الشرع يصل إلى أمريكا في زيارة رسمية    كرة القدم: "أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي" (إنفانتينو)    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في العلاقة بين العروبة و الإسلام.. نماذج في النقد الذاتي
نشر في لكم يوم 30 - 05 - 2012


- عود على بدء
حينما أثرنا النقاش؛ في دراسة سابقة؛ حول إشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام في المشروعين؛ القومي و الإسلامي؛ كانت غايتنا فتح نقاش عميق حول هذه القضية؛ سواء في بعدها الفكري أو في بعدها السياسي؛ خصوصا و أن التيارين معا ظلا؛ لعقود؛ يمارسان سياسة صم الآذان في مواجهة الطرف الآخر؛ مع ما يستتبع ذلك من سياسة إلغاء مدروسة؛ إما لمكون العروبة لدى التيار الإسلامي؛ أو لمكون الإسلام لدى التيار القومي .
لقد فكرت في تطوير هذا النقاش؛ بعد اطلاعي على الكثير من أدبيات التيارين الإسلامي و القومي؛ في علاقة بالمسألة؛ لكن ما استوقفني؛ أخيرا؛ هو أن هناك أصوات من التيارين معا؛ كانت على وعي كبير بالإشكالية؛ و لذلك سعت إلى ممارسة نوع من النقد الذاتي؛ في علاقة بمرجعياتها الإيديولوجية؛ و نحن تهمنا هذه الأصوات؛ التي استطاعت أن تغلب المقاربة الفكرية على المقاربة السياسية/الإيديولوجية؛ في معالجتها لإشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام. و قد نجحت؛ من خلال محاولتها هذه؛ في استعادة قسط من التوازن الذي اختل؛ طيلة عقود من الصراع الإيديولوجي؛ كانت نتيجته؛ في الأخير؛ تهديد مباشر لمقومات الهوية العربية/الإسلامية؛ مع ما نشأ عن ذلك من اختلالات اجتماعية و ثقافية و سياسية ...
1- مراجعات الموقف الإسلامي .. السيد محمد حسين فضل الله نموذجا
ظهر التيار الإسلامي؛ في العالم العربي؛ في علاقة بالتحولات التي عرفتها الفكرة الدينية/الإسلامية؛ في سعيها لتحقيق العودة إلى النموذج السياسي الخليفي؛ كما ظهر كرد فعل من الأعراق غير العربية ( فرس؛ أتراك؛ هنود ...) ضد مكون العروبة؛ الذي اندمج مع المكون الإسلامي؛ لقرون؛ الشيء الذي تجلى لهؤلاء؛ باعتباره تهديدا لانتمائهم العرقي؛ و لذلك فقد سعوا إلى فصل الإسلام عن العروبة؛ محاولين بذلك تأكيد انتمائهم للحضارة الإسلامية؛ مع محاولة إلغاء المكون العربي منها.
لكن؛ إذا كان الأمر واضحا؛ في علاقة بمختلف الأعراق غير العربية؛ فإن الغموض يلف موقف الحركة الإسلامية في العالم العربي؛ التي استنسخت المشروع الحركي الإسلامي؛ إما في علاقة بالمودودي أو في علاقة بالخوميني؛ رغم أن الرجلين كانت لهما أجندتهما الخاصة؛ في علاقة بمشروعهما الفكري و السياسي؛ و هي أجندة لا يمكنها أن تنسجم؛ بالضرورة؛ مع المشروع الإسلامي في العالم العربي .
إن هذا الوعي؛ هو الذي استطاع أن يخترق المشروع الفكري؛ لواحد من أهم رموز الحركة الإسلامية ( ذات النزوع الشيعي)؛ و هو المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي دافع؛ بقوة؛ في كتاباته عن الارتباط الوثيق بين العروبة والإسلام؛ و هذه شجاعة فكرية و سياسية نادرة من مرجع شيعي؛ استطاع أن يتمرد على الإيديولوجية الشعوبية؛ التي صاغها القوميون الفرس؛ منذ العصر العباسي و مرورا بالثورة الخومينية؛ التي قلدت آيات الله كرسي الحكم.
يؤكد السيد فضل الله بوضوح تام: " لا مبرر على الإطلاق لمعارضة الإسلام بالعروبة أو العروبة بالإسلام، إلا إذا كانت العروبة جاهلية، أو كان فهم الإسلام شعوبياً مشوهاً" و السيد فضل الله واضح هنا؛ في الفصل بين العروبة كامتداد حضاري؛ و بين العروبة كانتماء قبلي/عرقي ضيق (الجاهلية)؛ و بنفس الوضوح يفصل السيد فضل الله بين الإسلام كواقع تاريخي لم ينفصل عن العروبة؛ و بين الإسلام الشعوبي؛ الذي تم توظيفه لتفيكيك أوصال الهوية العربية/الإسلامية الواحدة؛ إلى هويات متصارعة.
و في رسالة غير مباشرة لقادة الحركة الإسلامية في العالم العربي؛ الذين يسعون إلى استنساخ نماذج الآخر لتوجيه الواقع العربي؛ يؤكد السيد فضل الله: " أنا لا أتصوّر أن معنى؛ بأن تكون إسلامياً هو أن تنكر صفوف أمتك.. فلك أرض أنت مسؤول عنها؛ ولك شعبك الذي هو جزء من مجتمعك ولك مستقبلك الذي يرتبط بأكثر من جانب" .
هند عبيدين – أولويات الوحدة والنهوض في خطاب الإمام السيد محمد حسين فضل الله- مجلة تحولات - العدد التاسع عشر - شباط 2007 -
إن السيد فضل الله يمتلك الوضوح المنهجي الكافي؛ حينما يفصل بين انتمائه المذهبي الشيعي؛ و بين انتمائه للعروبة؛ أرضا و أمة و شعبا؛ و هو هنا يوجه رسالة واضحة في كل الاتجاهات؛ و خصوصا في الاتجاه الشيعي داخل الوطن العربي؛ هذا الاتجاه الذي اختلط عليه الأمر؛ و تحول الكثير من رموزه إلى دعاة شعوبيين؛ يخلطون بين المذهب و الانتماء الحضاري للعروبة؛ المهد الأول للإسلام.
و في حوار أجرته معه مجلة المستقبل العربي؛ يسعى السيد فضل الله؛ إلى تأكيد العلاقة الوطيدة بين العروبة و الإسلام؛ فهو يذهب إلى أن " الإسلام يمثل هذا الدين الذي هو في عقيدة المسلمين، والذي أنزله الله على رسوله في المنطقة العربية التي هي منطقة الدعوة الأولى، والتي أرادت للعرب رسالة يحملونها إلى العالم" و يضيف السيد فضل الله بكامل الوضوح: " فالقرآن انطلق في البداية لينذر أم القرى وما حولها، ولينذر المنطقة العربية. ولقد احتضن العرب الذين دخلوا في الإسلام، الإسلام كلّه. ومن الطبيعي أنهم أعطوه شيئاً من تجربتهم، ومن تمثّلهم له، ومن اجتهاداتهم في فهمه، ومن حركتهم في اتجاه تحريكه في وجدان العالم" .
هذا الكلام ليس لقومي عربي متطرف؛ كما يحلو للبعض أن يصور؛ و لكنه كلام العقلاء من الذين أدركوا الحكمة؛ و خاضوا؛ بشجاعة أدبية؛ تجربة نقد ذاتي لمرجعياتهم الفكرية و الإيديولوجية؛ لأنهم يدركون أن التاريخ يمتلك ذاكرة حية؛ فهو يسجل كل الأحداث و لا يضفي عليها نزعة ذاتية يمكن أن تغير مسارها في الكثير من الأحيان. و لذلك؛ لا يمكن للشعوبية الفارسية أن تغير التاريخ؛ كما لم يكن بإمكانها يوما أن تغير الجغرافيا؛ و ذلك رغم المجهودات الجبارة التي بذلت؛ منذ العهد العباسي؛ حيث سيطروا على الحكم؛ و إلى حدود سيطرتهم الراهنة على مركز الحضارة العربية؛ في البصرة و بغداد.
عندما يعود السيد فضل الله إلى هذا التاريخ المفترى عليه من قبل الشعوبيين؛ و يجول بعقله الباطن؛ لا يتردد في الصدع بما قد يقلق راحة آيات الله في طهران؛ " لقد استطاع الإسلام أن يعرّب شعوباً أخرى، وأن يعرّب الكثيرين من العلماء والمفكرين من الشعوب الأخرى. وفي هذا المناخ، استطاعت العروبة أن تعطي الإسلام كثيراً من حيويتها الحركية، واستطاع الإسلام أن يعطيها الكثير من خصائصه الحضارية في مفاهيمه وتشريعاته ومناهجه، واستطاع أن يمنحها امتداداً، وأن يتداخل معها لتصنع العروبة بالإسلام الحضارة التي قيل عنها إنها أم الحضارات" .
و هذه ليست إيديولوجيا يروج لها السيد فضل الله؛ بل هي حقائق تاريخية ثابتة؛ فالإسلام يحمل روحا عربية؛ منذ بداياته الأولى و إلى حدود الآن؛ و المقصود بالعروبة هنا؛ ليس هو الانتماء العرقي الضيق؛ الذي يثورعليه الشعوبيون و يستبدلونه بانتماء عرقي أكثر ضيقا؛ بل العروبة كامتداد حضاري؛ ساهمت في بنائه شعوب مختلة من آسيا إلى إفريقيا و أروربا؛ و هذا الغنى و الثراء هو الذي سمح للعروبة بدمج الإسلام؛ كمكون أساسي؛ ضمن رصيدها الحضاري.
مجلة المستقبل العربي- العدد 281 / تموز 2002، حوار هاشم قاسم - محور: " العلاقة بين العروبة و الإسلام ".
إننا حينما نقدم موقف مرجع شيعي كبير؛ حول علاقة العروبة بالإسلام؛ فإنما نبتغي توجيه رسالة واضحة إلى كل أقطاب الحركة الإسلامية؛ و خصوصا من نهل منهم من فكر الخوميني أو المودودي؛ مفادها أن العروبة تمثل روح الإسلام؛ و لذلك لا يمكن أن نفهم رسالة الإسلام فهما عميقا؛ إلا من داخل البراديغم الثقافي العربي.
2- مراجعات الموقف القومي.. الأستاذ ميشيل عفلق نموذجا
يعتبر الأستاذ ميشيل عفلق؛ الأب الروحي للتيار القومي العربي؛ مجسدا في أحزاب البعث؛ و هو بالإضافة إلى كونه من كبار القادة السياسيين؛ فهو كذلك؛ من بين أهم رموز الفكر العربي الحديث. بدأ الأستاذ ميشيل عفلق حياته الفكرية و السياسية مدافعا عن التجربة العلمانية في العالم العربي؛ و هو بذلك كان منظرا للفصل بين العروبة و الإسلام؛ معتبرا أن استعادة الأمجاد العربية؛ يجب أن يمر؛ بالضرورة؛ عبر الخيار القومي؛ لأن الإسلام يجمع مختلف الأعراق و الأمم؛ و هو بذلك ليس مؤهلا لبناء تجربة سياسية عربية ناجحة. هذا ما كنا نعرفه عن رجل البعث الكبير لكن؛ هناك زوايا ظلت مجهولة في مشروعه الفكري و السياسي؛ و لم نعرها الاهتمام الكافي كباحثين و متابعين؛ كما لم يعرها مناضلو أحزاب البعث الاهتمام الكافي كذلك.
يحدثنا الأستاذ منير شفيق عن هذه الزوايا المجهولة في مشروع عفلق فيقول: منذ حقبة السبعينات – و استقرار ميشيل عفلق بالعراق- بدأت قسمة الحديث عن الإسلام في مشروعه؛ فاتسعت مساحة الحديث عن الإسلام؛ و ضمن هذا التطور أخذ الرجل يلقي الأضواء على الدور المحوري و المصيري (لاكتشافه الإسلام)؛ منذ فجر حياته الفكرية و النضالية .. و اكتشافه خصوصية العلاقة بين الإسلام و العروبة.. و الدور المحوري و المصيري لهذا الاكتشاف في تميز صيغة البعث عن الصيغ التي كانت سائدة في ساحة الفكر و السياسة العربية في عقد الأربعينيات.. صيغ القومية المجردة من الدين؛ كرد فعل ضد هيمنة الدولة العثمانية على العالم العربي؛ أو تقليد للقوميات الغربية العلمانية؛ و الصيغة الليبرالية الغربية.. و كذلك الصيغة الماركسية الشيوعية المادية . محمد عمارة- التيار القومي الإسلامي –1997– ص: 166
إن ما يهمنا من هذا الكلام؛ هو التأكيد على المراجعات الفكرية التي خاضها الأستاذ ميشيل عفلق في علاقته بالإسلام؛ و هي مراجعات ترتبط؛ بالتأكيد؛ بموقفه الجديد من العلمانية؛ كما صاغها المشروع القومي. و يمكن التوقف في هذه المراجعات عند مرحلتين:
خلال المرحلة الأولى؛ حاول الانفتاح على الإسلام كتجربة سياسية؛ استطاعت توحيد القبائل العربية المتناحرة في دولة واحدة؛ و لذلك؛ فقد كان يعلن أن ما يعنيه من الإسلام هو إسلام التجربة فقط؛ لأن إسلام الدين الصرف مفرق للأمة و ليس جامع لها. محمد عمارة – ص: 167.
خلال المرحلة الثانية؛ انتقل الأستاذ ميشيل عفلق إلى الربط بين الإسلام الدين و الإسلام التجربة؛ فاخذ يطور فكره حيال هذه القضية؛ فتناثرت في كتاباته الإشارات إلى الربط بين الإسلام (الدين) و الإسلام (التجربة) – محمد عمارة – ص: 167 .
و كنتيجة لهذا التطور في فكر الأستاذ ميشيل عفلق؛ فقد أصبح الإسلام يمثل ركيزة أساسية ضمن مشروعه الفكري و السياسي لكن؛ أحزاب البعث لم تكن مؤهلة لتقبل هذه المراجعات الفكرية الجريئة؛ لأنها كانت تنظر إليها كتهديد للخيار العلماني للدولة؛ هذا الخيار الذي يحفظ مصالحها؛ في مواجهة المد الإسلامي المتنامي؛ و الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين؛ التي كانت الشغل الشاغل لقادة أحزاب البعث؛ و خصوصا في مصر و سوريا؛ التي عاشت على إيقاع مواجهات عنيفة؛ بين الجماعة و الأنظمة البعثية الحاكمة.
لكن؛ و رغم فشل التجربة على مستوى الممارسة السياسية؛ فإن الأستاذ ميشيل عفلق؛ واصل طريقه مدافعا عن العلاقة العضوية بين العروبة و الإسلام؛ فهو حينما يتحدث عن هذه العلاقة يؤكد؛ " الصلة بين العروبة و الإسلام؛ كما نراها و نؤمن بها؛ هي صلة عضوية لا يمكن أن تنفصم؛ صلة تاريخ؛ و هي مستمرة منذ القدم؛ حية لا تموت؛ و هي أيضا صلة تجديد .
و لذلك؛ فإن الأستاذ ميشيل عفلق لا يتصور أي نجاح للنهضة العربية؛ من دون استحضار هذه الرابطة العضوية بين العروبة و الإسلام؛ " النهضة العربية ستكون نهضة شاملة؛ نهضة في الفكر و نهضة في الدين و نهضة في الفن؛ و نهضة في البناء المادي و الاقتصادي؛ و لذلك صلة العروبة بالإسلام؛ بصورة خاصة؛ صلة تجديد؛ أي إننا نستمد من فهمنا الثوري لحركة الإسلام قوة ثورية لتجديد عقليتنا؛ و لتجديد أوضاعنا الاجتماعية و الفكرية" .
و للأستاذ ميشيل عفلق ذاكرة حية و يقظة؛ تمكنه من إدراك القوة الكامنة في اتصال العروبة بالإسلام؛ هذه القوة التي اندفعت خلال مرحلة تاريخية ما؛ و تمكنت من تأسيس دولة عربية/إسلامية مترامية الأطراف؛ " إن أمتنا قد عرفت عند ظهور الإسلام ما لم يتسن لأية أمة أخرى أن تعرفه؛ نحن كعرب عندنا هذا الرصيد الروحي؛ إذا حرصنا أن نبقي صلتنا حية بيننا و بينه؛ فإننا نعطي لثورتنا العربية ضوابط أخلاقية؛ و جوا فيه هداية و فيه ردع؛ و فيه ضوابط كثيرة نحن بحاجة ماسة إليها" . ميشيل عفلق - في سبيل البعث- ج 3- ص: 84-85
لكن؛ الأستاذ ميشيل عفلق في تنظيره للعلاقة بين العروبة و الإسلام؛ لا يندفع وراء غرائزه مغمى عليه كحال الكثير من ضحايا التخدير الإيديولوجي؛ و لكنه يمنح هذه العلاقة طابعا استراتيجيا؛ فهو عندما يعود إلى الماضي؛ يجد أنه " بدون الإسلام كان يمكن لهذا الشعب العربي أن يبقى بعقلية قبلية؛ و برغم سبق العروبة للإسلام؛ فإن النهضة العربية الأولى التي اقترنت برسالة الإسلام الدينية؛ هي التي كونتهم (العرب) كأمة . ميشيل عفلق آفاق عربية – ص: 9 – عدد أبريل 1976 .
و هكذا؛ يستنتج؛ في علاقة بالمشروع العربي الحديث؛ " أنه من الطبيعي أن يحتل الإسلام؛ كثورة عربية فكرية أخلاقية اجتماعية ذات أبعاد إنسانية؛ أن يحتل مركز المحور و الروح في هذا المشروع الحضاري الجديد لأمة واحدة ذات تاريخ عريق و رسالة حضارية إنسانية". ميشيل عفلق - صحيفة (الثورة) العراقية 06-11-1985
و يجادل الأستاذ ميشيل عفلق؛ بالدليل التاريخي و المنطقي؛ كل من يمكنه أن يشك في جدوى هذه العلاقة؛ بل و في إمكانية تحققها بالأحرى؛ و ذلك لأن " هذا الارتباط بين العروبة و الإسلام؛ في نظره؛ هو واقع حي تعيشه الأمة؛ و تتنفسه كالهواء؛ و لا يحتاج لإثباته إلى براهين و أدلة؛ إنه نتاج القرون و الأجيال؛ و لكنه قبل كل شيء هو إرادة إلهية طبعت الحياة العربية" ميشيل عفلق في سبيل البعث – ج5 – ص: 72
و يضيف مؤكدا قوة الالتحام بين العروبة و الإسلام؛ " إن الإسلام هو وطن الأمة العربية الروحي و المادي؛ بكل ما تحمل كلمة وطن من معاني حب الأرض و الأهل؛ و حب اللغة و التاريخ" ميشيل عفلق- في سبيل البعث – ج3- ص: 269 .
لكنه؛ يستدرك في رد غير مباشر على الدعوات البعثية؛ التي تعارض بين الإسلام و الحرية؛ باعتبار أن الإسلام سيفرض قيودا على الحضارة العربية و سيمنعها من التقدم؛ " و لئن وجدت شعوب تنشد الحرية بالانعتاق من الدين؛ فالأمة العربية تجد حريتها في الفهم المتجدد للإسلام" . و يذهب الأستاذ ميشيل عفلق بعيدا في دفاعه عن العلاقة بين العروبة و الإسلام؛ حينما يصرح: " و لذلك؛ فإن الدفاع عن الإسلام هو مهمة القوميين الذين يريدون أن يبقى للأمة العربية سبب وجيه للبقاء" . ميشيل عفلق في سبيل البعث- ج3 –ص: 224 .
بصراحة؛ لقد ذهلت و انأ اطلع على هذه الأفكار الحكيمة لأستاذ و قائد التجربة القومية في العالم العربي؛ و التي تتعارض مع كل ما يروج عن الرجل؛ في علاقة بانتمائه المسيحي من جهة؛ و كذلك في علاقة بقناعاته القومية/العلمانية من جهة أخرى. لكنني في نفس الآن؛ أشعر بخيبة أمل كبيرة؛ لما آلت إليه هذه الأفكار النيرة من مصير مأساوي؛ على أيدي سماسرة أحزاب البعث؛ الذين لا يهمهم سوى السيطرة على الشعوب؛ باعتماد الإكراه المادي و الرمزي؛ و هذا كان سببا كافيا للسقوط المدوي الذي يضرب أحزاب البعث؛ من المشرق العربي إلى مغربه .
على سبيل الختام
إن الذين يزعمون إمكانية الفصل بين العروبة و الإسلام؛ من الإسلاميين و القوميين؛ لا يستوعبون الكثير من معطيات التاريخ و الثقافة و لذلك؛ فهم يتصورون؛ بشكل مختزل؛ أن الإسلام أحكام شرعية و شعائر؛ لكنهم يجهلون أن الإسلام؛ في العمق؛ رؤية للعالم Vision du Monde ؛ تشكلت عبر قرون من التفاعل الثقافي و الاجتماعي و السياسي؛ الذي كان مؤطرا بمرجعية فكرية عربية Epistémè و مشبعا بمتخيل عربيImaginaire . و كل هذا يدفعنا إلى التأكيد؛ من منظور علمي؛ على أن الثقافة نظام في غاية التعقيد؛ و ليست مكونا ماديا؛ يمكن تحليله باعتماد نظريات الفيزياء. لذلك؛ يظل واجب العلوم الإنسانية؛ هو التنبيه إلى مواطن الخطر؛ الذي لا يشعر به السياسي/الإيديولوجي إلا بعد أن يداهمه في عقر داره. و نحن هنا لا نتحدث في المجردات؛ بل إن الواقع يؤكد صلاحية هذا التحليل.
ففي علاقة بالنموذج الإسلامي الحركي الذي حاول إلغاء المكون العربي؛ فإنه لم يظفر من الحضارة الإسلامية إلا بالفتات؛ أما الباقي؛ فهو ترسبات تجد امتدادها في الأصول الثقافية و الاجتماعية و السياسية ما-قبل الإسلامية؛ و يمكننا هنا أن نستحضر النموذج الافغاني؛ و كذلك النموذج الإيراني... و في كلا النموذجين تم الاستناد إلى الإسلام لكن؛ بعد إفراغه من متخيله العربي و بعد تكسير نموذجه الثقافي؛ و كذلك بعد تفكيك رؤيته إلى العالم؛ و النتيجة هي كما نرى؛ في أفغانستان ما زالت البنى الاجتماعية و الثقافية و السياسية ما-قبل الإسلامية هي السائدة؛ رغم لباسها الإسلامي. و في إيران نموذج اجتماعي وثقافي وسياسي فارسي قديم؛ يستمد شرعية استمراره حاضرا بالاستناد إلى تأويل النص القرآني و أحداث التاريخ الإسلامي؛ كي تستجيب لنزوات آيات الله في تحقيق النموذج الامبراطوري القديم .
و في علاقة بالنموذج القومي؛ فإن الأمر لا يختلف عن سابقه؛ لأن القوميين العرب الذين سعوا إلى إلغاء المكون الإسلامي؛ باعتماد قراءة مبتسرة للعلمانية فشلوا؛ في الأخير؛ في بناء نموذج اجتماعي و سياسي و ثقافي منسجم؛ بل إن محاولة إلغاء البعد الإسلامي ساهم؛ إلى حد بعيد؛ في إفشال المشروع السياسي و الاجتماعي و الثقافي العربي الحديث بل؛ على العكس من ذلك؛ تم فتح المجال لعودة الروح القبلية القديمة التي ساهمت في تفكيك أوصال المجتمع و الدولة؛ عبر إشعال حروب طائفية؛ كانت الأنظمة السياسية؛ في البداية؛ تستثمرها لفرض هيمنتها على المجتمع و الدولة؛ قبل أن ينقلب السحر على الساحر؛ لتصبح هذه الأنظمة؛ نفسها؛ ضحية استعادة المكبوت القبلي القديم.
- المراجع المعتمد:
1- مجلة تحولات - العدد التاسع عشر- شباط 2007
2- مجلة المستقبل العربي- العدد 281 / تموز 2002
3- مجلة آفاق عربية – عدد أبريل 1976.
4- صحيفة (الثورة) العراقية 06-11-1985
5- محمد عمارة- التيار القومي الإسلامي – دار الشروق – ط1- 1997
6- ميشيل عفلق - في سبيل البعث- الكتابات السياسية الكاملة- خمسة أجزاء – طبعة دار الحرية –بغداد- 1986
كاتب و باحث أكاديمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.