تذكير : كتبنا فيما سبق، استقراء لما حدث و يحدث من وقائع في بلدنا بعد هبوب رياح الربيع العربي، أن المخزن كبنية و كحاضن للاستبداد استطاع أن يلتف في مرحلة كانت حرجة عليه ، على مطالب الشعب ، موهما إياه أن المغرب استثناء لكونه استطاع تدشين مسار الاصلاح قبل الربيع العربي. ساهم في هذا الالتفاف تخاذل القوى ذات السقف الاصلاحي. و قلنا فيما كتبناه أن ما تنازل عليه النظام التفافا سيحاول استرجاعه مستقبلا متى انتفت أسباب تنازله في محاولة للرجوع إلى الوضع السابق ل20 فبراير، كما تبين أن أدنى متتبع لا يمكن إلا أن يستنتج أن المعركة الحاصلة في الواقع السياسي الرسمي، ليست سوى مسرحية متقنة الإخراج يُتلاعب بها على الشعب في محاولة لإقناعه بأن ما يراه هو الديموقراطية الحقيقية و المثالية. و عملنا بناء على ذلك في كشف بعض جزئيات الأدوار التي تلعب في هذه المسرحية خصوصا على مستوى الحكومة و البرلمان. حيث ظهر أن الحكومة في مسيرتها منذ التّعيين؛ كشفت عن العبث الذي يجعل الاستبداد قادرا على التمايل بقوة و على العودة إلى سابق عهده متناسيا و قافزا على مطالب شعب مستضعف دفع شهداء و معتقلين . سقطت الحكومة أو بالأحرى أسقطت لمزيد مكاسب يريدها الاستبداد ، و فيها كانت إرادة الإصلاحيين القاصرة سببا في القبول بلعبة يظهر فشلهم فيها رغم كل الدعوات إلى التأمل في مآل السابقين . زعموا مرة أخرى أن ما يجري ليس قضية دولة تستبد – ببنياتها و نخبها- ، بل هي قضية أفراد ، و تزعموا مرة أخرى حملة لإرضاء الاستبداد مقابل البقاء في كراسي يصعب فطامها ، ساوموا لذلك المخزن و أدواته فخسروا رصيدهم و مروءتهم . لقد آمنا أن سقف انتظاراتنا من نظام يحكمنا لن يكون حكومة تخرج من حضن الاستبداد ، بل إن سقف انتِظاراتنا هو جزء من مطالبنا التي لا تقبل غير سقوط الفساد و الاستبداد رأسا و بنية ، و كان ما كان من انبثاق حكومة صدمت الجميع في تمَخزنها و رجعيتها ، و بينت بالملموس أن الواقع أكبر من اختزاله في صراع بين حكومة الاستثناء و بعض أياد دولة الاستبداد العميقة . و وفاء منا للخط التحليلي الذي أخذنا به في تناول أحداث الواقع السياسي المغربي ، القائم على عدم الانجرار وراء القراءات التي لا تخرج عن سياق النسق الفكري و حتى السياسي لدولة الاستبداد المخزنية ، فإننا سنحاول قراءة ما تميزت به الحكومة المحكومة الشكلية في نسختها الثانية من تجليات تظهر العبث الذي يطبع ممارسة الدولة ببلادنا . متحدثين عن مستويين متلازمين ، مستوى السياق المتحكم في الوضعية الحالية ، ثم مستوى المصير الذي ستؤول إليه الحكومة الثانية بناء على مقدمات توضح ذلك. سياق ظهور الحكومة في نسختها الثانية : لا يمكن أن نقرأ مجيء الحكومة الثانية بعيدا عن السياق المرتبط بظهورها ، سياق يتحكم في حيثيات الوضع و يعطي تأويلات تجعل دور الحكومة الحالية واضحا ، مادام أن خيار القراءة التحليلية لا يخرج عن مبدأ التسليم أن الاستبداد هو المتحكم بالوضع من حيث الشمول. إن ضرورة الجمع بين مختلف العوامل المتداخلة أو المتفرقة في خروج الحكومة بشكلها الحالي ، ضرورة عملية من أجل الفهم الراشد و الواعي ، هذا الفهم الذي يؤدي إلى توضيح الرؤية من أجل السعي إلى استوعاب المرحلة بخللها و مشاكلها و إشكالاتها مما قد يؤدي إلى صناعة موقف شعبي مقاطع و منقطع الأمل من مؤسسات شكلية ، و من خلال ذلك إنضاج الشروط الكفيلة بخلق سخط شعبي يتوج بثورة تقلب الفعل على دولة الاستبداد. سنأخذ في دراسة السياق بعاملين ؛ العامل الأول إقليمي خارجي نكتفي بعمومياته ، الثاني وطني داخلي نأخذ بتفاصيل بعض عناصره : 1- الوضع الخارجي الإقليمي : كان للوضع الإقليمي الذي تعيشه بلدان العالم العربي خصوصا مصر و سوريا – و تلك قصة أخرى – ، دور مهم في طمأنة الدولة الاستبدادية ، كون عملية التصدير الخارجي لعملية التغيير لم تعد قائمة ، و بالتالي لا بد من العودة إلى الوضع القائم قبل بداية الحراك الشعبي ، فكان خيار إسقاط الحكومة و إعادة تشكيلها بصيغة مخزنية مطمئنة للاستبداد ، أو حتى الذهاب إلى انتخابات صورية جديدة ، حلا ضروريا للمخزن من أجل إعادة الأمور إلى نصابها . لهذا أعتقد أن المعركة الجارية الآن في مصر و تونس ، هي معركة تحدد مصير الربيع العربي ، و بالتالي فإن نتائج المعركة قد تحرر أو ترهن إرادة الشعوب العربية على الأقل لعقود . و هو إذن مدخل تصوري لابد للقوى الحرة الثورية أن تأخذ به ، فتعتبر بالتالي معركة إسقاط الردة على الديموقراطية معركة مصيرية تحتم ربطها بالوضع المحلي ، لكونه رافدا داعما أو مثبطا للحراك الداخلي . 2- الوضع الداخلي الوطني : لعب الواقع الذي يعيشه بلدنا و الذي يتميز بالتأزم ، دورا حاسما في تحديد التوجه الذي ينبغي للحكومة أن تأخذ به لكيلا تخرج عن المشروع المرسوم لفاعليتها . لقد بدى من خلال ما يعيشه العالم من أزمة انعكست بشكل مباشر على البلاد ، أن المغرب كبلد مقبل على كارثة اقتصادية و اجتماعية لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها . و ما يعيشه أبناء المغرب الآن دليل على بوادر ظهور هذه الكارثة في القريب العاجل – لا قدر الله - . لقد تم الإجهاز على كثير من التدابير التي على الأقل كانت تخفف من حدة المعاناة التي يعيشها الشعب ، فقد أدى رفع الأسعار في المواد الاستهلاكية ، و تخفيض نسبة التوظيف و غير ذلك من التدابير التي تدبر و تفعل وفق رؤية مخزنية مستعدة لإماتة شعب بأكمله في سبيل الحفاظ على غنائم رعاة الاستبداد ، قلت أدت هذه الإجراءات إلى زيادة التوتر الاجتماعي ، و بالتالي الحد من فاعلية الاقتصاد التضامني الذي يقوم على إعالة البعض للكل في مقابل استحواذ الشرذمة القليلة على ثروات و خيرات البلاد . كما تأتي الحكومة الحالية في وضع سياسي يتميز بلغة الاستقطاب ؛ بين مشروعين : مشروع القوى الثورية الحرة و الأبية على الاحتواء ، القائم على توعية الشعب بضرورة التحرك من أجل استرجاع إرادته و كرامته و بالتالي المطالبة بحقوقه . و بين مشروع المخزن ، القائم على تبليد الحس السياسي ، و تخدير الشعب و إلهائه عن معركته الحقيقية . و بالتالي لن تخرج الحكومة الحالية عن خط مشروع المخزن مادامت تقبل بشروطه و تسعى لإرضائه و تعمل في حدود نسقه . من خلال إدراك حجم السياق المتحكم في عملية ترميم الحكومة ، يتبين أن الفعل المتجلي في ظهور الحكومة في نسختها الثانية ، لا يرقى إلى مستوى الفاعل الذي يتماشى مع مجموع الأماني التي ربطها جزء من الشعب و جزء مهم من النخب على الخيار الذي قاده المبشرون بالاستثناء المغربي . و حتى ندقق في عناصر السياق المحلي أو الخاص ، لنخرج بخلاصات تسهم في تجلية الغبش التصوري الذي قد يتحكم في الرؤية ، و بالتالي يحرف النقاش عن أصوله ، سنحاول تفصيل بعض العناصر ، أهمها : 1 - تمخزن الأحزاب الرسمية ، أو سؤال مبدئية العمل الحزبي : تبين للمتتبع أن ما تعيشه أحزاب الديموقراطية المخزنية ، حالة ، تستبيح الشكليات الديموقراطية أمام ميزان العبث السياسي ، و تُغِير على كل قيم الحد الأدنى التي تحترم الإنسان و كرامته و إرادته . و إن تجذر داء المخزنية في كيانات هذه الأحزاب جعلها أداة طيعة تستخدم في عملية التحكم السياسي من داخل مؤسسات محذوفة الصلاحيات . ما فعله حزب الاستقلال لأجل إسقاط الحكومة ، و ما يفعله الآن رفقة حزب الاتحاد الاشتراكي أو ما تبقى منه ، في محاولة للعب دور الأحزاب النزيهة و المدافعة عن الطبقات المسحوقة ؛ ليس نابعا عن غيرة وطنية أو عن قرار داخلي ديموقراطي ، بل هو دليل على أنهما جزء من لعبة المخزن ، لأجل الإجهاز على مكتسبات الشعب التي حققها بعد 20 فبراير. محاولة الحزبين إيهام الشعب أن ما نعانيه اليوم هو نتيجة سياسات الحكومة الحالية ، والتي يحاول طرف محدد السيطرة على قرارتها ، هي محاولة للتحايل و الاستغفال . لم ننسى أن حزب الاستقلال منذ انسحاب الاستعمار العسكري عن بلادنا ، ساهم في تكريس البنية الاستبدادية ببلادنا ، و شارك لأجل ذلك في تدجين القوى الثورية و الحفاظ على استقرار الاستبداد ببلادنا في كثير من الأوقات الحرجة . كما لا ننسى كيف باع حزب الاتحاد الاشتراكي دماء مناضليه و تاريخ مواجهته للاستبداد ، مقابل كراسي وزارية ، بل و كان سببا رئيسيا في انقاذ الاستبداد من سكتة كانت وشيكة . بل ما يجب أن نعترف به أن ما يعانيه الشعب اليوم هو نتيجة لسياسات الدولة المخزنية ، وقد كانت الحكومات المتعاقبة غطاء لها ، و قد شارك الحزبين معا في معظمها . لهذا فإن الحزبين معا يريدان الالتفاف على الحراك الشعبي و تحوير المعركة الشعبية عن عدوها الأول و هو الاستبداد ، و هذا يدل على أن ما يحرك الحوبين الآن هو مخطط الاستبداد لا المبدأ النضالي . كما وضح حزب العدالة و التنمية لنا الرؤية، إذ أنه في مقابل أن يرضى عنه المخزن مستعد للتحالف مع الشيطان ، و عكس بالتالي صورة عن انتهازيته و سياسويته . لقد كان من المنتظر أن يحافظ الحزب على الحد الأدنى من مروءته و مبادئه في معركته التي ادعى النجاح فيها . كان الحزب مدركا لخطورة الارتماء في أحضان الاستبداد و القبول بالتالي بلعب دور في مسرحيته . لكنه كان يدافع من حيث يخدم رؤيته الانبطاحية عن بقاء الاستبداد بعمقه وقوته . لقد فاجئ الحزب الجميع بمجموع التنازلات التي قدمها في تشكيل الحكومة الحالية ، أولا من حيث القبول بالتفاوض من موضع ضعف مع حزب تلطخت يده في الإسهام و ثانيا من حيث القبول بعودة أهم الوزارات السيادية خالصة إلى دار المخزن ، و ثالثا محاولة الدفاع عن هذه التنازلات أو بالأحرى الدفاع عن مخطط المخزن بمنطق الحفاظ على الاستقرار( حجة السياق الدولي الذي يمتاز بالردة على الديموقراطية و بالتالي أي تراجع أو تنازل في مقابل البقاء في الحكومة شيء مقبول . حجة أن الواقع الحزبي يتميز على العموم بغياب اللباقة و بالتالي إمكانية التحالف مع أعداء الأمس و بالخصوص قيادة ج8 . . هذا فيما يخص الأحزاب الوطنية التي مازالت حية ، و المشاركة في المؤسسات الرسمية، و التي طبعت في مرحلة معينة تاريخ المغرب بنضالها و تضحيات مناضليها . أما فيما يخص الأحزاب الأخرى التي خرج معظمها من رحم القصر أو بتدبير من دولة المخزن ، فإننا لا نشك لحظة في عُطْبِها و في انتفاء المصداقية عنها ، لأن ممارستها و مواقفها و تكتيكاتها و حتى نخبها المصطنعة ، أصبحت جزء من المشهد الذي يخدم الاستبداد و يخدم الانتهازية و المصالح ، و بالتالي المراهنة في تحليل خللها على إصلاحها رهان بعيد عن الواقع ، و التاريخ هو الشاهد على ذلك ، كون ما فسد بداية و انطلاقا يصعب إصلاحه انتهاء . و انطلاقا مما سبق نستطيع أن نستخلص خلاصة مفادها ؛ أن المشهد الحزبي مشهد يتميز بالعبث و الفساد ، لأنه صورة عاكسة لما تعيشه الدولة بمؤسساتها . و كنتيجة لذلك يمكن اعتبار الأحزاب الرسمية أداة طيعة في يد المخزن ، تغيب عن فعلها المبادئ و تحضر عوضها المصالح . 2 - انتكاسة الإصلاح ، أو سؤال جدوى و واقعية الإصلاح من داخل لعبة الاستبداد : كان و لازال تضارب المشاريع التغييرية بالمغرب ينقسم إلى نوعين - دون الحديث عن المرجعية الفكرية - : مشروع التغيير الجذري للاستبداد المراهن على الشعب ، و مشروع التغيير الإصلاحي لبنية الاستبداد المراهن على الاستبداد نفسه . و قد تجلى تباين قوى كل مشروع على حدة في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير ، حيث استطاع الحراك الشعبي أن يفرز القوى السياسية و مشاريعها ، و يعطي بالتالي تباينا للمواقف من سقف المطالب التي رفعها الشعب . بدأ الحراك الشعبي بالمغرب في إطار سياق إقليمي تميز بهبوب ربيع عربي استطاع أن يحرك الشعوب لأجل التغيير ، عرف هذا الحراك انضمام القوى الحية الثورية دون تردد أو تكلف ، و كذلك عرف استنكارا من طرف مجموعة من القوى التي رفعت عن نفسها اللبس بذلك ، بعد أن كانت تحسب على قوى الشعب . استطاعت بعد ذلك حركة 20 فبراير أن تخلق قوة شعبية بمختلف مناطق المغرب ، و تصنع بذلك قوة ضاغطة على المخزن لأجل تقديم التنازلات . تمكن المخزن من اللعب على مختلف التناقضات التي تعيشها بلادنا ، و استطاع بذلك أن يدجن البعض و يحور معركة البعض الآخر عنه . و كان الطرف المدجَّن من أكبر المطبِّلين لرغبة الاستبداد في إصلاح ذاته ، دون أن يعطي المخزن نفسه أي ضمانات بل أي تنازلات تدل على ذلك ، بل ما قام به بعد اشتداد الحراك هو محاولة التفاف على المطالب الشعبية . استفتحت هذه العملية الالتفافية بدستور ممنوح ، و انتخابات اضطرارية عرفت مقاطعة أكثر من ... . قاد الحزب المدجن بعد حصوله على الرتبة الأولى حكومة ، تحالف لأجلها مع الصالح و الطالح ، و بشر فيها و من داخلها بعهد جديد و بإرادة حقيقية للنظام من أجل الإصلاح ، لكنه تفاجئ بعدما يقرب السنتين من تأسيس هذه الحكومة ، أن النظام نفسه الذي قيل أنه قابل للإصلاح يرغب في إعادة هندسة التوازنات بما يضمن عودته إلى سابق عهده ، وإعادة ما سلب منه . لقد جاءت الحكومة الثانية لتأكد انهيار نجاعة الخيار الذي سلكه حزب العدالة و التنمية ، في مواجهته المخزن من داخل داره . لقد نعى الحزب مصداقيته و مواقفه في زمن لم نكن نتوقعه ، و أعاد بالتالي تجربة حزب سبقه . لقد استطاع المخزن أن يدجن حزبا كنا نحسب أن مناضليه لن يتخلوا عن مصداقيتهم و مبادئهم رغم محدودية انتظاراتهم ، لككنا صدمنا و لازلنا نصدم من هول الصمت الذي آثرت قاعدة الحزب أن ترد به على الردة التي توج بها الحزب مساره . إن ما سبق ليس تأكيدا على انتكاسة حزب بعينه ، بل هو تأكيد لعدم جدوى التدافع مع الفساد و الاستبداد من داخل قواعده من دون أية شروط أو ضمانات . ومعه يبقى رهاننا على إعادة بلورة فعل يستطيع إنجاح موجة جديدة تتمثل الخيار التغييري من خارج اللعبة . 3 – الدولة و تدبيرها للواقع المتأزم و المأساوي الذي تعيشه الطبقة الفقيرة : هناك ما يشبه الإجماع أن الواقع الحالي الذي يعيشه المجتمع المغربي إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي ، يعد إشكالية خطيرة تهدد السلم الاجتماعي و الاستقرار المجتمعي . لكن رغم ذلك لم تسعى الدولة في تدبيرها إلى الحد من هذا التهديد ، بل كل تدابيرها تسعى إلى تكريس الوضع و تأزيمه ، دون أي مبررات غير الرغبة في المحافظة على مكتسبات الثروة التي يتمتع بها تلة من عناصر الاستبداد في تجليه الاقتصادي و المالي . معاناة الشعب المغربي تزداد يوما بعد يوم ، في حين أن ثروة البعض تتضاعف يوما بعد يوم . هذا التناقض الغير مفهوم دليل ساطع لمن له أدنى شك أننا نعيش في دولة تستبد لدرجة أنه لا يصبح للاستبداد معنى أمام أفعالها ، و في هذا الإطار يتضح أن معاناة الشعب المغربي ناتجة عن ممارسة النظام الاستبدادي ،هذه الممارسة في نفس الوقت تبرز فلسفته في تطويع و تركيع الإرادة الشعبية . لسنا بصدد الحديث عن طبيعة الاستبداد في بعده الاقتصادي لكننا من خلال هذا الباب نريد التأكيد على أن السياق المجتمعي المتحكم في طبيعة المرحلة ، سيساهم مباشرة في توجيه قرارات الحاكمين الفعليين للبلاد . و من تم فإن العامل الاجتماعي محسوم في مآله ، لكون التدابير المتخذة و لا التي يُبشر بأنها ستنفذ كلها تدل على أن المستهدف الآن هو الإجهاز على مكتسبات الشعب و طبقاته الفقيرة و المهمشة لمزيد من الإذلال وفق رؤية لا تعدو أن يكون شعارها " جوع كلبك اتبعك " . لهذا الأخذ بالعامل الاجتماعي للبلاد و نتائجه على الاقتصاد الوطني ، ضروري من أجل إعطاء نظرة فاحصة تعطي قناعة مفادها ؛المخزن يعلم أن المستقبل صعب أمامه و أن ما ينتظره في قابل الأيام إنما صراع ضد الشعب و احتجاجاته التي تبقى الحل الوحيد أمام الشعب لإسماع صوته و المطالبة بحقوقه ، لهذا فإن الاستبداد بحاجة لإخراج كل من قد يخونه في الطريق ، من أجل غاية إحكام الأصوات و جعلها تنحو في الاتجاه الخانع و لو بالقوة . قراءة في مصير الحكومة في نسختها الثانية : بعد محاولة لمقاربة السياق المؤسس و المتحكم في مجيء الحكومة الثانية ، و الذي تبين أن مجموع المؤشرات المواكبة له ، تدل على أن الاتجاه العام للحكومة لن يخرج عن المرسوم لها ، و بالتالي فإن الحكومة خصوصا بعد حجم التنازلات التي قدمها من كان يقود خط محاربة الاستبداد و المعول عليه في الاجهاز عليه ، لن تستطيع صناعة شيء بل سيتأكد بعد الممارسة أنها لن تزيد على أن تكون دورا من مسرحية طال أمدها ، و تناقص جمهورها . إننا إزاء متغيرات كثيرة تحسم في ما يمكن أن تقدمه الحكومة الحالية من وعود ، و في هذا الصدد سنأخذ بعض المآلات التي قد تؤول إليها الحكومة الحالية ، و التي تبقى ممكنة مادامت المفاجئة هي ما يميز مسيرة الدولة منذ العقود ، و أبرز هذه السيناريوهات المحتملة نجد : 1- استمرار الحكومة الحالية بقيادة العدالة و التنمية ، و بالتالي بقاء النهج الحكومي على ما هو عليه من خلال السير وفق رؤية المخزن ، دون انتظار معجزات أو تغيرات كبيرة في الأداء الحكومي . 2- انسحاب العدالة و التنمية من الحكومة بضغط من قاعدته ، و بالتالي إرباك المخزن الذي استطاع تدجين الحزب على مستوى قيادته ، غير أن هذا الحل يبقى مستبعدا بحكم التاريخ الذي يشهد أن حزب العدالة و التنمية وقف موقف المتخاذل في بعض الأحداث ، و في أخرى وقف موقف المخزن . و مجموع ما حدث في مواقف الحزب منذ اعتلائه قيادة الحكومة تنبئ بأن الهدف الآن هو رضى دار المخزن و لو كان الثمن التضحية برصيد الحزب كله . 3- محاولة المخزن لإسقاط الحكومة في حالة عدم تماشي الحكومة مع مخططاته أو محاولة أي طرف في الحكومة اللعب خارج الحدود ، و سيتم إسقاطها في الغالب عن طريق الدفع بأحد شركاء الحكومة كما حدث مع حزب الاستقلال، أو حتى من خلال تدخل الملك من أجل إقالة الحكومة كحق يعطيه الدستور الممنوح . غير أن المؤكد هو أن خيار إسقاط الحكومة و الذهاب إلى انتخابات مبكرة – و قد لا يتم الذهاب إلى الانتخابات و يتم تعيين حكومة دون انتخابات – خيار مستبعد بحكم الحمولة السياسية التي ستزيد من شعبية الخيار الثوري و بالتالي إعطاء مبرر كافي لنضج شروط الغضب الشعبي الذي يتجه مباشرة نحو المستبد . 4- ظهور قوة مجتمعية مطلبية بقيادة القوى الحية من إسلاميين و يساريين بسبب تفاقم الأوضاع المعيشية و الحقوقية ، مما قد يؤدي إلى إعادة بناء التوقعات التي تسمح بالذهاب إلى أبعد من إسقاط الحكومة ، و التي قد تعيد رسم خارطة الواقع السياسي بالمغرب . خلاصة : الواقع السياسي الرسمي يبين في أبعاد عناصره، أنه لم يعد البديل الذي يمكن للجماهير الشعبية أن تراهن عليه. لقد ثبت من خلال مظاهر العبث السياسي الذي تتخبط فيه المؤسسات الرسمية أن دولة المخزن لم تعد تخشى من تبعات الاحتجاج الشعبي و غضب الطبقات الشعبية. إن المنتظر من الجميع هو أن يحدد مواقفه مما يحدث بعيدا عن المصالح، بل انطلاقا من مرجعيته و تاريخه و تعهداته، ليفرز لنا التاريخ من كان مع الإرادة الشعبية و من كان في مقابلها لسنا بحاجة إلى إعادة إنتاج تجارب مشابهة للماضي، بل نحن بحاجة إلى رسم خطوك الواقع لهدف البناء الجذري لا الترقيع الانهزامي . لهذا لن تكون ساحة نضالنا مؤسسات رسم حدود اشتغالها المخزن و أزلامه، بل يجب أن تكون ساحة نضالنا مع الشعب و من معاناة الشعب و في الأخير لن تنتصر إلا إرادة الشعب. لم ينتظر من صوت في الانتخابات على حزب العدالة و التنمية، أن الحزب يستطيع إزالة الاستبداد و الفساد من الدولة سواء بسقفه أو بآلية اشتغاله ، بل انتظر هؤلاء أن يستطيع الحدّ من قدرة الفساد و الاستبداد، و ضمان عدم العودة إلى الوراء، و انتظرنا رغم قناعتنا بعدم جدوى المحاربة من داخل القلاع أن الحزب لن يتخلى في لحظة عن مبادئه أو عن مواقفه ، لكننا جميعنا صدمنا ، كل حسب انتظاراته . فهل يستطيع حزب العدالة و التنمية أن يخلق الاستثناء ، و يقدم على خطوة قد تكون بداية ارتجاج الاستبداد عن قلاعه ؟ عبد الحميد عماري في 21/10/2013