مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    رئيس الحكومة الإسبانية يشكر المغرب على دعم جهود الإغاثة في فيضانات فالينسيا    هولندا.. استقالة وزيرة مغربية بسبب احداث امستردام الاخيرة    مجلس النواب يصادق بأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    السعدي: حكومة أخنوش تمتلك المشروعية الانتخابية من حصولها على تفويض من 5 ملايين مغربي    الركراكي يكشف تشكيلة الأسود لمواجهة الغابون    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم        حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    حماس "مستعدة" للتوصل لوقف لإطلاق النار    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق        الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها الإسلاميون... ماذا أنتم فاعلون بنا؟
نشر في لكم يوم 19 - 01 - 2012

واجب الترحيب بكم، يسبق ضرورة الخوف منكم. وهو خوف بأسباب راجحة.. واجب الاعتراف بقوتكم، يترافق مع احترام الديموقراطية التي أنصفنكم، وهو احترام ملزم لكم ولا مفر منه.. واجب التنويه بإرثكم النضالي، يتزامن مع التنبيه إلى ارثكم العنفي أحياناً، والمتملق والانتهازي أحياناً.. واجب احترام بلوغكم مرتبة السلطة، يتزامن مع التحذير من تحولكم إلى تسلط باسم الله والدين وأنبيائه.
واجب القبول بكم في السلطة، أساساً أم شريكاً، يفرض علينا كمدنيين، انقياء من أي تبعية دينية أو طائفية أو مذهبية أو فقهية، ان نعارضكم بالوسائل الديموقراطية، وبلغة سياسية، لا تستند إلى موروث ديني، بل تتأسس على قضايا إنسانية، ومصالح وطنية، وحقوق اجتماعية وفردية، أقرتها شرائع وضعية. فنحن، لا نشبهكم، ولا نتشبه بكم، في استدراج عروض قوى السماء، في معارك الحسم ونضالات الميادين.. نحن العراة، سلاحنا مستل من تجارب هذه الأمة، والتجارب الإنسانية التي كرست الحرية والعدالة والخبز وحقوق الإنسان، وخصوصاً حقوق المرأة في مساواتها المطلقة مع الرجل... أنتم، حاضركم، من ماضيكم، بنسبة مغالية. نحن، حاضرنا من مستقبلنا، لأنه ماضينا القادم.
واجب القبول بكم في السلطة يفرض علينا إذاً ان نسألكم: ماذا أنتم فاعلون بنا؟
للتذكير: جئتم الثورة، بعدما اكتمل نصاب حضورها المليوني الحاسم في الميادين. فاتحة الميادين، قادها قادمون من وجع الاستبداد والحرمان والظلم والمهانة والنفي والإلغاء.. جئتم، بعدما اعتلى الجيل المدني الديموقراطي منصة المواجهة، وبعدما أقدم على فضيلة الاستشهاد.. جئتم بعدما حطم جيل يبشر بالتغيير، حاجز الخوف المزمن، حارس الاستبداد العربي.
كنتم مرابطين في مواقع الخوف من.. وهذا حقكم. وربما كانت حكمة منكم، بسبب ما ذقتموه من ظلم وما تعرضتم له في زمن الاستبداد. لكن جيل الشباب الديموقراطي المؤمن بجدارته كإنسان ومواطن حر، اقتحم التاريخ المقفل على الجبن والتخاذل والتسوية، فخلع الأبواب، ودعا الجميع لدخوله. تمنعتم في البداية، ومن خرج من شبابكم للدفاع عن المتظاهرين في الميادين، لم يخرج بقرار أو إذن أو فتوى منكم. اندفع شبابكم، كما شهد عديد من المراقبين، بنخوة وشهامة وأخوة، فاضت من إنسانيتهم ووطنيتهم والتزامهم.
جئتم في الوقت الذي يناسبكم، وهذا حقكم، ولا يناقشكم فيه إلا مغرض وكاره.. أكرر: لا منّة ولا تبخيساً. جئتم، بعدما سمح الأوان لكم، بأن تعلنوا حضوركم من دون هويتكم الدينية، إذ، في ذلك الزمن الصاعد، التزم الجميع بأن يكون الشعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، أو «ارحل». يومها لم تحضر شعارات حزبية أو دينية أو طائفية..
لقد صنع جيل الميادين، معجزة التوحد والتعدد، التماثل والاختلاف. ولكم كان ذا دلالة وطنية، لها واقعها ورمزيتها. حدث ذلك، بعد جريمة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية. الميدان، ساحة يطمئن إليها «معذبو الأرض»، وان الثورة هي ثورة الجميع.. حدث كل ذلك، إلى ان تم استحضار الشيخ يوسف القرضاوي لاعتلاء منصة الانتهاز..
ولقد خاف كثيرون، لأن سلاح الدين عندما يجيء، يبتر ويفرق. ولقد فعل فعله..
انكم مخيفون، تحضرون، فيحضر معكم تاريخ، ولد في «السقيفة»، و«الفتنة الكبرى»، ومعركة «الجمل»، ومعركة «صفين»، ومعارك التسنن والتشيّع التي عادت لتذر قرونها المتعددة، من مضيق هرمز إلى مضيق جبل طارق..
تاريخ يختنق مذهبياً بين مضيقين.
خرجتم كجماعة عن الجماعة في الميادين. والخروج هذا ليس من الإيمان السياسي.. لقد انتهزتم فرصة التفرد، ونسجتم علاقات غير واضحة، ذات الغاز مبهمة مع السلطة والعسكر وصوبتكم أشرعتكم في ممرات الرياح الدولية المؤاتية.. أرسلتم إشارات سابقة لأوانها، كي ينظر الخارج إليكم، بعين القبول، تمهيداً لتبرئتكم مما يراه الغرب مسيئاً فيكم، ماضياً وحاضراً.
والثورة يا«أخوان»، لم تندلع لسلوك هذا المسار: الاستئثار بالدين والدنيا في الداخل، والاتجار بالاثنين في الخارج.
فضلتم منطق الغلبة على منطق الحوار، قلتم هذه فرصتنا قد جاءت، ولقد جاءت، فماذا أنتم فاعلون بنا؟ ماذا أنتم فاعلون، مع الدَّين الكبير الذي في رقابكم، لجيل الشباب، جيل الثورة، مفجر عصر الاستبداد، وصاحب «الفاتح» من الحرية؟
أي تلفيق هذا الذي تدسونه في خطابكم الملتبس: «دولة مدنية بمرجعية إسلامية؟». أي تناقض في مواقفكم ومسالك قياداتكم؟ أنتم مع الديموقراطية ولكن.. مع الحرية ولكن.. مع السياحة ولكن.. مع احترام الأقليات ولكن.. إن لكن، هي لازمة خطابكم السياسي الملتبس.
أنتم مع الديموقراطية وتزوّرونها، تقولون: نحن الأكثرية. صناديق الاقتراع أصدق
إنباء من الجميع. نحن فزنا.. هذا صحيح. لكن فوزكم ليس ديموقراطيا، لأنكم إسلاميون. ولو كنتم مسيحيين كأكثرية فازت لقلنا: فزتم لأنكم مسيحيون. أنتم تغرفون من رأسمال لم تساهموا في تكديسه بالجهد والتعب والإقناع. جمهوركم جاهز، لأنه مؤمن. والإيمان فضيلة من فضائل الروح. أنتم تستدرجون المؤمن، بمخزونه الروحي، إلى ميدان يعرف فيه إيمانه سياسياً، بعصبية مستعمية، لا تقيم أوزانا متساوية في تعاملها مع من هم من دين آخر أو مذهب آخر.
أنتم يا «أخوان»، أكثرية دائمة، بلا تعب ولا نضال. وعليه، أنتم مزورون للانتخابات الديموقراطية.
ان الاكثريات الدينية ستبقى اكثريات إلى أبد غير قريب. الاكثرية والأقلية مفهومان سياسيان. دخلا الحياة، بعد الثورة الفرنسية، وبعد ممارسة الديموقراطية، وبعدما باتت الحياة السياسية حاضنة لتيارات وأحزاب (لا دين لها) تتنافس بالسياسة.
اننا نخاف منكم، لأن استقواءكم بموروثكم الديني وميراثكم الشعبي لأهل العقيدة، يجعلكم أقرب إلى الاستبداد. والاستبداد الديني أشد وطأة من استبداد الطغاة. ان العصبية الدينية والطائفية تغتال الديموقراطية في مهدها. ولا حرية ولا ديموقراطية مع أحزاب ناشئة على الرابطة الدينية الموروثة، جيلاً بعد جيل.
نخاف منكم، لأنكم لن تساووا بين المواطنين. كل كلام تطميني يحتاج إلى برهان. وبراهين التاريخ دافقة، وهي ضد ادعائكم أنكم تؤمنون بالمساواة. يكفي ان تعرفوا شعور وموقف المسيحي من دستور بلده إذا نص على ان دين الدولة الإسلام. يكفي ان تعرفوا موقفه من اعتماد التشريع الإسلامي مصدراً للتشريع المدني. يكفي ان تعرفوا شعور وموقف من هو من دينكم وليس على مذهبكم.. عندها ستجدون أنكم استحضرتكم لغة الكراهية.. نحن في لبنان، ذقنا طعم التمييز الطائفي، علماً بأن دستورنا لا دين له، وعلماً بأن المحاكم الشرعية تلجأ إلى النصوص الدينية.. هذه روشتة لا تشفي. لأن مجرد الحضور الديني في المجال السياسي، استحضار لجهنم. ومثال على ذلك، في أيام عاشوراء. انه لمعيب التذكير بأن السُّنة ليسو يزيداً.
لن تساووا بين المواطنين أبداً. فمن هو منكم، فله الأفضلية (لبنان نموذجاً، كل طائفي معلق بكرعوبه السياسي). من هو منكم دينيا ومذهبيا، يحمِه تشريع مناسب. وإذا عز التشريع، فإن القرابة الدينية هي بطاقة عبوره إلى مناصب الدولة وإدراتها وقواتها المسلحة ومواقع القرار فيها ومطارح المصالح كذلك.. المواطن الحافّ سيجد نفسه بلا حماية ولا ضمانة ولا حوافز، وإذا حصل عليها، جاءته منة من الأكثرية، التي توزع الحصص، كصكوك غفران، تصرف في جنة السياسة ونعيم المحاصصة.
ان الحزب الديني في السلطة، ولو تزيا باسم مدني (مللا كذبة!) هو دكتاتورية مقنّعة، أو ديموقراطية لها أنياب اشد فتكاً من الحكم الفردي.. لا يستطيع الحزب الديني أن يساوي بين أفراده وأتباعه وبين الآخرين الذين ليسوا على مذهبه. (الأحداث الطائفية في مصر، خير نموذج على الحماية التي يتلقاها المجرمون.. أحداث لبنان القديمة والراهنة خير دليل على كيفية حماية الطوائف للمرتكبين والزعران واللصوص).
ربما لم تتنبهوا إلى ان الثورة الديموقراطية العربية التي اندلعت على أيدي جيل من الشباب، لم تكن ثورة من أجل استلام السلطة. انها ثورة تختلف عن الثورة الفرنسية وعن ثورة لينين وعن ثورة الخميني، وتختلف عن الانقلابات العسكرية العربية ذات السمعة السيئة، التي تحولت إلى دكتاتوريات بنسب عالية. وربما لم تتنبهوا إلى ان العملية الديموقراطية ليست بريئة من إنجاب دكتاتوريات مجرمة. هتلر لم يغتصب السلطة بالقوة. اغتصب ألمانيا بالقوة والتفرد، بعد انتخابات ديموقراطية.. حتى أوروبا الراهنة، التي ترفل بأثواب ديموقراطية زاهية، لم تعد تحتمل السلطات المالية وجماعات الضغط الدولية فيها، اللجوء إلى استفتاء شعبي أو انتخابات حرة، لتقرير سياسات مالية محددة.
يا«أخوان». انكم ستظلمون ولو عدلتم. وتجدون التبرير والتفسير لإظهار ظلمكم على انه عدل إلهي. إذا أُحرجتم في أمر، تلجأون إلى المنزّل والنص والسيرة والاجتهاد للتبرير. فيما يكون الصح ساطع كنور قذفه الواقع في الصدر، لا شك فيه، ولا يأتيه نقص في أي وجه من وجوهه.
الثورة التي أوصلتكم إلى ما أنتم فيه، شبابها لا يزالون في الساحات والميادين. ليسوا أصحاب سلطة، بل أصحاب قضايا. وهذه القضايا معلنة: بناء نظام سياسي ديموقراطي عن جد، لا أسبقية فيه لأحد، بسبب انتمائه. نظام سياسي يصون الحقوق، والحقوق مدنية، يقرها قانون مدني. نظام سياسي يساوي بين الناس أمام القانون وفي فرص العمل وفي العطاءات وفي الواجبات. نظام سياسي عصري جداً، يتساوى فيه الرجل مع المرأة، مساواة تامة. ولا يحق لأي رجل، أكانت مرتبته دينية أم سياسية أم فقهية، ان يقرر حقوق المرأة وحده. المرأة صاحبة حقوق ولها وحدها حق إقرارها وتحقيقها. يلزم ان تنتهي خرافة القوامة الذكورية، على 150 مليون امرأة في العالم العربي.
ربما لم تنتبهوا الى ان جيل الثورة هذا، مرابط عند قضاياه، وليس طامحاً الى تسلم السلطة. السلطة للشعب. فإذا انحاز فريق عنها، واحتسب لنفسه صفة التمثيل، لما يترسمل به من محمولات دينية مبرمة، تؤيدها عامة مؤمنة وطيبة وذات ميول عصبية وانفصالية.. إذا انحاز فريق عنها، فإنه سيواجَه بثورة ثانية لتصحيح الثورة.. ثورة في الثورة، لمَ لا. وها هي الميادين حبلى بمواعيد العودة إلى النضال.
الذين خرجوا على الظلم مرة، وكسروا حاجز الخوف إلى الأبد، سيخرجون كل مرة، يواجه فيها الشعب ظلماً.
هل سألتم أنفسكم عن مطالب هؤلاء الشباب؟
هل تسألون غداً، أي نوع من الحرية المقيّدة سيرفضون؟
هل تسألون عن موقفهم من رجال الدين عندما يصبحون في السلطة أو أعوانا للسلطة.
أنتم سيوف الحلال والحرام. وستجهدون الجهاد السيئ في إلزام الناس بمنطقكم، ومن يخالفه، سيحذف أو يهان أو ينبذ، تماماً كما كانت تفعل أنظمة الاستبداد الشيوعية، وكما كانت تمارس أنظمة الاستبداد العربية. الحلال، هو ان تقول نعم لإملاءات رجال الدين أو لرجال المخابرات أو للصوص السلطة. الحرام، ان تقول لا. (يمكن قراءة خطاب فاكلاف هافل إلى غوستاف هوساك، الذي شرح فيه عملية تفريغ الإنسان من إنسانيته من خلال تخييره بين قيم السلطة وقيم الأخلاق). ان حرصكم على الصغائر (الأمور الصغيرة) لا يوازيه حرص مناسب على القضايا الكبرى. هذه القضايا ليست مدار اهتمام. إلى أي نظام اقتصادي ستنتمون؟ ما موقفكم من اقتصاد السوق؟ من الاستثمارات الأجنبية؟ من المضاربات المالية والمصرفية والعقارية؟ أي عدالة اجتماعية ستوفرون؟ أي استقلال ستمارسون؟
قولوا لنا من هم أعداؤكم، هل أميركا صديق أم شر لا بد منه، أم رجس من قبل إسرائيل فاجتنبوه، أم ماذا؟
اننا قلقون من ميوعة وإبهام إزاء فلسطين.
قيل لنا، انه من الحكمة السياسية ان لا نستعدي على الثورة، دولاً غربية. فلماذا استعداء قوى عربية ثورية؟ لماذا هذا الجفاء مع المقاومة الإسلامية في لبنان؟ لماذا هذه النزعة المناوئة لإيران الإسلامية؟ ولماذا هذا السعي إلى خطب ود تركيا، وإلى قبول الهبات السعودية والقطرية؟ ان صناديقكم امتلأت مراراً من أموال خليجية. فاحتسبوا.
اننا نخاف منكم أيها الإسلاميون، لأنكم مذهبيون جداً. لأنكم سنة وشيعة، وكخطين متوازيين، لم تلتقيا ولن.. العراق نموذج ولبنان نموذج وكلام الغنوشي عن الشيعة نموذج، واحتضانه حماس من دون حزب الله نموذج، وإغفال الأزهر للمرجعية الشيعية نموذج.. فما بالكم بالأقباط في مصر، والمسيحيين في العراق ولبنان ومن تبقى من جماعات دينية إسلامية ومسيحية؟
اننا نخاف منكم، لأنكم عابرون للحدود الوطنية، ليس ببطاقة مرور سياسية عروبية جامعة، بل ببطاقات ائتمان مذهبية. لهذا، تتدفق أموال الغاز السياسي بغزارة، وهي أموال محروسة ببوارج وقواعد أميركية، مدعومة بالرضى الإسرائيلي، الذي يمثله «شايلوك» الدولي.
لا شيء يطمئن حتى الآن.. تتساهلون في العظائم، وتستبسلون في الصغائر.
وتحكموننا، باسم دين، لا علاقة لكم به ولا علاقة له بكم، إلا بالقشور. فأي رسالة، تُجتث منها قيمها، تصبح نصاً صنميا، وسوطاً مضطهِداً وعصا بيد السلطة، وتبقى رسالة رسولية؟ ان كنت مخطئاً في خوفي، فالعلاج معروف: بددوا خوفنا منكم.
أيها الإسلاميون.. لن تأخذونا إلى السماء، نأمل ألا تسوقونا إلى جحيم الاستبداد الديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.