لا شيء ينفع في لبنان أو معه...لا الحل "الوطني" للأزمة اللبنانية المشتعلة، يبدو ممكنا في ظل إنعدام الثقة بين فريقي الصراع واتساع الفجوة التي تباعد ما بينهما، ولا الحل "القومي" يبدو متاحاً بعد أن تحوّل العرب إلى جزب من المشكلة بدل أن يكونوا جزاء من الحل... لا الحل "الإقليمي" توفرت شروطه الإيرانية والتركية، ولا الحل "الدولي" الذي تبدو فرنسا شديدة الحماس إليه يبدو مرجحاً. لا حل "وطنيا" في ضوء احتدام الخلاف وانعدام الثقة وانقطاع التواصل وتفاقم مظاهر التجييش والاستقطاب...لا حل "قومياً"، فيما السعودية تعلن رفع يدها من الوساطة والوساطات، ومصر تصطف إلى جانب واشنطن في التجييش لصالح المحكمة والعدالة، واستتباعاً في التجييش ضد سوريا وحزب الله ما استوجب ثناء واشنطن وشكر رئيسها للرئيس المصري، وسوريا تجد نفسها في تباعد مستمر من العاصمتين الكبريين: الرياضودمشق على حد سواء، بعد انتهاء "شهر العسل" القصير مع المملكة. ولا حل "إقليمياً"، فإيران لا تخفي انحيازها الكامل لفريق من اللبنانيين: حزب الله وحلفائه...وهي فريق غير مرغوب من قبل أطراف لبنانية وعربية ودولية واسعة...فيما تركيا ما زالت تجهد في بناء توافقات عربية – عربية قبل الشروع في بناء التوافقات اللبنانية اللبنانية، ناهيكم عن الضوء الأخضر الضروري والمطلوب لأية تسوية من عواصم القرار الدولي، وهذا ما دفع وزير خارجيتها المحنّك للإشارة إلى المصاعب التي ما زالت تعترض التسوية المشتهاة. أما الحل الدولي، فدونه خرط القتاد...المبادرة الفرنسية حول "مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بلبنان"، تجابه برفض إيراني قاطع، رداً على مواقف فرنسا المتشدد حيال إيران وبرنامجها النووي...وسوريا بدورها تبدو متحفظة جداً إزاء الموقف الفرنسي برغم التقارب المتزايد بين دمشق وباريس، فمن في دمشق، يريد أن يفرط بأوراقه على مذبح دور دولي غير معروفة وجهته ومآلاتها، ثم أن الموقف الدولي عموماً، أكثر انحيازاً لصالح فريق من اللبنانين، وهو لا يخفي عداءه للفريق الآخر. فجر أمس الأول، تُرك لبنان نهباً للفراغ منذ اللحظة التي غادر بها المسؤولان القطري والتركي أرض مطار بيروت...أما "الشوارع" فمحتقنة بالتوتر والاستقطاب والشائعات، أشد الاحتقان، وتكفي أن تنطلق "شرارة واحدة" لكي يشتعل هذا السهل ويندلع حريق سيصعب احتوائه في المدى المنظور. بقليل من الأمل والتفاؤل، استقبل اللبنانيون التحرك القطري – التركي المشترك، فهو آخر محاولة للدبلوماسية قبل أن تشتعل "خطوط التماس"، وينتقل الحوار من الغرف والمكاتب، إلى الشوارع والميادين والساحات، وربما إلى الخنادق، وثمة في هذا المجال ما يكفي من "الاتهامات المتبادلة"، فريق السلطة يتهم حزب الله بإنزال قواته إلى الشوارع من دون سلاح، وفريق المعارضة والحزب، يتهم جماعة 14 آذار بأنها بدأت باستجلاب "المقاتلين السلفيين والأصوليين" من مناطق الأطراف في لبنان من جهة، ومن دول عربية من جهة ثانية. لا أحد في لبنان أو المنطقة، يرغب في اندلاع حرب واسعة أو "فتنة كبرى" تنطلق من لبنان لتعُمّ المنطقة، وهذا ربما يشكل آخر رهان او بريق أمل في ليل لبنان البهيم...لكن من قال أن انجرار الشعوب والمجتمعات، يتم دائماً بتوافق الرغبات وتوافر الإرادات لذلك، لقد علّمنا التاريخ أن كثير من حروبه الدامية، الأهلية أو الدولية، قد اندلعت "من دون سابق إنذار"، ومن دون أن تتوافر الرغبات والإرادات لذلك. لقد قبل فريق 14 آذار، والحريري شخصياً، بما ظلّوا يرفضونه طوال الأشهر الفائتة، وفقا للمصادر اللبنانية، قبلوا بوقف مذكرة التعاون مع المحكمة الدولية وسحب القضاة اللبنانيين منها والامتناع عن تمويلها، لكن هذا "القبول المتأخر"، الذي جاء بعد رفع بيلمار القرار الظني بجريمة اغتيال الحريري، دفع المعارضة إلى تصعيد سقف مطالبها، وتبني شروط جديدة، خصوصاً بعد أن ألحق الحريري "تنازلاته" هذه، بجملة من الشروط والمطالب الهادفة تعزيز مواقع حكومته والأجهزة الأمنية والقضائية المحسوبة عليها، وتحصين مواقع بعض حلفائها، ما جعل فرص تقريب المواقف وتجسير الفجوات، تتضاءل إلى حدٍ مثير للإحباط. في المقابل، تبدو المعارضة في موقع الباحث عن "علاج جراحي" للأزمة...يبدو أن لديها قناعة كما أشرنا أمس، بأن "7 أيار" لم يعط ثماره تماماً، وأن مفاعليه قد تبددت، وأن إعادة بناء توازنات القوى على الأرض، قد تتطلب عملية خلط واسعة للأوراق، سياسياً وجماهيرياً، ومن دون استبعاد للخيار العسكري، ليصار بعدها إلى فرض قواعد جديدة للعبة، وهذا في ظني هو السيناريو الأكثر ترجيحاً لأزمة تنزلق إلى حافة الهاوية، إن لم يجر إدراكها وتداركها.