ينبش الباحث سعيد واحيحي في كتابه "مهدوية أحمد بن أبي محلي الفيلالي" ومخطوط "تقييد في التعريف بمدينة سجلماسة" في مرحلة شكلت مظهرا من مظاهر الانتقال من مرحلة حكم الأشراف السعديين إلى مرحلة حكم الأشراف السجلماسيين فقد رصد الباحث وتتبع حركة الفقيه والعالم والمتصوف أحمد بن أبي محلي الفيلالي المتشبع بفكرة "المهدوية" فكرا من خلال ما خلفه من تراث فكري غني توزعتها مخطوطاته المعروفة (أجوبة الخروبي، الإصليت، المنجنيق، السيف البارق، القسطاس، سم ساعة، مهراس رؤوس الجهلة، السلسبيل) وأخرى في عداد المفقود وردت عناوينها في ثنايا مخطوطاته، وممارسة عند إعلانه "الثورة" وقيادة العمليات العسكرية ضدا على السلطة المركزية. وشكل بذلك عمله التأليفي منهاجا نظريا لحركته إذ بدأ بالتنظير والنقد كخطوات لازمة في بناء كل مشروع ينشد التغيير، ونفذ بذكاء وحماس ذلك الخيال الثوري الذي بثه بين الحروف والكلمات المشتعلة بحرارة النقد الشنيع على الوضعية التي أصبح عليها المغرب الأقصى في أواخر القرن 10ه`"16م . فقد عم الخراب والدمار بفعل الأوبئة والمجاعات، واشتد الصراع بين أبناء أحمد المنصور السعدي على الحكم، فظهر بذلك زعماء جدد في الحقل السياسي بدافع إيمانهم القوي ووطنيتهم الصادقة، ورغبتهم في تحرير المناطق المغتصبة، وكان على رأس هؤلاء أحمد بن أبي محلي السجلماسي-الفيلالي وهو يعلن "الجهاد" للتغيير نحو الأفضل والخروج من الأزمة وتحقيق العدل الاجتماعي. وبالرغم من قصر المدة الزمنية لحركة أحمد بن أبي محلي والتي تمتد من 1619 إلى 1622 لكن وقعها على المدى البعيد للتاريخ المغربي كان كبيرا. وخصص الباحث القسم الأول من الكتاب للحديث عن شخصية أحمد بن أبي محلي الفيلالي وأصوله وموقع أسرته في الوسط الفيلالي ومسيرته العلمية وما خلفه من تراث فكري غني لطبيعة القضايا التي شغلت باله. وخصص القسم الثاني لحركته والتي كان يبغي من ورائها القضاء على الحكم السعدي وإنشاء خلافة بديلة والمراحل التي قطعتها مند خروجه من سجلماسة ثم العودة إليها لتحقيق إحدى علامات ظهور "المهدي المنتظر" في إطار جدلية "الإحياء" و "الإنشاء"، مرورا بدرعة ثم مراكش وآسفي وهو يتعقب خطوات السلطان السعدي زيدان إلى أن انتهى به المطاف في إحدى المعارك الفاصلة عام 1622. أما المخطوط الذي قام الكاتب بإخراجه فيحمل عنوان "تقييد في التعريف بمدينة سجلماسة" هده الحاضرة الأسطورية التي اعتبر أحمد بن أبي محلي إعادة "إحيائها" بعد الخراب الذي أصابها عام 1393 إحدى علامات ظهور "المهدي المنتظر"، وقد ألفه قبل انطلاق حركته لسنوات على ما يبدو. ويتحدث مؤلف الكتاب عن تاريخ الحاضرة وازدهارها الاقتصادي قبل أن تصاب "بالوهن" على حد تعبيره، وفيه يقدم معلومات عن الحاضرة-الأسطورة سجلماسة وهي النسخة الوحيدة التي توجد بالخزانة الحسنية بالرباط مع العلم أنها ليست هي النسخة الأصلية لمخطوط أحمد بن أبي محلي بل هي منقولة دون ذكر ناقلها وتاريخ كتابتها و م ع