كتب الانتروبولوجي المغربي د.عبد حمودي في مؤلفه ''الشيخ و المريد''حول النسق الثقافي للسلطة في المغرب،و نبش في ما يشبه تقاطع الثقافة الدينية الصوفية بالثقافة السياسية و التنظيمية،و حاول أن يقارب هذا التقاطع من خلال استحضاره لأشكال العلاقة التي تربط بين الشيخ و المريد المتمثلة أساسا في التحكم و الخضوع و التي قد تبلغ حد الإذلال و الإذعان الكلي.عبد الله حمودي استعار الثقافة التي تحكم علاقة الشيخ و المريد و أسقطها على النسق السياسي المغربي المعاصر و في تنظيماته الموازية كالأحزاب و النقابات و الحركات الإسلامية في هيكلتها الحالية. يميل المريد إلى رسم صورة مثالية لشيخه،و تعداد مناقبه الأخلاقية،مما يدفعه إلى الخضوع التام له و تجنب انتقاده و البحث عن نقائصه،الأمر الذي يجعله ينكب دوما على تبرير أخطائه و لو خلق ذلك تناقضا و ازدواجية في تصوراته و صراعا معرفيا في قناعاته الذاتية.و لم يشذ تاريخ و حاضر حركات الإسلام السياسي المغربي عن القاعدة التي رسمها عبد الله حمودي،و لازال التفكير السائد فيها غاصا في التصور التقديسي للزعيم و النظر إليه باعتباره شخصية تغرف من معين أفكار و مسلمات صحيحة على الدوام،و غير قابلة للمناقشة و من ثم عدم إمكانية نقدها أو نقضها. ففي الزوايا المعروفة في العصر الحديث بسلبيتها سياسيا،و انغلاقها نسبيا عن التفاعل و الخوض في قضايا جدلية ذات بعد سياسي أو ثقافي أو هوياتي و الخارجة عن النطاق التداولي الديني حسب التأويل التقليدي لحدود الأمور الدينية و الأمور الدنيوية،في هذه الوضعية ينحصر التأثير و التأثر على طرفي العلاقة أي بين الشيخ و المريد. و باقتناع حركات الإسلام السياسي بضرورة الانخراط في التدافع السياسي كمرحلة أولية لتحقيق مراميها المعلنة و المبيتة،اقتحمت ثقافة الشيخ و المريد الميدان السياسي المعاصر. غير أن استعارة هذه الثقافة إلى الممارسة السياسة المعاصرة أكسبها أبعادا أخرى.فالعمل السياسي في إطار الديمقراطية يتسم بالمرونة و نسبية المواقف عند تناول قضايا ذات ارتباط بالمجتمع و ثقافته و لغته ....الأمر الذي يتطلب معه التدافع و التصادم و التنافس مع متدخلين آخرين ذوي خلفيات و توجهات مختلفة و متنوعة،و بذلك تظهر محدودية التبعية العمياء في استيعاب مقومات و مطالب السياسة في مفهومها الحديث. و لقد تكشفت جوانب من ثقافة الشيخ و المريد و خطورتها على النسيج الاجتماعي من خلال تفاعل أتباع حركة التوحيد و الإصلاح و حزب العدالة و التنمية مع النكتة العنصرية للمقرأ أبو زيد الإدريسي تجاه الأمازيغ.فرغم أن المعني بالأمر قد أعترف بخطئه و اعتذر عما بادر عنه،إلا أن الأتباع تمادوا في تبرير سقطته و تنزيهه غير واعين أو متجاهلين أن الإنسان مهما بلغ من دماثة الأخلاق و العلم و الفكر فهو معرض للخطأ،فكيف إذا تعلق الأمر بمفكر لو خلفياته و دوافعه الإديولوجية و أجندة سياسية محددة يحاول أن يدافع عنها و لو كلفه ذلك أن يحيد عن المبادئ القويمة المتعارف عليها دينيا و اجتماعيا. أتباع و أجنحة العدالة و التنمية تمادوا في الدفاع عن شيخهم و عنصريته و تشكيل جبهة موحدة في مواجهة ما سموه حملة مغرضة و مؤامرة تقف ورآها أيادي خفية تستهدف حزبهم عقابا على مواقفه.و عوض أن ينتصروا للحق و يستمع إلى صوت الحكمة،فقد فضلوا الهروب إلى الإمام و إعلان مساندتهم للمقرء أبو زيد دون قيد و شرط و تنزيهه و استدعائه لتكريمه في بعض المناطق المغربية و ممارسة سياسة العناد و الاستفزاز،و تخوين كل من سولت له نفسه انتقاد و استنكار تلك النكتة العنصرية و وصفه خادم الصهيونية و عدو الإسلام و غيرها من الأوصاف التي تكررت منذ عقود و لم تجد طريقها للانقراض من قاموسهم،و هنا تكمن خطورة ثقافة فكر الشيخ و المريد و التبعية العمياء و التي لا تترك مجالا لإعمال العقل و لا لإحلال الموضوعية.التفكير بهذه الطريقة يولد تعبئة جماعية مُسَاقة و موَجهة تأخذ بالمسلمات،و تنساق نحن تطبيق ما يقوله أو ما يشير إليه الزعماء الروحيون دون تفكير أو تريث. إن خطورة التنظيمات بكل أنواعها،على النسق المجتمعي،تبدأ عندما يفزع الأتباع(المريدون)إلى الدفاع عن الرموز و تقدسيها بدل الإنكباب على مقارعة الخصوم بالحجج لانتصار للأفكار الصائبة،و هذا ما حصل لأصحاب الإسلام السياسي.حيث لم يعودوا ينافحون عن ديننا الحنيف بقدر ما يدافعون عن رموزهم و لو كانوا على خلاف ما شرعه الله تعالى،و الأنكى من ذلك كله هو إقحامهم للدين في معاركهم في مواضيع ذات علاقة بالهوية و الثقافة و اللغة و مقاربتهم لها بما يخدم تأويلاتهم المجحفة للدين. إدريس رابح