في البدء كان يصعب علينا تقبل فكرة تقول أن النفايات تنتج الثروة والمال، لكن في المقابل نسلم بكل بساطة وسذاجة بالقول أن الكثير من الأشخاص يصابون بالتقزز لمجرد الاقتراب من شاحنة النفايات، ويسارعون إلى إغلاق أنوفهم عندما يصادفون كومة من الأزبال. وحين تنظر إلى عمال فرز النفايات يترفعون عن مثل هذه التصرفات ويقومون يوميا بجمع قمامة تسيل منها الرواسب وتزكم روائحها الكريهة الأنوف، مع ما يمثله ذلك من مخاطر إصابتهم بأجسام حادة، وحين تعلم جيدا أن هذا العمل منتج ويساهم على الحفاظ البيئة سترفع لهم القبعة احتراما لعمل يعتبره البعض "مقززا". يمارس هؤلاء العمال عملهم في كثير من الأحيان بوسط غير مهيكل، بدءا بعملية فرز واستعادة المواد القابلة لإعادة التدوير أو القابلة لإعادة الاستخدام، وذات قيمة تجارية، وذلك على مستوى صناديق القمامة المنزلية أو على مستوى مطارح النفايات، مرورا بعملية بيع المواد المخصصة لإعادة التدوير. أمام هذا العمل غير المنظم، والذي يشغل أزيد من 7000 عاملا، تفكر السلطات في حلول ناجعة من خلال استيراد بعض النماذج البيئية لتدبير أحسن لعملية تدوير النفايات، كما هو بالنسبة لمشروع ضخم في طور الانجاز بمراكش. مراكش.. جبل "الزبل" يتحول إلى منطقة خضراء أكوام من النفايات، أحيانا عالية كالجبال تحولت بفضل سياسة بيئية عمومية إلى مساحات خضراء التي يمكن تطويرها لتصبح أماكن للتجوال العائلي ولمتنفس سياحي. في مراكش، المطرح البلدي للنفايات، أو جبل "الزبل"، كما يحب أن يسميه مسؤول بالمجلس الجماعي لمدينة مراكش. هذا الجبل الذي كان ينتج الروائح الكريهة تملأه اليوم النباتات الخضراء، وفي الجزء السفلي آلة كهربائية تحول الغازات الناتجة عن النفايات إلى طاقة كهربائية تستعمل في بعض المنشآت العامة. لم يكن سهلا تحويل جبل من "النفايات" إلى منطقة خضراء، لكن بفضل التدوير، الذي يقصد به تحويل النفايات إلى منتجات جديدة، أو طاقة بديلة، استطاعت جماعة مراكش أن تطور من أسلوبها البيئي وجعلها مدينة ترتقي في صف المدن البيئية عالميا. لكن بالنسبة لبلد فقير مثل المغرب لا تزال تجربة التدوير محتشمة، رغم وجود مبادرات خاصة من هنا وهناك لأفراد حاول انشاء مقاولات خاصة لإعادة تدوير النفايات، لكن ظلت تواجه تحديات كثيرة خصوصا في ظل معاناة المقاولة المغربية. هامش مراكش ينتج الثروة "تجربة مراكش" في تدوير النفايات، حديثة العهد وتشير المعطيات الميدانية التي استقاها موقع "لكم" من خلال زيارته الميدانية لمركز الثمر والتدوير بمنطقة "المنابهة"، نواحي المدينة الحمراء، إلى أن المخطط البيئي المعتمد من شأنه أن يساهم في تشجيع السياحة البيئية ويخلق فرص شغل مهمة. توجد منطقة "المنابهة" على بعد 30 كلم شرقا عن مراكش، يبدو المكان خاليا من السكان ومن البهائم، ففي زيارتنا للمنطقة لم نشاهد سوى مبنى جديد، وسياج طويلة تحاصر مكان التدوير الجديد. تتجلى وظيفة المركز في الطمر وتسمين النفايات المنزلية والمشابهة لها المنتجة على مستوى مراكش ونواحيها والتي تبلغ مساحته 181 هكتار، وهو مشروع قيد الانجاز في إطار اتفاقية شراكة تجمع بين مجلس المدينة مع كتابة الدولة المكلفة بالبيئة والماء والتنمية المستدامة بتكلفة 54 مليون درهم. نستقبل يوميا 800 طن وقد تصل إلى 1000 طن من النفايات والتي ستوفر الآلاف من مناصب الشغل في عملية التدوير، يقول عبد الغني أوشن رئيس قسم البيئة داخل المجلس الجماعي لمدينة مراكش. مراحل عملية التدوير، تبدأ بالفرز عبر تثمين المواد القابلة للتدوير من ورق وزجاج وغير ذلك، ومستوى ثان من خلال تحويل جميع المواد العضوية إلى أسمدة أو ما يسمى ب"التثمين العضوي"، والمستوى الثالث يتجلى في التثمين الطاقي من خلال عزل عينة تتوفر على طاقة عالية والتي يمكن تحويلها إلى كهرباء تستعمل في بعض المعامل. رغم التهميش.. "عمال غير نظاميين" يساهمون في الحفاظ على البيئة وعلى الرغم من التهميش الذي يعاني الكثير من عمال النظافة غير النظاميين أو جامعي النفايات، فإن المشروع البيئي يجمع بين هدفين، الأول من خلال توفير فرص شغل بشكل منظم. في السابق كنا نعمل بشكل عشوائي، لكن بفضل مثل هذه المبادرات تحسنت وضعيتنا وأصبحنا نعمل بشكل منظم" يقول "م.ن"، أحد العمال في تصريح للموقع. وتابع في ذات التصريح بالقول إن "النفايات كنز ونسعى للاهتمام بها وتوفير ظروف أحسن لكل عامل في هذا القطاع، لأن بالاهتمام نحيا نحن العمال وتحيا الطبيعة من خلال المحافظة على البيئة". تكنولوجيا في خدمة البيئة "المنابهة"، المنطقة التي يعهد عليها تخفيف الأثار السلبية للتلوث البيئي الذي يهدد الغلاف الجوي للمدينة، والتي تبعد عن مراكز الاتصال وحتى الشبكة جد ضعيفة هنا، كأنها صحراء خالية من الحياة العادية، كل شيء هناك ثقيل حتى الوقت لا يمضي بالسرعة التي ولفناها في الوسط الحضري. ندخل عبر باب كبير محاط من جوانبه بسياج طويل لا نكاد نرى حدوده، بعد أن تخطينا السياج مشينا لأزيد من 20 دقيقة نصل إلى محطة الطمر التي تسيرها شركة خاصة. تصل إلى مركز الطمر، في البدء ستعتقد أنها ثكنة عسكرية أو مركزا للتدريب على الأسلحة، حيث تحي طريقة بناءه، لكن ستتفاجأ أن ضجيج الآلات يملأ المكان، التي يتم تسييرها من أعلى شرفة من طرف تقني متخصص. ويهدف مشروع "المنابهة" إلى تقليص الآثار السلبية للنفايات، حسب تصريح مسؤول عن المشروع، عبر إحداث حفر لطمر النفايات ووضع نظام لمنع تسرب النفايات إلى الفرشة المائية، وحوضين للتخزين ومنشآت أخرى ويدخل في إطار البرنامج الجديد للتدبير المندمج والمستدام للنفايات التي تعد مصدرا لإنتاج الطاقة، إذ أن نسبة 60 في المائة من النفايات المنزلية، بحسب مدير المركز، عضوية، ذات حمولة مائية كبيرة، وأن عدم إخضاعها للمعالجة بالكيفية الناجعة والمتجددة، يحمل سلبا على المناخ بنسبة 5.7 في المائة، ويرفع نسبة الاحتباس الحراري إلى 7.5 في المائة . للغاية ذاتها، استعان المشروع بتقنيات حديثة، منها آلة تمسى " L'ouvre sec" التي تقوم بتقطيع الأكياس البلاستيكية للنفايات، ليأتي بعدها دور آلة أخرى تقوم بتقسيم النفايات حسب النوعية من خلال الفرز الميكانيكي للقطع المعدنية، مع فرز القطع الكارطونية. مطرح قديم.. ينتج كهرباء نعود إلى المطرح القديم حيث هناك نفايات مكونة من مواد عضوية تخمر وتتحول إلى "بيوغاز"، عبارة عن مجموعة الغازات، خصوصا غاز البيتان الذي يتوفر على مفعول قوي يمكن من انتاج الطاقة. بالمحاذاة مع المطرح توجد مضخة البيوغاز، التي تستطيع تحويل 1000 متر مكعب من ترسبات النفايات خلال ساعة واحدة ما مقداره 2 ميغاوات، يعني في 24 ساعة يمكن الحصول على 48 ميغاوات. وما تبقى من تلك الغازات المتبقية يتم حرقها تحت درجة مرتفعة تحت ضغط سلبي. فمن جهة سوف تتمكن مراكش الطاقة الكهربائية بأقل كلفة ممكنة، ومن جهة أخرى سوف تساهم المضخة، في التقليل من المخاطر البيئية الناتجة عن عدم معالجة النفايات. يقول المهندس المسؤول على المشروع إن هذه " الآلة تنتج كثيرا من الضجيج، آلة ضخ الغاز، تقوم بإيداع الغاز الحيوي من موقع دفن النفايات عبر 11 بئرا، "كما تبين الصورة اسلفه"، من خلال استغلال 3 مليون طن من النفايات لصالح الاقتصاد الطاقي. ويضيف في تصريح للصحافة إن "هذه الالية وفق ما عاينه الطاقم الصحفي، من تقليص حجم الأضرار البيئية التي يتسبب بها مطرح النفايات القديم بمراكش وستساعد في التقليص من 60 ألف طون من أكسيد الكربون في السنة. الوجه السلبي لمطرح النفابات زيارتنا للمطرح القديم، قادتنا للالتقاء بفعاليات من المجتمع المدني بجماعة "اسعادة" بمراكش، الذين يطالبون بالتدخل العاجل لرفع الضرر عن ساكنة تجزئتي الآفاق ودار السلام، بسبب مطرح للنفايات يتهدد صحة المواطنين. فمطرح النفايات الذي يستقبل أزيد من 20 طنا من الأزبال يوميا، يوجد بالقرب من تجزئة الآفاق ودار السلام، مما يمثل نقطة سوداء في المجال البيئي ب"اسعادة" منذ سنوات، والذي لا زال يشكل ضررا كبيرا على الساكنة. في المنطقة المذكورة تخيم عليها الروائح الكريهة، والبعوض بكل أنواعه وأشكاله مما يهدد بكارثة بيئية كبيرة سيكون لها أثر على صحة المواطنين وعلى الفرشة المائية للمنطقة كلها، مما دفع بعض السكان لمغادرة بيوتهم . لهذه الأسباب ولغيرها تطالب جمعيات المجتمع المدني بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن انقاذه والعمل على رفع الضرر الذي أصبح يتهدد صحة المواطنين، وذلك رأفة ورحمة بالسكان وضمانا لصحتهم. مراكش حين تتشبه بموسكو وهلنسكي تعرف مراكش باستعمال مفرط للدرجات النارية وسيارات الأجرة والعربات الخاصة، مما جعل حركة المرور تعرف اكتظاظا خانقا كانت له تداعيات مقلقة، لاسيما من حيث حجم التلوث والسلامة الطرقية، والغازات الدفيئة، وهي المؤشرات التي تعد دليلا على الازدحام الحضري الحالي والتوسع في حظيرة السيارات، فضلا عن الكثير من المساوئ البيئية والاجتماعية التي تؤثر على واقع المدينة الحمراء. للتخفيف من حدة الخسائر البيئية عمد مجلس المدينة إلى وضع الدراجات الهوائية للخدمة الذاتية، وذلك في إطار مبادرة بيئية واسعة للمدينة تهدف إلى تعزيز تأمين تنقل ذي انبعاثات منخفضة لثاني أوكسيد الكربون. 300 دراجة موزعة على 10 محطات، بمبادرة من كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة والجماعة الحضرية لمراكش ومنظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية بشراكة مع شركة " ميدينا بايك "، تنتظر إقبال من الساكنة. لكن واقع الحال غير ذلك، فرغم عدم تمكننا من زيارات تلك المحطات إلى أن أراء عدة استقيناه من المواطنين ومسؤولين أجمعوا على أن المبادرة لا تزال محتشمة ولا تتلقى إقبالا من لدن الساكنة وحتى السياح يفضلون المشي على ركوبها. فبعد إطلاق العديد من برامج الدراجات الذاتية الخدمة في مدن هلسنكي وشيكاغو وموسكو وفانكوفر، اختارت الشركة المدينة الحمراء كوجهة لها، بعد فوزها بطلب العروض الذي أطلقته منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية لإطلاق هذا المشروع. وتخضع الدراجات ال300 التي تم توزيعها على 12 موقعا في المدينة، مثل مسجد الكتبية الشهير أو الحديقة النباتية "ماجوريل"، لجدولة تعريفية بما في ذلك تسهيل استخدام هذه الدراجات من قبل كافة فئات المجتمع، خاصة الطلبة، والسياح المغاربة والأجانب، والموظفين والمواطنين ذوي الدخل المحدود. وتنضاف "ميدينا بايك" إلى مشاريع أخرى مهمة أطلقتها المدينة، من قبيل محطة بيوغاز بمراكش، والتي تحاول دخول مغامرة تخفيض الفاتورة الطاقية المتعلقة بإضاءة شوارع المدينة ب8 مليون درهم سنويا، ومركز التخلص وتثمين النفايات المنزلية والمشابهة لها والذي سيمكن من فرز وإعادة تدوير 1000 طن من النفايات يوميا، كما سيساهم في الخفض من التكلفة الطاقية المتعلقة بتوفير الإنارة بالمدينة وغيرها من المشاريع التي توجد قيد الإنجاز. عن موقع لكم