هوية بريس – ربيع السملالي – حين أنفق اللّيلَ في الخلوة بكتاب، يطيبُ لي أن أحدّث النّاس عنه وعن فوائده ودُرره وقوّة لغته ومعانيه، ولا أختار من الكتب -طبعا- إلا ما يستحق. – لا أغبط من يتأبّطُ ذراعَ صبية ناعمة الإهاب، لكنّني أغبطُ من يتأبّط كتابًا نادرًا لا يوجدُ في مكتبتي.. – سألني أحدُهم: متى بدأتْ علاقتُكَ بالكتاب؟ فقلتُ: بدأتْ حين انتهتْ علاقتي بالتّلفاز، ورُفقاء السّوء، والانشغال بالتّافه من الأمور.. – وسألني آخرُ: ألا يتسرّب إليك الملل وأنت بين يدي الكتاب؟ فقلت: القراءة عندي هُوية وليست هواية، لذلك لن يستطيع الملل أن يستبدّ بمن هذا حاله.. – قال لي: كيفَ تتخيّل نفسَكَ لو لم تكن قارئًا عاشقًا للكتب؟ فقلت: أتخيّلُ نفسي تافهًا ضائعًا وغيرَ جدير بالحياة الكريمة التي ارتضاها الله لعبادِه. – سألني صديق: من هو كاتبك العربي المُفضّل؟ فقلت: كاتبي المُفضل هو الذي جعلني أعيد النّظر في قراءتي للكتب = النّاقد المغربي الفحل عبد الفتّاح كيليطو.. وقد كتبتُ عنه مقالة في جريدة السّبيل فراجعها.. – حين وقعت عيني على كتاب مذكّرات قارئ للأحمري كنت قد انتهيت من شراء الكتب ولم تبق في محفظتي إلا ورقة كئيبة مكمّشة من فئة مائة درهم، ومع ذلك اقتنيته وعُدت راجلاً إلى بيتي.. – العبارة التي تكون ملصقة في الكتاب المسافر بإيطاليا: نهارك سعيد ! لست تائهًا ! لست كتابا مثل باقي الكتب. أنا منذور للسفر والتجول عبر العالم. خذني، اقرأني، واتركني بدورك في مكان عام.. – الكتاب المسافر ظاهر تتمثّل في ترويج كتب بإطلاقها في الطبيعة كي يتمّ العثور عليها وقراءتها من طرف أشخاص آخرين يطلقونها بدورهم. – إذا استطعت أن تتخذ لك منافسًا في قراءة الكتب فافعلْ، فإنّ لذلك أبلغ الأثر على محصولك الثّقافي، لاسيما إذا كان هذا المنافسُ عاشقًا للكتب. – وإنّ لمكتبتك عليك حقّا، فلا تترك الأرَضَة تستبدّ بها دونك، وانفض عنك غبار الكسل والخمول أوّلا لتستطيع نفض غبار رفوفها ومجلّداتها، واقرأ ما لذّ لك منها من كتب، مثنى وثلاث ورباع، وإيّاك أن ترضى من الغَنيمة بالإيّاب… – زارني صديق فجلسنا في غرفة المكتبة، فعثر في الكتب -التي تحوطنا من كلّ جانب- أكثرَ من ثلاث مرّات، فقال: تبّا هلاّ أجلستنا في مكان أوسع.. – ثلاث ساعات متتالية من القراءة في سكون اللّيل، أفضل بكثير من قراءة عشر ساعات في ضجيج النّهار، وكلٌّ مُيسّر لما خُلِقَ له.. – عَوِّد أبناءَك على رؤية المكتبات، وخذهم معك لشراء الكتُب، وأنفق أموالك أمامهم عليها كما تنفقها على احتياجاتكم اليومية.. – لا شيء أجمل من اللّحظة التي أقتني فيها كتابًا جديدًا، اللّحظة التي أكون عائدًا فيها إلى بيتي بسرعة طفل يتعثّر في براءته ليخلوَ بلعبته الجديدة… – الكتابُ إن لم يكن ذا مضمون يرتقي بالقارئ ويسمو به إلى مكارم الأخلاق، وتصحيح الاعتقاد، فهو شرّ على صاحبه، والجهل خير من العلم في هذه الحال. – إذا كانت القراءة غذاءً للروح، ونورًا للبصيرة، فيجب على القارئ العاقل أن يختار من الكتب أنفسها وأوثقها معلومة،وألا يجعل من مكتبته مرتعا للذِّئاب والثّعالب. – من كان كاتبًا وله عقيدة صحيحة ورسوخ في العلم فليقرأ ما يشاء من كتب (الآخر) ليستطيع الرّد بالحجّة والبيان.. ودعك من إرهاب المداخلة والجامية. – قبلَ أيّام رآني رجل خمسيني أدفن وجهي في كتاب في حديقة فجلس بقربي،وعندما همّ بالانصراف، قال: جزاك الله خيرا يا ولدي فقد أدخلت السّرور على قلبي، فمن زمن طويل لم أر من يمسك كتابًا ورقيًا.. فالكل منشغل بهاتفه الذّكي.. – نجيب محفوظ كان سبب اهتمامه بالقراءة وشغفه الكبير بها، رواية بوليسية تافهة، استعارها من صديق، وهو في السّنة الثانية أو الثالثة..فلا تحتقر نفسك.. – خاصمتُ نفسي مرّةً فمنعتها من دخول المكتبة أسبوعًا كاملاً ، فضاقتْ بها السُّبلُ وقالت بانزعاجٍ: لا تَحمل نفسك على ما تكره واتّقِ الله فيَّ أيّها الرّبيع. – وإنّي لأقرأ الكتابَ فأجد آثاره في قلمي وتفكيري، ومعاملتي للنّاس، فانظروا عمّن تأخذون أخلاقهم وطرق تفكيركم يرحمكم الله. – قالتْ لي ما هي هِوايتك يا ربيع؟ فقلت: هُويتي وهوايتي جمعُ الكتب، وقراءة الكُتب، والنّوم في غرفة الكتب، والسّفر من أجل الكتب، ومجالسة أهل الكتب، والأكل والشّرب في حضرة الكتب. – وقالت: وكيف تقضي ساعاتك بعيدًا عن الكتب؟ فقلت: أقضيها في التّفكير في الكتب، والبحث عن سبيل يوصلني إلى الكتب، والعمل من أجل اقتناء الكتب. – وقالت: فكيفَ لو مُنعتَ من الكتب؟ فقلت: كما لو أنّني مُنعتُ من الماء أو الهواء، لن أنتفعَ بنفسي ولن تنتفع بي نفسي منذ ذلك اليوم.. – وقالت: هل هناك مخلوق يستطيع صدّك عن الكتب؟ فقلت: المخلوق الذي سيفكّر بصدّي عن الكتب سأناصبه العداوة، وأضمر له الشّر.. – وقالت: وماذا تقرأ وقتَ فراغك؟ فقلت: لا أقرأ شيئًا..فوقتُ فراغي هو استراحتي من القراءة. -اشتريت مرة من بائع الصحف كتابا ومجلة، فشعرت بالنّدم لقلّة ذات اليد، وفجأة دخل رجل واشترى ثلاث علب من السّجائر الفاخرة، فاعتراني ارتياح غريب.. – إذا شئتَ أن تُقبلَ على قراءة كتابٍ ما بنفس نشيطة، فاقرأ ما كتب عنه النّقاد والكُتّاب والمعجبون على صفحات الشّبكة العنكبوتية، ولا تسلّم بكلّ ما يقولون.. – يستبدُّ بي حزن شديد حين أقرأ إبداعًا لكاتب أو أديب أو شاعر، ثمّ أجد بين كتبه كفرًا صريحًا، وتجديفًا قبيحا، واستخفافا بشريعة من أوجده في هذه الدّنيا، ومنحه من المواهب والشهرة ما لا يوجد عند غيره من المؤمنين بالله ، الخائفين من عقابه.. – الباحثون الجادّون حين يريدون الكتابة في موضوع معيّن يقبلون على قراءة كلّ كتاب له صلة بذلك، ويقرأون بعين متفحّصة وكأنّهم يبحثون عن شيء ثمين ضائع بين السّطور، لذلك أنصحك أيّها القارئ أن تكون مثلهم في كلّ مسألة تريد سبر أغوارها، ولا تكتفِ بالقشور فتصاب بداء التّعالم.. – لو كنّا نقضي بين يدي الكتاب نصفَ الوقت الذي نقضيه بين يدي الهاتف الذّكيّ لأصبحت أمّتنا في مقدّمة الأمم.. – لا تتر ك الكتابَ الورقيّ والإلكتروني يحول بينك وبين تأمّل كتاب الكون المفتوح، فمن لم يحسن قراءة هذا الكتاب الفسيح فلن يحسن قراءة الكتب الأخرى.. – الابتعاد عن الكتاب والمكتبة قد يصيب عاشقَ المعرفة والثّقافة والأدب بخريف مبكّر، واكتئاب حادّ قد لا تُحمدُ عُقباه.. – حين تذهب إلى معرض الكتاب انسَ ذهابَك إلى الأسواق التّجارية الكبرى، لكيلا تجمع في سُلّة احتياجاتك الفكرية موادّا مُعلّبة قد تصيب عقلك في مقتل.. – لاتشترِ من الكتبِ إلاّ ما يوافق هوى في فؤادك، وإيّاك والفوضى بدعوى الثّقافة العامّة، والمعرفة وحبّ الاطّلاع، فقد تفقد السّيطرة على كلّ فن وتبقى ملومًا محسورًا.. – إذا كانت زوجك تضيقُ ذرعًا بشراءِ الكتب، وتقول: هذا يوم أسود، كلّما رأتك حاملا كتابًا جديدًا، فحاول أن تأخذ لها معك هدية رمزيةً مع كلّ كتاب تشتريه، فمع الأيام ستصبح شغوفة برؤية الكتب، منتظرةً جديدَك، وقد تستنكر عليك عزوفك عن الشّراء..والاقتناء إذا تأخّرتَ في ذلك.. – لو لم يكن في قراءة الكتب إلا تلك المتعة التي تتملّكك حين انتهائك من الكتاب، لكفاها، فتلك العِزّة القَعْساء التي لا تُرام وربّ الكعبة. – وإن لكتبك عليك حقّا…فاقرأها كما ينبغي أن تكون القراءة، متأمّلا متدبّرا، ومستخرجًا من بين دِفافها ما لذّ وطاب من فوائد لتهديها لإخوانك القراء المتعطّشين إلى المعرفة.. – مرّ عليّ أحدُ جيراننا فرآني دافنًا وجهي في كتاب، فقال: الأمريكي يقرأ ثلاثة عشر كتابًا في السّنة. فقلت له: لم يفعل شيئًا فأنا أقرأ قرابة مائة، ففغر فاه من الدّهشة ولم ينبس ببنت شفة وانصرف مصدومًا.. – كتاب أباطيل وأسمار للعلاّمة محمود شاكر ماتع ومفيد وقويّ العبارة جدّا..لكن حين تقرأ للذين ردّ عليهم وفنّد أباطيلهم = تكون متعتك به مضاعفة.. وهكذا مع كلّ كتب الرّدود.. – يقولون إنّ الحبَّ يفسد بكثرة الوصال ! لكنني مع الكتاب لا أزداد مع مرور الأيّام وكرور الليالي إلا حبّا وعشقا له، وإذا ابتعدت عنه قد تتعفّن روحي.. – قال لي مرّة أحد المتابعين في فيس بوك بعدما رآني أتحدّث كثيرًا عن معشوقي الكتاب: تالله تفتأ تذكر الكتابَ حتى تكون حرَضًا أو تكون من الهالكين.. -سُميّ نزار قبّاني بشاعر المرأة ، لكثرة تغنّيه بها، وربيع لسملالي يلومونه لكثرة تغنّيه بالكتاب والكتب والمكتبات ..أفلا يعقلون.. – لن تستحقَّ اسمَ قارئٍ حتّى تُنفقَ في سببل عقلك وذِهنك ما تنفقه في سبيل بطنك وشهواتك وحاجياتك المادّية اليومية، وحتى تكون مكتبتك كثلاجتك أو دولاب ملابسك.. يُتبع..