لما قرأت رسالة العالم الفاسي أحمد النميشي -رحمه الله- الموجهة إلى المقيم الإفرنسي سنة1926م أخذت أتأمل في بلاغتها،وروعة بيانها ورأيت كأن التاريخ يعيد نفسه من جديد واستخلصت أن ما فاضت به قريحة الناصح الأمين للمقيم،وخاصة في شؤون المساجد والعاملين بها تستحق إعادة قراءتها بشيء من التأمل والتدبر - ومما جاء فيها: أما الوظائف الدينية كالتدريس والإمامة والآذان وغيرها فهي التي يهمنا أن نسهب فيها، وأن نشرح لعميد الدولة الجمهورية حالتها بغاية الحرية والصراحة وقع التصريح في عقد الحماية بأن الدولة الحامية لا تزال ساهرة العين على حفظ الشريعة وعوائد البلاد، وتلته تصريحات مؤكدة لمضمونه من غير ما واحد من كبار الساسات الافرنسيين،مما لم يبق لنا شكا ولا ريبا في حسن نوايا هذه الدولة نحو شريعتنا وإذا خضنا معها يوم من الأيام في ذلك الموضوع واستلفتنا نظرها إلى جزئية من جزئيات ما قطعت لنا الوعد به، فما معنى ذلك أننا نتهمها بنكث عهودها أو نقض وعودها،وإنما معناه إيضاح أن الجزئية المبحوث في شأنه مندرجة في عموم ما وقع التنصيص عليه،أو أن حالتها الوقتية تقتضي النظر إليها بوجه خصوصي و من هذا النوع مسألة أجور الموظفين الدينيين التي ينبغي الاهتمام بها وجعلها في طليعة المسائل التي يجب النظر إليها بعين السرعة - تأملات: الاهتمام بأجور القيمين الدينيين ليس وليد اليوم فعندما يطالب الأئمة بتسوية وضعيته واستصدار قانون يحميهم ويصون كرامتهم فليس أمرهم هذا بدعا من المنادين بالإصلاح إلى وقت قريب.فانظر إلى الغيورين من أسرة العلم آنذاك كيف كانوا يرفعون تظلمات الأئمة العاملين في خدمة المساجد إلى المسؤولين الكبار في الدولة ،ويؤكدون أنها لا تقبل التسويف ولا المماطلة - من الرسالة: تقوم بنفقة هذه الفئة إدارة الاحباس،إلا أنها بكل أسف لم تسمح لها ميزانيتها بالزيادة في رواتبهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع وإنني أتيقن أنه لتأخذكم الدهشة عندما أقول لكم بكل صراحة:إن هذه المسألة التي هي روح الدين هي المسألة الوحيدة التي كانت قبل الحماية أسعد منها بعدها،كانت هبات الأمراء وصلاتهم تترى على العلماء آونة بعد أخرى بمناسبة وبغير مناسبة زيادة على ما يسهم لهم في الاحباس أما اليوم فلا أزيدكم شرحا على أن أذكركم أن غاية ما يقبضه صاحب الطبقة الأولى من العلماء نحو المائة والخمسين فرنكا شهريا والكثير منهم ربما كان هذا القدر مبلغ نصيبه من الدنيا - تأملات: فعلا إن وضع الأئمة اليوم قبل الإشراف –غير المنصف- على المساجد من طرف الوزارة المعنية، لما كان الناس يشارطون الإمام.يحترمونه، ويقدرونه أيما تقدير.هو من يقرر في القبيلة، يصلح بين الناس، يربي النشء على العقيدة الصحيحة،و القرءان كتاب الله الخالد فحال أسرة المساجد في القديم أحسن من الآن ماديا ومعنويا.فبعدما خرجت الوزارة بمزايدة إعلامية -وليست زيادة- أخذت الجماعات تتخلى عنها بداعي أن الدولة تؤدي لها الواجب المادي أما الفئة الأخرى -الطبقة الأولى كما أشار إليها صاحب الرسالة-من رؤساء المجالس العلمية والمقربين فالآن لهم مكانتهم المادية الخاصة في ميزانية الدولة والوزارة،فتضخم المؤسسات الدينية الموازية للمسجد واغتناء منتسبيها على حساب إضعاف للمسجد والعاملين به هي قاصمة الظهر -من الرسالة: إنني أعرف كثيرا منهم يا جلالة المقيم أصحاب عائلات كبيرة يبيتون هم وعائلاتهم طاوين اليوم والليلة، وربما كان قوتهم في غالب الأيام خبز الشعير فقط، أيرجى للعلم انتشار والقائمون عليه بنشره بهذه الحالة التي وصفتها بلا تحيز ولا مبالغة - تأملات: نعم كيف نرضى أن ينشر العلم ونرى طلبته يذلون ويهانون،لا منح، لا مستقبل لهم،حتى المدارس القرءانية سحبت منها المنح الهزيلة-100 درهم لكل شهر_-بداعي عدم قبول نظام التعليم العتيق،وقد رأينا في بعض الصحف صورة طالب قرائني يتسول حاملا لوحته، أو الذي كان مشاركا في برنامج لتجويد القرءان بعدها شارك في مسابقة للغناء تحت انتقادات الكثير من الناس.فهل الدولة فعلا وفرت للطلبة والأئمة ما به يشجعونهم حتى يواصلوا مسيرتهم القراءنية العلمية باطمئنان،وبهمة عالية.وفي الجانب الآخر يمنح ويعظم الآخرون من غير أهل العلم من فنانين ورياضيين وووو - من الرسالة: نعم إدا كان هذا من الإجحاف العظيم بخير هيأة في البلاد فذنبه محمول على عاتق الرؤساء المسؤولين من المسلمين، لأن المسألة كما قلنا مسألة دينية بحتة، وقد قطع رجال فرانسا كما قلنا غير ما مرة وعودهم بأن لا يتداخلوا في شؤون المسائل الدينية إلا تدخل إرشاد وبهذه المناسبة نقول إن سبب كل حيف يقع على الأهالي فأكثره من رؤسائهم الذين يتقاعسون عن رفع مطالبهم لرجال فرانسا الأحرار ولنمثل لجنابك الفخيم بالهيأة العلمية التي هي موضوع بحثنا،فلطالما اجتمعت كلمة أفرادها على أن يرفعوا شكواهم وما يقاسونه من أليم الفاقة للرؤساء الافرنسين ، فيثبط عزيمتهم مجلسهم العلمي الذي كان من حقه أن يكون أول مدافع عن حقوقهم،ويضع لهم العراقيل في سبلهم، حتى إنه ربما مثل لهم ما يريدون الإقدام عليه بشبح مخيف مرعب، - تأملات: نعم إن المشكلة الكبرى التي تعاني منها أسرة المساجد هي استغلال بعض المتملقين الإمعات معانات أسرة المساجد،ولا يريدون رفع أي تقرير عن مظالم الأئمة.فأين دور المندوبيات،المجالس العلمية، الرابطة المحمدية،؟ .الأئمة يقمعون،لا يسمح لهم بالتعبير عن الرأي، يهانون على مرأى ومسمع من الجميع،ولا أحد من هؤلاء يحرك ساكنا،بل إن بعض رؤساء المجالس العلمية يصفون كل حركة للائمة بالتطرف وبالشيطنة والتهور،وقد ذكرني صاحب الرسالة هذا عندما كنا نتواصل مع الأئمة وطنيا في جولات مكوكية لجمع توقيعات لرسالة ملكية حكينا فيها أوضاع أسرة المساجد، فأخذت كل الأجهزة من البرلمانيين وأعوان الداخلية ومعهم وزارة الأوقاف طبعا ،وكل من لهم مصلحة في بقاء وضعنا هكذا أخذوا يسعون للحيلولة دون تبليغ رسالتنا إلى ولي الأمر،وقاموا بإرهاب الأئمة وتحذيرهم منا،وحتى من وقع من أئمتنا الشجعان أرغموه على التنازل تحت طائلة العزل.ومما لا يدع مجالا للشك في كلام صاحب الرسالة -حتى إنه ربما مُثّل لهم ما يريدون الإقدام عليه بشبح مخيف مرعب- حجب حلقة تلفزيونية عن أوضاع الأئمة ومعاناتهم - من الرسالة: وبذلك على ذلك أن غير ما مرة استفهم سلفكم الميرشال ليوطي عن سير الحالة العلمية وعن حال العلماء،فكان المجلس يأنف أن يشرح له الحالة كما هي ، ويجيبه بأن الحالة العلمية زاهرة ورجالها حامدون شاكرون،مع أن حال العلم وحالتهم وحق شرف فرانسا لحالة تحزن الأفئدة وتدمي العيون - تأملات: هذا ما يفعله المسؤولون عن شؤون الأئمة وما يفعله سعادة وزير الأوقاف عندما يرفع التقارير إلى مؤسسة إمارة المومنين ويسردها بإيجابية،ويصف لهم الوضع بالجيد:كُلْش أسيدي مْكَادْ الطَّلْبَ مْبَارْعينْ زاهْرينْ مَا خاصْهُمْ وَالُوا.والحالة عكس ذلك ،ومغايرة لما هو عليه حالة العلم وأهله، والمساجد وخدامها - من الرسالة: إنني منذ عشر سنوات وأنا منشغل بدرس مسألة إدخال النظام على التعليم الإسلامي، ورفعت بذلك التقارير الضافية لغير ما واحد من كبراء الوطنيين الرجال ورجال الدولة الحامية..... النتيجة أن عيون العلم قد أوشك ماؤها أن ينضب وأن القائمين بتمثيل أدواره تنقص أفرادهم يوما فيوما، وكل فرد ذهب لا يلفي له خلف - تأملات: الآن ترى أن كثيرا من أهل العلم لا يهتم بهم رغم بضاعتهم الفريدة التي بدأت بالانقراض،بل يتم إعفاؤهم وتركهم عرضة للتهميش والإهمال والضياع.وهجرة كثير من الأئمة للدول العربية -رغم غربتها وقسوة العيش فيها- بطاقاتهم العلمية المميزة التي نحن في أمس الحاجة لها خير دليل على ما نقول - من الرسالة: إذا لم تدخل الإصلاحات اللازمة للكلية القروية وباقي المعاهد بالمغرب ولم يوف القائمون بالتعليم أجورا كافية،فليتيقنوا أنه في أقرب وقت يتقوض صرح العلم وتترك معالمه، وذلك ما لا ترضونه قطعا ولا ترضاه حكومتكم الساهرة على حفظ المدنية الشرقية لكم من التقارير في شأنها يهولكم كثيرا وما شرحته من زهادة رواتب المدرسين،هو بعينه موجود بالنسبة لأئمة المساجد والمؤذنين،وعسى أن تنظر لهم إدارة الأوقاف مخرجا من المأزق الضيق الذي هم فيه،وتضيف هذه الحسنة لسجل حسناتها الكثيرة - تأملات: فهل تستطيع الحكومة الجديدة ومعها وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى برئيسه النظر في أوضاع أسرة المساجد نظر رحمة ومسؤولية لهذه الفئة المهمشة وفي مطالبها ومشروعها الذي أعدته رفعا للاحتقان وحلا للمشاكل الذي لا إصلاح بدونهم لأنهم أهل الدار وحراسها الرسالة بتصرف أنظرها من مصدرها منشورة في مجلة وجهة نظر العدد52الصفحة 3 الكاتب ع لرابطة أسرة المساجد بالمغرب هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته. www.osratalmasajid.com