كما عودتنا الحكومة المغربية الحالية على غرار التي سبقتها في زمن الفايسبوك و البارطاج، تم خلق الحدث مع بداية السنة الجديدة فاعتبره بعض المحللين'Buzz' المغرب الاقتصادي بامتياز على الأقل في الربع الأول من 2018. إنه قرار تعويم الدرهم أو مايليق لأصحاب البدلات الرسمية أن يطلقوا عليه نظام الصرف المرن. فحسب تعريف الخبراء الاقتصاديين إنه نظام يرفع القيود عن سعر صرف العملة حيث لا تتدخل لا الحكومة و لا البنك المركزي فيه بل تصبح العملة خاضعة لقانون العرض و الطلب الذي يحدد قيمتها مقابل العملات الدولية كاليورو و الدولار. أي أنه بشكل بسيط سيصبح الدرهم مثل أي سلعة في السوق، إذا زاد الطلب عليها ارتفع سعرها و إذا زاد العرض انخفض سعرها. ونظرا إلى هيكل الاقتصاد المغربي الهش الذي يعتمد بشكل أساسي على السوق الخارجية فمن المتوقع أن قيمة الدرهم ستنخفض بالنسبة إلى العملات الصعبة وبالتالي ستصبح صادرات المغرب رخيصة في المقابل ستصبح وارداته غالية. إذن فالعقل والمنطق يتفقان على أن أي حكومة مغربية من الآن فصاعدا يجب أن تخطط سياساتها على أساس الرفع من الصادرات و النقص من الواردات. و لهذا تضاربت الأراء في الأونة الأخيرة بين مؤيد (أقصد الحكومة فقط) الذي يرى أن التعويم هو وسيلة لانفتاح الاقتصاد الوطني على العالم مع جلب الاستثمارات الأجنبية وتقليص العجز التجاري و معارض يرى أن هذا القرار ممكن أن يكون ضربا للقدرة الشرائية للمواطن و أن يكون أيضا سببا لرفع مديونية البلد. أنا شخصيا وقفت أفكر حائرا بين الموقفين فهل أنا مؤيد أم معارض؟ لهذا حاولت أن أرى القرار من الجانب الفلاحي و هو ربما الميدان الذي أفقه فيه قليلا نظرا لاشتغالي فيه فلخصت بعض النقط أسفله التي يجب فهمها لكي تكون مع هذا أو ذاك: مؤيد *بما أن الصادرات ستصبح رخيصة فإن الإقبال على بعض المنتجات الفلاحية المغربية سيرتفع وبالتالي فإن المزارعين المصدرين سيستفيدون من تزايد مبيعاتهم. *و بما أن مبيعات المصدرين ستزداد فإن ذلك سيكون له دور إيجابي في جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في الميدان الزراعي مما سينتج عنه توفير لفرص الشغل. *العرض التصديري للمغرب عن طريق المنتجات الفلاحية سيكبر و بالتالي ستصبح الشركات الزراعية المصدرة أكثر تنافسية بالأسواق الخارجية مع إمكانية الولوج بقوة لفضاء ات مهمة مثل السوق الأمريكية التي اشتهرت دائما بوضع شروط و عراقيل أمام المنتوجات الفلاحية المغربية. *لتحقيق هاته التنافسية بشكل أفضل وجب على الشركات المصدرة تحسين جودة المنتجات المغربية بصفة مستمرة و بالتالي الرفع من المستوى التقني و العلمي في المجال الفلاحي. *تحسين جودة المنتجات لا يقتصر فقط على الجانب التقني ولكن أيضا على الجانب الاجتماعي فهناك مثلا أسواق أوروبية معروفة (كبريطانيا و ألمانيا) تتطلب للولوج إليها معايير اجتماعية كثيرة تهم اليد العاملة في الميدان الفلاحي كمحاربة تشغيل القاصرين، توفير الأجر الكافي، احترام قانون العمل…إلخ و بالتالي من الممكن أن نتطلع إلى حياة كريمة للعامل الزراعي المشتغل بالضيعات المصدرة الذي لطالما افتقد إلى أدنى شروط العيش. *إلى جانب الضيعات الكبيرة و الشركات الأجنبية من المفروض أن تستمرالدولة في دعم المقاولات الصغرى و الفلاحين الصغار في إطار تعاونيات ومساعدتهم على تصدير منتجاتهم إلى الخارج و الاستفادة أيضا من زيادة حجم الصادرات الفلاحية المغربية. معارض *يجب النقص من واردات المغرب التي تمثل ضعف صادراته و معظم هاته الواردات هي عبارة عن مواد طاقية و مواد استهلاكية منها الغذائية كالحبوب و القطاني و السكر. فالنقص في استيراد هاته الأخيرة يستلزم إنتاجها محليا بتكلفة مقبولة وتحقيق الاكتفاء الذاتي إلا أنه يجب أن لا ننسى أن زراعة هاته المواد تتوقف بشكل أساسي على الأمطار التي أصبحت تتميز في السنوات الأخيرة بعدم الانتظام في ظل التقلبات المناخية العالمية إذن فالموضوع أصبح بيد الله عزوجل و النقص من استيراد القمح والعدس و…إلخ سيكون جد صعبا وبالتالي الواردات ستبقى دائما مرتفعة و في حالة عدم نجاح سياسة رفع الصادرات فالعجز التجاري المغربي سيبقى قائما و ممكن أن يصل إلى مستوى أكبر من التدهور. *بما أن سعر الدرهم سينزل إلى أدنى مستويات بالمقارنة مع العملات الصعبة فإن أسعار المواد المستوردة منها الفلاحية سترتفع بشكل مباشر و غير مباشر. المثال الذي اخترته للتبسيط هو الحليب، فالفلاح المغربي الذي كان يستورد البقرة الحلوب ب20000 درهم مثلا (1770 يورو تقريبا) من الممكن أن يستوردها مستقبلا ب30000 درهم (2650 يورو) و هذا المستورد من الممكن أن يبيعها إلى فلاح منتج بثمن 40000 درهم الذي سيزيد في ثمن لتر الحليب الخام ثم ستأتي شركة الإنتاج التي ستزيد بدورها في ثمن كل أنواع الحليب ومشتقاته داخل الأسواق المغربية. *إذا ارتفعت أثمنة المواد المستوردة المستعملة في الإنتاج الفلاحي كالشتلات، البذور، المبيدات، الآلات وغيرها فأسعار المنتجات الفلاحية سترتفع أيضا داخل الأسواق و من الممكن أيضا أن المزارع المنتج للسوق الداخلي سيصبح غير قادر على الاستثمار وبالتالي سينقص الإنتاج وستضطر الدولة إلى استيراد حاجياتها من المنتجات الفلاحية بدل تصديرها. *من النقط السلبية أيضا هو أن جل الفلاحين المغاربة سيصبوا اهتمامهم كله على التصدير لما سيعرفه من قيمة مضافة أكبر وبالتالي فإن المستهلك المغربي سيجد نفسه أمام سلع فلاحية بدون جودة و بسعر أغلى. *من الممكن أن تتأثر ميزانية الدولة بطريقة سلبية فتصبح غير قادرة على انتاج أو استيراد مستلزمات المشاريع الكبرى والتي تهم بالخصوص الميدان الفلاحي كبناء المزيد من السدود، صيانة الطرقات في العالم القروي، دعم الفلاحين وغيرها. إنه لحقا أمر محير أن تختار بين موقفي المعارضة و التأييد لقرار تعويم الدرهم المغربي، فمن المنظور الفلاحي أعتقد أن سلبيات القرار وإيجابياته تقريبا متساوية من حيث الكم غير أن العمل على الحد من السلبيات و إبراز الإيجابيات هو دور أساسي للحكومة في الفترة المقبلة لبلورة جهود مخطط المغرب الأخضر الراسخ إلى النهوض بالقطاع وجعله قطب الاقتصاد المغربي، و رافعة أساسية في التنمية الاجتماعية. *مهندس زراعي