المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر: كيف يقود الفساد الاقتصادي المغرب نحو الهلاك
نشر في لكم يوم 14 - 08 - 2012

ومجتمع مدني وحتى في أوساط العامة في المقاهي والأماكن العمومية، لا يسع المرء إلا أن يسعد لمثل هذا، لأن أول خطوة في طريق القضاء على الفساد هي الاعتراف بوجوده. بالطبع، مخطئ من يتصور أن الفساد في المغرب يمكن القضاء عليه بسهولة لأنه وببساطة متغلغل في كل مرافق الإدارات المغربية، بل يمكن القول أن الفساد في المغرب يمكن أن يكون من أعظم مقومات الدولة العميقة التي اصطلح عليها المصريون عند الإشارة إلى بقايا النظام السابق.
في خضم كل هاته الأحداث المتوالية والمتسارعة، والتي أصبحت فيها منظومة الفساد في المغرب حديث الجميع من حكومة وبرلمان
ومجتمع مدني وحتى في أوساط العامة في المقاهي والأماكن العمومية، لا يسع المرء إلا أن يسعد لمثل هذا، لأن أول خطوة في طريق القضاء على الفساد هي الاعتراف بوجوده. بالطبع، مخطئ من يتصور أن الفساد في المغرب يمكن القضاء عليه بسهولة لأنه وببساطة متغلغل في كل مرافق الإدارات المغربية، بل يمكن القول أن الفساد في المغرب يمكن أن يكون من أعظم مقومات الدولة العميقة التي اصطلح عليها المصريون عند الإشارة إلى بقايا النظام السابق.
في بلدنا، لم تكن هناك ثورة. ورغم كل ما يمكن أن يقال عن دستور وانتخابات 2011، فالأغلبية العظمى في المغرب اختارت أن يتم الاصلاح في المغرب بطريقة مختلفة عن الدول التي قامت فيها ثورات. ورغم إيجابيات خيار التغيير في ظل الاستقرار، فإن من أهم سلبياته أنه ترك كل شيء كما كان في السابق. فعند القيام بمقارنة سريعة بين مغرب ما قبل 2011 ومغرب ما بعدها، فلا نكاد نجد فرقا جليا وخصوصا على مستوى الوجوه التي اعتبرت مسؤولة عن ما وصل إليه المغرب من تحكم في السياسة وسلب للإرادة الشعبية، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، فؤاد عالي الهمة ومنير الماجدي وغيرهم ممن طالب الشعب برحيلهم في مظاهرات 20 فبراير ولم يتم إبعادهم بل على العكس تم تجميعم في حكومة ظل موازية تقوم على الحرص على مصالح النظام في مواجهة أي حملة ضد الفساد قد تمس المحيط الضيق الأعلى في البلاد.
المقاومة التي تبديها منظومة الفساد بينة وظاهرة للعيان. وهاته المقاومة تبين عن مدى قوة وتغلغل هذا اللوبي الفاسد في مفاصل الدولة. فالحكومة الحالية التي انتخبها الشعب لم ينتخبها لشيء أكثر أولوية واستعجالا من محاربة الفساد والقضاء عليه. فالمغاربة وإن كانت أغلبيتهم محسوبة على الأمية، فهم يعرفون الفساد حق المعرفة، بل إن أكثرهم يعتقد أنه واقعهم لم يكن ليكون بهذا الفقر والمأساوية لولا هذا الفساد. أما وقد انتخب الشعب حزبا كان في المعارضة منذ فترة ليست بالهينة، وأعطاه زخما شعبيا لاتخاذ كل القرارات المصيرية التي عجزت كل الحكومات السابقة عن اتخاذها، فسقف توقعات هذا الشعب المقهور على أمره أصبحت عالية جدا. في المقابل، نرى أن سقف طموحات الحكومة في محاربة الفساد قد نزل إلى أدنى مستوياته بعد 7 أشهر فقط من ولايتها.
ربما يكون الشعب قد تفاجأ من خرجات رئيس الحكومة الأخيرة التي أبان فيها عن خوفه أو دهشته، أو ربما تنازله أو إعلان هزيمته أمام
لوبي الفساد، لكن مفاجأتي شخيصا بدأت مع إقبار دفاتر تحملات القنوات العمومية التي أخرجت كأول محاولة إصلاح لقطاع نخره الفساد عميقا وأصبح يكدر على المغاربة عيشهم. الشيء الذي لا زال العديد من المراقبين يحاولون فهمه هو معنى ذلك الاستدعاء الملكي لرئيس الحكومة ووزيره في الإعلام آنذاك وكيف تم التراجع بل إلغاء تلك الدفاتر بطريقة مهينة. الكثيرون يطرحون فرضية أن الملك نفسه ضد إصلاح القنوات العمومية، أو ضد إعطاء الفضل كل الفضل للعدالة والتنمية في إصلاح الإعلام العمومي لكي لا يحسب لهم كإنجاز عظيم لم يجرؤ عليه أحد من قبل.
هناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن الفساد في المغرب يرتع في أعلى مراتب الدولة، وأنه ربما يكون أكبر من أن يحارب داخل المؤسسات. وما تراجع بن كيران عن لغته الحادة اتجاه المفسدين إلا تأكيد لذلك. فالرجل اكتشف أنه بصدد مواجهة ما لا قبل له به. والغريب في الأمر أن بن كيران اختار المهادنة دون الرجوع إلى الشرعية التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة. فتراه يحاول كسب الشرعية من المخزن وينسلخ من شرعية الشعب الذي صوت عليه، وهو خطأ جسيم قد يصيب مستقبل الرجل وحزبه في مقتل. فلا هو سينال الشرعية من نظام كان إلى الأمس القريب يمهد لحزبه الأخطبوطي للوصول إلى دائرة الحكم ضدا على الأرادة الشعبية، ولا هو حافظ على الشرعية التي كسبها من خلال كسبه لتفويض من صوت عليه لتسيير المغرب في هاته المرحلة الدقيقة.
ولكي يتضح لدينا أن الفساد لم يقتصر يوما على الصفقات العمومية أو نهم المال العام في المغرب، سأحاول بسط وجه عظيم من أوجه هذا الفساد ربما يخفى على كثير من المتتبعين للشأن السياسي. كما هو معروف لدينا فالاختيارات و القرارت الاقتصادية الكبرى في المغرب تتخذ على صعيد المؤسسة الملكية. بغض النظر على مسار الخوصصة والتي شابها اختلالات عظيمة تمثلت في بيع مقدرات الشعب المغربي للمستثمرين الأجانب بثمن لا يأخذ بعين الاعتبار القيمة المالية المستقبلية كما هو معمول به في الأسواق المالية المنظمة. فعملية تقويم الشركات عند بيعها لا تقتصر على ممتلكاتها ورأس مالها الآني، بل تمتد إلى القيمة المستقبلية لمشاريعها والتي تحتسب كمقدرات للشركة يتم احتسابه في عملية بيعها. أما وقد بيعت شركة اتصالات المغرب لشركة فيفاندي بثمن لا يعكسها وزنها الذي كان شبه احتكاري لتوفرها على بينة تحتية هائلة، ولا يعكس توقعات نمو سوق الاتصالات في المغرب، فقد ضيع على المغرب أموال كثيرة كانت لتنفع المغرب لو أن الشركة تم تقييمها بطريقة واقعية. الفساد في هذه القضية تجلى في تدخل عوامل سياسية ودبلوماسية في ثمن بيع اتصالات المغرب، وكيف أن صفقة بيعها تمت لشركة فرنسىية لها شبكة علاقات واسعة مع المسؤولين الفرنسيين الذين حتما مارسوا دورهم في عملية البيع هاته وأثروا حتى على ثمن البيع.
الواقع الاقتصادي للمغرب في الآونة الأخيرة يدل أيضا على وجه من أوجه الفساد. فعجز الميزان التجاري وعجز الميزانية، واللذان اصطلح على تسميتهما بالعجزين التوأمين المزمنين، نتيجة لسياسة اقتصادية يقودها إما هواة لا علاقة لهم بالاقتصاد، أو رجال مفسدون لا هم لهم سوى إرضاء الدول الحليفة و شراء السلم الاجتماعي. كيف يمكن لدولة مثل المغرب أن تنخرط في مسلسل توقيع اتفاقيات التبادل الحر مع دول لها شيهة تصديرية كبيرة و معروفه باقتصاداتها التي تنتج أكثر من احتياجات أسواقها. إن إقدام المغرب على توقيع اتفاقياتين للتبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بالإضافة إلى إزالة معظم الرسوم الجمركية على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي لأعظم زلة اقتصادية يمكن أن تؤدي بالمغرب إلى الهاوية. فالمغرب بطبيعته اقتصاد يعيش على الطلب الداخلي، أي أن شهيته للاستهلاك هي محرك الاقتصاد. وفي المقابل هاته الشهية الاستهلاكية تغري المستوردين المغاربة بإغراق السوق المغربية بكافة أنواع السلع الضرورية وغير الضرورية. فالاستيراد في المغرب هواية لأصحاب رؤوس الأموال لما فيه من هامش ربحي كبير على حساب الإنتاج الداخلي الذي يعني الأمرين. فالإنتاج الداخلي المغربي يعاني من فساد الإدارة وقلة التحفيز على الاستثمار وتعقيد المساطر الإدارية وكثرة المتدخلين وقلة مصادر التمويل وتوحش الأبناك و غلاء المعيشة التي تدفع الرواتب للارتفاع مما يؤثر على تنافسية الإنتاج الداخلي في مواجهة السلع المستوردة التي تستفيد من مناخ الأعمال الجيد في بلدها الأصلي ومن جودتها وحتى من رخص ثمنها. أن يقول المنتصرون لسياسة فتح أسواقنا أمام العولمة الاقتصادية المتوحشة أن التبادل الحر سيرفع من صادراتنا فهذا أكبر الجهل. فكيف لبلد لازالت فيه المقاولة الوطنية تعاني من كافة أشكال التضييق عليها أن تصبح مصدرة ناجحة؟ إن من أهم مقومات الأمم المصدرة تركيزها على ميزة تنافسية(competitive advantage) تجعل سلعها قابلة للبيع بسهولة في كافة أنحاء العالم. فمعروف أن السلع الصينية تتميز بثمنها المنخفض جدا نظرا لرخص اليد العاملة فيها والتي تعتبر أمل ميزة تنافسية للصين جعلت منها أكبر أمة مصدرة في العالم بعد أن كانت ألمانيا مستفردة بهذا اللقب لمدة طويلة. ومعروف أن ميزة السلع الألمانية هو أنها صنعت في ألمانيا التي اكتسبت شهرة في جودة ومتانة وتطور سلعها لمجرد أن أصبح جملة صنع في ألمانيا علامة للجودة (country of origin).
أتحدى أي مسؤول أن يعرض ولو ميزة تنافسية واحدة للسلع المغربية التي يكمن أن تؤهلها للمنافسه على الأسواق العالمية. فالرواتب عندنا من أعلى الرواتب في المنطقة وإن كانت لا تقارن بنظيرتها الأوروبية. وحتى قيمة الدرهم فهي مرتفعة عالميا مما يجعل السلع المغربية غير قادرة على منافسة نظيرتها الصينية، أو حتى المصرية. أما من يقول بأن السلع المغربية معروفة بجودتها فأقول له كيف يمكن أن تبرر عزوف المغاربة عىل هذه السلع إن كانت جودتها عالية؟ كيف يمكن أن تقنع الأسواق العالمية بجودة منتوجاتك في حين أن لم تستطع إقناع مواطنيك.؟
العرض القابل للتصدير في المغرب جد هزيل كما وكيفا. فاللذين عولوا على الصادرات المغربية أن تنقذ الميزان التجاري المغربي من الغرق في العجز بسبب الواردات الأجنبية، إما أنهم جاهلون بوضع التصدير المغربي أو أنهم فاسدون لا يهمهم مستقبل المغرب الاقتصادي بقدر ما يهمهم إرضاء أسيادهم في الولايات المتحدة الأمريكية وفتح أسواقنا لمصدريهم. فالملاحظ لتطور الواردات إلى السوق المغربية التي قفزت من 2004 إلى 2011 بنسبة %126 أو من 176 مليار درهم سنة 2004 إلى 400 مليار درهم سنة 2011 يبقى مندهشا من هذا الارتفاع الفاحش الذي قضى على احتياطات العملة الأجنبية للمغرب بشكل أصبحت لا تكفي سوى لبضعة أشهر. أما صادرات المغرب، فارتفاعها لم يكن بنفس الصاروخية التي اتسمت بها الواردات. ارتفعت صادراتنا بنسبة %91 من 147 مليار درهم في 2004 إلى 282 مليار درهم سنة 2011. أي أن صادرات المغرب ظلت ترتفع بمعدل متوسط قدره %10,21 بين سنة 2004 و 2011، بينما واردات المغرب ظلت على وتيرة الارتفاع بمعدل متوسط قدره %13,51 في نفس المدة. و بالتالي فعجز الميزان التجاري المغربي أصبح يقدر بحوالي 116 مليار درهم سنة 2011 بعدما كان لا يتجاوز 28 مليار درهم سنة 2004.
من المعلوم أن العجز في الميزان التجاري على الاقتصاد له مخاطر كبيرة كانخفاض احتياطيات العملة الصعبة التي تشتري بها الدولة ما تحتاجه من نفط وغاز وكهرباء وما إلى ذلك. ولنعلم مدى خطورة هذا العجز ما علينا إلا أن نتابع النقاش الدائر حوله في أكبر اقتصاد عالمي. فمجلس الكونكرس الأمريكي لا ينفك يحذر من خطورة تفاقم عجز الميزان التجارب لأمريكا والذي يعني لهم ارتفاعا مهولا في مديونيتهم الداخلية والخارجية. الشيء الذي أدى مؤخرا إلى تخفيض تصنيف أمريكا الإتماني لأول مرة في التاريخ. و على العموم، فإن وكالات التصنيف العالمية ك فيتش و ستاندردز آند بورز و موديز، تعتمد في تصنيفها على مدى قدرة الدول على التحكم في العجزين التوأمين: عجز الميزانية وعجز الميزان التجاري.
المطلوب الآن محاسبة الذين ورطوا المغرب في اتفاقيات اتضح بعد 6 سنوات من دخولها حيز التنفيذ أن المغرب أكبر الخاسرين فيها. فالطريقة غير الديمقراطية التي تمت بها مفاوضات اتفاقيات التبادل الحر لا يمكن إلا أن تؤدي إلى هذا الوضع الكارثي لقطاع التجارة الخارجية المغربي. فلماذا لم تتم الاستعانة بخبراء اقتصاديين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والحرص على مصلحة الوطن قبل التورط في إمضاء أي معاهدة من شأنها تغيير معالم الاقتصاد الوطني. هذا من أعظم الفساد الذي مكن أن يوصل المغرب إلى تخفيض تصنيفه الإتماني لا قدر الله في المستقبل القريب. وهذا يعني أن الاقتراض من الخارج سيصبح جد مكلف مما سيعطي الفرصة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لحشر أنوفهم مرة أخرى في رسم استراتيجية المغرب الاقتصادية أو ربما فرض خطط للتقشف قد تكون القشة التي تقصم ظهر المغرب اقتصاديا واجتماعيا. فكيف سيرضى أي موظف مغربي أن يتم تخفيض راتبه الشهري الهزيل أصلا لتصليخ خطإ قام به الطيب الفاسي الفهري الذي كان قيما على ملف التجارة الخارجية بتفويض مباشر من القصر.
إن الفرصة لمواتية لإصلاح الاقتصاد المغربي من خلال إقرار خطط لتحفيز المقاولات الوطنية والاستثمار في القطاعات المنتجة والمصدرة والمدرة للعملة الصعبة وذلك بصرف جزء من ميزانية الاستثمار العمومي على تهييء البنيات التحتية للشركات التي تريد التصدير وتحفيزها ضريبيا ودعمها ديبلوماسيا وسياسيا وإداريا.
عوض القيام بكل هاته الخطوات بشكل استعجالي، من طرف الوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية، اكتشفت من خلال بحث قمت به على مدى استفادة المغرب من اتفاقيات التبادل الحر، على أن الوزير الجديد المكلف بهذا القطاع قد تم الكذب عليه وتدليس أرقام لا علاقة لها بالواقع في تقرير قدم له حول وضع التجارة الخارجية. فعوض أن تقدم الأرقام الصحيحة للسيد الوزير عبد القادر عمارة والتي تنم عن أن ارتفاع واردات المغرب كان معدله المتوسط هو 13,51 في المائة بين سنة 2004 و 2011، أكتشفت في التقرير المسمى Analyse des échanges commerciaux du Maroc: principaux déterminants du déficit commercial
(1998-2011)
والذي أنجز من طرف خلية الدراسات الاقتصادية والقانونية بمديرية الشؤون العمومية بقطاع التجارة الخارجية في وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة وقدم للوزير الجديد سنة في فبراير سنة 2012. يورد هذا التقرير خطأ جسيما يعطي صورة وردية عن قطاع التجارة الخارجية في المغرب، حيث أن كاتبي التقرير وبدون أن يطرف لهم جفن يقولون أن تطور الواردات بين 2004 و 2011 كان متوسطه حوالي 10 في المائة، بينما كان تطور الصادرات المغربية أكبر بأربع نقط عن الواردات بمعدل 14 في المائة (الصفحة 4). وهذا والله أكبر الباهتان على وضع التجارة الخارجية في المغرب. حيث أنه وباستعمال نفس الأرقام الخاصة بحجم الواردات والصادرات في الفترة المذكورة وبالقيام بعملية حسابية بسيطة لتحصيل المعدل المتوسط، نحصل على أرقام مغايرة تماما وأقرب إلى الواقع. فالصادرات المغربية لم تنم بين 2004 و 2011 سوى ب 10,21 في المائة، بينما نمت الواردات المغربية من الخارج بسنبة 13.51 بالمائة، لنستنتج أن نسبة نمو واردات المغرب فاقت نسبة نمو صادراته بأكثر من 3 نقط خلافا لما جاء في تقرير قطاع التجارة الخارجية. و للتأكد قمت بحساب معدل النمو لأكثر من مرة وباستعمال أكثر من طريقة. و مما زاد يقيني بنظرية التلاعب بالتقرير عوض نظرية الخطأ أو السهو غير المتعمد، أن نفس الخطأ أو المغالطة تكررت للمرة الثانية في نفس الصفحة 4 من التقرير و في الصفحة 12. كما أن المعدل المتوسط لتفاقم عجز الميزان التجاري بين 2004 و 2011 هو تقريبا 27 في المائة وليس 24 في المائة المذكورة في الصفحة 12 من التقرير. هناك فرضيتان: إما أن خلية البحوث الاقتصادية والقانونية لا تعرف كيفية حساب المعدل المتوسط، أو أن الأرقام تم التلاعب بها عمدا لإظهار وضعية جيدة زائفة لقطاع بغاية الأهمية بالنسبة للاقتصاد المغربي.
ربما يكون تحاملنا على وزراء العدالة والتنمية في غير محله، لما رأينا من محاولة لتزييف الحقائق الاقتصادية البسيطة. فما أدرانا أن هناك من يزيف الأرقام في وزارات أخرى وبما حتى في رئاسة الحكومة لتقديم أرقام مغلوطة تنتج عنها سياسات وأولويات مغلوطة. فمنذ مجيء الوزير السيد عمارة إلى وزارته لم أسمعه يوما يتحدث عن مدى خطورة العجز في الميزان التجاري. وهنا يتبين لنا أن محاربة الفساد لا يمكن أن تنجح بتغيير رؤوس الوزارات فقط، بل من الضروري أن يحيط المسؤول نفسه بخبراء ذوي كفاءة عالية و نزاهة منقطعة النظير.
إني أدعو السيد الوزير المكلف بقطاع التجارة الخارجية، أن يلتمس لدى رئاسة الحكومة و وزارة الخارجية لإعادة النظر في بعض بنود اتفاقيات التبادل الحر خصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل في نفس الوقت على القيام بإجراءات استعجالية من شأنها وقف نزيف العملة الصعبة، كتخفيض قيمة الدرهم لكي تصبح الواردات أغلى على المستهلكين في السوق الداخلية و تصبح الصادرات المغربية أرخص في السوق العالمية رغم ما لهذا التخفيض من عواقب على نسبة التضخم. كما أدعو الحكومة إلى التسريع بالنهوض بالمقاولات المصدرة، والعمل على صياغة ميزة تنافسية للصادرات المغربية من ناحية ثمنها أو جودتها.
-- خبير في الاقتصاد الدولي
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.