على مستوى حاجيات غذائية أساسية ، وفي مقدمتها الحبوب والسكر والحبوب الزيتية التي يزداد استيراده منها سنة بعد أخرى ، وحاجيات استهلاكية أخرى متعددة ، ناهيك عن التجهيزات الصناعية ، مما يبين ضعف قدرة الإنتاج الداخلي على الاستجابة للاستهلاك الداخلي من مواد بمقدوره تطوير إنتاجها وتحقيق درجة عالية من الآمن الغذائي والاقتصادي ، لكنه يبين في نفس الوقت تبعية كبيرة للإنتاج الداخلي للاستيراد ، بدليل الحجم الكبير والكلفة المرتفعة لواردات المواد الأولية والمواد الوسيطة، ويبين أيضا تغلب طابع التاجر على بورجوازية الأعمال الذي يؤدي إلى البحث عن الربح الناتج عن الاستيراد وخلق حاجيات استهلاكية لدى المغاربة دون مراعاة لخطورة ذلك على التوازنات المالية أومستقبل البلاد الذي لا يمكن بناؤه إلا بتنمية صناعية تقوم على درجة كبيرة من الاندماج . وجدير بالإشارة إلى أن العجز التجاري مع مختلف الدول التي لنا معها اتفاقيات شراكة أو تبادل حر في تفاقم مستمر مما يجعل النتيجة أن المغرب قد تحول إلى سوق لمنتجات البلدان والمجموعات التي تعاقد معها تحقق به نقط تنافسية دون أن يحقق من الباب المفتوح النتائج المرجوة ، وهو ما يتأكد من عدم مسايرة الاستثمار مع الانفتاح التجاري مع هذه الأطراف.
بالموازاة مع تدهور ميزان مبادلات السلع.
تبعية المغرب للخارج ينتج عنها دور سلبي للمبادلات الخارجية للسلع على مستوى النمو، حيث مثل عجز الميزان التجاري 8،4 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2011 و قدر أثره السلبي على النمو ب 1،7 في المائة نتيجة التدهور الكبير الذي عرفته تلك السنة والذي استمر في سنة 2012 .
عودة النمو الضعيف
وقد تراجع معدل نمو الناتج الداخلي الخام إلى 2،7 في المائة سنة 2012 مقابل 5 في المائة سنة 2011 ، وهو معدل يمثل تراجعا واضحا عن معدلات النمو المسجلة مند بداية الألفية الجديدة ويعادل المعدلات الأضعف التي عرفتها تسعينات القرن الماضي ، و من المفارقات التاريخية أن هذا المعدل يفسر بتراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 8،7 في المائة مقابل ارتفاعها بنسبة 5،1 في المائة سنة 2011 ، كما فسر ارتفاعها معدل النمو خلال تلك السنة الذي بلغ 5 في المائة، وهو ما يعني أن النمو في المغرب ما يزال رهينا بتساقطات المطر وأحوال الطقس على نطاق واسع وأن تنمية الاقتصاد المغربي ، بما فيه اقتصاد فلاحي متخلف في عمومه تستفيد جزر الثراء داخله من الدعم والإعفاء الضريبي في نفس الوقت بسخاء كبير لا يشغل بال الحكومة مادام لوبي كبار الفلاحين قادرا على الضغط، وفي مقابل تراجع القيمة المضافة للفلاحة يسجل تحقيق القطاعات غير الفلاحية لنمو بلغ معدل 4،8 في المائة ، وهو معدل منخفض مقارنة مع سنة 2011 التي بلغ خلالها 5،3 في المائة ، لكن لدى قراءة محددات هذا النمو وفقا لمعطيات المندوبية السامية يتبين أنه نمو ناتج عن أنشطة الخدمات التي نمت بنسبة 5،7 في المائة ، مقابل 6 في المائة سنة 2011 ،ثم القطاع الثانوي بنسبة 3،2 في المائة ، مقابل 4 في المائة سنة 2011 ، مع الإشارة إلى أن النمو المسجل في هذا القطاع يتحدد بأنشطة البناء والأشغال العمومية بالدرجة الأولى بينما عرفت الأنشطة الصناعية تراجعا على العموم ، و وما يزال دورها محدودا في النمو ، بل تراجع في السنوات الأخيرة رغم ما يقال ويتردد من كلام ، وهو ماينعكس سلبا على الحسابات الخارجية المشار إليها أعلاه ويجعل المغرب يستورد حاجياته من المواد الاستهلاكية المنتهية الصنع ومواد التجهيز والمواد الوسيطة كذلك بحجم كبير وبفاتورة تتضخم سنة بعد أخرى ، وهناك جزء كبير من الصناعة المغربية يشتغل فقط في إطار عمليات المناولة لفائدة شركات أوروبية تستفيد من الدخول المؤقت والأنظمة الجمركية الخاصة ورخص اليد العاملة أكثر من أي شئ آخر ويحتسب ناتج هذه العمليات في الصادرات .
إن ماسبق يبين أن النمو في المغرب يبقى بالغ الهشاشة ومعرض لنفس الصدمات التي أثرت فيه في الماضي وجعلته ضعيفا مند بداية الاستقلال ، عدا سنوات استثنائية تهاطلت فيها الأمطار تم محوها بعد مجيئ سنوات الجفاف ، ولايظهر أن الحكومة الحالية التي أكثرت من الكلام والجدل في إطار حملة انتخابية دائمة تمتلك استراتيجية واضحة لتحريره من هذه الهشاشة ، وخطابها لاينم عن وعي بما تشكله هذه الهشاشة في المستقبل في عالم يعرف تحولات كبرى وسريعة وقد يخرج من أزمته الحالية بوجه اقتصادي جديد ، خصوصا إذا أخدنا بعين الاعتبار انتقال قيادة النمو إلى المحيط الهادي ومعها طرق التجارة الدولية والتراجع الأوروبي ، كما لا يظهر أن هذه الحكومة تمتلك الكفاءات والقدرات اللازمة لمباشرة تدبير ديناميكي يسمح بالتكيف السريع مع المتغيرات العالمية ولا العلاقات التي تسمح بالاستفادة منها لجلب الاستثمارات الخارجية ، التي يترتب عليها مجئ أموال طرية صافية وليس ممارسة الضغط على الادخار الداخلي ، والبين أن الرهان على التمويلات الإسلامية لا يعدو كونه رهان إيديولوجي بالنظر إلى التردد الخليجي الذي شمل المساعدات التي تقررت مند مدة في إطار مجلس التعاون الخليجي ولم تأت لحد الآن رغم زيارة الملك التي تتكرر اليوم لدولة الإمارات .
إن المغرب يحتاج اليوم إلى سياسة صناعية ، بالمعنى الشامل ، تتولى تنفيذها حكومة لها الإرادة والقدرة والآليات المناسبة لتنفيذها بشكل منسق ومتكامل ، ولها أيضا وضوحا فيما يتعلق بالإصلاحات المؤسسية والهيكلية اللازمة ولكيفية الحيلولة دون إفراغ هذه الإصلاحات متى وضعت من محتواها وتغليب العرف على القانون والمؤسسات والمنظمات العصرية ، ودون ذلك سيستمر الحال ما هو عليه وسيستمر النمو أضعف من أن يوفر شروط الإقلاع الاقتصادي واللحاق بالدول الصاعدة ، وسيستمر الريع متحكما وعائقا دون المنافسة التي لا اقتصاد عصري بدونها ، وستستمر التبعية للخارج فيما يتعلق بالأساسيات ومخاطر انهيار الحسابات الخارجية ، وكذلك الحسابات الداخلية .
عجز ميزاني يذكر بالماضي
ذلك أن العجز الإجمالي للخزينة الذي بلغ 62،2 مليار درهم في نهاية 2012 ، مقابل 40،5 مليار درهم سنة 2011 ، بالرغم من خوصصة جزء من رأسمال البنك الشعبي (3،3 مليار درهم) والقرض الدولي البالغ 1،5 مليار دولار ، ممثلا نسبة تزيد عن 8 في المائة من الناتج الداخلي ، وليس 7،1 في المائة كما ورد فيما نشرته المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا ، يدق ناقوس الخطر ، وتخفيض موديز لتصنيف المغرب يدق هذا الناقوس، إذ يترتب عليه ممارسة الخزينة لضغط قوي على الادخار وتقليص إمكانيات تمويل الاقتصاد ومفاقمة أزمة السيولة البنكية، حيث لجأت الخزينة إلى السوق الداخلية لاقتراض أزيد من 52 مليار درهم سنة 2012 ، وذلك فضلا عن التضحية بنفقات الاستثمار المقررة وكذلك التضحية باستثمارات المؤسسات العمومية الإستراتيجية والمنتجة نتيجة مطالبتها بزيادة مساهماتها لتمويل الخزينة ، كما حدث مع المكتب الشريف للفوسفاط في سنة 2012 ، مع خطر تضخيم المديونية الخارجية من جديد متى تم اللجوء للسوق الدولية للاقتراض بكثافة أكبر بدعوى وجود هامش .
ويسجل ، في هذا السياق ، أن ليس العجز الإجمالي للخزينة هو الذي تفاقم بشكل كبير واقترب من مستويات ثمانينات القرن الماضي ، كما هو الشأن بالنسبة للحساب الجاري لميزان الأداءات ، بل إن تطورا سلبيا آخر عرفه الادخار العمومي ، حيث تشير الإحصائيات التي كشفت عنها الخزينة العامة مؤخرا أنه تم تسجيل رصيد عادي سلبي بلغ – 18 مليار درهم سنة 2012 مقابل رصيد إيجابي بلغ 6،2 مليار درهم سنة 2011 ، علما بأن هذا الرصيد الإيجابي كان أعلى في السنوات السابقة و مكن من تمويل جزء مهم من ميزانية الاستثمار ، كما ساهم في رفع معدل الادخار الوطني الذي بدأ بالتراجع مند 2010 ليصل إلى 26 في المائة سنة 2012 مما سيترتب عليه ارتفاع عجز في حاجيات تمويل الاقتصاد الوطني يقارب 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام وتراجع معدل الاستثمار إلى أقل من 34 في المائة الذي تجاوزه في السنوات الأخيرة ، دون أن ينعكس بوضوح على النمو في إطار مفارقة من المفارقات المغربية المتعددة.
سياسة لا تضخمية في غياب التضخم
ووفقا للمندوبية السامية ، فإن معدل التضخم ، مقاسا بمؤشر الأسعار لدى الاستهلاك ، قد بلغ 1،3 في المائة سنة 2012 نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية على الخصوص بنسبة 2،2 في المائة ، هذا بينما ارتفع التضخم الأساسي بنسبة 0،8 في المائة (يستثني أسعار المواد والخدمات المتقلبة أو المحددة ) ، وهو ما يطرح سؤالا كبيرا حول علاقة السياسة النقدية المتشددة التي يتشبث بها والي بنك المغرب بدعوى الحفاظ على استقرار الأسعار بواقع الأسعار وتطوره ، خصوصا وأنه يترتب عن تلك السياسة النقدية ليس فقط تدمير النقود أكثر من إحداثها كما سلف وبالتالي مفاقمة أزمة السيولة البنكية وتعقيد تمويل الاقتصاد ، بل وتترتب عليها على المدى التوسط مفاعيل تضخمية بالنظر إلى ارتفاع الفوائد البنكية ، ومعها أقساط المخاطر في ظل الأزمة الحالية، بينما الهدف المتوسط المفروض أن بنك المغرب يعتمده في سياسة استهداف التضخم هو معدل الفائدة ، والبين أن بنك المغرب لا يصيخ سمعا لما يحدث في العالم في ميدان السياسة النقدية بالضبط حيث يتم الانتقال من منظور وسياسة نيوليبراليين انتصرا في أواخر السبعينات مع فولكر إلى اعتماد منظور التركيب الجديد الذي يستوعب كينز، الذي كان كتابه عن النقود منطلق نظريته التي دققها في ثلاثينات القرن الماضي . ويرجى أن يفي الحليمي بوعده بإجراء دراسة موضوعية حول السياسة النقدية كما أعلن عن ذلك في ندوته الصحفية ولا يتراجع عن ذلك لهذا السبب أو ذاك ، لأن البلاد تحتاج إلى فتح نقاش حول موضوع يراه والي بنك المغرب اختصاصا حصريا لاحق لأحد في أن يناقشه فيه وكيف قانون البنك المركزي ، المنقول عن قانون البنك المركزي الأوروبي الذي يعني دول متعددة ، مع تصوره.
وإذا ما لم تقدم الحكومة على خطوة عشوائية في ميدان إصلاح المقاصة ، إذ التضخم لا يمكن أ ن ينتفخ إلا من قرار عشوائي ، فإن المغرب يمكن أن يجد نفسه في وضع لا تضخمي أو انكماشي ضد الاقتصاد ، خصوصا في ظل التراجع المحتمل للطلب الداخلي ، وبالأخص استهلاك الأسر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.