في الربيع المنصرم وخلال هذا الصيف القائظ عمدت السلطات الجزائرية والمغربية إلى اعتقال عدد من الصحافيين والنشطاء المدنيين المعروفين بانتقادهم للحكم القائم. ويظهر أن السلطات في البلدين الجارين قد استغلت الأوضاع الوبائية الخطيرة والتي خلقت، على الأقل خلال أشهرها الأولى، نوعا من الوحدة الوطنية للإجهاز على الأصوات المزعجة. هكذا يوجد رهن الاعتقال الصحافي خالد درارني منذ 27 آذار/مارس الماضي وهو متابع بتهمتي المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير المسلح وذلك لمشاركته في تغطية الحراك الديمقراطي بالجزائر وانتقاده الشديد للسلطات. ودرارني صحافي معروف فهو يمثل منظمة مراسلون بلا حدود بالجزائر كما أنه يشغل منصب المدير المؤسس لموقع قصبة تريبيون، وهو مراسل للقناة الفرنسية تيڤي 5 موند كذلك. وقد أصدرت محكمة سيدي مَحمد منذ أسبوعين حكما قاسيا على درارني مدته ثلاث سنوات من السجن النافذ. كما قضت منذ ثلاثة أيام محكمة بمدينة قسنطينة في شمال شرق الجزائر، بعامين من الحبس النافذ على عبد الكريم زغيلش وهو صحافي وناشط سياسي، أُدين رسميا بتهمتي «المساس بالمصلحة الوطنية» و«إهانة رئيس الجمهورية». يوجد كذلك بالسجن العديد من النشطاء الحراكيين بتهم تتعلق كما في الحالتين السابقتين بالمساس بالوحدة الوطنية والدعوة للمشاركة في التظاهر غير المرخص له. وكانت قد أكدت في السابق اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين بالجزائر أن المواطنين، المعتقلين أو الذين يتعرضون لاستنطاق من لدن الشرطة ثم يطلق سراحهم، تتم مساءلتهم عموما حول الآراء المنتقدة للسلطة والتي يعبرون عليها في شبكة الويب أو غيرها من الفضاءات. وإذا قارنا ما قلنا أعلاه بما يقع بالمغرب خلال نفس الفترة وقبلها بقليل نلاحظ أن هناك فرقا صادما في ما يخص التهم التي توجهها السلطات للصحافيين والمعارضين الأكثر ازعاجا. يبدو أن الحكم المغربي أكثر دهاء وأقل شفافية في محاربته لمنتقديه. فهو يستغل حساسية ما يمكن أن نسميه الأخلاقيات الجنسية لتوسيخ معارضيه. فأشهر المحاكمات والاعتقالات خلال السنتين الاخيرتين تدور كلها حول الجنس. ففي سنة 2018 اعتقلت فرقة أمنية مكونة من حوالي أربعين شرطيا وضابطا الصحافي الشهير توفيق بوعشرين المدير المؤسس لجريدة أخبار اليوم الصادرة بالدار البيضاء. اتهمت النيابة العامة الصحافي الذي تجرأ على انتقاد أقوى مسؤولي الدولة المغربية في افتتاحياته التي حازت شعبية كبيرة، باغتصاب خمس عشرة امرأة وبالإتجار في البشر. ورغم الانعدام الكامل لأية حجة مادية دامغة تدين الصحافي ورغم أن أكثر من نصف الضحايا المفترضات إما قاطعن جلسات المحاكمة وإما غادرن المغرب مؤقتا أو نهائيا أثناء المحاكمة، ورغم أن ثلاث نساء، أرغمتهن الشرطة المسيسة على الدخول في القضية، صرحن علانية أنهن لم يتعرضن لأية سوء معاملة أو تحرش من لدن الصحافي، فقد حكم على بوعشرين ابتدائيا باثني عشر عاما سجنا نافذا. رغم هذا الحكم الثقيل لم يتراجع الصحافي عن مواقفه التي كان يعبر عليها في افتتاحياته اليومية، بل إنه أدان أثناء محاكمته الاستئنافية، لا أخلاقية ودناءة من تسببوا في محنته ومحنة أسرته، فما كان من القوى النافذة التي استهدفها في تصريحاته أمام المحكمة إلّا رفع مدة السجن النافذ إلى خمسة عشر عاما. وقبل صدور هذا الحكم الجائر بأسابيع قليلة اعتقلت فرقة من حوالي اثني عشر شرطيا، نصفهم مسلحون بكاميرات، صحافية اسمها هاجر بنفس جريدة أخبار اليوم. وكانت التهمة طبعا إقامة علاقة خارج الزواج والاجهاض. وبعد ذلك بحوالي تسعة أشهر، أي في 22 مايو/أيار 2020 اعتقل سليمان الريسوني رئيس تحرير نفس اليومية المنتقدة للسلطة وبتهمة جنسية كذلك. وبعده بشهرين تقريبا اعتقل رئيس تحرير جريدة لوديسك الصحافي عمر الراضي بنفس التهمة، أي الاغتصاب بالإضافة إلى التجسس وكلا التهمتين تلحقان ضررا بليغا بسمعة وشرف الشخص المفترى عليه. وفي الحالة الأخيرة يجب التذكير أنّ السلطات تطارد عمر الراضي منذ سنوات لمّا كشف المستور من الفساد على أعلى مستوى في تحقيق له أصبح يعرف إعلاميا بقضية فيلات خدام الدولة. كما أن منظمة العفو الدولية قد برهنت، في يونيو/حزيران الأخير، أي شهرا واحدا قبل اعتقاله، في تقرير تقني مفصل أن هاتف الراضي تتجسس عليه السلطات المغربية باستعمال التطبيق الخبيث بيغاسوس الذي تصنعه الشركة الاسرائيلية إين إس أو NSO... والخلاصة أنّ الهواء في المغرب صار غير قابل للتنفس. واقع ضاغط أصبح يستشعره الجميع. واقع سماه، في عريضة شهيرة 400 أديب وفنان وفاعل ثقافي مغربي وفي صورة أدبية جميلة: «هذا الظل». على الأقل في الجزائر هناك شفافية في القمع. هناك حكام مستبدون يضعون في الظل، أي السجن، معارضيهم المطالبين بالديمقراطية بتهم سياسية واضحة. أمّا في المغرب فالحكام قد أغرقوا البلاد كلها في ظلام دامس من الكيد والنميمة والتشهير. حتى أصبح الناس خائفين ولا يعلمون بالضبط مما هم خائفون. المصدر: القدس العربي