جرح البادية المغربية غائر، وسكين التهميش وصل إلى العظم، ولم يعد في صدور سكان قرانا مزيد من الصبر وهم الذين تقترن بهم هذه الخصلة الحميدة في مواجهة قساوة العيش. لقد صبروا منذ استقلال البلاد على النصب الممنهج الذي مورس عليهم من طرف الدولة والأحزاب السياسية وكثير من جمعيات المجتمع المدني، و على السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة التي أصرت على تحويل جزء كبير من المغرب القروي إلى رقعة جغرافية خارجة لتوها من العصور البدائية وإلى قفار يستوطنها الجهل والأمية والفقر والبطالة. ما حدث الأسبوع الماضي في قرية الشليحات قرب القصر الكبير هو جرس إنذار قوي دق في قلب الرباط، الأمر لا يمكن اعتباره مجرد شغب قام به سكان قرية للتعبير عن مطالب بسيطة واجهته السلطة بحزم، إنه حدث غير مسبوق في تاريخ المغرب المستقل أن تقوم السلطة بمحاصرة بادية نائية بمئات من مختلف أصناف القوات العمومية مدعمة بالمروحيات و مستعملة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وليس طبيعيا بالمرة أن يقوم القرويون بقذف رجال الدرك بوابل من الحجارة والعصي، ونحن نعرف أن أكثر المغاربة خوفا من “المخزن" هم سكان البوادي لاعتبارات سوسيولوجية وسياسية.. الأمر يتعلق بلغم قديم يختبئ خارج المدن التي طالما اعتبرناها دائما منبتا وحيدا للتوترات التي تهدد السلم الاجتماعي، والتي يجب على الجميع أن ينتبه إليه قبل أن ينفجر، فهجرة سكان البوادي إلى المدن لم تعد حلا لتحسين شروط العيش والاستقرار، في ظل تحول حزام غالبية الحواضر إلى قرى إسمنتية أو قصديرية لا أثر فيها للحضارة ولا للخدمات العمومية ولا لأبسط شروط العيش الكريم. يجب أن نتوقف عن إطلاق شعارات تنمية العالم القروي ومخططات الورق المقوى، وأن نمر إلى العمل الميداني الحقيقي الذي يعيد لهذا الكنز الطبيعي الذي وهبه الله للمغرب قيمته الثمينة، لم يعد مسموحا أن نواصل دوسنا على اللغم بمقاربات أمنية وسلطوية تزيد من تأجيج الشعور بالحكرة لدى البسطاء في البوادي.. لم يعد مقبولا أن يعيشوا في الحضيض وهم يعاينون الأموال الطائلة التي يستخرجها ديناصورات الفلاحة من محيط أكواخهم المهترئة في الضيعات والأراضي الشاسعة ثم يرمونهم بالفتات.. ولم يعد أيضا منطق القرن الواحد والعشرين يعطي للأحزاب المغربية أن تعتبر البوادي مجرد خزان لاحتياطي الأصوات الانتخابية وأن تضع على رأس الجماعات القروية أميين مسنين وإقطاعيين لصوص لا يعرفون مخططا تنمويا سوى تنمية ممتلكاتهم في المحافظة العقارية.. عندما نرى البادية المغربية تضيع بهذا الشكل التراجيدي، نحس أن جزء عميقا من هويتنا التاريخية يضيع! شروط التعليقات الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن وجهات نظر أصحابها وليس عن رأي ksar24.com