لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. الدستور المغربي: الباب الثاني _ الفصل 22 منذ عقود شاعت بالمغرب أخبار التعذيب، كما ذاع صيت «الجلادين» وما يمارسونه في حق المعتقلين،حيث كان التعذيب وسيلة عادية في التحقيق مع المعتقلين. وتشاء الأقدار أن يتجاوز ضحايا التعذيب دائرة المعاناة، عندما وقفوا يَحكون للعالم أنماطا مختلفة من التعذيب، عبر جلسات استماع حملت من المرارة الشيء الكثير، رسمت فظاعة حقبة دامت سنوات،حقبة تفنن «رعاتها» في إذاقة ضحاياها أبشع أنواع التعذيب. وبشكل لا يتوافق تماما مع شعارات المرحلة في ظل الدستور الجديد الذي يجرم التعذيب، وبعد أن اعتقد الجميع أن التعذيب ذهب إلى غير رجعة وأصبح في دائرة الماضي الأليم، عرفت مدينة آسفي، على سبيل المثال لا الحصر، في السنة الماضية فصولا من القمع والإعتقالات العشوائية في صفوف المحتجين، سواء المنتمين لحركة 20 فبراير أو المطالبين بالشغل أو المشتبه في تورطهم في حادث أركانة الإرهابي، توجت فصولها باستشهاد كمال عماري ومحمد بودروة، كما كشفت عن فضائح جديدة من التعذيب، لم تطو مع صفحات ماضي الجمر والرصاص، التي أسست لتجربة الإنصاف والمصالحة. هنا بآسفي حاضرة المحيط، كما أسماها ذات يوم ابن خلدون، كان التعذيب حاضرا، دشنه جلادو المغرب الجديد، على عشرات أجساد الشباب الذين فضحوا ببياناتهم وتصريحاتهم عبر الجرائد الوطنية والمواقع الإلكترونية ما تعرضوا له من انتهاكات لحقوق الإنسان، ومع ذلك لم تتم مسائلة الجناة. أنماط التعذيب التي مورست في حق عدد من الضحايا المعتقلين بآسفي، خرجت لتعلن وبصوت عال عن حقيقة البشاعة والفظاعة التي تعرض لها بعض من شباب هذه المدينة، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم خرجوا ضمن حراك الربيع العربي، أو بحثا عن الشغل، هي أنماط من التعذيب، تنتمي كلها إلى «المدرسة المسفيوية» التي «تفننت» في ابتداع أساليب مختلفة من الإرهاق والإذلال والتحقير، التي مورست في حق شباب خرج فقط ليطلب الشغل، فكان قدرهم الإعتقال والزج بهم في ملفات ثقيلة، محاكمات ماراطونية وأحكام وإضرابات عن الطعام، ثم إفراج جزئي عن بعض المعتقلين . خرج المعتقلون ضحايا التعذيب بآسفي، منهم من آثر السكوت من شدة القمع والتعذيب خوفا من تكرار ما حصل، ومنهم من انبرى للبوح وفضح الجلادين، حتى أن الأفكار والأحداث والصور الحية التي عاشها ضحايا التعذيب بآسفي تزاحمت في أذهانهم مثل كتل ثقيلة، بعضهم لم يعرف كيف يبدأ الحكاية، ولا كيف يصوغ مجريات أحداث أليمة إلى كلمات معبرة، بعد أن استعصت مخارج الحروف عليه، وهو الذي كان يتكلم بشكل سليم مثله مثل أقرانه،قبل الإعتقال، مثلما هو الحال مع الشاب ياسين المهيلي العضو في الجمعية المغربية لخريجي المعاهد، الذي دخل المعتقل سليما معافى، وخرج منه بعاهة مستديمة وشلل نصفي، نتيجة التعذيب الذي تعرض له، بعد أن تقوس ظهره، واعوجت يده، ولم يعد يقوى على الكلام، والبوح بما تعرض له من تعذيب فظيع، وأصبح يرطن ويتمتم بكلام غير مفهوم، لا يستطيع فك طلاسيمه سوى العارفون في فنون الإشارة، وبعض المعارف والأصدقاء والأقارب، حتى أن هذا الشاب الخارج لتوه من المعتقل وغير القادر على المشي والمستند على الدوام بعكاز، لم يستطع في حفل استقبال المعتقلين المفرج عنهم إلقاء كلمة في الحضور، إلا بعد أن تمت الإستعانة بزملاء له من باقي المعتقلين، وسط حشد من المواطنين والتنظيمات السياسية والحقوقية والجمعوية بحي كاوكي، لحظة رهيبة وقف خلالها الجميع يصفقون تكريما لهذا الشاب الذي استطاع أن يتمتم بكلمات قليلة، رغم أنها لم تكن مفهومة، لكنها كانت كافية وبليغة ليقول على رؤوس الأشهاد أنه بريئ وأصدقاؤه من كل التهم التي وجهت لهم، ويحكي كيف أنه وزملائه تعرض لأبشع أنواع التعذيب، ويطالب المسؤولين بمحاكمة الجناة. هذا الشاب سبق أن راسل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وزير العدل والحريات، بشأن فتح تحقيق في ملابسات تعذيبه، كما تكفل المجلس بإجراء عملية جراحية له. وتشتمل وسائل التعذيب حسب روايات الضحايا، كما تناقلتها بعض من وسائل الإعلام، على الضرب العنيف للشخص الخاضع للتحقيق،واللكم والتصفيد، والبانضة في العيون، واستعمال الزراويط وعصا البلياردو، والتعليق في سقف غرفة الإستجواب، والحرمان من النوم والأكل، والتهديد بالإغتصاب، والضرب على العمود الفقري والصدر، وكذا الربط وشد الوثاق في وضعيات مؤلمة، ومحاولة إنزال السروال، وتقديمهم إلى النيابة العامة حفاة وآثار التعذيب بادية عليهم كما حصل مع عبد الجليل أكاضيل الذي بدت آثار التعليق واضحة على رسغي يديه المحفورتين وحالة قواه المنهارة. وقد تقدم كل من فريقا العدالة والتنمية في شخص البرلماني ادريس الثمري و الفريق الفيدرالي في شخص البرلماني ادعيدعة بأسئلة شفوية بالبرلمان حول ممارسة التعذيب بالمغرب، وخاصة معتقلي أحداث فاتح غشت بآسفي، معتبرين ما حصل من انتهاكات يناقض المضامين الدستورية الجديدة. ويعتقد حقوقيون أن قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره المغرب قبل سنوات، عزز ممارسات التعذيب في المراكز والمعتقلات المغربية، وفي هذا الصدد حصلت جريدة الإتحاد الإشتراكي على رسالة مكتوبة بخط اليد، مسربة من محكومي أركانة، ونشرها موقع آسفي اليوم، موجهة إلى وزير العدل والحريات وإلى الرأي العام، بروون فيها تفاصيل ما تعرضوا له من تعذيب، حيث ورد فيها أنه تم اختطافهم قسريا بالقوة من طرف أشخاص مجهولي الهوية، بحيث لم يتعرفوا على هويتهم ولا السيارات التي أقلوهم فيها، والتي لا تحمل أية علامات، ولا تشي بأنها سيارات تابعة لجهاز الأمن، ولم يذكروا لهم لا تهمة الإعتقال ولا أخبروا عائلاتهم حسب نص الرسالة. وأردفوا في ذات الرسالة المسرية أنهم تعرضوا طيلة مدة احتجازهم لكل أنواع التعذيب والتنكيل، من ضرب وفلقة، واستعمال الطيارة، وصب الماء البارد على الجسد، والعزلة الإنفرادية في غرف ضيقة ومظلمة مع التجريد من كل الملابس، والتهديد بهتك العرض، وعصب الأعين وتقييد الأيادي والأرجل طيلة مدة الإعتقال، مع الحرمان من النوم، وإدخالهم للمراحيض، ووضع الشيفون، والإكراه على التوقيع على أوراق كثيرة، دون الإطلاع على ما فيها ولا معرفة هل هي مكتوبة أم لا، وتضيف الرسالة أنهم علموا فيما بعد، أنها المحاضر التي قدموا على أساسها إلى المحاكمة وعلى أنها اعترافاتهم بحسب الرسالة. وتضيف الرسالة أنهم تعرضوا طيلة ثمانية أيام، قبل العرض على قاضي التحقيق، للتنكيل والتعذيب، وكانت حصص التعذيب تركز على ضرورة أن تكون أجوبتهم بنعم أمام شخص سيعرضون عليه، وتردف ذات الرسالة أنهم ما لم ينضبطوا لذلك ستتم إعادتهم وتعريضهم لأشد أنواع الإكراه والتعذيب، حتى أن أحد الحراس، تقول الرسالة، تبول على المعتقلين بحضور جميع مسؤولي السجن كما جاء في الرسالة. هذه بعض من نماذج الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعرض لها معتقلو آسفي، كما أن التقارير السنوية للجمعيات الحقوقية قدمت جردا مفصلا عن انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب، وتحدثت وبإسهاب عن الإنتهاكات التي طالت الحقوق المدنية والإقتصادية والثقافية، حيث هيمنت الخروقات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية على معظم التقارير، كما وجهت الجمعيات الحقوقية سهام النقد للمنظومة القضائية التي اعتبرتها غير مستقلة وتوظف في تصفية الحسابات. وعلى الرغم من أن التعذيب بكافة أنواعه يعتبر منافيًا للمبادئ العامة لحقوق الإنسان التي تم التوقيع عليها من قبل العديد من الدول، إلا أن معظم الدول الموقعة وضمنها المغرب، لا تلتزم بتطبيق البنود الواردة في المعاهدات المذكورة، نظرا للطبيعة المتكررة لمزاعم التعذيب أو سوء المعاملة، حيث ظهر جليا أن السلطات القضائية المغربية رفضت بصورة متكررة هذه المزاعم من دون إصدار أوامر بإجراء تحقيقات أو فحوص طبية، علما أنه وفقا للمواد 12و 13و 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب، يجب إجراء تحقيق سريع إذا كان هناك سبب معقول يدعو إلى الاعتقاد بأنه جرت ممارسة التعذيب أو سوء المعاملة خلال الاستجواب، أو عندما يدلي الأشخاص بمزاعم تتعلق بانتزاع اعترافات أو معلومات، أو لإجبار المعتقل على التوقيع أو البصم على أقوال يرفض مضمونها أو ينكرها أو لا يعرفها، وتقديم المسؤولين عن ارتكابها إلى العدالة، أياً يكن الجهاز الأمني الذين ينتسبون إليه، وكذا الأمر بإعادة المحاكمات في إجراءات تستوفي المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، بالنسبة لجميع الذين أُدينوا استناداً إلى أدلة ثبت أو اشتُبه في أنه تم الحصول عليها بواسطة التعذيب أو سوء المعاملة، خاصة أن قواعد المسطرة الجنائية أعطت للقضاء صلاحيات واسعة لحماية حرية الفرد وصون كرامته، ومنها مبدأ قرينة البراءة هي الأصل، وعدم الاعتداد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بعنف أو إكراه، وإلزام النيابات العامة بمراقبة أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية ومددها، وإخضاع المشتبه فيهم لفحص طبي كلما طلبوا ذلك من النيابة العامة أو قضاء التحقيق، أو على إثر معاينة آثار العنف على المتابعين. لكن على الرغم من أهمية هذا القانون، فإنه يبقى أمرا معلقا على ضمائر المسؤولين. لقد فتح ما تعرض له معتقلو أحداث فاتح غشت بآسفي وغيرهم، من تعذيب في المقرات الأمنية الباب للسؤال عن واقع حقوق الإنسان في المغرب، ومصداقية المزاعم التي يروج لها في المحافل والملتقيات الدولية حول احترام المغرب لحقوق الإنسان. ومما يدعم هذه الخلاصة هو العدد الكبير من الانتقادات التي يتعرض لها المغرب في تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، والتي تجمع على أن المغرب يعرف تراجعا عما حقق في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى استمرار شكاوي التعرض للتعذيب وتنديد الكثيرين بتقاعس السلطات المختصة في النظر فيها. يحدث ذلك بالرغم من أن المغرب وقع منذ سنة 1993 على اتفاقية مناهضة التعذيب، وصادق على قانون تجريم التعذيب رقم 43 _ 04 ضمن مدونة القانون الجنائي في الفصل 231، ومصادقة البرلمان في 2006 على قانون تجريم التعذيب، والمصادقة في ماي 2011 على البروتوكول الإختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما أفرد الدستور المغربي المعدل في استفتاء فاتح يوليوز 2011 فصلا كاملا وصريحا يجرم التعذيب بمختلف أشكاله في الفصل 22 من الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية.