يعيش الشارع المغربي حالة من الترقب في انتظار إعلان التعديل الحكومي الذي طالب به الملك محمد السادس في آخر خطاب ل "ضخ دماء جديدة على أساس الكفاءة والاستحقاق"، استعدادا "للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي". واعتبر الملك محمد السادس أن تجديد مناصب المسؤولية "سيوفر أسباب النجاح لهذه المرحلة بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء بمستوى العمل وتحقيق التحول الجوهري". ويأتي اهتمام الشارع المغربي بالتعديل الحكومي لسببين أولهما أنه جوهري وسيطال عددا من الحقائب الوزارية كما أن الهيكلة الجديدة للحكومة ستقلص عدد الوزراء بالثلث وسيتم دمج بعض القطاعات الحكومية ضمانا لمزيد من التنسيق، وثانيهما أن الدعوة لتعديل حكومي جاءت في سياق الدعوة إلى بلورة نموذج تنموي جديد يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات وتسريع وتيرة الإقلاع الاقتصادي، ما جعل المغاربة يترقبون التعديل الحكومي بفارغ الصبر. وإضافة إلى رغبة الملك محمد السادس في تجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية، فإن دوافع التعديل الحكومي تبقى أبعد من ذلك في رأي المراقبين الذين يعتبرون أن تشكيل الحكومة الحالية جرى على عجل وفي ظروف سياسية خاصة بعد رفض ترؤس عبد الإله بنكيران للحكومة فجرى تأجيل اختيار رئيس الحكومة إلى أن جرى انتخاب سعد الدين العثماني رئيسا لحزب العدالة والتنمية الفائز بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي يحق له وفقا للدستور رئاسة الحكومة. ونجح العثماني آنذاك في تشكيل حكومة ائتلافية مع 5 أحزاب ليضع حدا لأزمة مشاورات التشكيل التي تجاوزت للمرة الأولى في تاريخ المغرب خمسة أشهر، ورغم هذه الفترة الطويلة إلا أن الحكومة لم تبلغ حد النضج السياسي المطلوب في رأي كثيرين. ويرى المراقبون أنه لم يكن هناك توافق بين حجم تمثيل الأحزاب داخل الحكومة الائتلافية مقارنة مع نتائجها في الانتخابات، حيث أن التوافقات بين الأحزاب كانت مبنية على الترضيات لا الكفاءات فغاب الانسجام السياسي والقدرة على التأثير. وقال الباحث السياسي محمد العلمي إن "الحكومة الحالية غير منسجمة ولم يكن لها تأثير على التحولات التي يعيشها المغرب من حيث مواكبة البرامج والسياسات"، لافتا "كان من الضروري تطعيمها بكفاءات وإعادة النظر في هيكلتها وتقليص عدد حقائبها". وأضاف العلمي، "التعديل الحكومي عليه أن يستجيب لتطلعات المواطنين، وليس فقط أن يحصل تغيير في الوجوه لتنال به أحزاب الأغلبية الحكومية وزارات جديدة، فالمطلوب هو حكومة قوية ومنسجمة قادرة على العطاء". وتابع العلمي "الجميع يترقب معرفة موازين القوى التي ستكشف عنها الحكومة في نسختها الجديدة خاصة وأن مخاض ولادة الحكومة دخل مرحلته الحاسمة حيث يروج أنه تم تقليص عدد أعضاء الحكومة من 40 وزيرا إلى 25، وإلغاء 11 منصب كاتب دولة، و4 وزراء منتدبين". والوزير المنتدب هو وزير بدون حقيبة وصلاحيته تحدد وفق احتياجات الحكومة. وأوضح الباحث السياسي المغربي أن "الهندسة الجديدة للحكومة هي تجربة لمعرفة ما مدى نجاح سياسة تقليص عدد الوزراء التي سيعتمدها المغرب بعد انتخابات 2021 التي ستشكل فيها الحكومة من 18 وزيرا بعد تفعيل النظام الجهوي ومجالس الحكامة". ومن المنتظر أن يقدم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني تشكيلة حكومته الجديدة للملك قبل افتتاح السنة التشريعية الجديدة في 11 أكتوبر. وكان الملك محمد السادس أصدر توجيهاته لرئيس الحكومة، من خلال خطاب العرش الأخير في 30 يوليوز الماضي، لرفع مقترحات بشأن تعديل الحكومة لكن الأخير استغرق وقتا طويلا في إجراء مشاورات مع زعماء أحزاب الأغلبية. وعاد الملك محمد السادس وطلب من العثماني، تقديم اقتراحاته للتعديل الحكومي، طبقا للدستور الذي يعطي لرئيس الحكومة سلطة الاقتراح المبني على المشاورات مع مكونات الأغلبية، وهو ما دفع العثماني إلى تنظيم لقاءات على عجل مع أحزاب الأغلبية للتوافق بشأن الحقائب الوزارية، فأسفرت هذه الاجتماعات عن خروج حزب التقدم والاشتراكية من التحالف الحكومي بعد أن أسندت له حقيبة وزارية واحدة فقط في الحكومة الجديدة. وعيّن الملك محمد السادس في 17 مارس 2017، العثماني رئيسًا للحكومة، خلفًا لبنكيران الذي تصدر حزبه بقية الأحزاب بفوزه بعدد 125 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 395 مقعدا، لكن حكومة العثماني تعرضت لأكثر من تعديل جزئي، ويضم الائتلاف الحكومي الحالي 6 أحزاب هي: حزب العدالة والتنمية (125 نائبًا من أصل 395)، التجمع الوطني للأحرار (37)، الحركة الشعبية (27)، الاتحاد الاشتراكي (20)، الاتحاد الدستوري (19)، والتقدم والاشتراكي (12). ويضطلع مستشارو الملك بدور مؤثر في مشاورات تشكيل الحكومة، رغم السلطة الممنوحة لرئيس الحكومة، حيث واجه العثماني صعوبات في إيجاد توافق بين مكونات الأغلبية بشأن الحقائب الوزارية التي ستؤول لكل حزب سياسي. ورغم الدوافع القوية للتعديل الحكومي من قبيل ضخ دماء جديدة والبحث عن الكفاءات استعدادا لمرحلة المشاريع الكبرى التي سيتم إطلاقها بمناسبة مرور 20 عاما على حكم الملك محمد السادس، فإن هناك دوافع أقوى وهي محاولات الدولة العميقة في المغرب التي يطلق عليها المغاربة اصطلاحا "المخزن" تحجيم قوة حزب العدالة والتنمية "الكاريزمي" والضغط عليه قبل الانتخابات النيابية 2021، حتى لا يحصل للمرة الثالثة على التوالي على المرتبة الأولى في الانتخابات التي ستؤهله لقيادة الحكومة. المصدر: سبوتنيك