على غير العادة، شهد شارع محمد الخامس بتونس العاصمة، عشية أمس الثلاثاء، حالة استنفار قصوى جراء الحادث الإرهابي الآثم الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي، الذي يعد رمزا من رموز سيادة الدولة، حيث تعالت صفارات سيارات الإسعاف، وحلت تعزيزات مكثفة لمختلف الفرق الأمنية وفرق مكافحة الإرهاب، ما عكر صفو الجو بهذا الشارع الهادئ. فحوالي الساعة الخامسة من بعد الظهر، وهو التوقيت الذي يغادر فيه آخر العاملين بالمؤسسات المالية العديدة بهذا الشارع الفسيح، سمع دوي انفجار قوي استهدف حافلة لنقل أفراد من قوات الأمن الرئاسي نتيجة عمل إرهابي شنيع نفذ في قلب العاصمة، لتفجع تونس في عدد من أفراد الأمن الرئاسي، العصب الحيوي للأمن في البلاد، ويخيم الحزن مرة أخرى على تونس بشكل عام وعلى أوساط مختلف هيئات الأمن بشكل خاص. فمكان الحادث ذو حمولة رمزية؛ ذلك أنه يوجد بقلب العاصمة وعلى مقربة من البنك المركزي وغير بعيد عن وزاراتي الداخلية والسياحة، كما أن التوقيت لم يكن اعتباطيا؛ إذ كانت مصالح الأمن وقتئذ في حالة استنفار من أجل تأمين دخول هواة الفن السابع لقاعات العرض لمتابعة فعاليات أيام قرطاج السينمائية. فالعملية الإرهابية استهدفت الحرس الرئاسي، وهو صفوة من قوات الأمن تجسد سيادة الدولة التي تسعى الجماعات الإرهابية إلى تركيعها بتوجيه ضربات موجعة لقطاع السياحة الحيوي من خلال عمليات إرهابية متكررة خرجت من إرهاب الأحراش إلى إرهاب المدينة ومواقع السيادة. فقبل أيام استيقظ التونسيون على فظاعة قطع رأس راع صغير بأحد الجبال قرب سيدي بوزيد، وهاهي أيادي الإرهاب الآثمة تمتد اليوم لتضرب بقوة في قلب العاصمة ليعيش سكانها حالة من الرعب والذعر كما حدث يوم 18 مارس الماضي بمحتف باردو. وفي الأحياء المجاورة سمع دوي الانفجار القوي، وانتشر خبر هذا التفجير الإرهابي كالنار في الهشيم، وعم الهلع والذعر، خاصة وأن الانفجار وقع في أهم شوارع العاصمة وأكثرها اكتظاظا. ووسط الحركة الذؤوبة لرجال الوقاية المدنية وضجيج صافرات سيارات الإسعاف التي هرعت إلى موقع الحادث حيث أقامت السلطات طوقا أمنيا في المنطقة المحيطة، كان بعض رجال الأمن في عمر الزهور يحاولون احتواء مشاعر أساهم وحزنهم لمواساة بعض من ذوي الضحايا والمصابين في هذا الحادث الإجرامي . وعلى بعد عشرات الأمتار من مكان الحادث المفجع وبشارع الحبيب بورقيبة الشهير لملم التونسيون جراحهم وأصروا على متابعة فعاليات أيام قرطاج السينمائية، مؤكدين بذلك أن يد الغدر لن تنال من عزيمتهم في للتصدي للعنف والإرهاب، لاسيما وأنها ليست المرة الأولى التي تكتوي فيها تونس بنار الإرهاب الغاشم. وفي إحدى قاعات العرض نزل الخبر كالصاعقة. وهرع الصحفيون إلى ساحة 14 يناير، تقاطع شارعي الحبيب بورقيبة ومحمد الخامس، بيد أن طوقا أمنيا حال دون رغبتهم في معاينة مكان المأساة، فحدثت بعض المناوشات الروتينية بين رجال الأمن والباحثين عن السبق الصحفي. وفي وقت متأخر أعلن عن حالة الطوارئ، وهو قرار لم يفاجئ أي أحد، لكونه أصبح أمرا عاديا في مثل هذه الحالات، إلا أنه اقترن هذه المرة بإعلان حظر التجول في تونس الكبرى من التاسعة مساء إلى الخامسة صباحا. إنه خبر غير سار بالنسبة للمؤسسات السياحية التي كانت تمني النفس بأن تختم الموسم بمؤشرات إيجابية، وكذا بالنسبة لأولئك الذين تعودوا على قضاء أمسيات للترفيه عن النفس بشارع الحبيب بورقيبة أو بالمواقع السياحية الراقية في كمرت أو قرطاج. لقد استيقظت تونس العاصمة على زخات مطرية مبشرة بالخير، لكنها للأسف نامت وهي مكتوية من جديد بنار الإرهاب. والأكيد أنها لن تستعيد البسمة في القليل من الأيام القادمة.