لماذا تناسلت الاحتجاجات بالأقاليم المنجمية، نموذج إقليمخريبكة سنحاول أن نكون موضوعيين في قراءتنا لهذا الموضوع، والذي سنتناول فيه بالدراسة إشكالية التأثير الاقتصادي والسوسيو مجالي للمقاولة المنجمية بالمغرب، ( نموذج مجموعة المكتب الشريف للفوسفات )، والتي طالما اعتبرت خطا أحمرا لا يمكن التطرق إليه، ولا سيما في شقها الثاني. وحتى نكون منصفين للجميع، سننطلق من فكرة أساسية، وهي أن الإنتاج المنجمي يعطي ميلاد التجمعات المنجمية بشكلها وبنيتها الحضرية من جهة، ووظائفها الاجتماعية والمجالية من جهة أخرى، ومن دون جدال تعتبر الصناعة المنجمية وسيلة للتغيرات الاقتصادية والتحولات السوسيومجالية في كثير من البلدان المنتجة ولاسيما في دول الجنوب، كما هو حال المغرب. وعموما يمكن القول بأن إنشاء موقع للإنتاج أو إعداد مجال للإسكان يضع للمقاولة المنجمية مشاكل تنظيمية خاصة الجغرافية منها، لأن الأخذ بعين الاعتبار البعد المجالي المتزامن مع الظرفية الاقتصادية يبقى شديد الحساسية، وهذا ما يمكن أن نلاحظه على قطاع المناجم بالمغرب، فرغم أنه يتميز بتعدد الفاعلين، فيعرف غموضا مؤسساتيا، بحيث لا يتضح بشكل بارز من يشرف عليه، هل وزارة الطاقة والمعادن، والتي تم خلقها سنة 1977، باعتبارها مؤسسة عمومية؟ أم المكتب الشريف للفوسفات، والذي تأسس سنة 1920، والذي سيصبح فيما بعد يعرف باسم مجموعة المكتب الشريف للفوسفات، انطلاقا من سنة 1977، باعتبارها مؤسسة نصف عمومية ؟ أم الشركات ذات الطابع الاستغلالي الخاص التي تتوزع في معظم التراب الوطني ؟ ومما لا شك فيه أن الإنتاج المنجمي، أفرز تحولات سوسيومجالية واقتصادية مهمة على المجال المغربي، معتمدا في ذلك على مقاربة نطاقية، من خلال إنجاز مجموعة من البنيات التحتية، سواء تلك المرتبطة بالشبكة الطرقية، حيث تم انجاز مجموعة من الطرق (بولمان، أكدز، تيزي مودن...)، أو الشبكة المائية، من خلال إنجاز مجموعة من الصهاريج المائية، ذات الحجم الكبير، فالشبكة الكهربائية، حيث تم انجاز خط كهربائي على 120 كيلومتر ما بين ورزازات، أكدز وزاكورة، ثم الشبكة السككية، والتي عرفت خلق مجموعة من الخطوط، انطلاقا من أول خط، والذي ربط سيدي العايدي، خريبكةووادي زم سنة 1919، ثم خط النواصر، الجرف الأصفر سنة 1984، بالإضافة إلى الخط السككي بالجهة الشرقية، هذا بالإضافة إلى خلق مجموعة من الموانئ، كميناء مدينة الدارالبيضاء سنة 1906، ميناء أسفي سنة 1923 وميناء الناظور سنة 1974. يبدو إذن مما سبق، أن تأثير النشاط المنجمي على التجهيز وانفتاح المجال يعود بالنفع على الشركة المنجمية أولا ثم المجالات الجغرافية، هذا دون نسيان الدور الكبير الذي يلعبه في تشغيل اليد العاملة. أما على مستوى التمدين، فيعد الإنتاج المنجمي من عوامله الرئيسية في المغرب، فمثلا أعطى الإنتاج المنجمي المرتبط ب( الكربون، الرصاص، الزنك...) ميلاد التجمعات المنجمية ولا سيما في الجهة الشرقية كجرادة، بوعرفة، كنفودة...، كما الإنتاج المرتبط بالفوسفات أدى بدوره إلى خلق مجموعة من التجمعات المنجمية كخريبكة (166.499 نسمة)، اليوسفية (64.518 نسمة)، بنكرير(62.872 نسمة)، العيون (183.691 نسمة) ووادي زم (83.970 نسمة) حسب إحصاء 2004، هذا بالإضافة إلى العديد من المراكز التي ارتبطت بالإنتاج المنجمي في الريف والأطلس المتوسط كأحولي، ميبلادن، ولماس ومولاي يعقوب... لكن الأمر الذي يجب أن نشير إليه، وهو أن البنيات التحتية التي تم خلقها أغلبها أصبح متهالكا، بل أكثر من ذلك، فبعضها أصبح غير مستغل نهائيا بمجرد ما انتهى الاستغلال المنجمي كما حدث في جرادة وبوكراع، هذا بالإضافة إلى ما تحدثه شبكة السكة الحديدية من تلوث، غبار، ضجيج واهتزاز في البنيات، وما تخلفه من حوادث مميتة، كما هو الحال بمدينتي خريبكةواليوسفية، أما على مستوى اليد العاملة، فرغم أن هذا القطاع يشغل نسبة مهمة من اليد العاملة، إلا أن ما عرفه هذا القطاع من مكننة وانفتاح على السوق العالمية، كان له أثر بارز في انخفاض اليد العاملة، بحيث انتقل عددها من 38.000 عاملا سنة 1960 إلى 35574 عاملا سنة 2004، بل أكثر من ذلك، تحتكر مجموعة المكتب الشريف للفوسفات حوالي 65 % منها. أما على مستوى التمدين، فإذا كانت بعض التجمعات المنجمية قد عرفت توسعا حضريا كبيرا ارتبط أساسا بالإنتاج المنجمي، فإن مراكز أخرى عرفت هجرة مكثفة لساكنتها بعد أن تم إغلاق المنجم، حالة ( آيت عمار، أحولي، بوعرفة، كنفوذة وحطان...)، وهذا الأمر يأتي كنتيجة للاستحواذ العقاري لهذه المؤسسات التي تستغل القوة العمومية لشراء الأراضي إما بالتراضي أونزع الملكية في إطار المنفعة العامة ولو في أراضي الجموع، مما يؤدي إلى احتدام المشاكل الاجتماعية، كما تزداد الاختلالات المجالية والبيئية حدة، وهو الأمر الذي سنوضحه، من خلال رصد حالة إقليمخريبكة. الاستيلاء العقاري عامل لتخريب الفضاء الاجتماعي(حالة الجماعة القروية أولادعزوز) إن حالة جماعة أولاد عزوز هي أكثر خصوصية، حيث الرأسمال العقاري للمكتب الشريف الفوسفات يتجاوز 9000 هكتار، وبالتالي فالنتائج الاجتماعية والمجالية لهذا الاستحواذ خطيرة على المجال القروي بجماعة أولاد عزوز، والتي يمكن تلخيصها كالتالي: نزع أراضي الفلاحين بهذه الجماعة زاد من الهجرة التي تعاني منها المنطقة إذ انتقل عدد الساكنة من 10340نسمة سنة 1971إلى 9434 نسمة سنة 2004، فضلا عن ذلك، أن حوالي 1456 شخص؛ أي 149 أسرة مالكة للأراضي غادرت تراب جماعة المفاسيس بصفة نهائية، إضافة إلى ذلك عشرات المساكن، بل دواوير تم دكها بصفة كلية. تخفيض أراضي الجموع وأراضي الممرات التي كانت تعبرها الماشية، بحيث كانت تشكل ثروة للسكان الشبه-رحل في المنطقة، كما أن الفلاحين الذين سلبت أراضيهم باعوا ماشيتهم وممتلكاتهم العقارية ولجئوا إلى الأحياء الصفيحية للفقيه بن صالح، حطان، وادي زموخريبكة إلى حدود2008 ، ومن المعلوم أن تعويضات المكتب الشريف للفوسفات لا تتعدى3000) درهم للهكتار (مما يصعب معه العيش في وسط حضري. تخريب الأراضي الصالحة للزراعة أدى تخريب الأراضي الصالحة للزراعة بنظام الاستغلال المفتوح إلى وضعية كارثية أو أكثر مأساوية، ومن غير الممكن، إعادة الأراضي المنزوعة إلى حالتها الطبيعية في مستقبل قريب أو بعيد ونتيجة لذلك؛ فهناك مجموعة كبيرة من الفلاحين أصبحوا بعيدين كل البعد عن الفلاحة، ومنهم من أصبحوا عمالا فلاحين في محيط تادلة، والبعض الأخر يبحثون عن عمل في أوراش البناء في القطاع غير المهيكل للمدن. السكة الحديدية: خط فاصل وشعار للتمييز المجالي يشكل الخط السككي في المجالي الحضري لخريبكة، مصدر مهم للضرر بالساكنة المجاورة، وذلك من خلال الضوضاء، اهتزاز البنايات وتشققها، استعمال الخط السككي كمزبلة ومكان لصرف الحاجيات الطبيعية ومكان لقاء المنحرفين من جميع الأصناف، ناهيك عن الحوادث السككية المتكررة سواء في المدار الحضري أو القروي، ويشكل هذا الخط السككي حاجزا هاجسا نفسانيا وطبيعيا حقيقيا للتواصل بين شمال المدينةوجنوبها، مما أدى إلى بروز مركزين حضريين مختلفين : مركز أوربي يحتضن البنايات والأنشطة الحديثة في جنوب الخط السككي) البريد، الأبناك والمستودعات العصرية(... وهناك المركز الآخر في الشمال على شكل مدينة بقيصارياته ومتاجره التقليدية. هذا بالإضافة إلى مشكل التلوث، والذي لا يرتبط فقط بالنفايات الصلبة من خلال تلوث الهواء، مما يسبب العديد من الأمراض المرتبطة أساسا بالجهاز التنفسي بالجهاز التنفسي ، بل حتى بتصريف مجموعة من المواد الكيماوية، وبالتالي فالمدن التي توجد بها محطات الغسل كوادي زم هي ضحية هذا التلوث الخطير خصوصا أنه لا توجد بها محطات لتصفية النفايات السائلة، والخطير في الأمر أن هذه النفايات تعمل على تلويث الفرشة المائية، مما يؤدي إلى تحويل تركيبة المياه المستعملة للشرب، فيتناثر الإنسان بتلويث أسنانه ويصاب بأعراض الكلي، ويؤثر على الماشية، والصورة توضح ذلك ; تم التقاط هذه الصورة لبقرة بجماعة المفاسيس يوم 12 أبريل 2010 المصدر: ع. داودي، ح. فرسان، تأثير التلوث الفوسفاتي على الوسطين الطبيعي والبشري، بحث لنيل شهادة الإجازة في الجغرافيا، الكلية المتعددة التخصصات خريبكة، 2010. من الرغم أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفات تقدم حلولا اقتصادية على المستوى الماكرو سوسيواقتصادي، والتي تتجلى أساسا في المحافظة على توازن الاقتصاد الوطني، كما تقدم أيضا، على المستوى الميكروسوسيواقتصادي، بعض الحلول الاجتماعية، والتي تتمثل في إنعاش اليد العاملة ولو نسبيا لأن البطالة مازالت مرتفعة بالمنطقة، إضافة إلى خلق مجموعة من التكوينات المهنية في العديد من المؤسسات الجامعية، لكن السؤال الذي يطرح، هو كيف ستستطيع مجموعة المكتب الشريف للفوسفات، تحقيق النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية من جهة، والمحافظة على البيئة من جهة أخرى، في إطار ما يسمى بالحكامة الترابية، و دون تطبيق للمقاربة الأمنية التي أبانت عن محدوديتها في معالجة هذه الإشكالية ؟ المراجع المعتمدة 1- Adidi ,Abdelaziz, L'Activité Minière, Facteur D'urbanisation ET de Transformation de L'espace au Maroc. )Espaces Maghrébins N.S n 1-2007(. -2 ع. داودي، ح. فرسان، تأثير التلوث الفوسفاتي على الوسطين الطبيعي والبشري، بحث لنيل شهادة الإجازة في الجغرافيا، الكلية المتعددة التخصصات خريبكة، 2010. نبيل العياشي، طالب باحث