مثل أفعى الأناكوندا يتسلل عابرا الممرات غير المحروسة يلتهم ما وجد في طريقه من أجساد بشرية في شراهة بالغة، كلما أدرك عابرا أرداه قتيلا . في غفلة ومن دون صفارة انذار يبثها أو دوي يحدثه، ينقض على فرائسه ويحولها في رمشة عين الى أشلاء، والى كتلة لحم آدمية مجهولة الهوية لايكشف عنها الا بعد تحقيقات وتحريات وبحوث . انه القطار العابر من مدينة القصر الكبير، لا يكاد يمر أسبوع أو شهر أو سنة الا وقد سجل رقما لا يستهان به في لائحة الحوادث وهو يحصد أرواحا بريئة، مرة فرادى ومرة في شكل جماعات، تاركا المدينة تغرق في حزن عميق، ضاربا لها موعدا جديدا مع تشييع جثامين جديدة في القريب . بمدينة القصر الكبير، يتواجد أكثر من ممر سككي غير محروس، يتوزعون على طول خط السكة الحديدية ويتسببون في رحيل عدد من الضحايا، بعض هذه الممرات غير المحروسة متواجد على مقربة من أحياء سكنية، وبعضها الآخر يأخذك الى الشارع الرئيسي بالمدينة، كما هو الحال بالنسبة للممر السككي غير المحروس المجاور لثكنة القوات المساعدة، والذي يشهد حوادث قطار مميتة ومستمرة، لايكاد القصريون يتناسون احداها حتى يستيقظوا على أخرى جديدة وبأبشع صورة . أهل القصر الكبير نفذ صبرهم، ولم تعد لهم القدرة على تحمل المزيد، ضاقوا ذرعا بتقبل المآسي والأشجان، سيما بعد الحادثة الجديدة التي وقعت مساء الثلاثاء 12 فبراير 2013، والتي أودت بحياة فتاة من أبناء المدينة . الأربعاء 13 فبراير 2013، شيع جثمان الفقيدة الى مثواها الأخير، وقرر القصريون الانتفاضة والتوجه الى المكان محل الحادثة المؤسفة، قصدوا في مسيرات الممر غير المحروس وتجمهروا بالسكة الحديدية، رافضين عبور القطار الى أن يتم الاستجابة لمطالبهم، والانصات لصوت المعاناة التي يتكبدونها مع ايجاد حل سريع يوقف هذه المهازل التي تستهتر بالروح البشرية كل حين . رفعت شعارات تندد بالوضع الاجتماعي المزري، وتعالت هتافات بأسماء أبناء المدينة ضحايا حوادث القطار، بكى من بكى وتألم من تألم، وقدمت وعود من الجهات المسؤولة برفع الضرر وتجهيز الممرات، وعلى أمل أن تتحقق الوعود وتجف دموع الساكنة المكلومة، جدد القصريون الدعاء للمرحومين وسألوا الخالق سبحانه وتعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته ومغفرته، ويرزقهم المثوى الحسن . فهل ستكون الحادثة الأخيرة آخر ما يسجل من حوادث القطارات بمدينة القصر الكبير في ظل وجود ممرات غير محروسة متفرقة هنا وهناك ؟ الجواب يحمله المستقبل القادم الذي نتمناه خاليا من أي حوادث .