أكيد أن ما يسترعي انتباهك لأول وهلة بالتقائك بما يسمونه مسيرة في إطار الحملة الانتخابية، هو نوعية الفئة التي تجوب شوارع و أزقة المدينة و التي يفترض فيها نقل برامج الأحزاب و إقناع الناخبين بمدى فعاليتها في تغيير الوضع القائم و تحسينه و انك ستجد: أولا: أنهن نسوة رسم غدربعض "رجالات " هذا الزمن خريطة البؤس و الفقد على وجوههن، جراء طول انتظار و جراء التأجيل المتكرر للأحلام التي لن تأتي أبدا، والتي يدغدغ بها سماسرة الانتخابات مسامعهن على مر السنين، نسوة ينظمن شعارات محلية لمدح المشغل/ المرشح لكونهن يتقاضين في غالب الأحيان أجرا يوميا على ذلك، رغم أنك تراهن كتلة غير متجانسة و غير آبهات بما يرددنه بدون قناعة في مسايرة لخطواتهن المتثاقلة بفعل ضياع سؤال معنى الكرامة أمام صعوبة الحصول على لقمة العيش التي أصبحت مرة مرارة الوضع السياسي العفن بهذه البلاد العزيزة. ثانيا: فئة اخرى تتقدم المسيرات مترصدة سقوط ورقة يجمعونها لكونه السبب الرئيسي في تواجدهم الخطأ مع هكذا مسيرات، إنهم أطفال متشوقون لورقة بنصف بياض يرسمون عليها خربشات يتذكرونها من بين ما يسعفهم الحظ من تذكره من اكراهات مؤسسات يسمونها جدلا مدرسة . و مادامت أوراق دفتر بيضاء /عذراء أصبحت حلما بالنسبة لابناء يعبرون فيها بدون اقتصاد، عوض تعبيرهم بخطأ الطفولة عن إرهاصاتهم و شكوكهم و غضبهم... على جدران أو أبواب... هرئة، اذ أصبحت الفرصة اليوم مواتية لهذه البراءة المنسية لجمع اوراق يقال انها لشرح برامج احزاب لا يعرف معظم المغاربة حتى أسماء أمنائها العامين علّها قد تصلح لعلاج كبت الكتابة على البياض، و هم لا يعرفون أنها أوراق صرفت عليها مبالغ كان بالأحرى توزيعها على كل من يعيش حياة العسر من المواطنين ، أو لتوظيفها ربما للقضاء على الحرمان الذي يعيشه اطفالنا بفعل صعوبة الحصول على إطعام مدرسي أو دفتر أو قلم أو قصة... مادمنا نضع عليها صورا توحي بكل الخبث و القبح في حسنا المشترك، و مادامت السياسة بعمقنا الثقافي لازالت منتجة للعقم و العطل . أكيد انني سمعت بمدينتي التي تكسر هدوءها المطبق بفعل ضجيج سماسرة التسابق نحو المصالح خلال هذه الأيام التي يعتبرها البعض مباركة بإشهار يجعل" أصحاب الحال"ممن يتقلدون السلطة دون غيرهم - و الويل لكل مشاكس عصي- في موقف حيادي و الحفاظ على ما يسمونه في قاموس وزارة الداخلية " بنزاهة الاستحقاقات الانتخابية"، "انه قد تم وضع باشا المدينة و أعوان للسلطة تحت الإقامة الجبرية لكونهم مقربين من فلان اوعلان المتقدم للانتخابات"، و رغم أنها خطة/ تكتيك يفهمه " بعض الخارجين عن السرب " بكونه ايهام بنقاء اللعبة و خطوة لجلب انتباه المواطن و إقناعه بالإقبال يوم التصويت على الصناديق، حيث يوم الامتحان الذي لم يسبق لي أن سمعت أنه كان يوما يهان فيه المنتخب والمسؤول بقدر ما يهان فيه المواطن، انه تكتيك ايضا لإقناع أناس كان تصويتهم هزيلا على الدستور الممنوح علهم ينسون آهاتهم و تبرم الأيام عليهم و الذي صنعه تبرم من يمتهن نثر الوعود الزائفة ...و يجعلونهم بالتالي لا يرغبون في العودة لزمن حوصر المواطن خلاله و أبعد قصرا عما يسميه من يبيع الوطن " زوبعة" 20 فبراير المجيدة و التي خلقت في نفوس المواطنين بفعل أرضيتها البسيطة و المشروعة و المتوافق عليها بالإجماع أملا لخلق الموعد يوما ما مع التاريخ. في زمن الوصاية عن الدمقراطية يبقى من حق هؤلاء الأشداء بفعل الامتلاك الممنهج لمطرقة القانون أن يعبروا عن طرقهم الحيادية كما شاؤوا و لكن ما ليس من حقهم أن يلتزموا الحياد ورؤية مشاهد استغلال لطفولة تجوب الشوارع مع حملات انتخابية قد تستلبهم بفعل شعاراتها و خطاباتها و ممارساتها. و لهذا نطرح الاسئلة التلية: 1. أليس من قانون مانع لهكذا استغلال، ام أنه حياد للسلطات مادام المرشح اليوم عنوانا لصبغ أحلام موهومة بأكاذيب جديدة قصد صنع لعبة مزيفة تبدو معها المنافسات الانتخابات مدخلا من بين مداخل البناء الديمقراطي؟ 2. هل تواجد الأطفال ضمن هذا الفضاء الانتخابي لا يشكل خطرا على مصيرهم التربوي، و انه جو يحترم مبادئ التربية الصامتة كمسؤولية الجميع لتنشئة أبنائنا وفق التوجهات العامة التي تحددها المنظومة التربوية لبناء المواطن القادر على مجابهة تحديات السياق الحضاري؟ 3. أليس غض الطرف من طرف المسئولين استخفافا بمصير هؤلاء الأطفال مادامت بعض سلوكات الكبار قد تكون مشينة تطبع بالتالي ذاكرتهم و تؤثر على احساساتهم وتصوراتهم و تعدل انتظاراتهم و اتجاهاتهم و سلوكاتهم وفق ما يفرضه هذا النوع من الاجواء المحمومة التي يخلقها صراع مصالح الاشخاص بدل مقارعة البرامج و الانجازات؟ 4. أليس هذا صمتا نؤجل معه حلم بناء الوطن ليس لست سنوات فقط كما يعدنا الأشخاص/الأحزاب و لكن لأجيال نتركها تترعرع في بيئة لا يجب أن يقربوها مادام سنهم سن التحصيل و التربية على الاختيار و ترسيخ القيم؟ 5. أليس بتركهم بين أيدي أشخاص يقدمون أنفسهم للمواطنين المستضعفين بنفوذهم و جاههم ووجاهتهم و قدرتهم على الإفلات من كل عقاب... أكثر ما يقدمون إيديولوجية أحزابهم و برامجها و تطلعاتها على المدى القريب و البعيد.. سنترك طفولتنا المنسية بين قبضة مخالب الفساد؟ كمال عياشي [email protected]