يتولى الوزير الجديد للتربية الوطنية محمد الوفا في ظرفية تربوية حساسة جدا ، حيث يتزامن ذلك مع نهاية البرنامج ألاستعجالي ( 2009 – 2012)، والذي أتى أصلا لتجاوز الفشل الذي عرفه تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين . وسوف يجد الوزير أمامه ملفات ساخنة بعضها قديم وبعضها الآخر تعقدت خيوطه في الآونة الأخيرة .ومن هذه الملفات على سبيل المثال : الموارد البشرية : لعل هذا الملف من أعقد الملفات في وزارة تضم أزيد من 290 ألف موظف من فئات مختلفة . وقد عرف هذا الملف تدبيرا ارتجاليا خلال العقود الأخيرة .ومن إشكالياته مفارقة الخصاص / الفائض الناتجة عن سوء التدبير : ففي الوقت الذي نجد فيه المدن وبعض المراكز تعرف فائضا في الموظفين ، نجد فيه المناطق المسماة مناطق (( عبور )) خصاصا بنيويا يؤدي فاتورته تلميذات وتلاميذ هذه المناطق. وقد أفرزت هذه الظاهرة أشكالا من الوضعيات يتعين على السيد الوزير مواجهتها بكثير من الحزم ، من مثل الموظفين الأشباح، والموظفين الذين يتركون الأقسام للالتحاق بالإدارات ( نيابات – أكاديميات – مصالح مركزية ...). وقد وجدت في هذه الوضعية بعض لوبيات الفساد مواقع قدم تؤثر بشكل مباشر على القرار الإداري حيث يجد النواب ومديرو الأكاديميات أنفسهم في مواجهة شبكات قادرة على صنع الاحتجاج والمواجهة الصامتة . كما عرفت المنظومة مؤخرا ولوج مهنة التدريس أفواج كبيرة من حملة الشهادات(إجازة – ماستر – دكتوراه ) من فئات مختلفة تم تعيينهم مباشرة لمواجهة أهوال الفصل الدراسي بدون تكوين تربوي ولا ديداكتيكي . فوقعوا في إشكالات تدبير العلاقات والتأقلم مع رهانات المؤسسة التعليمية فانعكس ذلك سلبا على المتعلمين في الوقت الذي وعدوا فيه بدورات تكوينية قبل التعيين وبعده فلم يكن منها أي شيء يذكر؟؟؟ودخلت على خط تدبير المورد البشري بعض النقابات التعليمية فأصبحت شريكا في توزيع المناصب وتشويه العمل النقابي النبيل ليصبح أرقاما ونسبا لترضيات معينة لضمان سلم من نوع خاص على حساب تلاميذ يستفيقون باكرا لطلب العلم والمعرفة ولا يجدون سوى جدران قسم / مدرسة مهترئة .في نفس إطار المورد البشري تشهد المنظومة في الآونة الأخيرة غضبة أجهزة فاعلة في المنظومة والتي بواسطتها تمارس الوزارة والنيابات والأكاديميات دور التتبع والمراقبة الشاملة مثل الملحقين التربويين ، وكذلك المديرين الذين دخلوا في تصعيد نوعي تمثل في مقاطعة البريد والاحتجاجات المتكررة مركزيا وجهويا ، وعند التدقيق في الأمر نجد أن الملف المطلبي لهذه الفئة تم التعامل معه بإسفاف كبير: ولعل الرسالة التهديدية المشئومة لدليل على أن عقليات بعض المدبرين لم تدخل بعد إلى القرن الواحد والعشرين . وكذلك المفتشين في المناطق التربوية، والمنسقيات الجهوية وحتى المركزية منها بشكل غير مسبوق ، والذين يعتبرون محركات إستراتيجية ميدانية للسياسة التعليمية، ومنها مقتضيات البرنامج ألاستعجالي والذي وجد أن برامجه تصل إلى المؤسسة التعليمية/ الهدف وقد أصبحت تقارير اجتماعات مملة وتوجيهات غير قابلة للتنفيذ وبدون أفق تطبيقي. ومن أمثلة ذلك ما سمي جيل مدرسة النجاح والذي تحولت الإجراءات المصاحبة له إلى ألوان على جدران أقسام مهترئة مع أن المشروع -على الورق- طموح ووازن . الزمن المدرسي : رغم النصوص التنظيمية والتشريعية التي لاغبار عليها فإن هدر الزمن المدرسي في المدرسة المغربية وصل نسبا لاتطاق خاصة في بعض الأسلاك وبعض الأكاديميات. فقد وصل خلال موسم 2011 مثلا أرقاما قياسية،فإلى حد بداية سنة 2012 لازالت مؤسسات لم يتم فيها الدخول المدرسي بعد ، إضافة إلى أن تلاميذ في مناطق معينة يحملون في حقائبهم دفاتر بصفحات بيضاء أو مكتوب فيها درس واحد مر عن تاريخ إنجازه شهر أو أكثر . وعند التدقيق في الأمر نجد أن الإدارة نفسها تساهم فيه من حيث عشوائية برمجة التكوينات والأنشطة :فاليد التي وقعت على مذكرة ترشيد الزمن المدرسي هي نفسها من يوقع على استدعاء أفواج من الأساتذة للتكوين في فترات الدراسة تاركين ورائهم تلاميذ بدون درس . إضافة إلى الاحتجاجات وأشباه الإضرابات التي أدت إلى هدر 15 مليون ساعة( موسم 2011) أي أكثر من ثلث الحصص المبرمجة (حسب وزارة التربية الوطنية نفسها ).إضافة إلى عدم تفعيل المساطر التنظيمية المتعلقة بالشواهد الطبية التي أصبحت تمنح بشكل عشوائي عبر الهاتف وتحت الطلب. مما يفرض إعادة النظر في الأمر لحماية حق التلميذ في الدرس كجزء من حقه في الحياة . الحكامة التربوية : هناك مايدعو إلى التفاؤل في هذا الباب من حيث إحداث وزارة تهتم بالحكامة ضمن الحكومة الجديدة ، وعليه نتمنى تفعيل مقتضياتها في إطار وزارة التربية الوطنية . حيث هناك تساؤلات ملحة ومتعطشة لجواب مقنع حول حكامة المنظومة بالحد من هدر المال العام ، الذي يطرح على ساحة الرأي العام، ونصيب مشاريع البرنامج ألاستعجالي من المسائلة خاصة وأن الملايير( 43 مليار ) أنفقت على مدى السنوات الفارطة دون أن يظهر لها الأثر البين على مستوى القسم والساحة والملعب وفي شكل ونوع تعلمات التلاميذ... خاصة في المناطق القروية والمهمشة . في الوقت الذي تطلعنا الصحافة على اختلاسات من الحجم الكبير ( أكاديمية سطات مثلا ) وكذا انتقال العديد من لجان الافتحاص بل وقضاة المجلس الأعلى للحسابات ( أكاديمية الجديدة ) مما يؤشر أن هناك شيء ما غير سوي؟؟ورغم وقوف أجهزة المراقبة على الاختلاسات فإن الأمر يلفه الغموض ثم تنتهي" المسرحية" بقرار إعفاء الذي يتحول إلى (( عفو )) مقنع. وفي كل إقليم أو أكاديمية توجد نماذج من هذه الأخبار والتي تعكسها الصحافة . ومن الظواهر المشينة أنه بعد الإعفاء قد يعود الموظف / المفسد إلى نفس الموقع والمسؤولية . والمتتبع لماتمور به الساحة التعليمية يقف على حقيقة مرة مفادها أن الدولة تقوم بواجبها في توفير الاعتمادات المالية الكافية لكل مرفق تربوي أو في إطار الدعم الاجتماعي ، إلا أن ما يصل الى المستفيدين منه يثير فعلا الشفقة ،لذا ندعو السيد الوزير إلى زيارة إحدى الداخليات في منطقة نائية لكي يقف بنفسه على حجم الاختلاسات التي تطال المخصصات من التغذية والأغطية وأدوات النظافة ووو...حيث سوف يقف على أنواع من البضائع الغريبة والتي لاتحمل إسم المصنع ولاعلامة تجارية ويجهل مصدرها ولا تاريخ الصلاحية ... لقد تكونت فعلا شبكة من الممونين الوهميين الذين يقتاتون من هوامش الربح على حساب التلاميذ. ولن يكون بعض المسؤولين الجهويين والإقليميون بعيدين عن هذه الصفقات ، رغم أن بعضهم قد صحا ضميره و قدم استقالته احتجاجا على الضغط الممارس عليه من المستفيدين الحقيقيين . وبناء على هذا الأمر ظهرت أخيرا موجة من طلبات الإعفاء من المسؤولية بعضها وجده السيد الوزير على مكتبه. إشكالية أخرى شهدتها المنظومة في الآونة الأخيرة والمتعلقة بتفويض بعض المهام إلى مكاتب دراسات ( البعض منها له نفوذ داخل الوزارة ) تؤدى لها أتعاب خيالية من جيب المواطن ، وغالبا ما تعقد الصفقات في ظروف يلفها الكثير من عدم الشفافية . نتمنى من الإدارة التربوية الجديدة تفعيل مقتضيات الدستور على مستوى المحاسبة والمسائلة في هذا المرفق الحساس . النماذج البيداغوجية : يعرف الممارسون التربويون أن المدرسة تسير وفق نماذج بيداغوجية تتجدد على مر الأجيال لضمان تحصيل دراسي يتساوق مع الثورة العلمية والفكرية التي يشهدها العالم ، ومن أجل تأهيل أبناء هذا الوطن دون تمييز إلى ولوج مجتمع المعرفة والمعلومة ، تم تبني نموذج جديد سمي " بيداغوجيا الإدماج" وهو إطار منهجي لتفعيل المقاربة بالكفايات. ويذكر أن هذا النموذج- رغم تجديده للممارسات التربوية - يعرف تعثرات مرتبطة بالإرساء للنموذج والذي تراهن عليه الوزارة لتطوير العمليات التعلمية داخل الفصول الدراسية وتطوير منظومة التقويم .فهو يعرف صعوبات في التطبيق على مستوى فرق القيادة على مستوى التكوين والتتبع والتجريب والمصاحبة التشريعية : فانقطعت سبل التواصل بين المركز والأطراف مما أذكى العشوائية والتردد والارتجال وكانت محطة التقويم ألإشهادي في الابتدائي( يونيو 2011) مرآة ساطعة على ذلك ( المذكرة 204) حيث اتفق الجميع على عدم تطبيق مقتضياتها . ومن تم يصبح التساؤل مشروعا حول جدوى هدر المال العام الذي استفاد منه مكتب دراسات أجنبي . وكذا هدر الزمن والجهد على المستويات المركزية والجهوية والمحلية. نفس التخوف يعبر عنه المتتبعون بمناسبة التعميم على مستوى الإعدادي : فبعد الجهد الكبير على مستوى التكوين والتأطير قد لاتطبق مقتضياته بالشكل الذي يخدم التلميذ (ة) المغربي (ة) . أما على مستوى التاهيلي فإن نظام التقويم والامتحانات يبقى هاجس الأسر والتلاميذ حيث أن نظام الباكالوريا في شكلها الحالي استنفذ جدواه : فرغم لغة الأرقام التي تخفي واقعا مرا لايعرفه إلا الممارسون الميدانيون حيث يتمثل ذلك في مهازل الغش المؤسسي (التقليدي و الإلكتروني ) الذي أصبح حقا مشروعا، من دون حماية تذكر لمن يطبق القانون .وفي ظل هذه المستنقعات تعيش كائنات معروفة باصطيادها للفرص من الساعات المؤدات إلى الغش الموصوف (نموذج فضيحة الدارالبيضاء المحكومة حديثا ). إشكالية التعليم الخصوصي : نص الميثاق على ضرورة الارتقاء بالتعليم الخصوصي لكي يصل إلى نسبة 20 في المئة من نسبة المتمدرسين واعتبره شريكا في إصلاح المدرسة المغربية وتجويد خدماتها .إلا أن التطورات الحالية تشيئ بانحراف في هذا المجال حيث أن المدارس والمجموعات الخصوصية وضعت الربح السريع نصب عينيها دون موازاة ذلك بجودة التعلمات والخدمات فأعلنت حرب الأثمان على المواطنين الذين نزعوا رغما عنهم من المدرسة العمومية نظرا لاختلالاتها البنيوية فأصبحت الزيادات دورية في غياب رقابة الوزارة الوصية .أما أرباب هذه المؤسسات فيحملون على الوزارة عدم الالتفات إلى مطالبهم الملحة واستنزاف مواردهم البشرية التي استثمروا في تكوينها أموالا طائلة عن طريق التوظيفات الأخيرة ( 2009 – 2011) إضافة إلى عدم إنصافهم من طرف أجهزة الرقابة الضريبية. قد لا تكون هذه الملفات فقط هي المستعجلة وحدها ،لكن الذي يجب تفعيله من قبل الإدارة الجديدة هي إجراءات بسيطة منها : تفعيل القانون والحرص على تطبيقه ، اعتبار مصلحة التلميذ(ة) هي أولوية الأولويات فعليا وليس كشعار يستعمل في المنتديات المنظمة من طرف الوزارة ،ثم إيقاف النزيف الزمني والمالي ، وتفعيل مبدأ الحق والواجب . كل ما نتمناه هو إعادة الروح للمبادرات النبيلة والهادفة إلى إنقاذ المدرسة المغربية من الضياع مع متمنياتنا بالنجاح للمسؤول الجديد.