تثير ممارسات قناة "الجزيرة" ومواقفها تجاه منطقة المغرب العربي خلال السنوات الأخيرة تساؤلات كثيرة وخطيرة لدى الأوساط السياسية والإعلامية المتابعة للأحداث في المنطقة. ولهذه التساؤلات حول دور وعلاقات القناة القطرية ما يبررها على أرض الواقع، إذ أنه قبل شهر واحد من إعلان "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ولادته من رحم تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائري أعلنت "الجزيرة" عن تخصيص نشرة إخبارية مغاربية تركز اهتمامها على المستجدات في بلدان المغرب العربي كما لو أن هذه البلدان لا تمثل جزءا من خريطة العالم العربي التي تقول القناة إنها أنشئت من أجل تقديم تغطية شاملة للأحداث فيها. هذا التزامن الغريب بين إعلان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتخصيص "الجزيرة" لنشرة مغاربية أثار تساؤلات جدية حول وجود خيوط علاقة ما بين القناة القطرية وتنظيم القاعدة، تساؤلات عززتها عشرات الأشرطة المسجلة لزعماء "القاعدة" تنفرد القناة ببثها حصريا تحت يافطة السبق الصحفي. وإذا ما حاولنا استقراء الأحداث نلاحظ بكل يسر أن "الجزيرة" أظهرت حماسا شديدا في نشراتها الإخبارية وبرامجها الحوارية لتوظيف هذا "التزامن" الغريب وانتهجت خطا تحريريا خصص جانبا كبيرا من النشرة المغاربية لأنشطة تنظيم القاعدة بل وروّجت لأفكاره ومواقفه ومخططاته من خلال التركيز على بث بيانات ومساومات التنظيم الإرهابي بأرواح الأبرياء. وعلى الرغم من فظاعة أنشطته الإرهابية لم تنفك "الجزيرة" عن البث المسترسل والمشبوه لأخبار وأعمال هذا التنظيم بطريقة تتجاوز مجرد التغطية الإعلامية العادية يهيء لوضع من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة يخلق مناخا ملائما لتدخل القوى الغربية في الشؤون الداخلية للمنطقة. ولا تختلف طريقة تعاطي "الجزيرة" مع منطقة المغرب العربي عن طريقتها في التعاطي مع الأحداث في العراق حيث دأبت على الترويج لما يسمى "بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وبثت عشرات الأشرطة التي تحصلت عليها عبر قنواتها الخاصة وجندت كل جهودها من إمكانيات وإعلاميين وصحفيين ومتحدثين وخبراء متخصصين لإضفاء صبغة "جهادية" مزعومة ومفضوحة على تنظيمات طائفية دموية فساهمت بذلك في تأجيج الصراع الطائفي هناك. إن المتابع لقناة"الجزيرة" يلاحظ أنها تحولت إلى أداة لتشويه التجارب العربية الناجحة. كما تحولت إلى وسيلة للتطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال فتح المجال واسعا أمام الإسرائيليين تحت مسميات "محللين" و"خبراء" بل وخبراء عسكريين". أما تعاطي قناة "الجزيرة" مع الشأن التونسي فإنه يستدعي التوقف والاستغراب حيث لا تذكر القناة تونس إلا بسوء في محاولة يائسة لتشويه صورة بلد عربي يعدّ أنموذجا في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. غبر أن تحامل القناة القطرية ومحاولة تضليلها للرأي العام فاشلة مسبقا فتونس الآمنة والمستقرة عصية عن أجندة "الجزيرة". نعم، تونس عصيّة على قناة "الجزيرة"، عصية على أجندتها وعلى محاولاتها اليائسة لتشويه صورة البلد التي تنعم منذ التغيير بالأمن والاستقرار والنماء. تونس التي تصنفها اليوم المؤسسات الإقليمية والدولية في مراتب متقدمة ومشرفة في مجالات دقيقة وهامة مثل التنافسية الجملية للاقتصاد والاستقرار السياسي وحياد الإدارة وشفافية القرارات وثقة المواطنين في القرارات الحكومية، تتمتع بصورة مشرقة تعجز قناة "الجزيرة" وطاقم تحريرها على تشويهها مهما جنّدت نفسها لقلب الحقائق وتزييف الواقع ومهما أمعنت في الإصرار على الافتراء والتضليل. وتونس عصية على أكاذيب المناوئين والمخبرين الذين تخصص لهم "الجزيرة" مقعدا دائما ليبثوا من خلاله أكاذيب تقاريرهم المزيفة المعدة سلفا لجهات تدفع لهم بقدر ما أمعنوا في الافتراء وكيل المزاعم. ولئن كانت تونس بمنجزاتها التنموية والسياسية وبما تتمتع به من ثقة في المحافل الدولية عصية على قناة "الجزيرة" وعلى المناوئين فإن ذلك لا يمنع من التأكيد على أن هذه القناة أمعنت في كيل الافتراء والمزاعم كلما تعلق الأمر بتونس، إنها لا تذكر هذا البلد العربي إلا بسوء وتعمى بصيرتها عن حقائق الواقع ونجاح تونس على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويلاحظ المتابع لتعاطي هذه القناة مع الشأن التونسي أنها تجرّدت من أبسط شروط الموضوعية المهنية وأخلاقيات العمل الصحفي لتركب أحداثا عادية تحدث في أي بلد بما في ذلك البلدان المتقدمة وتستغلها من أجل تضليل الرأي العام من خلال التكرار الممجوج لنفس الافتراءات ونفس الصور دون أن تشير إلى مصادرها ودون أن تتثبّت من صحتها. وإمعانا في قلب الحقائق تصر القناة على استضافة عدد من المناوئين الذين تجردوا من وطنيتهم لتفسح لهم المجال واسعا من أجل بثّ مزاعمهم الواهية وأراجيفهم التي لا يصدّقها من يعرف تونس ومن يتابع نجاح مسيرتها على درب التقدم والنماء. لكن "الجزيرة" التي ما انفكت تصر على التحامل على تونس وعلى مكاسبها وإنجازاتها غابت عنها الحقيقة، وهي أنها عاجزة على النيل من صورة تونس. فقد فقدت هذه القناة مصداقيتها لدى المشاهدين التونسيين والعرب بعد أن افتضح أمرها وتحولت إلى بوق دعاية فجّة للظلاميين والإرهابيين والفوضويين والانتهازيين المتمعشين من فتات السفارات الأجنبية. إن محاولات القناة تشويه صورة تونس والإساءة إليها هي محاولات فاشلة ويائسة مسبقا ذلك أن رصيد نجاحات البلد كفيل بالردّ المقنع على تحامل "الجزيرة" وبثّ مزاعم لا تمتّ لواقع التونسيين بأية صلة. لقد بات التونسيون على قناعة أن الشعار الذي ترفعه هذه القناة "الرأي والرأي الآخر" لا يعدو أن يكون مجرد ذرّ للرماد في العيون ذلك انه كلما تعلق الأمر بتونس تتشبث "الجزيرة" بالرأي الواحد، إنه رأي خطها التحريري الذي تسيّره أجندة مشبوهة هدفها الأول والأخير تضليل الرأي العام وتحريف الأحداث وركوبها واستغلالها وفق خلفيات تلك الأجندة. وليس أدل على ذلك من أن القناة ما انفكت تفتح استوديوهاتها لأصوات فاقدة للمصداقية تحت تسمية "شهود عيان" وبالمقابل ترفض فسح المجال للشخصيات الرسمية والخبراء والمحللين النزهاء الذي هم أدرى بواقع تونس من غيرهم. لقد كان أحرى بقناة "الجزيرة" أن تحترم أخلاقيات المهنة الصحفية والإعلامية وتتعاطى مع الشأن التونسي بالموضوعية والحياد والشفافية، فتتثبّت من صحة ما تبثّه وتقدم وجهات نظر كل الأطراف، وكان أحرى بها أيضا أن تحترم مشاهديها فتقدم المعلومة الصحيحة لتنقل صورة الواقع كما هي لا أن تستصغرهم وتضخم لهم أحداثا عرضية عادية. كما كان أحرى بهذه القناة أن تكون مدركة أن الرأي العام في تونس الذي هو على قدر كبير من النضج والوعي والإلمام بحقيقة الأوضاع والأحداث لا يمكن أن تضلله المزاعم ومحاولات التشويه والتشكيك التي ما انفكت تمارسها هذه القناة المشبوهة التي تحولت إلى أداة هدم وبوق للفوضى وصوت لجهات معروفة بعدائها لتونس ومسيرتها التنموية والسياسية الناجحة. صحيح أن قناة "الجزيرة" تبثّ برامجها وفق أجندة مشبوهة لم تعد خافية على أحد تستهدف من خلالها نشر المزاعم الواهية والأكاذيب المفضوحة، لكن الصحيح أيضا هو أن ما حققته تونس من مكاسب وإنجازات يدحض كل محاولات هذه القناة الفاشلة واليائسة.