في كتاب فن الحرب لمؤلفه الشهير "سون أتزو" يقول هذا الداهية والخبير في الحروب "حين يتملكك اليأس ،يجب أن تقاتل " وحين قمت بالسفر لمدن الأطلس أو ما نصطلح عليه نحن الشماليين "بالداخل " كناية على أننا لا نعرف شيئا عن داخل المغرب وأن أغلبنا يفضل الهجرة والسفر لجهة الشمال أكثر حيث بلاد النور ،ارتسمت على ملامحي علامات الدهشة والتعجب حول ما إذا كان المغرب فعلا جدير بلقب "الدولة" . سمعت كثيرا عن التهميش وظلم السلطة في المغرب لمواطنيها وتوغل الفساد وتوحشه وفاقة الناس وحاجاتهم بحكم أنني نشأت في بيئة هي الأخرى تحمل كل مواصفات "الحكرة " لكنني لم أكون أتوقع أن يكون التهميش والتفقير في مدننا المغربية قد وصل هذه الدرجة من الخطورة في الألفية الجديدة والربيع العربي والشعارات البراقة التي ما فتئت السلطة الحاكمة تتغنى بها. بدأت سفري وقد مررت بالعديد من المدن بدءا من العرائش وما تلاها من القصر الكبير وسوق الأربعاء وسيدي قاسم والحاجب ومكناس وأزرو وعين اللوح إلى غاية مدينة خنيفرة وفي كل مدينة كنت ألاحظ التهميش والفقر وتفشي المخدرات والأوساخ والبطالة وضعف الأمن وأحيانا انعدامه والبغاء الذي يصبح في كثير من الأحيان تجارة ألفها الناس وتطبعت معها القلوب وصار الحرام تجارة مباحة ومشروعة على مرئ ومسمع من السلطات . لست هنا أقول أن طنجة لا تعانى من هذه الظواهر التي تتحمل فيها الدولة القسط الأوفر والأكبر بحكم سلطانها وقوتها الزجرية وهيمنتها على الأموال وقوت البسطاء ولكن ليس بالحدة والخطورة نفسها و التي توجد عليها في الكثير من المدن المغربية الأخرى. كنت أسمع عن البؤس الشديد التي تغرق فيه وتفشي جرائم القتل لأتفه الأسباب وكنت في كل مدينة أبيت فيها أستغرب أكثر عن سر هدوء هذه المدن واستسلامها وخنوعها رغم أن مقومات الثوران والانفجار ضد التهميش والظلم قائمة ولشدة ما استغربت له أكثر هو اليأس والإحباط الذي يوجد عليه الكثير من الشباب مع أن الظروف تعطى الانطباع أن هؤلاء المهمشون والمنسيون والمضطهدين اقتصاديا واجتماعيا هم الأحق بالثورة والعصيان المدني ،لكن ما من شيء يدل أو قد يدل على انطباق المثل الذي افتتحت به المقال والذي قال به "سون أتزو " في كتابه فن الحرب . في غمرة تساءلي وحيرتي وبحثي مع نفسي ومع بعض الناس اكتشفت الجواب أو ربما قد يكون جوابا على سر هذا الذل والخزي الذي يوجد عليه الكثيرون من أفراد الشعب ، السر يكمن في الترف نعم يكمن في الترف لكنه الترف بالمقلوب و الذي وصل اليوم إلى عموم المسلمين حتى وصل إلى فقرائهم!!.. فالرجل قد لا يجد قوت يومه ثم هو لا يستغني عن السيجارة!!.. ويكاد لا يجد ما يستر به نفسه وأولاده ثم هو يجلس بالساعات في المقاهي والكافيتريات، وقد لا يستطيع أن يعلم أولاده ولكنه حريص كل الحرص على اقتناء فيديو أو صحن فضائي!!. قلت المسلمين لأننا أمة واحدة وحدها ظلم الحكام وفساد النظم والبطانة ولقد رأيتم جميعا كيف عم الربيع العربي معظم البلدان العربية المسلمة واحدة تلو أخرى ولا زال بعضها في باحة الانتظار ومنها المغرب لأننا ببساطة جسد واحد لا يقبل الفصل ،ذلك أن هذا الترف مؤداه الجهل والبعد عن الله وتعاليم الإسلام لأن العلم والمعرفة تستحيل أن تهادن الظلم والاستبدادية وترضى بهما كخيار مسلّم بهما . بإحدى هذه المدن صادفت أحد الشبان الذي بدأ يحكي لي بسلاسة وبعفوية ممزوجة بإحباط شديد كيف أنهم يقطعون عشرات الكيلومترات حاملين مريضا أو إحدى الحوامل لمستوصف لا يحمل غير الاسم وكيف أنهم ينقطعون عن العالم الخارجي شهورا في فصل الشتاء ولا يعرفون شيئا عما يجري في المغرب وكأنهم لا ينتمون لهذا البلد بتاتا وكيف أن الفواحش والأمراض تسري بينهم بسبب الجهل والتخلف وغياب كل أشكال السلطة والتنظيم والتربية ثم ختم لي "أية دولة هذه التي لا تستطيع أن تمد لمواطنيها طريقا أو تبني لهم مستوصفا أو حتى مدرسة ؟ !". تذكرت في غمرة حديثي مع هذا الشاب تلك المليايير التي تصرف على البلاط وهي أموال باهضة وضخمة بكل المقاييس تصرف في عز الأزمة والوضع الاقتصادي الكارثي بينما أحرى لها أن تذهب لمستحقيها من المواطنين المغاربة الذين يكابدون شظف العيش وكل أشكال المهانة والذل لكن لا حياة لمن تنادي فقد كنا أعزاء بالإسلام ولما ارتضينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله .