اعتبر فاعلون سياسيون وحقوقيون ، اليوم الثلاثاء بالرباط ، أن المستجدات التي جاء بها مشروع القانون الجنائي، ورغم أهميتها ،”لا تقدم عناصر أجوبة عن الأسئلة المجتمعية الراهنة”. وأبرز المتدخلون خلال لقاء دراسي نظمته المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب حول موضوع “القانون الجنائي ومتطلبات تحديث المجتمع”، أن مضامين هذا المشروع “لا تتجاوب مع النقاش العمومي المطروح اليوم”، خاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية والجماعية وإدراج الملاءمات الضرورية، مشددين على ضرورة إعادة النظر في آليات العدالة الجنائية والقواعد المنظمة للتجريم والنظام العقابي.
وفي هذا الصدد، أكدت رئيسة المجموعة النيابية عائشة لبلق أن مشروع القانون الجنائي هذا المطروح على أنظار البرلمان يتضمن مستجدات مهمة لا يمكن الاستهانة بها. وتساءلت عن مدى استجابته وتفاعله مع كل الاشكاليات المجتمعية المطروحة اليوم. وأبرزت لبلق أن مضامين القانون الجنائي تعتبر من أهم المكونات الأساسية للمنظومة القانونية الوطنية التي تتصل ، بشكل وثيق، بممارسة الحقوق والحريات وتفصل بين المباح والمحظور، مذكرة بأنه منذ وضع أسسها سنة 1953، عرفت هذه المنظومة عدة تعديلات وتغييرات تحكم فيها هاجس الجواب على بعض المستجدات الظرفية، ولم تكن يوما ما موضوع تعديل شامل ومتكامل يمس جوهر السياسة الجنائية، حيث إن هناك مواد لم تتم مراجعتها منذ 1953 بينما يشهد المجتمع المغربي تحولات عميقة وممارسات جد متقدمة “ظل القانون متخلفا عنها”. من جانبه، اعتبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبدالله أن تنظيم هذا اللقاء الذي ياتي في سياق عرض بعض مواد القانون الجنائي على أنظار البرلمان، يمثل مناسبة للتعبير عن مواقف الحزب حول القضايا المطروحة للنقاش العمومي من قبيل الإثراء غير المشروع والعقوبات البديلة والإجهاض وقضايا أخرى، وطرح أيضا المقاربات المرتبطة بمواضيع كان يتعين إدراجها في المواد المعدلة المرتبطة بممارسة بعض الحريات الجماعية والفردية. وأكد بنعبدالله على ضرورة فتح نقاش رصين وهادئ حول هذه القضايا من أجل بلوة مقاربة شجاعة وجريئة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المغربي والتحولات العميقة التي يشهدها، وآراء الأوساط الأخرى التي لا تساير هذا الطرح، لافتا إلى ان الحزب يسعى من خلال هذا اللقاء للاشتغال مع كافة الفعاليات الحقوقية والسياسية والمدنية لتجميع كل المبادرات وطرحها للنقاش العمومي. أما ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان مصطفى الناوي، فاعتبر أن القانون الجنائي المغربي يعد أهم قانون بعد الدستور، كونه ينظم مجال الحرية المرتبطة بالكرامة وطريقة العيش وتعايش الأفراد داخل المجتمع، مؤكدا أن هذا القانون يشرع لحماية الحقوق والحريات، “فهو لكي يحمي الحق في الحياة يجرم القتل، ولكي يحمي الحق في الملكية يجرم السرقة”. وأضاف الناوي أن القانون عرف عدة تعديلات مهمة لايمكن إنكارها من قبيل تضمينه لمقتضيات تتعلق بالاتجار في البشر، والحماية الجنائية للنساء والأطفال، لكن هذه التعديلات ، في المقابل ، لم تنل من جوهر وفلسفة وبنية ولغة هذا القانون التي أصبحت متجاوزة بالنظر للتحولات الاجتماعية العميقة التي شهدتها المملكة، والانخراط المتزايد للمغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. وتوقف عند أهم التوصيات التي تضمنتها مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتعديل القانون الجنائي، مسجلا أن المذكرة تغطي عدة مجالات من القانون الجنائي، بما في ذلك ما يتصل بعدم تقادم التعذيب، وزجر ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة، ومكافحة الاختفاء القسري، وتجريم التحريض على العنف والكراهية والتمييز. بدوره، رأى أيوب أبو جعفر ، وهو قاضي ملحق بمديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، أن مجموعة القانون الجنائي التي صدرت سنة 1962 عرفت تعديلات جزئية مست في جلها الشق الخاص بالجرائم، وذلك من خلال تجريم العديد من الجرائم المستحدثة كالإرهاب، والجريمة المعلوماتية، وغسيل الأموال والتمييز العنصري والاتجار بالبشر ، لكن دون أن تحظى مجموعة القانون الجنائي بمراجعة شاملة في قسميها العام أو الخاص. وأضاف أبو جعفر أن وزارة العدل بادرت إلى إعداد مشروع مراجعة متكاملة لمجموعة القانون الجنائي المغربي تضمنت ما يفوق 600 مادة تمت إحالة جزء منها في إطار مشروع قانون رقم 10-16 المتعلق بتغيير وتتميم القانون الجنائي، فيما يوجد ما تبقى من هذه المواد قيد التدقيق النهائي من طرف لجنة تقنية داخل الوزارة، على أن يتم عرضها على مسطرة المصادقة في أقرب الآجال. وسجل أن المشروع تضمن مستجدات هامة التي ستعزز المنظومة الجنائية سواء على مستوى تعزيز الحقوق والحريات، وتجريم الاختفاء القسري وجرائم التمييز العنصري والاختطاف والاحتجاز، أو على مستوى مكافحة الجريمة وإعادة النظر في عناصر العديد من جرائم الاعتداءات الجنسية وجرائم الفساد المالي والاستعمال غير المشروع للأسلحة، أو على مستوى توفير الأجوبة على مستوى التحديات التي تعرفها السياسة التجريمية والعقابية بالمغرب من قبيل تنظيم المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وإقرار العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية. وشدد ابو جعفر على أن المشروع سيظل منفتحا على كافة التعديلات التي سقدم خلال مرحلة المصادقة من طرف ممثلي الأمة، مشيرا إلى أن وزارة العدل قامت بدراسة المذكرة التي تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وسيتم التفاعل مع ما تضمنته من مقترحات من شأنها إغناء السياسة التجريمية والعقابية بالمغرب. وتميز اليوم الدراسي الذي حضرته فعاليات من آفاق سياسية وحقوقية ومدنية مختلفة، عرض أرضية النقاش التي تتضمن مقاربة المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية في تناولها لمضامين مشروع القانون الجنائي، حيث طالبت ب”مراجعة شاملة” لمجموعة هذا القانون بشكل يأخذ بعين الاعتبار التقدم الذي حققته المملكة على مستوى المنظومة القانونية المتشبعة بحقوق الإنسان، وبتكريس الحقوق الفردية والجماعية والشخصية للمغاربة، وحماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية لهم.