د. عبد الكريم بناني : خريج دار الحديث الحسنية ، باحث في الفكر الإسلامي مشارك في عدد من الدوريات والمجلات والنشرات والمواقع الالكترونية: منها : دعوة الحق، الإحياء، التذكرة ، العرائض، الفقه والقانون .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ، وعلى اله وصحبه اجمعين .
لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة، و دعا بنيه إلى التعارف و التعاون و إلى التكافل المجتمعي، و أهاب بأقويائهم أن يساندوا ضعفائهم و بأغنيائهم أن يساعدوا فقرائهم حتى يسعدوا بسعادتهم، ويسيروا في مسيرة واحدة متراصة متلاحمة الأجزاء، و من بين ما يقوي روابطهم و يشد أزرهم و يزرع المحبة في قلوبهم إحسان بعضهم لبعض، و من بين ظواهر الإحسان: الوقف في سبيل الله قصد الخير و نفع الناس. و كان جانب الوقف و ما يزال محل اهتمام بالغ و موضع عناية فائقة النظير من المسلمين في كل مكان و حين، و منذ عهد الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم و عبر العصور المتوالية. فقد ظل المسلمون في مختلف عهودهم و مستوياتهم الاجتماعية يحرصون على الوقف والتسابق إلى تحبيس شيء من ممتلكاتهم في سبيل الله، و من أجل صرف ريعها و مدخولها المالي في وجوه البر و الإحسان و إقامة شعائر الدين، و تحقيق المنافع العامة للمسلمين، و يعتبرون ذلك من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله و من الصدقة الجارية التي شرعها الإسلام و رغب فيها الرسول الكريم و التي يبقى أجرها خالدا و ثوابها مستمرا بعد حياة الإنسان مصداقا لقوله تعالى: } و ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين { *. و انطلاقا من هذا الأساس الديني القويم في مشروعية الوقف و مقاصده الحميدة، وغاياته و مراميه النبيلة، كانت الأمة المغربية في سائر عهودها المتواصلة، و على اختلاف شرائحها الاجتماعية و المستويات المادية و العلمية لأفرادها يبادرون إلى التعاون على البر و التقوى، ويسارعون إلى الخيرات و المكرمات، والقيام بما يصلح أحوالهم ويسعدهم في دنياهم وآخرتهم. فكان ملوكهم وأمراؤهم و أخيارهم وأغنياؤهم وضعفاؤهم يقفون شيئا من ممتلكاتهم الخاصة من دور وأراضي وحوانيت ورباع ليصرف مدخولها في تشييد المساجد وإقامة شعائر الدين الذي جعله الله قوام هذه الأمة، ويتحقق بذلك النفع العام للمؤمنين الصالحين ويولون الوقف رعاية وعناية فائقة.
وسأحاول من خلال هذه الدراسة الوقوف على أهم المحطات التي غيرت تاريخ الوقف بالمغرب بإيجاز ، وذلك في ثلاث نقاط : أولا : تاريخ الوقف قبل الإسلام ثانيا: تاريخ الوقف في الإسلام ثالثا : تاريخ الوقف بالمغرب فأقول وبالله التوفيق .
أولا : تاريخ الوقف قبل الإسلام كان الوقف ثابتا عند الأقدمين، و إن لم يسمى بهذا الاسم، لأن المعابد كانت قائمة ثابتة، وما رصد عليها من عقار لينفق من غلاته على القائمين على هذه المعابد كان قائما ثابتا، ولا يمكن تصور هذا إلا على أنه في معنى الوقف أو هو على التحقيق وقف، و لذلك لما أنكر أبو حنيفة (ت150) الحقيقة الشرعية للوقف، لم يستطع أن ينفي وقف المسجد و لزومه لأن المساجد كانت قائمة قبل الإسلام فالبيت الحرام و المسجد الأقصى كانا قائمين و كذلك المعابد من أديرة و كنائس كانت قائمة و لا يتصور أن تكون مملوكة لأحد، لذلك لا مناص لنا من أن نقرر أن الوقف كان موجودا بمعناه قبل الإسلام [1]. و يرى الأستاذ عبد الكريم شهبون أن الوقف لم يكن قبل الإسلام، و إنما هو من التصرفات الجديدة في الإسلام، فلم يكن العرب في جاهليتهم يعرفون نظامه، بل كانت لهم تصرفات تلتقي معه في شبه بعيد، و استدل بقول الإمام الشافعي )ت204) رحمه الله (لم يحبس أهل الجاهلية في ما علمت، و إنما حبس أهل الإسلام)[2] ثانيا: تاريخ الوقف في الإسلام إن أول وقف خيري في الإسلام هو الوقف الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه مهاجرا إلى المدينة قبل أن يدخلها، فبنى مسجد قباء ثم المسجد النبوي الذي بناه في السنة الأولى للهجرة. كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم الحوائط[3] السبعة التي أوصى بها مخيرق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا سارع الصحابة رضوان الله عليهم إلى فعل هذه الصدقة، فحبسوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعلمه وإقراره، كوقف عمر بن الخطاب حين أوقف أرض خيبر، ثم تسابق الناس على هذه السنة الحسنة إسوة بالرسول الكريم وصحابته الكرام. وكان الحبس أول عهده يسمى "صدقة" و"حبسا" ثم انتشرت كلمة "وقف" ولا تزال الأوقاف في الغرب الإسلامي وفي مقدمته المغرب تسمى "حبوسا وأحباسا"[4] وقد كثرت الأوقاف في العصر الأموي كثرة عظيمة بمصر والشام وغيرها من البلاد المفتوحة بسبب ما أغدقه الفتح على المجاهدين، فتوافرت لديهم الأموال وتوافرت لديهم الدور والحوانيت، كما امتلك الكثيرون المزارع والحدائق في منابت الصحراء العربية.[5] ثالثا : تاريخ الوقف بالمغرب * الوقف في عهد المرابطين والموحدين: أجمع المؤرخون على أن المرابطون أو الملثمين من قبيلة لمثونة البربرية الصنهاجية، وأنهم ساروا من اليمن إلى الشام ومنها إلى الساحل الإفريقي حيث اتجهوا نحو المحيط الأطلسي واستوطنوا صحراء المغرب لمشابهتها بصحراء العرب، وكثر عددهم في عهد موسى بن نصير[6]. أما الموحدين، فقد اختاروا لزعامتهم عبد المومن لما عرفوه من اختصاص المهدي له وتقريبه إليه وتقديمه إياه في الصلاة، وقد أخضع عبد المومن جميع قبائل المغرب وفكر في فتح الأندلس وإعادة مجد المسلمين إلى ما كان عليه[7]. واحتلت الأوقاف في المغرب في عهد المرابطين والموحدين مكانة عظيمة، وشغلت حيزا لا يستهان به في حياة المجتمع، ويدلنا على ذلك ما نجده في المدن العتيقة من المساجد والمعاهد والمدارس العلمية و المارستانات. والذي يلقي نظرة على هذه المؤسسات يجد أن الذين قاموا بإنشائها استعملوا في تصميم بنائها وتنميته كل ما يملكون من رغبة في الإتقان و حاسة فنية، وهذا هو السر في بقاء هذه الدور الفنية الرائعة إلى هذا العصر[8]. * الوقف في عهد المرينيين و الوطاسيين: 1- في عهد المرينيين: جرت أوقاف لافتكاك الأسرى بالمغرب منذ عهد المرينيين لما اشتد الهجوم الصليبي على شواطئ المغرب، فهذا السلطان أبو فارس عبد العزيز بن العباس المريني(حكم بين سنة 796-799ه) يوصي عند وفاته بمال ثابت يفتك به من يقعون في الأسر، وهذا أيضا آخر سلاطين المرينيين عبد الحق بن أبي سعيد(حكم بين 823-869 ه) يوصي لنفس الهدف. واستمر هذا النوع على عهد الوطاسيين، فقد وجدت حوالة حبسية تحمل رقم(921 بخزانة القرويين يوصي فيها السلطان أبو عبد الله محمد البرتغالي بأموال عقارية لافتكاك الأسرى.[9] 2- في عهد الوطاسيين: وجد بفاس على عهد الوطاسيين ربض خاص بالمجذومين يحتوي على مائة منزل تحت إشراف رئيس الربض المكلف بجمع مداخيل الأوقاف الخاصة بهؤلاء و بإنفاقها على توفير حاجاتهم المختلفة. ووجد بتطوان مأوى خاص بالمرضى و المنقطعين يقدم لهم كل ما يحتاجون من مداخيل الأحباس الكثيرة التي رصدت لصالحهم من طرف المحسنين مثل: *الحاج علي الريدوني الذي حبس سنة 1219ه 220 حبسا معقبا ينتهي إلى مأوى المنقطعين عند نهاية العقب. *الحاج عمر بن علي الدسولي الذي جبس سنة 1214ه، ثلث متخلفه على فاقدي العقل من نزلاء المأوى (المارستان). *السيدة يتمكو معتقة الحاج الهاشمي بن عبود التي حبست سنة 1297ه ثلث متخلفها على الضعفاء ومرضى المارستان.[10] * الوقف في عهد السعديين: من الثابت تاريخيا، أنه في عهد السعديين ازدهرت الحياة الثقافية أيما ازدهار، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الأوقاف المخصصة لذلك، وانقسمت تلك الأوقاف إلى أوقاف على الكراسي العلمية وأوقاف المكتبات الدينية.[11] 1- أوقاف الكراسي العلمية: لقد وجدت في العهد السعدي شخصيات مرموقة في علمي المعقول والمنقول، استطاعت أن تؤدي رسالتها العلمية للخاص والعام بين الناس، بفضل ما خصص لها من مستفاد الأوقاف ومن بين هذه الشخصيات: *أبو العباس أحمد بن علي المنجور(ت 995ه)، وكان يشغل كرسي التفسير، ويقرأ أيضا صبيحة يوم الخميس ويوم الجمعة"قصيد ابن زكري" في التوحيد، على الكرسي الكائن عن يمين الطالع المستودع الكائن عن يمين الداخل من باب الحفا بجامع القرويين، وكان له أيضا كرسي في الحديث و الفقه. *أبو العباس أحمد بن علي الزموري (ت 1001ه)، وكانت له عدة كراسي من بينها: كرسي التفسير بجامع الأندلس وكان يقرؤه في غدوة الصباح ويقع عن يسار الداخل من الباب المقابلة للمدرسة، وكان يقرأ تفسير الإمام (الفخر) لكون الحبس عليه، كما كان له كرسي في السيرة بجامع القرويين. *أبو القاسم بن سودة المري(ت 1004ه) وكان من بين العلماء الذين توزعوا الكراسي التي كانت للفقيه أحمد المنجور بعد وفاته، ووزعها المنصور السعدي. *أبو زكريا يحيى بن محمد السراج (ت1007ه) وكان يقرأ التفسير، ولما مات(المنجور) انتقل لكرسيه، وكان يقرأ مختصر الشيخ خليل مسندا ظهره إلى حائط القبلة من ناحية الخزانة، وكان إذا فرغ من ذلك، يسير إلى مدرسة الحلفاويين يقرأ هناك مدونة أخرى له عليها حبس. *أبو عبد الله محمد القصار (ت 1012ه) وقد عينه المنصور السعدي مكان(السراج) بعد وفاته، وكتب له المنصور الفتوى وجميع أحباسه. كما أنه تولى كرسي التفسير الذي كان للزموري بجامع الأندلس. *محمد الشريف المريني التلمساني(ت 1018ه) كان يقرأ رسالة الشيخ أبي زيد القيرواني فوق الكرسي الكائن بظهر الخصّة من جامع القرويين بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان إذا فرغ من الرسالة ينزل للأرض يقرأ صغرى الشيخ السنوسي، وفي بعض الوقت يقرأ ألفية ابن مالك. ولازالت لائحة العلماء الذين استفادوا من الوقف قي عهد السعديين طويلة، نذكر منهم على سبيل المثال بعض علماء سوس منهم: منصور بن محمد المومني(ت1000ه/1591م)- سعيد بن علي الهوزالي(ت 1001ه/1592)- محمد بن أحمد الوقاد(ت1001ه/1592م)- عبد الرحمان بن الوقاد(ت1057ه/1647م)- عبد الرحمان بن محمد التامنارتي (ت1060ه/1650م).[12] 2- أوقاف المكتبات الدينية: كان الوقف يساعد على تنمية الثقافة، ويشجعها عن طريق الكتب التي توقف من المحسنين، ونتيجة لذلك وجدت مكتبات عامة شحنت بآلاف المخطوطات بغية مساعدة طالب العلم وتيسير وسائل المعرفة حتى يتمكن من دراسة العلوم، ومن بين هذه الأوقاف، الوقف الذي ابتنته أم المنصور السعدي(مسعودة الوزكيتية) التي حبست حوالي سبعين حانوتا غير نصف حانوت الواجبة لها في نصفها من القيسارية المشتركة بينها وبين مساكين المارستان المخترعة لها وسط سوق الخضر المراكشية دون البقعة المتصلة بقلعتها، وجميع بيت الأرجاء الجديدة المخترعة لها على وادي تسلطانت القريب من أرجاء أولاد الأمين مجمد بن القاسم القسطالي، وهذا الوقف كان يجري على الجامع العظيم بباب دكالة بمراكش وعلى خزائن كتبه وكراسي علمه. ومن بين المكتبات التي شحنت بالمخطوطات الموقوفة عليها، ما أورده الدكتور محمد حجي في كتابه الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين.[13] *مكتبة ابن يوسف بمراكش: وأسسها السلطان عبد الله الغالب السعدي حوالي(965ه/1558م) عندما جدد المدرسة الكبرى المتصلة بجامع علي بن يوسف المرابطي، ولا زالت المكتبة العامة تحتفظ ببعض الكتب الموقوفة على مكتبة بن يوسف مثل المخطوطات رقم(26،139). *مكتبة المسجد الأعظم بمكناس: أحيا السعديون هذه المكتبة وأوقفوا عليها العديد من الكتب، ومن مخطوطاتها الباقية، المخطوط رقم(395) وهو من تحبيس الأمير زيدان. *مكتبة الجامع الأعظم بآسفي: جدد السعديون في آسفي جامعها العظيم ومدرستها ومكتبتها القديمة، ولازال جزء من مخطوط(مشارق الأنوار للقاضي عياض) باقيا، وهو تحبيس القائد عبد الله عام(1003ه/1594م) *المكتبة الملكية بمراكش: وهي مكتبة خاصة بالمنصور السعدي، وتعد أم المكتبات وأهدي إليها مئات المؤلفين كتبهم من المغرب والمشرق. تلكم كانت أهم المكتبات العامة الوقفية، بغض النظر عن المكتبة الخاصة للمنصور، إضافة إلى مكتبات خاصة تزيد على مائة مكتبة قي العصر السعدي.[14] وذلك ما جعل المغرب قبلة مشرقة مقصودة للنهل من مناهل العلوم والمعرفة. * اهتمام الملوك العلويين بالوقف: إن الأوقاف الإسلامية في المملكة المغربية هي تراث خالص للمسلمين المغاربة، تركه السلف ضمانة مادية لاستقرار الإسلام واستمرار تعاليمه بين المغاربة، ولما عرف ملوك الدولة العلوية قدسية الأوقاف، جعلوا أنفسهم حراسا لها. وقد أثبت التاريخ حرصهم في الدود عنها،والعمل على تحقيق الهدف منها. 1- موقف المولى إسماعيل وابنه عبد الله من الأحباس: تولى المولى إسماعيل حكم المغرب (سنة 1083ه، إلى 1139ه)، وعرف المغرب في عهده استقرارا أمنيا وازدهارا عمرانيا، فكان من بين القضايا التي استرعت اهتمامه، قضية الأحباس بالمملكة، و لاشك أن نفسه الكبيرة انطوت على عوامل قوية تدفعه لرعاية أملاك الحبسية منها: تدينه: فقد كان يحامي عن الإسلام و أرضه بسيفه و قلمه فكان يدعو الرهبان بإيالة المغرب للمناظرة بحظرته عسى أن يقتنعوا بدين الإسلام المبني على المنطق و الحجة، و لم يكتف بهذا بل كاتب رؤساء دول من أوربا يحاجهم في أحقية دين الإسلام و يدعوهم إليه.[15] ومن المواقف التي سجلها التاريخ المولى إسماعيل في قضية الأحباس، الأمر الملكي الذي أصدره، إلى نظار المملكة، لإحصاء الأوقاف و تسجيلها في دفاتر رسمية خصوصية تكون وثيقة قانونية وتاريخية بين الأجيال القادمة وكان من ذلك ما يسمى " بالحوالات الإسماعيلية، وكل ذلك مخافة الضياع والنسيان نتيجة كثرة الأوقاف بالمملكة.[16] وبعدما توفي المولى إسماعيل سنة 1139ه وتوفي ابنه أحمد الذهبي 1140ه، وأعلنت بيعة أخيه السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل، كانت النظارة العامة للأحباس "الوزارة الحبسية" من بين الوظائف العليا الموجودة في الحكومة.[17] وقد عثرنا على ظهير أصدره السلطان مولاي عبد الله، وأسند به هذه الولاية إلى أحد الأفراد الموثق بهم سنة 1143ه، وهذا مقتطف من هذا الظهير بعد الحمدلة و التصلية والطابع الشريف: "كتابنا هذا أسماه الله وأعز نصره، بيد خديمنا وحبيب أبوابنا، الأرضي لأخير الأقرب، السيد بلقاسم المسطاطي، ويتعرف منه بحول الله وقوته وشامل يمنه العميم ونصرته أننا جددنا له به ما كان عليه من النظارة في أمور الأحباس في جميع الأقطار والمدن والبلدان والقرى والمداشر وبسطنا له اليد الطولى على جميعهم..."[18] 2- موقف باقي الملوك العلويين من الوقف إلى عهد الملك محمد الخامس لما صعد عرش المغرب السلطان محمد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن المولى إسماعيل، جرى على سنة أبيه في العناية بالأوقاف، وجدد أوامره إلى العمال والقضاة والنظار بمنع المعاوضة الحبسية طبقا لظهير شريف مؤرخ بتاريخ 4 صفر عام 1279ه، كما أصدر أمره بإحياء جامع أهل فاس برباط الفتح وبناء المسجد الجامع بالسوق في الدارالبيضاء، وكان الصائر على هذا المسجد أحباس المسجد القديم. وفي عهد ابنه السلطان مولاي الحسن بعث مندوب الخارجية المغربية بطنجة السيد محمد الطريس يخبره بحالة المارستان الطنجي الذي تداعى للسقوط، فأصدر أمره ببناء المارستان والزيادة فيه.كما أصدر أمره إلى ناظر الأحباس الطنجية أن يقوم على ساق الجد في بناء المقبرة الإسلامية بطنجة من الأحباس. كما أن السلطان مولاي الحسن كان ينفذ من مداخيل الأحباس رواتب العلماء.[19] وفي عهد السلطان مولاي يوسف ابن الحسن الأول تأسست بالمغرب "وزارة الأوقاف" وأسندها جلالته إلى المرحوم السيد أحمد الجاي، وكان ذلك بمقتضى ظهير 23 رمضان 1333ه.[20]كما أصدر ظهيرا بتاريخ 21 يونيو 1913 ينص فيه على أن أملاك الأحباس لا تستقر بها أية إدارة عمومية من الإدارات، إلا إذا أدت كراءها الحقيقي وصدر لها إذن من "بنيقة الأحباس" وسعى بعد ذلك لإقناع المقيم الفرنسي بذلك.[21]وفي 7 دجنبر 1955 تأسست أول حكومة مغربية بعد رجوع جلالة الملك محمد الخامس من منفاه وتبشيره بانتهاء عهد الحجر والحماية. وتحملت وزارة عموم الأوقاف المهام الكبيرة، وهذا ما خاطب به الملك محمد الخامس في عيد العرش 1959 شعبه فقال :"...وواظبت وزارة الأحباس على أداء مهمتها الدينية ببناء المساجد وتجديدها وتنظيم دروس الوعظ والإرشاد بها والقيام بخدمات في الميدان الاجتماعي بتحسين حالة الموظفين الدينيين وفتح أوراش التشغيل لمحاربة البطالة."[22]وهذا ما جعل الشاعر محمد بن محمد العلمي ينظم قصيدة في مدح وزارة الأوقاف في عهد محمد الخامس، هذا مقتطف منها: انظر بكل المدن و الأرياف ما حققته وزارة الأوقاف قد خففت من هجرة وبطالة وكفاحها في الحق ليس بخاف وتعلم الفلاح من خدمتها بالجد درس سعادة وكفاف فانظر مساعيها الحميدة قد زهت في أجمع الأصقاع والأطراف وبساحة العمران طاب غراسها فأتى بخير نتيجة وقطاف في كل ربع من ربوع بلادنا عدت لها الحسنات بالآلاف.[23]
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . دور الوقف في العصر الحديث (دراسة مستقلة قيد الانجاز) .
------------------------------------------------------------------------ * سورة سبأ الآية 38. [1] محاضرات في الوقف محمد أبو زهرة ط2/ص9. دار الفكر العربي-القاهرة 1971. [2] عقود التبرع في الفقه المالكي – عبد الكريم شهبون ص16- مطبعة النجاح الجديدة 1992. [3] الحوائط: البساتين [4] عقود التبرع في الفقه المالكي ص16 و ما بعدها بتصرف. [5] محاضرات في الوقف ط2 /ص11. [6] السياسة والمجتمع في العصر الأموي-إبراهيم حركات-ط1/ج4/ص116-منشورات دار الآفاق الجديدة 1990. [7] نفس المرجع. [8] مجلة دعوة الحق-العدد 3 يناير 1966.مطبعة فضالة المحمدية. [9] الإحسان الإلزامي في الإسلام وتطبيقاته في المغرب- محمد الحبيب التجكاني-ص556-مطبعة فضالة المحمدية 1990. [10] نفس المرجع ص 558. [11] الأستاذ السعيد بوركبة . مجلة دعوة الحق. العدد 300. شتنبر أكتوبر 1993. [12] الأستاذ سعيد بوركبة-. دعوة الحق العدد 300، شتنبر/أكتوبر 1993. [13] الدكتور محمد حجي، . مجلة دعوة الحق العدد300. ص54 بتصرف. [14] الأستاذ السعيد بوركبة-نفس المصدر-ص40-43 بتصرف. [15] الأستاذ محمد الطنجي- . مجلة دعوة الحق- العدد الثالث-يناير 1966.ص 89. [16] الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية للشيخ مجمد المكي الناصري-ص 17 وما بعدها-بتصرف وزارة الأوقاف 1992. [17] الأستاذ مجمد الطنجي-. مجلة دعوة الحق العدد الثالث يناير 1966 ص90. [18] الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية ص 20-21-بتصرف. [19] الأحباس المغربية في المملكة المغربية-ص23-24-بتصرف. [20] الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله . دعوة الحق العدد الثالث يناير 1966 ص 9. [21] الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية ص 28. [22] مجلة دعوة الحق-العدد السابق ص 92. [23] نفس المرجع السابق ص 91.