صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    إضراب عام في المغرب احتجاجًا على تدهور القدرة الشرائية وتجميد الحوار الاجتماعي    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    توقيف سائق طاكسي بأكادير بتهمة ترويج القرقوبي    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    التساقطات المطرية الأخيرة تعيد الآمال للفلاحين وتعد بموسم فلاحي جيد    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية أفضت إلى المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الشبيبة التجمعية تشيد بمجهود الحكومة استعداداً للمونديال وفي "تصفية تركة حكومتي العشر سنوات العجاف"    الاتحاد المغربي للشغل ينظم إلى الداعين لخوض "الاضراب العام"    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    المفوضية الأوروبية تحذر من "رد حازم" إذا استهدف ترامب منتجاتها برسوم جمركية "تعسفية وغير منصفة"    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    الشرع: الرياض تريد دعم دمشق    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    المغرب يتسلم رئاسة التحالف الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية المستدامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    تحولات "فن الحرب"    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخلاق ‬بين ‬الخير ‬واالسعادة
نشر في لكم يوم 13 - 05 - 2019


تمهيد‮ ‬
عديدة ‬هي ‬الإحراجات ‬والمشاكل ‬العملية ‬التي ‬تطرحها ‬المسائل ‬النظرية ‬سواء ‬في ‬المسالة ‬السياسية ‬وما ‬تفتح ‬عليه ‬من ‬اغتراب ‬سياسي ‬ومن ‬فساد ‬يجعل ‬المواطنة ‬مجرد ‬فكرة ‬صورية ‬أو ‬مثال ‬أعلى ‬يُشرَّع ‬له ‬قانونيا، ‬في ‬مقابل ‬ممارسة ‬سياسية ‬تحول ‬المواطن ‬إلى ‬مستهلك ‬و ‬تجعل ‬الدولة ‬تستبد ‬بالسيادة ‬فتقضي ‬على ‬المواطنة ‬كما ‬يتم ‬الاعتداء ‬على ‬السيادة ‬في ‬واقع ‬العولمة ‬الموجهة ‬من ‬قبل ‬القوى ‬الامبريالية ‬في ‬العالم.‬‮ ‬
كل ‬هذه ‬المصاعب ‬هي ‬بمثابة ‬ورطات ‬ووضعيات ‬حدية ‬تجعل ‬الفلسفة ‬الأخلاقية ‬في ‬زمن ‬العولمة ‬ضرورة ‬وجودية ‬إذا ‬ما ‬رام ‬الإنسان ‬الحفاظ ‬على ‬إنسانيته ‬وتحقيق ‬كونية ‬أصيلة ‬تصالح ‬بينه ‬و ‬ذاته ‬والآخر ‬والعالم ‬في ‬فضاء ‬مشترك ‬شهد ‬تسارع ‬نسق ‬التواصل ‬الذي ‬كشف ‬هو ‬الآخر ‬عن ‬احتياجه ‬إلى ‬إتيقا ‬تصالحية ‬ترتقي ‬بالمرء ‬من ‬مجرد ‬كائن ‬اتصالي ‬إلى ‬أن ‬يكون ‬كائن ‬تواصلي ‬بامتياز.‬‮ ‬
من ‬البين ‬اذن ‬أهمية ‬الأخلاق ‬في ‬المجتمع ‬البشري ‬اذ ‬يؤدي ‬فقدان ‬الأخلاق ‬الطيبة ‬إلى ‬الأمراض ‬الجسدية ‬والنفسية ‬واعتلال ‬الصحة ‬والجهل ‬بالمصير ‬وصعوبة ‬تحمل ‬نوائب ‬الدهر؛ ‬ولذلك ‬استحق ‬الكائن ‬العامل ‬الوحيد ‬لقب ‬الإنسان ‬بما ‬يحمله ‬من ‬خلق ‬يعبر ‬به ‬ارادته ‬وحريته ‬ومسؤوليته.‬‮ ‬
على ‬هذا ‬النحو ‬تبدو ‬فضائل ‬الأخلاق ‬من ‬الأركان ‬الأساسية ‬لسعادة ‬البشر ‬وتكامله ‬المادي ‬ورقيه ‬المعنوي.‬وإن ‬الوجود ‬اليومي ‬للإنسان ‬يعلن ‬الحاجة ‬الملحة ‬لاستعادة ‬الفلسفة ‬الأكسيولوجية، ‬وقد ‬نتج ‬عن ‬ذلك ‬ازدياد ‬الطلب ‬على ‬الأخلاق ‬بشكل ‬متزايدا ‬خاصة ‬في ‬ظل ‬غيابها ‬في ‬ساحة ‬المجتمع.‬‮ ‬
لكن ‬المفارقات ‬تظهر ‬حينما ‬تطرح ‬الأسئلة ‬التالية: ‬ما ‬المقصود ‬بالأخلاق؟ ‬وماهو ‬مفهوم ‬الخير؟ ‬وكيف ‬يمكن ‬تعريف ‬السعادة؟ ‬أليست ‬السعادة ‬هي ‬الخير ‬الأسمى؟ ‬وألا ‬تتناقض ‬الخيرات ‬الجزئية ‬مثل ‬الشهرة ‬والثروة ‬والصحة ‬والسلطة ‬والنجاح ‬مع ‬السعادة ‬كغاية ‬في ‬حد ‬ذاته؟ ‬و ‬متى ‬يكون ‬الفعل ‬خيرا؟ ‬ومتى ‬يكون ‬شرا؟ ‬ماهي ‬شروط ‬انجاز ‬الفعل ‬الخير؟ ‬وهل ‬يحقق ‬عمل ‬الخير ‬السعادة ‬الانسانية؟‮ ‬
الإنسان ‬مدني ‬بالضرورة ‬و ‬يحتاج ‬إلى ‬الأخلاق ‬الفاضلة ‬والاهتداء ‬بنور ‬القيم ‬وتوجيهية ‬المعايير ‬لأن ‬تدنيس ‬المقدسات ‬والرضا ‬بحالة ‬الفراغ ‬والعدمية ‬يؤدي ‬إلى ‬الضياع ‬والحيرة ‬والظلال ‬في ‬العالم ‬والتصادم ‬مع ‬الآخر ‬والإساءة ‬إلى ‬الذات ‬والى ‬الطبيعة .‬
1- ‬من ‬الأخلاق ‬الى ‬الإتيقا:‬‮ ‬
بادئ ‬ذو ‬بدء ‬ينبغي ‬أن ‬نبين ‬أن ‬مفهوما ‬الأخلاق ‬Morale ‬والإتيقا ‬Ethique ‬متداخلان ‬إلى ‬حد ‬كبير ‬وقد ‬يعنيان ‬نفس ‬الشيء ‬وهما ‬متماثلان ‬في ‬الفلسفة ‬القديمة ‬والحديثة.‬‮ ‬
ولكن ‬بداية ‬من ‬الفلسفة ‬المعاصرة ‬وجدت ‬العديد ‬من ‬المبررات ‬التي ‬تستوجب ‬الفصل ‬بينهما ‬وظهرت ‬عدة ‬أنماط ‬من ‬التفلسف ‬الأكسيولوجي ‬التي ‬تحاول ‬رسم ‬الحدود ‬الفاصلة ‬بينهما. ‬هناك ‬اختلاف ‬بين ‬مفهوم ‬الايتيقا ‬ومفهوم ‬الأخلاق. ‬فالاتيقا ‬هي ‬التسليم ‬بجملة ‬من ‬المبادئ ‬أو ‬الأوامر ‬المحددة ‬لكيفية ‬التعامل ‬بين ‬الأفراد، ‬و ‬حسن ‬تدبير ‬شؤون ‬الحياة ‬و ‬هي ‬أساسا ‬وضع ‬قواعد ‬الأفعال. ‬و ‬الأخلاق ‬هي ‬مجموع ‬الأوامر ‬السائدة ‬في ‬عصر ‬ما ‬أو ‬مجتمع ‬من ‬أجل ‬الاقتداء ‬بها.‬‮ ‬
لقد ‬ميز ‬ريكور ‬الأخلاق ‬تتمثل ‬في ‬القانون ‬أو ‬الواجب ‬بما ‬هو ‬صيغة ‬كونية ‬مطلقة ‬صورية ‬ويلزم ‬أفعالنا ‬و ‬تكمن ‬قيمته ‬في ‬ذاته ‬و ‬لا ‬يأخذ ‬بعين ‬الاعتبار ‬اندراج ‬الفعل ‬في ‬سياق ‬التجربة ‬الإنسانية. ‬أما ‬الأتيقا ‬فهي ‬تفكير ‬و ‬زاوية ‬في ‬مقاربة ‬الإشكاليات ‬الفلسفية ‬تستهدف ‬‮«‬الحياة ‬الجيدة ‬الخيرة ‬مع ‬الآخر ‬ومن ‬أجله ‬في ‬مؤسسات ‬عادلة‮»‬ ‬أي ‬هي ‬النظر ‬في ‬غايات ‬الوجود ‬الإنساني ‬ضمن ‬الذاتية ‬الحية ‬للأفراد ‬بما ‬هي ‬ذاتية ‬منغرسة ‬في ‬المعيش ‬و ‬تتساءل ‬عن ‬القيم ‬مثلما ‬تبدعها ‬الذات ‬و ‬نحياها ‬‮«‬الآن ‬و ‬هنا‮»‬. ‬ولكن ‬تقدير ‬الذات ‬لذاتها ‬لا ‬ينفصل ‬عن ‬العناية ‬بالآخر ‬ولا ‬يكتمل ‬إلاّ ‬بإقامة ‬نوع ‬من ‬‮«‬العيش ‬معا‮»‬ ‬إلى ‬حد ‬الحميمية ‬يتجلى ‬في ‬قيمة ‬الصداقة. ‬على ‬هذا ‬النحو ‬إن ‬كلمة ‬إتيقا ‬Ethique ‬الفرنسية ‬من ‬أصل ‬يوناني، ‬وتعني ‬البحث ‬عن ‬نسق ‬من ‬المبادئ ‬يهدف ‬إلى ‬وجود ‬بشري ‬خير ‬وسعيد, ‬في ‬حين ‬أن ‬كلمة ‬أخلاق ‬Morale ‬الفرنسية ‬من ‬أصل ‬لاتيني، ‬و ‬تتحدد ‬كنظرية ‬في ‬الإلزام، ‬نظرية ‬في ‬القانون ‬والواجب ‬الأخلاقي ‬باعتباره ‬قانونا ‬لامشروطا ‬وكونيا. ‬و ‬يجب ‬أن ‬نلاحظ ‬أن ‬الإتيقا ‬تشهد ‬اليوم ‬أكثر ‬حظوة ‬في ‬مقابل ‬احتشام ‬الاهتمام ‬بالأخلاق. ‬والإتيقا ‬اليوم ‬تفيد ‬عموما ‬النظرية ‬العقلانية ‬حول ‬الفعل ‬و ‬الحياة ‬الخيرة ‬وبالتالي ‬تتمثل ‬في ‬دراسة ‬مشاكل ‬القيم ‬التي ‬تطرحها ‬مسائل ‬المحيط (‬إتيقا ‬المحيط) ‬والممارسات ‬الطبية (‬البيوايتيقا)… ‬ذلك ‬أن ‬القانون ‬الأخلاقي ‬و ‬الجبر ‬الأخلاقي ‬يشهد ‬اليوم ‬تراجعا ‬أمام ‬الحياة ‬الخيرة. ‬و ‬من ‬هذا ‬المنطلق ‬يبدو ‬من ‬المشروع ‬بالنسبة ‬إلينا ‬أن ‬نطرح ‬المشكل ‬الإتيقي ‬الذي ‬يتعلق ‬بالخير ‬و ‬السعادة ‬و ‬إذا ‬كان ‬الخير ‬الأسمى ‬هو ‬المطلب ‬الأساسي ‬في ‬الفعل ‬الأخلاقي. ‬لكن ‬فيما ‬يتمثل ‬هذا ‬الخير؟ ‬هل ‬في ‬الواجب ‬أم ‬في ‬السعادة؟ ‬وما ‬هي ‬طبيعة ‬العلاقة ‬بين ‬الخير ‬والواجب ‬والسعادة؟‮ ‬
2- ‬الأخلاق ‬بين ‬الخير ‬والمنفعة:‬‮ ‬
الخير ‬عموما ‬هو ‬أن ‬يجد ‬كل ‬شيء ‬كمالاته ‬اللائقة ‬به ‬بينما ‬الشر ‬هو ‬فقدان ‬ذلك. ‬ومفهوم ‬الخير ‬هو ‬الأساس ‬الذي ‬تبنى ‬عليه ‬مفاهيم ‬الأخلاق ‬كلها ‬لأنه ‬القياس ‬الذي ‬نحكم ‬به ‬على ‬قيمة ‬أفعالنا ‬في ‬الماضي ‬والحاضر ‬والمستقبل. ‬أما ‬الخير ‬الأسمى ‬المطلق ‬فهو ‬الذي ‬يكون ‬مرغوبا ‬فيه ‬من ‬قبل ‬كل ‬إنسان ‬بينما ‬الخير ‬النسبي ‬هو ‬الذي ‬يكون ‬خيرا ‬عند ‬بعضهم ‬وشرا ‬عند ‬بعضهم ‬الآخر.‬‮ ‬
يقول ‬ابن ‬سينا:‬‮»‬الخير ‬بالجملة ‬هو ‬ما ‬يتشوقه ‬كل ‬شيء ‬ويتم ‬به ‬وجوده…‬وقد ‬يقال ‬أيضا ‬خيرا ‬لما ‬كان ‬نافعا ‬ومفيدا ‬لكمالات ‬الأشياء‮»‬ ‬ويقول ‬ديكارت:‬‮»‬ ‬الخير ‬الأسمى ‬هو ‬بالتأكيد ‬الشيء ‬الذي ‬نضعه ‬هدفا ‬لكل ‬أعمالنا ‬والانبساط ‬الروحي ‬المتولد ‬عنه ‬والذي ‬نسعى ‬إليه ‬هو ‬غايتنا‮» ‬
وينقسم ‬الخير ‬عند ‬كانط ‬إلى ‬خير ‬طبيعي ‬محسوس ‬وخير ‬خلقي ‬معقول ‬وهذا ‬الأخير ‬هو ‬الخير ‬الأعظم ‬والأسمى ‬ويعنى ‬عند ‬بعض ‬الفلاسفة ‬الوجود ‬الذي ‬ليس ‬لذاته ‬حد ‬ولا ‬لكماله ‬نهاية ‬لأنه ‬خير ‬لذاته ‬وبذاته.‬‮ ‬
‮«‬يبدأ ‬تاريخ ‬الطبيعة ‬بالخير ‬لأنها ‬من ‬صنع ‬الإله ‬ويبدأ ‬تاريخ ‬الحرية ‬بالشر ‬لأنها ‬من ‬صنع ‬الإنسان‮»‬ ‬كانط‮ ‬
‮«‬ ‬لقد ‬منح ‬الله ‬الإنسان ‬الحرية ‬لكي ‬يفعل ‬الخير ‬والضمير ‬لكي ‬يريده ‬والعقل ‬لكي ‬يختاره‮»‬ ‬روسو‮ ‬
الخير ‬هو ‬شيء ‬أو ‬حالة ‬مرغوبة، ‬ممتعة، ‬أو ‬ما ‬يُعتبر ‬من ‬الناحية ‬الأخلاقية ‬أفضل ‬من ‬شيء ‬آخر ‬أو ‬من ‬حالة ‬أخرى. ‬والخير ‬هو ‬نقيض ‬الشر ‬أيضا.‬ ‬يُعرف ‬الشيء ‬الخيّر ‬أو ‬حالة ‬الخير ‬دائما ‬بشكل ‬نسبي ‬لأشياء ‬أو ‬لحالات ‬أخرى، ‬وتعريفه ‬هو ‬دائما ‬شخصي ‬ذاتي ‬متعلق ‬بسياق ‬الزمان ‬والمكان ‬والعلاقات ‬بين ‬البشر.‬‮ ‬
الخير ‬كشيء ‬ممتع ‬عند ‬الأبيقوريين ‬وما ‬يثير ‬الإحساس ‬بالمتعة ‬أو ‬بالرضا ‬لدى ‬البشر، ‬والخير ‬كمجد ‬وشهرة ‬والنجاحن ‬وهناك ‬تعريف ‬ثالث ‬للخير ‬يقوم ‬على ‬الجدوى ‬والمنفعة ‬وما ‬يعود ‬بالفائدة ‬على ‬الانسان. ‬وكان ‬جيرمي ‬بنتهام ‬قد ‬عرّف ‬المجدي ‬على ‬أنه ‬ما ‬يعود ‬بالسعادة ‬الكبيرة ‬للعدد ‬الأكبر‮»‬ ‬من ‬الناس. ‬من ‬هذا ‬المنطلق ‬‮«‬ ‬يتفطن ‬الإنسان ‬بعد ‬أن ‬أمضى ‬حياته ‬في ‬البحث ‬عن ‬الحقيقة ‬أنه ‬كان ‬من ‬الأفضل ‬لو ‬استغلها ‬في ‬فعل ‬الخير‮»‬ ‬هنري ‬برجسن. ‬لكن ‬كيف ‬تجمع ‬الأخلاق ‬بين ‬تحصيل ‬السعادة ‬والحياة ‬الفاضلة؟‮ ‬
3- ‬الأخلاق ‬بين ‬الفضيلة ‬والسعادة:‬‮ ‬
السعادة ‬لا ‬تنتج ‬عن ‬اللذة ‬بل ‬إلى ‬قبول ‬الحادث ‬باعتباره ‬تعبيراً ‬عن ‬النظام. ‬والخير ‬هو ‬الفضيلة ‬وهي ‬تعبير ‬عن ‬انسجام ‬داخلي ‬يتوحد ‬مع ‬انسجام ‬العالم ‬الكلي. ‬وبالتالي ‬ان ‬السعادة ‬نتيجة ‬للفضيلة، ‬والفضيلة ‬كائن ‬حي، ‬فهي ‬من ‬حيث ‬الماهية ‬بالفكر ‬تكون ‬الرصانة ‬العقلية ‬والتروي ‬والتحلي ‬بالحكمة ‬العملية.‬‮ ‬
ولكن ‬في ‬ربط ‬مفهوم ‬الخير ‬والسعادة ‬نتحدث ‬عن ‬أن ‬الاتيقا ‬حسب ‬أرسطو ‬‮«‬ ‬تعتبر ‬الإتيقا ‬بالنسبة ‬إليه ‬معرفة ‬متعلقة ‬بالفعل, ‬و ‬ترتبط ‬بالخير ‬الأسمى ‬الذي ‬يمثل ‬غاية ‬كل ‬فعل ‬إنساني, ‬والخير ‬الأسمى ‬هو ‬السعادة, ‬و ‬هكذا ‬فإن ‬السعادة ‬عند ‬أرسطو ‬تتمثل ‬في ‬فعل ‬عقلي ‬يتحدد ‬في ‬التأمل ‬كنشاط ‬عقلي, ‬الذي ‬يتماهى ‬والفضيلة.‬‮»‬ ‬وعند ‬كانط ‬نتحدث ‬عن ‬الأخلاق ‬‮«‬ ‬يعتبر ‬كانط ‬أن ‬الفعل ‬الأخلاقي ‬هو ‬الفعل ‬الذي ‬يقوم ‬بالواجب ‬من ‬أجل ‬الواجب .‬‮»‬قلنا ‬أن ‬الأخلاق ‬تهدف ‬الى ‬الخير ‬لذلك ‬نحاول ‬تحديد ‬العلاقة ‬بين ‬الخير ‬و ‬السعادة.‬‮ ‬
هكذا ‬تكون ‬السعادة ‬هي ‬الخير ‬الأقصى ‬فليس ‬يفضلها ‬شيء ‬آخر ‬يمكن ‬أن ‬يناله ‬الإنسان ‬فكل ‬ما ‬عداها ‬هو ‬وسيلة ‬لبلوغ ‬السعادة. ‬ومن ‬الطبيعي ‬أن ‬تكون ‬الغاية ‬القصوى ‬من ‬التفلسف ‬هي ‬تحقيق ‬السعادة. ‬لكن ‬عند ‬الرواقيين ‬السعادة ‬ليست ‬فردية ‬ولا ‬يمكن ‬لها ‬أن ‬تكون ‬كذلك ‬بل ‬هي ‬جماعية، ‬فالاجتماع ‬الإنساني ‬هو ‬بحد ‬ذاته ‬موافق ‬للطبيعة ‬وهو ‬صادر ‬عن ‬امتداد ‬التعاطف ‬إلى ‬خارج ‬نطاقها.‬‮ ‬
خاتمة ‬نقدية:‬‮ ‬
تبدو ‬السعادة ‬في ‬المعنى ‬الأول ‬هي ‬الخير ‬الأسمى ‬والغاية ‬المطلقة ‬التي ‬تطلب ‬لذلتها ‬وينال ‬الانسان ‬من ‬ورائها ‬الرضا ‬الروحي ‬والغبطة ‬السرمدية ‬والنعيم ‬الدنيوي، ‬غير ‬أن ‬المجتمع ‬الاستهلاكي ‬في ‬عصر ‬العولمة ‬قد ‬جعل ‬السعادة ‬رهينة ‬التمتع ‬بحياة ‬الوفرة ‬والرفاه ‬في ‬معنى ‬ثاني ‬تتناقض ‬مع ‬الخير، ‬وبالتالي ‬ان ‬ما ‬يعتبر ‬السعادة ‬مثال ‬أعلى، ‬بالنسبة ‬للنفعية، ‬هو ‬كونها ‬مقصودة ‬وفق ‬إستراتيجيا ‬جماعية ‬و ‬كونها ‬ترتكز ‬على ‬الاعتقاد ‬في ‬التقدم ‬التقني ‬و ‬الاقتصادي. ‬ذلك ‬أن ‬تفاؤل ‬الفلاسفة ‬البراغماتيين ‬جعلهم ‬يربطون ‬السعادة ‬بتطور ‬المعرفة ‬والذكاء ‬الإنساني ‬والاقبال ‬على ‬الحياة ‬والاهتمام ‬باشباع ‬الرغبات ‬والاعتناء ‬بالجسد، ‬وهو ‬ما ‬يؤكد ‬أن ‬السعادة ‬هي ‬أساسا ‬مثال ‬أعلى، ‬فكرة، ‬شيء ‬علينا ‬تحقيقه ‬لا ‬فقط ‬بالنسبة ‬للأفراد ‬بل ‬لكل ‬الناس، ‬و ‬من ‬هنا ‬بالذات ‬يحصل ‬الإنزلاق ‬الذي ‬يجعلنا ‬نتحول ‬من ‬الإنسانية ‬إلى ‬النفعية ‬كما ‬تجلت ‬عند ‬بنتام ‬وميل، ‬ثم ‬إلى ‬المادية ‬الصرفة ‬و ‬الفردانية ‬التي ‬غدت ‬فيها ‬السعادة ‬اليوم ‬مرادفة ‬للرفاه.‬‮ ‬
فأن ‬نعتبر ‬الخير ‬كمجموع ‬الخيرات ‬التي ‬يمكن ‬الحصول ‬عليها، ‬و ‬أن ‬يبحث ‬كل ‬فرد ‬عن ‬أكثر ‬لذة ‬و ‬أقل ‬عناء، ‬هو ‬أن ‬نعتبر ‬سعادة ‬الفرد ‬جزءا ‬من ‬الرفاهة ‬العامة. ‬ذلك ‬أن ‬النفعية ‬تتحدث ‬عن ‬السعادة ‬في ‬المستوى ‬الاجتماعي، ‬وبالتالي ‬السعادة ‬لكل ‬الناس ‬رغم ‬كونها ‬تختزل ‬الخير ‬في ‬النافع ‬وبالتالي ‬تتماهى ‬السعادة ‬مع ‬الرفاه ‬في ‬المجتمعات ‬الاستهلاكية. ‬لكن ‬الفردانية ‬ليست ‬فقط ‬واقع ‬ولكنها ‬أيضا ‬مثال ‬أعلى، ‬وإتباع ‬حاجات ‬الفرد ‬كعنصر ‬في ‬المجتمع ‬ليست ‬فقط ‬أمرا ‬مقترحا ‬بل ‬يقدم ‬كخير ‬مطلق. ‬فالمجتمع ‬الاستهلاكي ‬ليس ‬فقط ‬مادي، ‬وذو ‬نزعة ‬مادية ‬لأنه ‬يكرس ‬خطابا ‬يسعى ‬من ‬خلاله ‬لإقناع ‬كلّ ‬الأفراد، ‬بل ‬انه ‬مثالي ‬بطريقته، ‬بما ‬انه ‬يقدم ‬الرفاه ‬كمثال ‬أعلى، ‬رفاه ‬فردي ‬ولكن ‬رفاه ‬فردي ‬لكلّ ‬الناس. ‬وخطاب ‬السوق ‬هذا، ‬ككل ‬خطاب ‬أيديولوجي، ‬يزعم ‬انه ‬يقدم ‬أجوبة ‬لكل ‬التساؤلات. ‬وحول ‬السؤال ‬الذي ‬قد ‬يطرحه ‬كلّ ‬واحد ‬منا: ‬ما ‬السعادة؟ ‬يجيب ‬يجتمع ‬مجتمع ‬السوق ‬بدلا ‬عنا. ‬وإجابة ‬المجتمع ‬الاستهلاكي ‬تقدم ‬لنا ‬مثالي ‬السعادة ‬كرفاه، ‬وبهذه ‬الكيفية ‬يكون ‬لكلّ ‬الناس ‬نفس ‬مثالي ‬السعادة. ‬والمجتمع ‬الاستهلاكي ‬الذي ‬يدفعنا ‬للفردانية، ‬يدفعنا ‬جميعا ‬كالقطيع، ‬وهذا ‬النوع ‬من ‬الفردانية ‬ليس ‬مرادفا ‬بالضرورة ‬للتسيير ‬الذاتي ‬وللحرية. ‬أليس ‬مذهب ‬مذهب ‬لسعادة ‬هو ‬الذي ‬يجعل ‬الغبطة ‬هي ‬السعادة ‬القصوى ‬التي ‬يشعر ‬فيها ‬المرء ‬بالرضا ‬الروحي ‬ونعيم ‬التأمل ‬؟
والنظر؟ ‬فهل ‬تحصيل ‬السعادة ‬أمرا ‬ممكن ‬؟ ‬وهل ‬نطلبها ‬من ‬اجل ‬ذاتها ‬أم ‬من ‬اجل ‬أشياء ‬أخرى‮ ‬
كاتب ‬فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.