قبل أن يتوجه وفد الرجاء البيضاوي إلى مدينة سطيف لمواجهة الوفاق، على متن طائرة خاصة، كانت كل المؤشرات تدل على «إياب» حارق، فقد رفع محمد بودريقة شعار «مامفكينش» ثم بثته مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية، فتحول إلى حملة مسعورة نفخت في اللاعبين والمسيرين روحا وطنية فتعاملوا مع المواجهة الكروية كمعركة. وقبل أن يتوجه الجميع صوب مدينة سطيفالجزائرية، استحضر الرئيس خطبة القائد طارق بن زياد، وقال لأعضاء البعثة «العدو أمامكم والبحر وراءكم فليس لكم والله سوى النصر أو الموت». وقبل أن ينهي خطبته الملتهبة، وزع المدرب البرتغالي جوزيه روماو على لاعبيه وصية مكتوبة، خاطب فيها وجدانهم بدل أقدامهم، وذكرهم بقيمة القميص الذي يحملونه دون أن يرسم لهم خارطة الطريق نحو التأهيل. انتهت المباراة بإقصاء الرجاء البيضاوي من منافسات كأس عصبة الأبطال الإفريقية، ودارت مباراة أخرى بين حمّار سطيف ورئيس الرجاء، تبادل فيها الرئيسان ما تيسر من سب وشتم، بموازاة مع ذلك عرفت المدرجات المخصصة لمشجعي الفريق البيضاوي معركة بين رجال الأمن الجزائري ومناصرين رجاويين انتهت بهزيمة نكراء لشعار رفعه المغاربة والجزائريون على حد سواء «خاوا خاوا ماشي عداوة». عادت بعثة الرجاء البيضاوي إلى المغرب بعد ساعات قليلة من نهاية المباراة، بينما ظل عشرات المشجعين الرجاويين محاصرين بين المستشفى ومخفر الشرطة وسجني الحراش ومغنية، ثم مطار هواري بومدين، لكل حكايته مع الاعتقال في مباراة ليست ككل المباريات، فهي لم تنته بإطلاق صفارة الحكم بل كان لها امتداد إعلامي غير مسبوق. «الأخبار» زارت عائلات «مشجعين متخلى عنهم»، وعاشت معاناتهم اليومية مع الاختفاء القسري، كما زارت عائلة مشجع عاد إلى المغرب وهو يلف ساقه في «الجبيرة» ورأس عليه آثار هراوات البوليس السطايفي، وكشفت عن محنة ما بعد مباراة بدأت في زوج بغال وانتهت بتصريحات حمار. في السفر سبع «مصائب» لم يجن الرجاويون من سفرهم إلى الجزائر «سبع منافع»، فقد بدأ مسلسل المحن قبل السفر وأثناءه ومازالت المعاناة مستمرة رغم مرور أزيد من عشرة أيام على موقعة سطيف. ساهم إعفاء المغاربة من تأشيرة السفر إلى الجزائر في ارتفاع طلبات المناصرين الذين تدبروا ثمن التذكرة وتركوا الباقي للقدر خيره وشره. كانت قيادة الألتراس الرجاوية منكبة على حجز مقاعد في الرحلات الجوية المتوجهة إلى الجزائر، بعد أن أعلنت إدارة الرجاء البيضاوي في بيان رسمي براءتها من التنقل الجماهيري لسطيف، بينما واقع الحال يكذب ذلك، حيث كان في مقدمة المسافرين على الرحلة الخاصة بعد قيادات الألتراس ومشجعين مقربين من الرئيس وآخرين يشكلون الذراع «الفايسبوكي» للمكتب المسير. وصلت الدفعة الأولى من مشجعي الرجاء البيضاوي يوم 26 أبريل، أي قبل موعد المباراة بأربعة أيام، قضوها في ضيافة أنصار مولودية الجزائر أو ما يعرف بفصيل «الشناوة»، المرتبط بمعاهدة غير مكتوبة مع الألتراس الرجاوية. «كانت الاتصالات بيننا مبكرة وحين وصلنا إلى الجزائر استقبلنا أنصار المولودية واستضافونا في مقر النادي الجزائري حيث قضينا بضعة ليال في مخزن مخصص للأمتعة والمعدات الرياضية للفريق الجزائري»، يقول مناصر رجاوي عائد من جحيم سطيف. قال بلاغ مشترك بين فصيلي ألتراس «غرين بويز» و»إيكلز»، إن «الشعب الجزائري» كان مضيافا وأن المناصرين الرجاويين تلقوا كامل الترحاب في الجزائر، «الابتسامة و الترحاب لم تفارق المواطنين كأننا في دروب كازا من خلال إيصال الجماهير من المطار إلى فنادق الإقامة أو استضافتهم في بيوتهم، وهذا دليل علي حسن نيتهم ومازلنا إلى حد الآن في ضيافتهم». حسنا فعل أنصار الرجاء البيضاوي حين رابطوا في العاصمة إلى يوم المباراة حيث شدوا الرحال عبر حافلات نقل عمومي صوب سطيف، قوبل الرجاويون بالترحاب لكن البوليس كان له رأي مخالف، «منعنا رجال الأمن من إدخال العصي الخاصة بالرايات التي ترافق المجموعات في كل المقابلات، ومارس تفتيشا دقيقا أكد أن الأمن يختلف عن الشعب». أبو متولي محتجز في المطار زارت «الأخبار» منزل عائد من الجزائر قضى أياما في الاحتجاز بمطار هواري بومدين، في مدينة برشيد كان الشاب عبد الحق خطاري ممددا على سرير المرض وهو يلف ساقه في الجبس، دون أن يفرط في الأخضر الذي كان يلفه كأنه بلسم يشفي كل الآلام. حكى لنا أحد أقاربه محنة الأسرة بعد أن تعذر عليه العودة إلى الدارالبيضاء، وقال إن الرعب سيطر على الجميع، وكبرت المخاوف من اعتقاله في سجن غريب. بينما يروي المشجع «أبو متولي» تفاصيل القصة بنبرة حزينة وهو يئن من المرض: «كنت مضطرا للسفر إلى الجزائر يوم 26 أبريل، لأن الحجز غير ممكن بعد هذا التاريخ، كانت الأمور عادية وصلت إلى مطار هواري بومدين وكان في استقبالي بعض «الشناوة» حيث نزلت في ضيافتهم إلى يوم المباراة حيث توجهنا في رحلة جماعية إلى سطيف، جرت المباراة في الظروف التي تابعها الجميع وبعد الهزيمة بضربات الجزاء بدأت معاناة أخرى، حيث هاجمنا الأمن بعد أن كنا بصدد جمع الشعارات، وتعرض صديقي لضربة على رأسه أفقدته وعيه فارتميت فوقه كي ينجو من هراوات البوليس، لكنني نلت النصيب الأوفر من الركل والرفس ففقدت الوعي بدوري ولم أستيقظ إلا في المستشفى وساقي ملفوف في الجبس، حين سألت شرطيا كان إلى جانب سريري عما جرى انهال علي ضربا». لم يكن أبو متولي وحده في المستشفى بل تقاسمه مناصرون رجاويون نفس المحنة، وحين غادر المصحة توجه إلى أقرب مركز شرطة وأعرب عن رغبته في تقديم شكاية ضد بوليس سطيف، حينها انهال عليه بعضهم بالضرب وهددوه بالحبس إذا لم يعد إلى بلاده. هرب عبد الحق إلى مدينة مليانة التي تبعد عن سطيف بحوالي 400 كيلومتر، هناك استكمل الفحوصات الطبية، قبل أن يساعده جزائريون على التوجه صوب مطار هواري بومدين لتبدأ محنة أخرى. «مباشرة بعد دخولي المطار خضعت لعملية تفتيش دقيقة نزعوا ملابسي ولم يبق لي سوى ستر عورتي، كما سرقوا مني مالا كان في جيبي، وحرمت من ركوب الطائرة، بل رفضوا حتى إدخال حقيبة عليها شعار الرجاء إلى الطائرة، كنت شبه محتجز في المطار واضطرت عائلتي لاقتناء تذكرة أخرى من المغرب لأعود إلى بلدي وأنا شبه محطم». مغاربة في سجن الحراش يتردد أفراد عائلات مشجعين رجاويين على منزل أبو متولي، وهم يسألون عن مصير فلذات أكبادهم، عن مشجعين خرجوا ولم يعودوا، ماتيو ورشدي والمالكي وكتبي والعسري آخرون يصنفون في خانة الاختفاء القسري في بلد قطعت فيه السياسة شرايين الود. مازال العسري المشجع الرجاوي البالغ من العمر 25 سنة، أسير زنزانة سجن القليعة بالعاصمة الجزائرية بعد أن حرم من متابعة مباراة فريقه الرجاء البيضاوي ضد وفاق سطيفالجزائري، منذ 29 ماي الماضي والمشجع الرجاوي يقبع في سجن القليعة بالعاصمة الجزائرية دون محاكمة، على الرغم من أن الاعتقال، الذي حصل لمجرد نزوله في مطار هواري بومدين، كان «تافها» على حد تعبير أحد أصدقائه. بدأت الحكاية بمناوشات من طرف شرطي جزائري بالمطار، وتحولت إلى استفزاز علني في وجه مجموعة من مشجعي الرجاء، مما أفضى إلى اعتقال المشجع المغربي واقتياده إلى مركز الشرطة بالمطار هناك تم تحرير محضر الإدانة وإحالة الشاب المغربي الملفوف في شعار الرجاء على سجن الحراش، دون أن يعرف أحد نوعية التهم التي أدين بها.. وحسب إفادات أفراد عائلته، فإن الشاب لم يتمكن من مشاهدة المباراة التي جمعت فريقه بالوفاق واكتفى بمعرفة النتيجة عبر وسائل الإعلام الجزائرية، كما جرد من أي وسيلة اتصال مع باقي رفاقه منذ أن اقتيد إلى السجن. أنس جعفري رئيس جمعية العش الأخضر يتابع عن قرب القضية، ويؤكد أن المعتقلين يتجاوزن ما يتم تداوله، فكثير من الأسر لا تعرف مصير أبنائها، ولا تدري كيف ستتعامل مع احتجاز عن بعد. ودعت جمعية العش الأخضر ومعها فعاليات رجاوية سفارة المغرب في الجزائر إلى تتبع ملف القضية، كما ناشدت المكتب المسير للرجاء البيضاوي بالتدخل العاجل لفك أسر مناصرين تحملوا مشقة السفر ومحنة الاعتقال حبا في فريقهم ليجدوا أنفسهم ا في زنزانة السجن الجزائري الرهيب. الأبناء معتقلون والآباء تائهون يتردد على إدارة الرجاء البيضاوي أفراد من عائلات مشجعين مازال مصيرهم مجهولا، من بينهم حالة مشجع من مدينة وجدة، تم اعتقاله بالجزائر بعد أن أقدم على تخطي السياج الحدودي بين البلدين، أمام ارتفاع حدة غضب الأسر المكلومة، بادرت إدارة النادي إلى مراسلة وزارة الخارجية المغربية من أجل التدخل وربط الاتصال بالتمثيلية الديبلوماسية المغربية في الجزائر لإطلاق سراح المشجعين المعتقلين. في ظل هذا الوضع دعت جماهير فريق الرجاء البيضاوي إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مركب الوازيس، لدفع رئيس الفريق إلى التحرك العاجل لفك أسر المحتجزين، لكن الوقفة أجلت، بعد أن قالت مواقع موالية لبودريقة إن المحتجزين قد وصلوا إلى المغرب، وهو خبر زائف يراد منه تلطيف الأجواء. سبق للسفارة الجزائرية في المغرب أن تبنت ملف رياضي جزائري اعتقل في مدينة أكادير أثناء مشاركته في تظاهرة رياضية، وساهمت في الإفراج عنه بدعم من الإعلام الجزائري، كما عاشت الكرة المغربية في شهر نونبر من سنة 2011، أكبر عملية اعتقال لمناصرين مغاربة خارج المغرب، إذ تم حبس 11 شابا مغربيا في سجن تونس العاصمة، كانوا قد أوقفوا من قبل سلطات الأمن بمطار قرطاج الدولي بالعاصمة التونسية على خلفية اقترافهم «أعمال عنف وتخريب واعتداء» داخل المطار عقب مباراة الترجي و الوداد. وكان عبد الإله أكرم رئيس الوداد قد أجل عودته إلى المغرب وانتدب خديجة أمجدور، المحامية المغربية المقيمة في تونس للدفاع عن المعتقلين، كما لعبت السفارة المغربية بتونس دورا كبيرا في الإفراج عن هؤلاء الأضناء. الأمن يصادر الحق في الاحتجاج حاول شقيق أحد المشجعين الرجاويين المعتقلين في الجزائر، لفت نظر الرأي العام لقضية الاحتجاز، فحمل صورة شقيقه إلى ملعب الأمير مولاي الحسن بالرباط خلال مباراة الرجاء والفتح، وعليها عبارة، أنقذوا المشجع المسجون في الجزائر، لكنه وعلى غرار شقيقه تعرض للضرب والتنكيل من طرف أمن الرباط. تتساءل عائلات المحتجزين عن دور المكتب المسير للرجاء البيضاوي في مساعدة أبنائهم، الذين كتب عليهم الاعتقال وهم في مهمة مناصرة فريقهم الرجاوي في مباراة ب«الشقيقة» الجزائر. صادر الأمن المغربي الحق في الاحتجاج، وكان نصيب شقيق المشجع الرجاوي كدمات في الرأس وضياع هاتف محمول. رجاويون في قبضة شرطة الحدود يعرف الرجاويون أن الحدود المغربية الجزائرية مغلقة عند معبر «زوج بغال» منذ 26 غشت 1994، لكن سماسرة على الحدود بين البلدين يقتاتون من الإغلاق، وشرعوا منذ مدة في تسهيل عبور مغاربة وجزائريين من هذه الضفة إلى الأخرى، مقابل عمولة متفق عليها تتراوح ما بين 3000 و5000 دينار جزائري، أي أقل من ربع ثمن التذكرة إلى الجزائر.. ''في عددها الصادر يوم 29 أبريل الماضي، كشفت صحيفة النهار الجزائرية، عن وجود تسريبات نحو الجزائر من المغرب، وقالت إن التعاون قائم بين «الحراكة» المغاربة والجزائريين لتهريب البشر بنفس طريقة تهريب السلع، وقال أحدهم لنفس الصحيفة، ''نقوم بتهريب البشر مقابل عمولة الطريق، على متن سيارات التهريب وبعض الشاحنات المغلقة من نوع ''مرسيدس''، في حين يتم عبورهم للحدود راجلين من منافذ خاصة للوصول إلى محطة التوقف الثانية التي تكون عبارة عن بيت مغربي مهجور يستعمل خصيصا لاستقبال «الحراكة» وإيوائهم قبل نقلهم إلى أقرب مدينة للحدود». أغلب الزبائن من الأفارقة، لكن حين تعلق الأمر بمباراة بين فريقين مغربي وجزائري فإن نوعية جديدة من الزبائن قد دخلت على الخط. شاءت الأقدار أن يسقط «الحراك» في قبضة الأمن الجزائري، وتم التعرف على هوية المغاربة الذين اختاروا أصعب المسالك، وتم على الفور تحويلهم إلى سجن مدينة مغنية القريبة من الحدود بعد استنطاق أولي في قرية العقيد لطفي. من الملعب إلى قسم الإنعاش بدأ التوتر بين أنصار الرجاء وأفراد من الأمن الجزائري، عند مدخل ملعب 8 ماي، حين منع أفراد مجموعة من المشجعين المغاربة من وضع «الباش» على جنبات الملعب، وبعد طول مفاوضات وافق رئيس الفرقة الأمنية بوضعه، بينما منع المناصرون من إدخال عصي اللافتات والأعلام. مع بداية الشوط الثاني عرفت مدرجات الأنصار المغاربة تعزيزات أمنية جد مشددة، وحين انتهت المباراة على أرضية الملعب بدأت مباراة أخرى في مدرجات الرجاويين، يرويها عبد الحق خطاري ل»الأخبار» بحرقة: «نزلنا لنزع «الباش» فتعرضنا لاستفزازات من طرف البوليس، وكان أول ضحية صديقي الذي ابتلع لسانه حتى اعتقدنا أنه مات فهرعنا لحمايته من هراوات البوليس». لعب طبيب جزائري يرأس الجهاز الطبي للوقاية المدنية بولاية سطيف، دورا كبيرا في نقل المصابين إلى المركز الاستشفائي الجامعي «سعادنة عبد النور» بنفس المدينة، مما جعله محل تقدير من الجهاز الطبي الرجاوي، لكن بقية الناجين من المعركة منعوا من زيارة المصابين.