للعالم الفقيه والأصولي المفسر أبي عبد الله محمد الزركشي (المتوفى: 794ه) كتاب يتحدث فيه عن حكم استعمال الحشيش، بعنوان: "زهر العريش في تحريم الحشيش". والمراد بالحشيش هنا نبات القنب الهندي المعروف لدى المغاربة ب"الكيف"، وله أسماء أخرى. في هذا الكتاب عقد الزركشي فصلا خاصا يتحدث فيه عن الضرر الذي يصيب جسم الإنسان عند تعاطيه للحشيش. ونظرا إلى كون هذا الفصل مبناه على علم الطب وعلم التغذية وليس على علم الفقه، نقل الزركشي الفقيه كلام أهل الاختصاص فيه، مقررا بذلك أحقيتهم بهذا المجال، وتكامل العلوم في خدمة الإنسان لا تعارض فيما بينها، قال رحمه الله: "فصل: في أنها مسكرة ومفسدة للعقل والذي أجمع عليه الأطباء والعلماء لأحوال النبات أنها مسكرة منهم: أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقى العشاب، ابن البيطار في كتاب: "الجامع لقوى الأدوية والأغذية" قال: ومن القنب الهندي نوع ثالث يقال له: القنب، ولم أره بغير مصر، ويزرع في البساتين، وتسمى الحشيشة أيضا، وهو يسكر جدا إذا تناول منه الإنسان يسيراً قدر درهم أو درهمين، حتى إن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم، وربما قتل. وقال في علاجه: القيء بسمن وماء سخن حتى تنقى المعدة، وشراب الحماض لهم في غاية النفع". اه (ص101). قلت: وحينما أراد الزركشي أن يبين الحكم الشرعي في استعمال الحشيش أو القنب الهندي، نقل كلام أهل الاختصاص فيها، وهم الفقهاء وليس الاطباء أو علماء التغذية. قال رحمه الله: "وأما الإجماع على تحريمها، فقد نقله غير واحد، منهم القرافي في قواعده، وكذلك ابن تيمية…" اه (ص119). وفق هذه المنهجية المنطقية؛ المنظمة لمجال العلوم المختلفة، والمستفيدة من كل التخصصات العلمية الممكنة، والمحترمة لخصوصياتها الذاتية والموضوعية، يظهر نبوغ الإنسان، وتتقدم البشرية.