الديمقراطية ، المجتمع المدني، فصل السلط، المواطن، السلطة الرابعة ، استقلالية القضاء ، المقاربة التشاركية، الدولة، الجهاز التنفيذي، المواطنة...كلها مصطلحات ومفاهيم سياسية ومدنية حديثة "نتبسل" و نتحرش عليها عندما نستعملها داخل بلدان غارقة في أوحال الاستبداد والفساد السياسي ، الذي يعتبر أم الفساد ، وأية محاولة للإصلاح بالقفز على هذا المشكل ستنتهي بالفشل، وما يحدث اليوم لحزب بنكيران وحكومته خير دليل على ذلك. يقشعر بدني وينتابوني شعور غريب كلما سمعت مثل هذه المفاهيم وتنهمر علي مجموعة من التساؤلات:هل من حقنا أن نتكلم هذه اللغة التنويرية ؟ ماذا سوف يقول مونتسكيو، الذي أصيب بالعمى قبل أن ينهي كتابه 'روح القوانين' حول فصل السلط ، عندما يسمع أن هناك فصل السلط في المغرب أكيد أنه سوف يضحك و يسخر منا ؟ إذا كنا نعيش فعلا في ظل ما جاءت به الحداثة وعصر الأنوار، ماذا عن المظاهر التقليدية المتمثلة في تجديد البيعة كل عام ؟ ماذا عن مفهوم المخزن المتغلغل في أذهان المغاربة ؟ ترى الباحثة هند عروب في حوار أجرته مع "هسبريس"أنه يجب استعمال لفظ رعية عوض مفهوم المواطن لأن الكلام عن المواطن يقتضي ويتطلب شروط وظروف سياسية وسوسيوقتصادية محددة. المواطنة في نظرها تعني ربط المسؤولية بالمحاسبة ، هذا المبدأ في التسيير و الحكم غير وارد في بلدنا ببساطة لأن دستور2011 ينص ويؤكد على فكرة إمارة المؤمنين ، بمعنى لا مجال للمساءلة والمحاسبة . يتضح من خلال هذا التحليل أن استعمال مصطلح المواطن أمر غير مقبول لأنه يحتاج إلى بيئة سياسية ، اقتصادية واجتماعية لكي ينمو ويكبر . كثيرا ما نسمع كذلك نداء حب الوطن، كأن هناك من يكره الوطن، وهل هناك أصلا إنسان في العالم يكره بلده ووطنه؟ متى نفرق بين الوطن والمسؤولين؟ لماذا كل من خالف وانتقد سياسات وقرارات الحكام والمسيرين نتهمه ونشك في وطنيته؟أين نحن من مقولة "فولتير":{قد أخالفك الرأي ولكني مستعد أن أدفع ثمن حياتي مقابل حقك في التعبيرعن رأيك }. المواطنة لا تتجلى فقط في رفع العلم الوطني وحفظ النشيد الوطني ، المواطنة أكثر من ذلك بكثير إنها حقوق وواجبات ، إنها عودة السلطة لمصدرها الحقيقي وهو الشعب، إنها ربط المسؤولية بالمساءلة، نعم من الواجب أن ندفع الضرائب ولكن من حقنا أن نعرف أين تذهب و في ما أنفقت. المواطنة تعني خدمات صحية في المستوى، تعليم جيد، قضاء نزيه ومستقل، سكن لائق، إعلام حر بمبادئه الثلاث(الإخبار، الترفيه، التثقيف)...عندما تتوفر كل هذه الشروط آنذاك نتحدث عن المواطنة كما هي متعارف عليها في التجارب الديموقراطية. نفس الكلام ينطبق على ما يسمى عندنا تعسفا المجتمع المدني، هذا الأخير يمثل في الدول الديمقراطية سلطة خامسة تراقب وتوجه مؤسسات الدولة والجهاز التنفيذي، الذي من صفاته التطوع، الاستقلالية، عدم استهداف الربح المادي... أما عندنا فسوف أترك للقارئ الكريم ليقرر ماذا يفعل المجتمع المدني عندنا ولماذا وجد؟ في الختام نتمنى أن نعيد النظر في مفاهيم وأفكار عصر النهضة التي نستعملها ونتجرأ عليها في حين أن التقليد هو السائد واللغة التي يجب أن نبقى مخلصين وأوفياء لها هي الاستبداد عوض الديمقراطية ، المجتمع الأهلي عوض المجتمع المدني ، المخزن عوض الدولة ، البيعة عوض الدستور ، الإعلام ألمخزني بدل السلطة الرابعة، الرعايا عوض المواطنين. ببساطة لأنه لا مواطنة بدون ديمقراطية، ولا ديموقراطية بدون مجتمع مدني حقيقي، ولا يمكن أن نتصور دولة ديمقراطية في غياب فصل حقيقي للسلط واستقلالية القضاء.