توقفت به السيارة عن المسير ، أدار مفتاح المحرك علها تتحرك من جديد ، لم يسعفه المحرك ، حاول مرة أخرى ، أرسل المحرك صوتا مبحوحا خافتا ... لم يجد بدا من الخروج من السيارة ، عرى محركها ، أطل عليه بعنقه ، نقل يده بين أجزائه ، تحسسها ، حاول حسن تثبيت بعضها ... رجع ثانية إلى السيارة ، حاول مرة أخرى تشغيل المحرك ثم حاول ثم حاول ... لا جدوى ، الوقت يمر ، والسوق الموسمي يعمر ، والتجارالكبار في " قبته "، كما هو معلوم ، يتنافسون ، ويرفعون أصواتهم بالدعاية لسلعهم ، مشيدين بها ، ومبخسين سلع غيرهم ، رغم تشابهها ... كل يتفنن في ذلك بطريقته الخاصة ، وبأسلوبه الخاص : فمن ناظم للازمة يرددها ، ومن مقسم بأيمان غلاظ ولو على باطلها ، ومن مرسل لآيات قرءانية عبرمكبر لمقرئ يرتلها ، أو أغان سوقية وإن قل حياؤها ... كل يختار الطريقة التي يقنع بها الزبناء للإقبال على سلعته ، وقضاء حاجته ... الوقت يمر ، والسوق يعمر ، وحرارته لا تفتر ... وهو واقف بسيارته في منتصف الطريق ، بل إن سيارته هي الواقفة به في منتصف الطريق قبل أن يصل هدفه ويحقق غايته ... صار يعد الدقائق ، ويبحث لنفسه عن سبيل للوصول إلى "قبة السوق"، لقضاء حاجته ، والنيل من فوائده و أرباحه ، وتحقيق أهدافه ، ثم استبدال تلك السيارة التي كثرت أعطابها ولم يعد يرضيه حالها ومآلها ... فكر في الإستنجاد بالمارة لمساعدته على تشغيل السيارة بالدفع ، للوصول إلى السوق في الوقت المناسب ، قبل انفضاضه ... بدأ يعترض سبيلهم مخاطبا إياهم : " شي دفعة لله ، الله يرحم الوالدين " ... منهم من أبدى استعداده للدفع : " مرحبا " ، ومنهم من امتنع : " الوقت لا يسمح ، وقد يؤدي الدفع إلى التأخر عن موعد السوق ... " وعدهم بالتعويض لهم بإقالتهم بعد أن تشتغل السيارة ... وبتنفيد جميع طلباتهم ... المهم الآن أن يدفعوا به السيارة ، علها تنطلق به ليصل إلى قبة السوق ، وما أدراك ما قبة السوق ، قبل أن يصد أبوابها في وجهه منافسوه من تجار هذا السوق الموسمي ، فيحرم شرف الدخول ، وجاه الحلول ، والقبول في كل الأمور، والفوز بصفقات تجارية لا تبور... جلس خلف المقود ... : " ياالله ادفع ، ادفع ... زيد ، زيد ... " " ديماري ، كسيري .... " أرسل المحرك هديرا مبحوحا متقطعا سرعان ماتوقف ... أعادوا الكرة مرات ... إحمر الدم في وجوههم ، عمت الحرارة جميع أجسادهم ، سال العرق من جباههم بفعل الدفع ، بدأ العياء يدب إليهم ... صاروا يتمنون اشتغال المحرك ولو بمزيد من الدفع والصبر على العياء ، عل ذلك ينقدهم من السير على أرجلهم والتأخر عن موعد السوق ، وعلهم يصلون في الوقت المناسب لقضاء حوائجهم قبل انفضاض السوق ... صاروا يرون فيه وفي السيارة منقدهم ، تمنوا صلاحها ، جددوا قواهم ، حشدوها ، تناسوا عياءهم ... دفعوا دفعة رجل واحد دون توقف ... " ادفع ، ادفع ، زيد ، زيد ..." " ديماري ، كسيري ، كسيري ، كسيري ... " إشتغل المحرك ، أرسل هديرا قويا ، ودخانا داكنا كثيفا أعمى العيون ، وملأ الأفواه وبلغ الحناجر ، وارتفع معه سعال الدافعين ... إنطلقت السيارة بسرعة جعلت بعضهم يفقد توازنه ، بل ومنهم من سقط على الأرض فمرغ في التراب أنفه ... نظر إليهم عبر المرآة ، أرسلها ضحكة عريضة ، بل قهقهة غليظة ... رفعوا أصواتهم بالنداء لينتظرهم فيركبوا معه كما وعدهم ، رفعوا أيديهم بالإشارة عله يراهم من خلال المرآة فيتوقف ليفي بوعوده ، لم يفعل ، إنتظروا عودته... زاد من الدوس على المحرك ليزيد من سرعة السيارة ، غير مبال بهم ، لم يعد إليهم ، ولم يعد ينظر إلى المرآة ، ففي ذلك شد له إلى الخلف ، وكبح لسرعته ، وتفويت لفرص الربح السريع عليه ... ولم يعد ينظر إلا قبة السوق بعد أن فتحت له أبوابها ، منتشيا بجمال خضرتها ، ودنو قطافها، متلذذا بفاكهتها...