ما من رجل تنسجم صورته مع أفعاله مثل العقيد الليبي معمر القذافي...وما من رجل اجتمعت فيه أعراض جنون العظمة بأعراض جنون الإجرام مثل هذا الرجل...وما من رجل لن يجد في مختتم حياته جحراً آمناً وستضيق الأرض عليه بما رحبت، مثل القذافي. مجرم الحرب في طرابلس، يرسل مرتزقته وإنكشارييه، يعيثون قتلاً وحرقاً وتدميراً...أقدامهم الهمجية داست البشر والشجر والحجر...حرقت الزرع والضرع..."مجنون ليبيا" يرسل طائراته الحربية ومروحياته، لقتل مواطني "جماهيريته" صوناً لعرش بناه فوق جبال من الجماجم، وحفظاً لمملكة الخوف والفقر والجوع والمرض والرعب..."ملك ملوك" أفريقيا لم يبق قاتلاً مأجوراً أو مرتزقاً أفّاقا إلا وأطلقه لقتل أبناء شعبه، وبدم بارد يذكر بأسواء ما أنجبت البشرية من مجرمي الحرب والقتلة النازيين والفاشيست والصهاينة. عاش أو مات...بقي على عرشه الملطخ بالدماء أم رجل إلى مزابل التاريخ...لم يعد الأمر مهماً....فهذا الرجل لعنته ليبيا ولفظته...لعنته الأمتان العربية والإسلامية ولفظتاه...لعنته الإنسانية جمعاء وأخرجته من قوائم "الجنس البشري"...وسيدخل التاريخ من أقذر أبوابه ومزابله، بعد أن يكون قد جلب الخزي والعار لكل من والاه وأيده ومثّله في الداخل والخارج. ها هي ليبيا تنهض عن بكرة أبيها في مواجهة ديكتاتورها المجنون والأفّاق...ها هي الأمة بأسرها تقف خلف ليبيا في محنة الخلاص من مرضها العضال المُسمى القذافي و"القذافية"...ها هو "العقيد" يقيء على ليبيا وعلينا، بكل مخزونه ومورثه من العقد...ها هو الرجل الذي قتل الصحفيين واختطف السفراء والوزراء وأخفى الأئمة وفجّر النوادي وأسقط الطائرات المدنية، يواصل هوايته المفضلة في القتل والتعذيب، إنه النموذج الحي للسادية التي تسير على قدمين. ها هي جرائم العقيد، تفضح زيف المجتمع الدولي، وتكشف تهافت المنظومة القيمية للغرب، كل الغرب...الغرب الذي انفتح على الديكتاتور,...الغرب التي تقاطر زرافات ووحدانا إلى خيمته (وكره) التي حيكت فيها كل المؤامرات والجرائم...ها هو الغرب يستبدل الديمقراطية وحقوق الإنسان بعقود النفط والسلاح وإعادة الإعمار والتعويضات...ها هو الغرب يتصرف ك"تاجر البندقية" مع جزار ليبيا الذي بدد ثروتها وأضاع حلم أجيالها المتعاقبة. ها هو الغرب، يسقط على عتبات ليبيا، فلم يجد سوى سلسلة الإدانات الخجولة والتصريحات التي لا تقدم ولا تؤخر، فيما العالم يرقب بجزع وهلع فصول المجزرة الدامية التي ينفذها الجنرال المجلل بالدم والخزي...لا أحد فكر أن يذهب أبعد من ذلك...لا أحد في باريس فكّر في كيفية لجم "الميراج"...ولا أحد في واشنطن فكر في كيفية "فرض مناطق حظر طيران" لتجريد مجرم الحرب من أدواته الإجرامية، لقد كانوا "أسوداً" منافحين عن الديمقراطية ضد صدام حسين ودفاعا عن شيعة العراق وكورده...بيد أنهم يتصرفون كأرانب مذعورة على مصالحهم النفطية وحواجز دفاعهم المتقدمة ضد الإسلام الخطر والهجرة غير الشرعية في ليبيا...ها هم يتركون "القاتل المتسلسل" يوغل في الدم، دم الليبيين الأبرياء الذي تسلق جميع الجدران في جميع المدن الليبية. ها هم القادة العرب، كل القادة العرب، إلا من رحم ربي، يريدون للقذافي أن يستمر وينتصر، علّ القتل غير الرحيم يكون عبرة لشوارعهم وشعوبهم، وعلً ثورة العرب الكبرى وموجاتها المتعاقبة تتكسر على صخرة العقيد...وها هم فقهاء الظلام ما زالوا على فتاواهم المخزية بعدم الخروج على "أولي الأمر"...بئست المواقف إن لم ترق إلى مستوى اللحظة الليبية...بئست السياسات لم تطاول عظمة الدم الليبي الطاهر المراق بغزارة. لا مكان لمجرمي الحرب إلا خلف القضبان وفي ساحات القصاص العادل...فأين رعاة العدالة الدولية إزاء ما يجري في ليبيا...أين أوكامبو وأين القاضي فرانسين والمحقق دانيال بيلمار...أين الذي تباكوا على دم الحريري واغتيالات لبنان وضحايا الحرب في دافور...أين كل هؤلاء الكذّابين والمنافقين...لا نريد تعاطفهم بعد أن يسقط الديكتاتور ويُسحل في الشوارع...لن نكون بحاجة لتضامنهم بعد أن تقتص العدالة الليبية من المجرمين والقتلة...وسنرى في كل ما سيصدر عنهم نفاق جديد، لحقبة جديد وزمن جديد وعهد جديد. نريدهم الآن أن يتحركوا...لا تلزمنا الحكمة بأثر رجعي...لا تلزمنا يقظتهم المتأخرة...نريد لمن تبقى على عهد الولاء للنظام من سفراء ومثقفين وكتاب وسياسيين وشيوخ قبائل أن ينحازوا الان إلى شعبهم وإلى انسانيتهم...الانحياز المتأخر في التجربة الليبية كلفته من الدم...و"القاعدون" و"الصامتون" شركاء في الجريمة...عليهم أن يبادروا للتطهر من رجس الشيطان الذي أصدر أوامر بقصف المدن الليبية بالصواريخ والطائرات...إن لم يفعلوا ذلك الآن، فهم شركاء في المسؤولية عن دم الليبيين...ودم الليبيين العزيز والغالي لن يوزع على القبائل...ليبيا ستثأر من قاتلي شبابها ورجالها ونسائها، منهم جميعا، من قتل ومن أمر، من خطط ومن نفذ، من تواطؤ ومن تخاذل، من صمت وأشاح بوجهه، من أدعى أنه لا يعرف، لا أحد لم يعرف، لا أحد لم يأته من طرابلس وبنغازي والبيضاء الخبر اليقين...يا لثاراتك طرابلس وبنغازي والبيضاء وسرت والمصيرة، وكل قرية ومدينة وبلدة في وطن الشاهد الشهيد عمر المختار.