جمعية المحامين تبدي ترحيبها بالوساطة من أجل الحوار‬    الملكية بين "نخبة فرنسا" والنخبة الوطنية الجديدة    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع محضر تسوية مع الحكومة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة        تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | تفاصيل مشروع قانون نقل مهام "كنوبس" إلى الضمان الاجتماعي    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    تفاصيل قانون دمج صندوق "كنوبس" مع "الضمان الاجتماعي"    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    هذا ما حدث لمشجعين إسر ائيليين بعد انتهاء مباراة في كرة القدم بأمستردام    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    عودة جاريد كوشنر إلى البيت الأبيض.. صهر كوشنير الذي قد يسعى إلى الإغلاق النهائي لملف الصحراء المغربية    بالفيديو: يوسف النصيري يهز شباك ألكمار بهدف رائع في "اليوروباليغ"    هذه لائحة 26 لاعبا الذين استدعاهم الركراكي لمباراتي الغابون وليسوتو    الكعبي يشعل المدرجات بهدف رائع أمام رينجرز في "اليوروباليغ" (فيديو)    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخلاق ‬بين ‬الخير ‬واالسعادة
نشر في لكم يوم 13 - 05 - 2019


تمهيد‮ ‬
عديدة ‬هي ‬الإحراجات ‬والمشاكل ‬العملية ‬التي ‬تطرحها ‬المسائل ‬النظرية ‬سواء ‬في ‬المسالة ‬السياسية ‬وما ‬تفتح ‬عليه ‬من ‬اغتراب ‬سياسي ‬ومن ‬فساد ‬يجعل ‬المواطنة ‬مجرد ‬فكرة ‬صورية ‬أو ‬مثال ‬أعلى ‬يُشرَّع ‬له ‬قانونيا، ‬في ‬مقابل ‬ممارسة ‬سياسية ‬تحول ‬المواطن ‬إلى ‬مستهلك ‬و ‬تجعل ‬الدولة ‬تستبد ‬بالسيادة ‬فتقضي ‬على ‬المواطنة ‬كما ‬يتم ‬الاعتداء ‬على ‬السيادة ‬في ‬واقع ‬العولمة ‬الموجهة ‬من ‬قبل ‬القوى ‬الامبريالية ‬في ‬العالم.‬‮ ‬
كل ‬هذه ‬المصاعب ‬هي ‬بمثابة ‬ورطات ‬ووضعيات ‬حدية ‬تجعل ‬الفلسفة ‬الأخلاقية ‬في ‬زمن ‬العولمة ‬ضرورة ‬وجودية ‬إذا ‬ما ‬رام ‬الإنسان ‬الحفاظ ‬على ‬إنسانيته ‬وتحقيق ‬كونية ‬أصيلة ‬تصالح ‬بينه ‬و ‬ذاته ‬والآخر ‬والعالم ‬في ‬فضاء ‬مشترك ‬شهد ‬تسارع ‬نسق ‬التواصل ‬الذي ‬كشف ‬هو ‬الآخر ‬عن ‬احتياجه ‬إلى ‬إتيقا ‬تصالحية ‬ترتقي ‬بالمرء ‬من ‬مجرد ‬كائن ‬اتصالي ‬إلى ‬أن ‬يكون ‬كائن ‬تواصلي ‬بامتياز.‬‮ ‬
من ‬البين ‬اذن ‬أهمية ‬الأخلاق ‬في ‬المجتمع ‬البشري ‬اذ ‬يؤدي ‬فقدان ‬الأخلاق ‬الطيبة ‬إلى ‬الأمراض ‬الجسدية ‬والنفسية ‬واعتلال ‬الصحة ‬والجهل ‬بالمصير ‬وصعوبة ‬تحمل ‬نوائب ‬الدهر؛ ‬ولذلك ‬استحق ‬الكائن ‬العامل ‬الوحيد ‬لقب ‬الإنسان ‬بما ‬يحمله ‬من ‬خلق ‬يعبر ‬به ‬ارادته ‬وحريته ‬ومسؤوليته.‬‮ ‬
على ‬هذا ‬النحو ‬تبدو ‬فضائل ‬الأخلاق ‬من ‬الأركان ‬الأساسية ‬لسعادة ‬البشر ‬وتكامله ‬المادي ‬ورقيه ‬المعنوي.‬وإن ‬الوجود ‬اليومي ‬للإنسان ‬يعلن ‬الحاجة ‬الملحة ‬لاستعادة ‬الفلسفة ‬الأكسيولوجية، ‬وقد ‬نتج ‬عن ‬ذلك ‬ازدياد ‬الطلب ‬على ‬الأخلاق ‬بشكل ‬متزايدا ‬خاصة ‬في ‬ظل ‬غيابها ‬في ‬ساحة ‬المجتمع.‬‮ ‬
لكن ‬المفارقات ‬تظهر ‬حينما ‬تطرح ‬الأسئلة ‬التالية: ‬ما ‬المقصود ‬بالأخلاق؟ ‬وماهو ‬مفهوم ‬الخير؟ ‬وكيف ‬يمكن ‬تعريف ‬السعادة؟ ‬أليست ‬السعادة ‬هي ‬الخير ‬الأسمى؟ ‬وألا ‬تتناقض ‬الخيرات ‬الجزئية ‬مثل ‬الشهرة ‬والثروة ‬والصحة ‬والسلطة ‬والنجاح ‬مع ‬السعادة ‬كغاية ‬في ‬حد ‬ذاته؟ ‬و ‬متى ‬يكون ‬الفعل ‬خيرا؟ ‬ومتى ‬يكون ‬شرا؟ ‬ماهي ‬شروط ‬انجاز ‬الفعل ‬الخير؟ ‬وهل ‬يحقق ‬عمل ‬الخير ‬السعادة ‬الانسانية؟‮ ‬
الإنسان ‬مدني ‬بالضرورة ‬و ‬يحتاج ‬إلى ‬الأخلاق ‬الفاضلة ‬والاهتداء ‬بنور ‬القيم ‬وتوجيهية ‬المعايير ‬لأن ‬تدنيس ‬المقدسات ‬والرضا ‬بحالة ‬الفراغ ‬والعدمية ‬يؤدي ‬إلى ‬الضياع ‬والحيرة ‬والظلال ‬في ‬العالم ‬والتصادم ‬مع ‬الآخر ‬والإساءة ‬إلى ‬الذات ‬والى ‬الطبيعة .‬
1- ‬من ‬الأخلاق ‬الى ‬الإتيقا:‬‮ ‬
بادئ ‬ذو ‬بدء ‬ينبغي ‬أن ‬نبين ‬أن ‬مفهوما ‬الأخلاق ‬Morale ‬والإتيقا ‬Ethique ‬متداخلان ‬إلى ‬حد ‬كبير ‬وقد ‬يعنيان ‬نفس ‬الشيء ‬وهما ‬متماثلان ‬في ‬الفلسفة ‬القديمة ‬والحديثة.‬‮ ‬
ولكن ‬بداية ‬من ‬الفلسفة ‬المعاصرة ‬وجدت ‬العديد ‬من ‬المبررات ‬التي ‬تستوجب ‬الفصل ‬بينهما ‬وظهرت ‬عدة ‬أنماط ‬من ‬التفلسف ‬الأكسيولوجي ‬التي ‬تحاول ‬رسم ‬الحدود ‬الفاصلة ‬بينهما. ‬هناك ‬اختلاف ‬بين ‬مفهوم ‬الايتيقا ‬ومفهوم ‬الأخلاق. ‬فالاتيقا ‬هي ‬التسليم ‬بجملة ‬من ‬المبادئ ‬أو ‬الأوامر ‬المحددة ‬لكيفية ‬التعامل ‬بين ‬الأفراد، ‬و ‬حسن ‬تدبير ‬شؤون ‬الحياة ‬و ‬هي ‬أساسا ‬وضع ‬قواعد ‬الأفعال. ‬و ‬الأخلاق ‬هي ‬مجموع ‬الأوامر ‬السائدة ‬في ‬عصر ‬ما ‬أو ‬مجتمع ‬من ‬أجل ‬الاقتداء ‬بها.‬‮ ‬
لقد ‬ميز ‬ريكور ‬الأخلاق ‬تتمثل ‬في ‬القانون ‬أو ‬الواجب ‬بما ‬هو ‬صيغة ‬كونية ‬مطلقة ‬صورية ‬ويلزم ‬أفعالنا ‬و ‬تكمن ‬قيمته ‬في ‬ذاته ‬و ‬لا ‬يأخذ ‬بعين ‬الاعتبار ‬اندراج ‬الفعل ‬في ‬سياق ‬التجربة ‬الإنسانية. ‬أما ‬الأتيقا ‬فهي ‬تفكير ‬و ‬زاوية ‬في ‬مقاربة ‬الإشكاليات ‬الفلسفية ‬تستهدف ‬‮«‬الحياة ‬الجيدة ‬الخيرة ‬مع ‬الآخر ‬ومن ‬أجله ‬في ‬مؤسسات ‬عادلة‮»‬ ‬أي ‬هي ‬النظر ‬في ‬غايات ‬الوجود ‬الإنساني ‬ضمن ‬الذاتية ‬الحية ‬للأفراد ‬بما ‬هي ‬ذاتية ‬منغرسة ‬في ‬المعيش ‬و ‬تتساءل ‬عن ‬القيم ‬مثلما ‬تبدعها ‬الذات ‬و ‬نحياها ‬‮«‬الآن ‬و ‬هنا‮»‬. ‬ولكن ‬تقدير ‬الذات ‬لذاتها ‬لا ‬ينفصل ‬عن ‬العناية ‬بالآخر ‬ولا ‬يكتمل ‬إلاّ ‬بإقامة ‬نوع ‬من ‬‮«‬العيش ‬معا‮»‬ ‬إلى ‬حد ‬الحميمية ‬يتجلى ‬في ‬قيمة ‬الصداقة. ‬على ‬هذا ‬النحو ‬إن ‬كلمة ‬إتيقا ‬Ethique ‬الفرنسية ‬من ‬أصل ‬يوناني، ‬وتعني ‬البحث ‬عن ‬نسق ‬من ‬المبادئ ‬يهدف ‬إلى ‬وجود ‬بشري ‬خير ‬وسعيد, ‬في ‬حين ‬أن ‬كلمة ‬أخلاق ‬Morale ‬الفرنسية ‬من ‬أصل ‬لاتيني، ‬و ‬تتحدد ‬كنظرية ‬في ‬الإلزام، ‬نظرية ‬في ‬القانون ‬والواجب ‬الأخلاقي ‬باعتباره ‬قانونا ‬لامشروطا ‬وكونيا. ‬و ‬يجب ‬أن ‬نلاحظ ‬أن ‬الإتيقا ‬تشهد ‬اليوم ‬أكثر ‬حظوة ‬في ‬مقابل ‬احتشام ‬الاهتمام ‬بالأخلاق. ‬والإتيقا ‬اليوم ‬تفيد ‬عموما ‬النظرية ‬العقلانية ‬حول ‬الفعل ‬و ‬الحياة ‬الخيرة ‬وبالتالي ‬تتمثل ‬في ‬دراسة ‬مشاكل ‬القيم ‬التي ‬تطرحها ‬مسائل ‬المحيط (‬إتيقا ‬المحيط) ‬والممارسات ‬الطبية (‬البيوايتيقا)… ‬ذلك ‬أن ‬القانون ‬الأخلاقي ‬و ‬الجبر ‬الأخلاقي ‬يشهد ‬اليوم ‬تراجعا ‬أمام ‬الحياة ‬الخيرة. ‬و ‬من ‬هذا ‬المنطلق ‬يبدو ‬من ‬المشروع ‬بالنسبة ‬إلينا ‬أن ‬نطرح ‬المشكل ‬الإتيقي ‬الذي ‬يتعلق ‬بالخير ‬و ‬السعادة ‬و ‬إذا ‬كان ‬الخير ‬الأسمى ‬هو ‬المطلب ‬الأساسي ‬في ‬الفعل ‬الأخلاقي. ‬لكن ‬فيما ‬يتمثل ‬هذا ‬الخير؟ ‬هل ‬في ‬الواجب ‬أم ‬في ‬السعادة؟ ‬وما ‬هي ‬طبيعة ‬العلاقة ‬بين ‬الخير ‬والواجب ‬والسعادة؟‮ ‬
2- ‬الأخلاق ‬بين ‬الخير ‬والمنفعة:‬‮ ‬
الخير ‬عموما ‬هو ‬أن ‬يجد ‬كل ‬شيء ‬كمالاته ‬اللائقة ‬به ‬بينما ‬الشر ‬هو ‬فقدان ‬ذلك. ‬ومفهوم ‬الخير ‬هو ‬الأساس ‬الذي ‬تبنى ‬عليه ‬مفاهيم ‬الأخلاق ‬كلها ‬لأنه ‬القياس ‬الذي ‬نحكم ‬به ‬على ‬قيمة ‬أفعالنا ‬في ‬الماضي ‬والحاضر ‬والمستقبل. ‬أما ‬الخير ‬الأسمى ‬المطلق ‬فهو ‬الذي ‬يكون ‬مرغوبا ‬فيه ‬من ‬قبل ‬كل ‬إنسان ‬بينما ‬الخير ‬النسبي ‬هو ‬الذي ‬يكون ‬خيرا ‬عند ‬بعضهم ‬وشرا ‬عند ‬بعضهم ‬الآخر.‬‮ ‬
يقول ‬ابن ‬سينا:‬‮»‬الخير ‬بالجملة ‬هو ‬ما ‬يتشوقه ‬كل ‬شيء ‬ويتم ‬به ‬وجوده…‬وقد ‬يقال ‬أيضا ‬خيرا ‬لما ‬كان ‬نافعا ‬ومفيدا ‬لكمالات ‬الأشياء‮»‬ ‬ويقول ‬ديكارت:‬‮»‬ ‬الخير ‬الأسمى ‬هو ‬بالتأكيد ‬الشيء ‬الذي ‬نضعه ‬هدفا ‬لكل ‬أعمالنا ‬والانبساط ‬الروحي ‬المتولد ‬عنه ‬والذي ‬نسعى ‬إليه ‬هو ‬غايتنا‮» ‬
وينقسم ‬الخير ‬عند ‬كانط ‬إلى ‬خير ‬طبيعي ‬محسوس ‬وخير ‬خلقي ‬معقول ‬وهذا ‬الأخير ‬هو ‬الخير ‬الأعظم ‬والأسمى ‬ويعنى ‬عند ‬بعض ‬الفلاسفة ‬الوجود ‬الذي ‬ليس ‬لذاته ‬حد ‬ولا ‬لكماله ‬نهاية ‬لأنه ‬خير ‬لذاته ‬وبذاته.‬‮ ‬
‮«‬يبدأ ‬تاريخ ‬الطبيعة ‬بالخير ‬لأنها ‬من ‬صنع ‬الإله ‬ويبدأ ‬تاريخ ‬الحرية ‬بالشر ‬لأنها ‬من ‬صنع ‬الإنسان‮»‬ ‬كانط‮ ‬
‮«‬ ‬لقد ‬منح ‬الله ‬الإنسان ‬الحرية ‬لكي ‬يفعل ‬الخير ‬والضمير ‬لكي ‬يريده ‬والعقل ‬لكي ‬يختاره‮»‬ ‬روسو‮ ‬
الخير ‬هو ‬شيء ‬أو ‬حالة ‬مرغوبة، ‬ممتعة، ‬أو ‬ما ‬يُعتبر ‬من ‬الناحية ‬الأخلاقية ‬أفضل ‬من ‬شيء ‬آخر ‬أو ‬من ‬حالة ‬أخرى. ‬والخير ‬هو ‬نقيض ‬الشر ‬أيضا.‬ ‬يُعرف ‬الشيء ‬الخيّر ‬أو ‬حالة ‬الخير ‬دائما ‬بشكل ‬نسبي ‬لأشياء ‬أو ‬لحالات ‬أخرى، ‬وتعريفه ‬هو ‬دائما ‬شخصي ‬ذاتي ‬متعلق ‬بسياق ‬الزمان ‬والمكان ‬والعلاقات ‬بين ‬البشر.‬‮ ‬
الخير ‬كشيء ‬ممتع ‬عند ‬الأبيقوريين ‬وما ‬يثير ‬الإحساس ‬بالمتعة ‬أو ‬بالرضا ‬لدى ‬البشر، ‬والخير ‬كمجد ‬وشهرة ‬والنجاحن ‬وهناك ‬تعريف ‬ثالث ‬للخير ‬يقوم ‬على ‬الجدوى ‬والمنفعة ‬وما ‬يعود ‬بالفائدة ‬على ‬الانسان. ‬وكان ‬جيرمي ‬بنتهام ‬قد ‬عرّف ‬المجدي ‬على ‬أنه ‬ما ‬يعود ‬بالسعادة ‬الكبيرة ‬للعدد ‬الأكبر‮»‬ ‬من ‬الناس. ‬من ‬هذا ‬المنطلق ‬‮«‬ ‬يتفطن ‬الإنسان ‬بعد ‬أن ‬أمضى ‬حياته ‬في ‬البحث ‬عن ‬الحقيقة ‬أنه ‬كان ‬من ‬الأفضل ‬لو ‬استغلها ‬في ‬فعل ‬الخير‮»‬ ‬هنري ‬برجسن. ‬لكن ‬كيف ‬تجمع ‬الأخلاق ‬بين ‬تحصيل ‬السعادة ‬والحياة ‬الفاضلة؟‮ ‬
3- ‬الأخلاق ‬بين ‬الفضيلة ‬والسعادة:‬‮ ‬
السعادة ‬لا ‬تنتج ‬عن ‬اللذة ‬بل ‬إلى ‬قبول ‬الحادث ‬باعتباره ‬تعبيراً ‬عن ‬النظام. ‬والخير ‬هو ‬الفضيلة ‬وهي ‬تعبير ‬عن ‬انسجام ‬داخلي ‬يتوحد ‬مع ‬انسجام ‬العالم ‬الكلي. ‬وبالتالي ‬ان ‬السعادة ‬نتيجة ‬للفضيلة، ‬والفضيلة ‬كائن ‬حي، ‬فهي ‬من ‬حيث ‬الماهية ‬بالفكر ‬تكون ‬الرصانة ‬العقلية ‬والتروي ‬والتحلي ‬بالحكمة ‬العملية.‬‮ ‬
ولكن ‬في ‬ربط ‬مفهوم ‬الخير ‬والسعادة ‬نتحدث ‬عن ‬أن ‬الاتيقا ‬حسب ‬أرسطو ‬‮«‬ ‬تعتبر ‬الإتيقا ‬بالنسبة ‬إليه ‬معرفة ‬متعلقة ‬بالفعل, ‬و ‬ترتبط ‬بالخير ‬الأسمى ‬الذي ‬يمثل ‬غاية ‬كل ‬فعل ‬إنساني, ‬والخير ‬الأسمى ‬هو ‬السعادة, ‬و ‬هكذا ‬فإن ‬السعادة ‬عند ‬أرسطو ‬تتمثل ‬في ‬فعل ‬عقلي ‬يتحدد ‬في ‬التأمل ‬كنشاط ‬عقلي, ‬الذي ‬يتماهى ‬والفضيلة.‬‮»‬ ‬وعند ‬كانط ‬نتحدث ‬عن ‬الأخلاق ‬‮«‬ ‬يعتبر ‬كانط ‬أن ‬الفعل ‬الأخلاقي ‬هو ‬الفعل ‬الذي ‬يقوم ‬بالواجب ‬من ‬أجل ‬الواجب .‬‮»‬قلنا ‬أن ‬الأخلاق ‬تهدف ‬الى ‬الخير ‬لذلك ‬نحاول ‬تحديد ‬العلاقة ‬بين ‬الخير ‬و ‬السعادة.‬‮ ‬
هكذا ‬تكون ‬السعادة ‬هي ‬الخير ‬الأقصى ‬فليس ‬يفضلها ‬شيء ‬آخر ‬يمكن ‬أن ‬يناله ‬الإنسان ‬فكل ‬ما ‬عداها ‬هو ‬وسيلة ‬لبلوغ ‬السعادة. ‬ومن ‬الطبيعي ‬أن ‬تكون ‬الغاية ‬القصوى ‬من ‬التفلسف ‬هي ‬تحقيق ‬السعادة. ‬لكن ‬عند ‬الرواقيين ‬السعادة ‬ليست ‬فردية ‬ولا ‬يمكن ‬لها ‬أن ‬تكون ‬كذلك ‬بل ‬هي ‬جماعية، ‬فالاجتماع ‬الإنساني ‬هو ‬بحد ‬ذاته ‬موافق ‬للطبيعة ‬وهو ‬صادر ‬عن ‬امتداد ‬التعاطف ‬إلى ‬خارج ‬نطاقها.‬‮ ‬
خاتمة ‬نقدية:‬‮ ‬
تبدو ‬السعادة ‬في ‬المعنى ‬الأول ‬هي ‬الخير ‬الأسمى ‬والغاية ‬المطلقة ‬التي ‬تطلب ‬لذلتها ‬وينال ‬الانسان ‬من ‬ورائها ‬الرضا ‬الروحي ‬والغبطة ‬السرمدية ‬والنعيم ‬الدنيوي، ‬غير ‬أن ‬المجتمع ‬الاستهلاكي ‬في ‬عصر ‬العولمة ‬قد ‬جعل ‬السعادة ‬رهينة ‬التمتع ‬بحياة ‬الوفرة ‬والرفاه ‬في ‬معنى ‬ثاني ‬تتناقض ‬مع ‬الخير، ‬وبالتالي ‬ان ‬ما ‬يعتبر ‬السعادة ‬مثال ‬أعلى، ‬بالنسبة ‬للنفعية، ‬هو ‬كونها ‬مقصودة ‬وفق ‬إستراتيجيا ‬جماعية ‬و ‬كونها ‬ترتكز ‬على ‬الاعتقاد ‬في ‬التقدم ‬التقني ‬و ‬الاقتصادي. ‬ذلك ‬أن ‬تفاؤل ‬الفلاسفة ‬البراغماتيين ‬جعلهم ‬يربطون ‬السعادة ‬بتطور ‬المعرفة ‬والذكاء ‬الإنساني ‬والاقبال ‬على ‬الحياة ‬والاهتمام ‬باشباع ‬الرغبات ‬والاعتناء ‬بالجسد، ‬وهو ‬ما ‬يؤكد ‬أن ‬السعادة ‬هي ‬أساسا ‬مثال ‬أعلى، ‬فكرة، ‬شيء ‬علينا ‬تحقيقه ‬لا ‬فقط ‬بالنسبة ‬للأفراد ‬بل ‬لكل ‬الناس، ‬و ‬من ‬هنا ‬بالذات ‬يحصل ‬الإنزلاق ‬الذي ‬يجعلنا ‬نتحول ‬من ‬الإنسانية ‬إلى ‬النفعية ‬كما ‬تجلت ‬عند ‬بنتام ‬وميل، ‬ثم ‬إلى ‬المادية ‬الصرفة ‬و ‬الفردانية ‬التي ‬غدت ‬فيها ‬السعادة ‬اليوم ‬مرادفة ‬للرفاه.‬‮ ‬
فأن ‬نعتبر ‬الخير ‬كمجموع ‬الخيرات ‬التي ‬يمكن ‬الحصول ‬عليها، ‬و ‬أن ‬يبحث ‬كل ‬فرد ‬عن ‬أكثر ‬لذة ‬و ‬أقل ‬عناء، ‬هو ‬أن ‬نعتبر ‬سعادة ‬الفرد ‬جزءا ‬من ‬الرفاهة ‬العامة. ‬ذلك ‬أن ‬النفعية ‬تتحدث ‬عن ‬السعادة ‬في ‬المستوى ‬الاجتماعي، ‬وبالتالي ‬السعادة ‬لكل ‬الناس ‬رغم ‬كونها ‬تختزل ‬الخير ‬في ‬النافع ‬وبالتالي ‬تتماهى ‬السعادة ‬مع ‬الرفاه ‬في ‬المجتمعات ‬الاستهلاكية. ‬لكن ‬الفردانية ‬ليست ‬فقط ‬واقع ‬ولكنها ‬أيضا ‬مثال ‬أعلى، ‬وإتباع ‬حاجات ‬الفرد ‬كعنصر ‬في ‬المجتمع ‬ليست ‬فقط ‬أمرا ‬مقترحا ‬بل ‬يقدم ‬كخير ‬مطلق. ‬فالمجتمع ‬الاستهلاكي ‬ليس ‬فقط ‬مادي، ‬وذو ‬نزعة ‬مادية ‬لأنه ‬يكرس ‬خطابا ‬يسعى ‬من ‬خلاله ‬لإقناع ‬كلّ ‬الأفراد، ‬بل ‬انه ‬مثالي ‬بطريقته، ‬بما ‬انه ‬يقدم ‬الرفاه ‬كمثال ‬أعلى، ‬رفاه ‬فردي ‬ولكن ‬رفاه ‬فردي ‬لكلّ ‬الناس. ‬وخطاب ‬السوق ‬هذا، ‬ككل ‬خطاب ‬أيديولوجي، ‬يزعم ‬انه ‬يقدم ‬أجوبة ‬لكل ‬التساؤلات. ‬وحول ‬السؤال ‬الذي ‬قد ‬يطرحه ‬كلّ ‬واحد ‬منا: ‬ما ‬السعادة؟ ‬يجيب ‬يجتمع ‬مجتمع ‬السوق ‬بدلا ‬عنا. ‬وإجابة ‬المجتمع ‬الاستهلاكي ‬تقدم ‬لنا ‬مثالي ‬السعادة ‬كرفاه، ‬وبهذه ‬الكيفية ‬يكون ‬لكلّ ‬الناس ‬نفس ‬مثالي ‬السعادة. ‬والمجتمع ‬الاستهلاكي ‬الذي ‬يدفعنا ‬للفردانية، ‬يدفعنا ‬جميعا ‬كالقطيع، ‬وهذا ‬النوع ‬من ‬الفردانية ‬ليس ‬مرادفا ‬بالضرورة ‬للتسيير ‬الذاتي ‬وللحرية. ‬أليس ‬مذهب ‬مذهب ‬لسعادة ‬هو ‬الذي ‬يجعل ‬الغبطة ‬هي ‬السعادة ‬القصوى ‬التي ‬يشعر ‬فيها ‬المرء ‬بالرضا ‬الروحي ‬ونعيم ‬التأمل ‬؟
والنظر؟ ‬فهل ‬تحصيل ‬السعادة ‬أمرا ‬ممكن ‬؟ ‬وهل ‬نطلبها ‬من ‬اجل ‬ذاتها ‬أم ‬من ‬اجل ‬أشياء ‬أخرى‮ ‬
كاتب ‬فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.