تختلف الأسماء وربما يتعدد الأداء لكن الهدف واحد لغرض نبيل، فهناك عند المغاربة “النفار” وهو أشهرهم، و”الطبال” و”الزمار”، و”الغياط”، بينما هو عند أغلب الدول العربية يعرف باسم “المسحراتي”. يعطي أصحاب تلك المسميات لمهمة موسمية، لمسة خاصة لشهر رمضان الكريم، بمختلف المدن المغربية، وفي أزقة المدن التاريخية. ينطلق “المسحراتي” قبل موعد السحور، يرتدي أحيانا لباسا تقليديا يعكس التراث المغربي، كالجلباب والطاقية أو الطربوش الأحمر المغربي، فيجوب شوارع المدينة لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل حلول آذان الفجر. “المسحراتي”، يعتبر إرثا رمضانيا، دأبت الأسر المغربية على تكريمه، سواء بالنقود، أو من خلال إطعامه قبيل السحور، بينما يراه البعض أحد مستحقي زكاة الفطر. صمود يقول عم إدريس، كما ينادونه شباب مدينة سلا، المحاذية للعاصمة المغربية الرباط، للأناضول، “منذ 20 سنة وأنا أمارس هذه المهنة النبيلة، صحيح بدأت تتراجع، لكن في أغلب المدن العتيقة لازالت مستمرة وصامدة”. ويتابع: “لدينا ثلاثة أصناف، أولها الطبال، وهو الذي يقرع الطبل لإيقاظ النائمين، ثم النفار، ومستعمله يحمل مزمارا طويلا على الأرجح يتجاوز طوله مترا، وأخيرا الغياط، الذي يستعمل مزمارا من الحجم الصغير”. ويضيف عم إدريس: “لا أعتقد أن المهنة ستسير إلى زوال، وهنا أتحدث عن الأحياء الشعبية والمدن العتيقة، هي عادة متوارثة لها رجالها الذين يعشقونها ولن يفرطوا فيها”. ويستطرد موضحا: “أستيقظ دائما الساعة الثانية فجرا، وذلك منذ آخر يوم من شهر شعبان، وأستمر في أداء مهمتي بحيوية ونشاط حتى آخر يوم من الشهر الفضيل”. ويلفت مسحراتي سلا إلى أن عددا كبيرا من أصحاب هذه المهنة الموسمية، “مصرون على المقاومة رغم زحف عوامل التكنولوجيا الحديثة، بتأثيرها السلبي على التراث، وفي مقدمتها المنبهات والهواتف الذكية”. بيد أن هذا التراث الرمضاني، أصبح مهددا بالانقراض، وظل يشهد انحسارا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، بالمدن الكبرى أساسا، بعدما كان لكل حي “مسحراتي” خاص به. تقول الحاجة فطيمة: “قبل سنوات كان النفار يمر بحينا مرتين في الليلة الواحدة، بينهما ساعة على الأقل، حيث مروره الأول ليوقظنا نحن النساء لإعداد وجبة السحور، بينما المرور الثاني لإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور”. وتضيف للأناضول: “اليوم كل شيء تغير، الجيل الحالي يسهر حتى وقت متأخر من الليل، وغالبا لمتابعة القنوات الفضائية، وبالتالي الحاجة للنفار لإيقاظهم للسحور بدأت تتراجع”. وتتابع الحاجة فطيمة: “نحن إلى ذلك الزمن الجميل، ننام باكرا ونستيقظ لتناول وجبة السحور على إيقاع قرع الطبول أو النفخ في المزامير والأبواق”. الأصل التراثي ويشير أسامة الخضراوي، الباحث المتخصص في التراث الشعبي، بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن “مفهوم النفار في الثقافة الشعبية المغربية الأصيلة، ارتبط بقدوم شهر رمضان وعيد الفطر”. ويوضح في حديثه للأناضول: “يعتبر النفار من المهن الشعبية التراثية المعروفة عند العام والخاص، والتي تدخل البهجة والسرور على المغاربة، بسماع تهاليله وتكبيراته وابتهالاته”. ويضيف: “مصطلح النفار كما هو معروف، لم يأت من فراغ وإنما جاء نسبة إلى آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة، كما يدل في الوقت نفسه على صاحبها وعازفها”. ويشير إلى أن “الأصل العربي للكلمة هو النفير، وتعرفه القواميس بالبوق الذي يضرب لينفر الناس، أي يستنفرهم، ويعجلهم للسفر والرحيل أو للجهاد”. ويتابع الباحث في التراث الشعبي: “عندما نتذكر النفار، نتذكر أيام الزمن الجميل، لأن هذه المهنة أصبحت من النوادر في المغرب، بحكم الصعوبات المادية والتغيرات المجالية والتكنولوجية”. ويرى الخضراوي أن ناقوس الخطر يدق لمستقبل هذه المهنة في الكثير من المدن المغربية، مستثنيا المدن العتيقة، ومؤملا في “تمسك بعض النفارين بحرفة الأجداد، وحرصهم على عدم موتها والاستمرار في المحاربة من أجل بقائها”. ويوضح أن: “استمرار هؤلاء في أداء خدماتهم، تعبير عن ولعهم بهذه المهنة، كي لا يطالها النسيان، حتى لو كان المقابل دراهم معدودة”. وحتى إن كانت طلقات المدافع تسمع من أعلى أبراج المدن المغربية، لتنبيه الصائمين بموعد الفطور والسحور، يظل “النفار” تلك شخصية الثقافية الجمالية والفنية، التي ما فتئت تعبر عن عمق فني متجذر، ضاربا بجذوره في أعماق التراث الشعبي الأصيل للبلد. –