هذا ما قالته مجلة (الإكونوميست): " كانت الفترة الممتدة بين 2009 و 2011 من أصعب المراحل في تاريخ الخطوط الملكية المغربية". سنة 2010 سجلت هذه الشركة العمومية خسارة فلكية قدرت ب، 930 مليون درهم. ولإنقاذها من الإفلاس قررت الدولة في شتنبر 2011 ضخ مبلغ 1.6 مليار درهم كزيادة في رأس مالها. حينها انخرط الرئيس المدير العام للشركة ادريس بنهيمة في مجهود جبار لضبط الانفاق بهدف تحقيق توفير أكبر في الميزانية، فقام بإلغاء 1.560 منصب شغل، وباع كل "ممتلكات الشركة الغير استراتيجية"،.... وبذلك : "ستتمكن الشركة مستقبلا من التركيز على صلب نشاطها الأساسي" وفق ما أقسم عليه بنهيمة.../... تحقيق: أحمد بنشمسي سنة قبل ذلك، لم يكن الجو هو نفسه، فبالرغم من العجز التاريخي الذي كان واضحا حينها إلا أن إدارة الشركة كانت تتمتع بحس مغامراتي. أثناء انعقاد مجلس إدارتها بتاريخ 14 شتنبر 2010، قررت الخطوط الملكية المغربية شراء 24 في المائة من أسهم شركة "بايسيس المغرب" (Baysys Morocco)، وهي فرع من شركة أمريكية.. متخصصة في التجهيز الفاخر للطائرات. وبالرغم من أن هذا النوع من النشاط لا علاقة له بصلب نشاط الخطوط الملكية المغربية كما وعد بنهيمة من قبل إلا أن هذا الفرع الصناعي متخصص في تجهيز الطائرات لحساب زبناء فاحشي الثراء وذلك بالصالونات الفارهة، و الحمامات الفاخرة و المريحة بالإضافة إلى المعدات عالية التقنية... الخ... ويشير محضر الإجتماع المشار إليه أعلاه إلى أنه و بالاضافة إلى 24 في المائة من الحصص التي اقتنتها الخطوط الملكية المغربية، ... سيظل ما قدره 51 في المائة من رأس مال "بايسيس موروكو" متحكم به من قبل الشركة الأم الدولية، في حين تعود نسبة 25 في المائة إلى شركة مغربية خاصة تحمل إسم "نيو اسيتس" (New Assets) . "نيو أسيتس" شركة ذات مسؤولية محدودة برأس مال قدره 100.000 درهم. وهي مملوكة بالكامل للشركة القابضة "ف س هولدينغ" (FC Holding) والتي تعود ملكيتها بالكامل ل ... منير الماجيدي الكاتب الخاص للملك محمد السادس الرجل الذي تهابه وتنافقه وتكرهه أوساط رجال المال والأعمال المغربية. لكن، ماذا جاء يفعل رجل أعمال العائلة الملكية، بشكل شخصي، في قطاع الطيران؟ عهدنا منير الماجيدي في مجال ملصقات الإعلان و الإنعاش العقارية، لكن من أين جاء اهتمامه الجديد بالتجهيز الفاخر للطائرات الخاصة؟ --- تعود القصة إلى سنة 2010 ، وفي ظروف لا زالت بحاجة إلى المزيد من الإضاءة عندما قام بالاتصال بالمسمى "ستيف والطون" (Steve Walton) الرئيس المدير العالم لشركة "بايسيس الدولية" (BaySys International LLC)، والتي يوجد مقرها المركزي بولاية فرجينيا بالولايات المتحدةالأمريكية. باعتراف السيد "والطون" الذي يقول: "شركتنا تكاد تكون غائبة عن الأنظار، فنحن ندخل الطائرات داخل مرآب كبير، نغلق البواب، ولا أحد يعرف ماذا نفعل بالداخل". و يفسر هذا التكتم طبيعة سرية الطلبات التي تتلقاها الشركة غالبا من رؤساء دول من العالم الثالث الذين يفضلون الحفاظ على سرية ما ينفقونه من مبالغ خيالية في هذا المضمار. ويضيف واطسون: "في الوقت الذي اتصلوا بنا بمعية الكاتب الخاص للملك محمد السادس كانت الشركة في مرحلة اتمام، في مرآب ضخم تستأجره من الوكالة الأمريكية للفضاء 'نازا'، التجهيز الداخلي لطائرة (Airbus A-340) على شكل خيمة بدوية، لحساب أمير خليجي". في تلك الفترة كانت الشركة الأمريكية تمر بصعوبات مالية خانقة نتيجة وفاة زبون كبير في يونيو 2009، يتعلق الأمر بالدكتاتور الغابوني "عمر بونغو"، حيث رفض خلفه أداء فاتورة بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي. "بايسيس الدولية" اضطرت إثر ذلك للإستغناء عن 60 مستخدما و تقليص أجور من تركتهم في الخدمة بنسبة 20 في المائة . وبالرغم من أن العقد الخليجي أعطى للشركة نفسا جديدا إلا أنها كانت تمر بأزمة حقيقية. كراء المرآب من "نازا" بصفة خاصة يرهق ميزانية الشركة بشكل كبير. وكان على الشركة أن تعيد النظر في أمور كثيرة، الأمر الذي دفع الرئيس المدير العام للقول: " للخروج من المأزق نحتاج إلى أمرين: مرآب وشريك مالي". في يونيو 2010 بدا وكأن "ستيف واطسون" عثر على ما كان يبحث عنه.. في المغرب. وصرح حينها لوكالة "رويترز" للأنباء قائلا: "أن 'بابيسيس الدولية' وقعت اتفاقية مع مستثمر إقليمي استراتيجي لإقامة مركب صناعي بالدار البيضاء (...) بهدف تنفيذ أشغال التجهيزات الداخاية الفاخرة لطائرات الشخصيات الهامة ورئساء الدول". لكن، من هو هذا "المستثمر الإقليمي الإستراتيجي"؟.. طبعا لا يتعلق الأمر بالخطوط الملكية المغربية ما دام مجلس إدارتها لن يعطي الموافقة على هذه العملية إلا 3 أشهر بعد ذلك. لم يبقى إذن غير السيد الماجيدي، الذي يلعب دور "الجالب للصفقات". غير أن الكاتب الخاص للملك كان يسعى للحفاظ على سرية هويته ، خصوصا تجاه رجال الأعمال المغاربة الذين يتهمونه باستغلال موقعه بالقرب من الملك للحصول على شروط وامتيازات ليست في متناول المستثمرين العاديين. ما سيحدث بعد ذلك يؤكد صحة هذا التوجس، إنها حالة خاصة بمدرسة "الماجيدي بيزنيس" أو (الماجيدي للصفقات) بديناميكية علاقات معقدة و تأثير قوي. في 19 غشت 2010، سيتم تسجيل شركة تحمل اسم BaySys Morocco))"بايسيس المغرب" بكامل السرية في السجل التجاري بالدار البيضاء، برأس مال قدره: 50.000 درهم. هذه الشركة الجديدة يملكها الماجيدي 100 في المائة عبر شركتين في الواجهة: (New Assets) "نيو أسيتس" و ((FC Holding. La SARL "ف س هولدينغ شركة ذات المسؤولية المحدودة" أما نشاطها فحدد في : "تجهيز و صيانة الطائرات". ويشار أن الشركة التي نحن بصددها لا تتوفر على مقر ولا عمال، بحيث تمت مساكنتها في مقر شركة "ف س كوم " (FC Com) أي "شركة الملصقات الدعائية" التي هي في اسم الماجيدي ومركزها كائن بحي الأعمال بسيدي معروف بالدار البيضاء. أما مسيرها القانوني الوحيد فشخص يدعى سعيد حساني، عمره 40 سنة. وبالتالي كمسير لشركة الملصقات الدعائية لا علاقة له بتجهيز وإصلاح الطائرات. بكل تأكيد أن السيد الماجيدي الذي لا يفقه شيئا في قطاع الطيران قد اكتفى بخلق قوقعة فارغة ليستعملها في اللحظة المناسبة لجني أرباح في إطار "مشروع مشترك" بين المختصين في القطاع. واضح من خلال هذه العملية أن شركة "بايسيس الدولية" ستقدم أطرها ومعرفتها و حرفيتها في الميدان، لكن من سيقدم "المرآب والشريك الممول" لتكتمل الخلطة؟ بكل تأكيد ليس شركة "باي سيس المغرب" نظرا لطبيعتها السرية ورأس مالها الضعيف الذي يكاد لا يذكر... تبقى إذن شركة الخطوط الجوية الملكية... لكن هناك مشكلة صغيرة: الخطوط الجوية الملكية شركة عمومية لا يمكنها الإستثمار في شركة خاصة من دون ترخيص رسمي من الحكومة. في بداية 2011 كان من الصعب طلب هذا الترخيص نظرا لحالة شبه الإفلاس التي كانت تعيشها الشركة حيث خسرت ما يقرب من مليار درهم في سنة واحدة. الوقت إذن لم يكن مناسبا للمغامرة في مشاريع عجائبية من قبيل التجهيز الفاخر للطائرات الخاصة.. ومشروع من هذا القبيل سيرفض بكل تأكيد من طرف أية حكومة عقلانية مسؤولة عن تصرفاتها.. لكن يجب الإعتقاد بأن الحكومة في تلك الفترة لم تكن تتمتع بمثل هذه المواصفات.. و بأن الماجدي يتمتع بسلطات إقناع فوق العادة وخارج المقاييس المعهودة. --- في الفاتح من فبراير 2011، قام عباس الفاسي بصفته وزيرا للمالية وعباس الفاسي بصفته وزيرا أولا بالتوقيع معا على مرسوم حكومي يسمح بموجبه لشركة الخطوط الملكية المغربية شراء 24 في المئاة من رأس مال "شركة مشروع بايسيس المغرب. شركة مساهمة برأس مال قدره 1.5 مليون دولار أمريكي". لكن في لحظة توقيع المرسوم لم تكن "شركة بايسيس المغرب" سوى شركة ذات مسؤولية محدودة برأس مال قدره 50.000 درهم (6 ألف دولار أمريكي). كما هو مبين بالعنوان "شركة المشروع". الفكرة تكمن إذن في أنه و بمجرد أن تحصل الشركة على الضوء الأخضر من الحكومة ستتحول من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة مساهمة وتزيد بالتالي في رأس مالها عبر مضاعفته (250 مرة) بمساهمة من الشركاء. وبمقارنة هذه العملية بحجم رقم معاملات الخطوط الجوية الملكية، يكون الثمن الواجب دفعه للحصول على نسبة 24 في المئاة من الشركة الجديدة ليس كبيرا، أي ما قدره (360.000) دولار أمريكي فقط أي (2.8 مليون درهم) لا غير. غير أن شركة ادريس بنهيمة كان لها طموح كبير بالنسبة لفرعها الجديد: فخصصت له استثمار إجمالي قدره 31 مليون دولار (248 مليون درهم). أي ثلثي قيمة بناء المرآب الذي يحتاجه السيد "والطون". ليصل الإستثمار الإجمالي إلى ما يقارب 250 مليون درهم. ونظرا لحرصه على إرضاء السيد الماجيدي سيحتاج السيد عباس الفاسي والسيد مزوار في الحد الأدنى إلى مبرر لتمرير هذا الإنفاق الضخم من مالية الدولة، خاصة بالنسبة لشركة على عتبة الإفلاس والتي قامت الدولة لصالحها بعملية إنقاذ كلفت دافعي الضرائب 1.5 مليار درهم. فجأة، تضمن المرسوم الوزاري الذي رخص للعملية تبريرات عجيبة. سيخبروننا أن شركة "بايسيس المغرب" تعتزم خلال سنتها الأولى من النشاط تحقيق ربح قدره 5.4 مليون دولار أمريكي بالنسبة لرقم معاملات قدر ب 57 مليون دولار أمريكي... في حين أن المرآب وتحهيزاته، أي وسائل العمل الأساسية للشركة لا وجود لها على الأرض بعد. أكثر من ذلك، في سنة 2015، حسب ما أعلن عنه المرسوم الوزاري، سيصل رقم معاملات الشركة إلى ما قدره 249 مليون دولار وسيكون الربح الصافي في حدود 28 مليون دولار.. أي بنسبة زيادة سنوية مستمرة في حدود 50 بالمائة كل سنة (؟). هل يمكن أن تكون مثل هذه الأرقام الفلكية واقعية وتكتسي الحد الأدنى من المصداقية؟ السيد عباس الفاسي والسيد مزوار لا يبدو أن الأمر يشغلهم ولو لثانية.. إنه مكتوب أسود على أبيض في المرسوم الوزاري الرسمي (وكذلك في تقرير داخلي لبنك المغرب الذي سيكتفي بنقل نص المرسوم الوزاري كلمة بكلمة شهرين بعد ذلك): "مردودية شركة 'بايسيس المغرب' مبينة وفق ما يتضح من 'خطة العمل التجارية'". وبالنسبة لما سبق بسطه فإن أي مسير لشركة حتى لو كان الأقل كفاءة وتجربة سيقول لك : إنه لأمر سخيف الادعاء أن مردودية شركة لم تبدأ عملها بعد يعتبر بينا.. بناء فقط على توقعات مستقبلية افتراضية قائمة على احتمالات حسابية غير واضحة". الكلمة المفتاح في هذه القصة هي أن عملية "المشروع المشترك" (la joint-venture) الذي يحمع بين (بايسيس – الخطوط الجوية الملكية – الماجيدي) لم تنفذ بالمطلق. فالسيد الرئيس المدير العام للخطوط الملكية المغربية الذي اتصل به كاتب هذا المقال بالهاتف، تحدث عن "مشروع ولد ميتا" (projet mort-né) مع تحميله الخطأ للأمريكيين الذين "لم يأتوا بحجم المعاملات الذي وعدوا به". وفي اللحظة التي ينشر فيها هذا المقال كان من المستحيل الإتصال بالمسؤولين عن شركة "بايسيس الدولية". بقى سؤال أساسي: هل يمكن الدفاع أخلاقيا عن قرار باستثمار مبلغ 250 مليون درهم من أموال دافعي الضرائب المغاربة عبر شركة عمومية على عتبة الإفلاس في مشروع خاص يملكه الكاتب الخاص للملك وبموافقة رسمية من الحكومة؟ --- كاتب هذه السطور طرح هذا السؤال بوضوع على ادريس بنهيمة، والذي كان له الجواب المفاجأ التالي: "آه حسنا، الشخص الذي تذكره (في اشارة إلى الماجدي) كان شريكا في هذه العملية؟.. هذه مفاجأة!". سألته السؤال التالي : هل هذا إذن هو الرئيس المدير العام لشركة عمومية، يرأس مجلس إدارتها ليصادق على شراكة مالية، وبعد ذلك يبعث برسالة إلى الحكومة يطلب من خلالها الموافقة الرسمية للإقامة الشراكة.. وهو يجهل هوية شريكه؟ أجاب: "لا أعرف من الذي بعث من عندنا برسالة إلى الحكومة يطلب موافقتها على الشراكة". (هل يعقل أن لا يعرف السيد بنهيمة الرئيس المدير العام للخطوط الملكية المغربية من طلب من الحكومة الموافقة على مشروع ضخم بهذا الحجم؟) وعندما ووجه باسم الشركة المعنية أضاف: " New Assets ؟ الآن وأنت تقولها، رن جرس في رأسي، لكن لا شيىء أكثر، من دون شك كنت أظن أنهم أمريكيين، خاصة أن التسمية بالإنجليزية..". طبع، لسنا مرغمين لتصديق كلام السيد بنهيمة. لكن حتى لو صدقناه، فإن "عدم ابدائه لأضعف اهتمام بالموضوع" ينم عن إهمال خطير فيما يتعلق بتسيير المال العام الذي وضع تحت تصرفه و مسؤوليته... وحتى لو لم يكتمل فإن المشروع تم إقراره بمرسوم وزاري مصادق عليه من قبل أعلى هيئة رسمية.. وإلا فما معنى "عملية"؟.. الحكومة المغربية أعطت الضوء الأخضر لصرف مال دافعي الضرائب في شركة وهمية قدمت أرقاما غرائبية. ومن غير السيد الماجيدي كان يستطيع أن يحصل على مثل هذا الضوء الأخضر في مثل هذه الضروف؟ من الواضح أن هذه العملية الملتبسة تشكل موضوعا للتحري فيما له علاقة بخرق الفصل 36 من الدستور، التي تمنع استغلال النفوذ. وفي أقل تقدير، لدينا هنا مادة دسمة لسؤال شفوي في البرلمان.. شريطة – طبعا – أن يتحلى أحد نواب الأمة بالشجاعة الكافية لإثارة موضوع يورط الكاتب الخاص للملك علانية. كذلك، عندما اتصل كاتب هذا المقال ب "سعيد حساني" رجل ثقة منير الماجيدي ومسير شركة "بايسيس المغرب" و "نيو اسيطس" و "ف س كوم"، صرح، بعد أن تم إخباره بموضوع المكالمة: "أنا في اجتماع.. اتصل بي من بعد". بعد ذلك... لم يجب على الهاتف أبدا. --- تحقيق: أحمد بنشمسي (مدير نشر اكثر المجلات مبيعاً في المغرب:" تل كيل" و "نيشان"). ترجمة : ياسين شرف عن موقع (شباب المهجر).
