قبل عدة أيام أصدرت هيومان رايتس ووتش الأمريكية تقريراً عن احتجاز أمير من الأسرة المالكة، وفجأة تم الكشف عن هوية مسؤول سعودي سابق في سفارة المملكة في واشنطن مشتبه بتقديمه مساعدات لاثنين من منفذي هجمات سبتمبر، وهو ما يمثل "هدية" طال انتظارها من عائلات الضحايا الذين يقاضون المملكة، فهل فعل مكتب التحقيقات الفيدرالي ذلك "بالخطأ" فعلاً كما قالوا؟ ماذا حدث؟ نشر موقع ياهو نيوز الأمريكي، اليوم الأربعاء 13 ماي، تقريراً قال إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) كشف "سهواً" عن هوية مسؤول سابق بالسفارة السعودية في واشنطن، يشتبه عملاء المكتب في تقديمه دعماً قوياً لاثنين من المشاركين بهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. الكشف عن المعلومة جاء من خلال وثيقة جديدة قدمها مسؤول كبير في مكتب التحقيقات الفيدرالي لإحدى المحاكم الاتحادية، في معرض الرد على دعوى رفعتها عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول، والتي تتهم الحكومة السعودية بالتواطؤ في الهجمات. وعلى الرغم من أن الوثيقة حجبت اسم المسؤول السعودي، فإن اسمه ورد بالخطأ في إحدى الفقرات، وفق الموقع الذي ذكر أن هذا يعتبر أحد أكثر أسرار الحكومة الأمريكية حساسية حول الهجمات. مَن هو المسؤول المشتبه به؟ مساعد أحمد الجراح، مسؤول سابق في وزارة الخارجية السعودية، تم تكليفه بالعمل في السفارة السعودية في واشنطن العاصمة بين عامَي 1999 و2000، وشملت واجباته الإشراف على أنشطة موظفي وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية بالمساجد والمراكز الإسلامية الممولة من طرف السعودية داخل الولاياتالمتحدة، بحسب ما ذكره الموقع في تقريره. الوثيقة التي كتبها مسؤول كبير بمكتب التحقيقات، وكشف عنها في وقت سابق الأسبوع الجاري، أشارت إلى أن هناك شكوكاً واشتباهاً في قيام الجراح بتقديم المساعدات لاثنين من إرهابيي القاعدة، اللذين قاما بتنفيذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف مركز التجارة العالمي. ولم تذكر الوثيقة أين يوجد الجراح أو يعمل حالياً، لكنه كان يعمل ملحقاً ثقافياً بالسفارة السعودية في المغرب قبل عامين، وبحسب موقع قناة الحرة الأمريكية، لا يعرف أحد حالياً مكان وجود مساعد أحمد الجراح، كما لم ترد السفارة السعودية في واشنطن ولا الخارجية السعودية عن أسئلة بشأن مكان عمله حالياً. "الرجل الثالث" الوثيقة التي قدمتها جيل سانبورن، مساعدة مدير قسم مكافحة الإرهاب في ال"إف بي آي"، أشارت إلى تقرير يعود إلى عام 2012، خضع للتنقيح بشكل كبير، لكنه أظهر شخصين ربما كانا مرتبطين بالحكومة السعودية، وكانت السلطات الأمريكية قد حققت مع فهد الثميري وعمر البيومي لمساعدتهما الخاطفين، بينما تم حجب اسم "رجل ثالث"، ولكن يعتقد أنه مسؤول حكومي رفيع المستوى في الرياض، وتشتبه السلطات الأمريكية في أن الجراح هو "الرجل الثالث". في ذلك الوقت، كان الثميري، مسؤول الشؤون الإسلامية السعودية، يعمل إماماً لمسجد الملك فهد في لوس أنجلوس، وكان البيومي يشتبه في كونه عميلاً للحكومة السعودية، ووفقاً لتقرير عام 2012، كشف عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي عن "أدلة" على أن الثميري وبيومي كانا قد كُلفا من قِبَل شخص آخر بمساعدة الخاطفين. وفي إحدى الحالات، اكتشف المحققون أن الحازمي والمحضار سافرا إلى لوس أنجلوس في يناير 2000، وبمجرد وصولهما إلى لوس أنجلوس، وجد لهما البيومي شقة، وأقرضهما نقوداً، وأقاما بحسابات مصرفية، وفقا لياهو. ويمثل تصريح سانبورن أول تأكيد علني على أن "الرجل الثالث" كان دبلوماسياً سعودياً، وبحسب ياهو، توفر الوثيقة تأكيداً على أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتقدون أنهم اكتشفوا صلة بين الخاطفين والسفارة السعودية في العاصمة. ما قصة "السهو"؟ مكتب التحقيقات الفيدرالي قال إن الكشف عن اسم "الجراح" قد تم عن طريق الخطأ، لكن المؤكد أن ذلك "الخطأ" يمثل دفعة قوية وغير متوقعة لأهالي الضحايا، ومن المرجح أن تزيد هذه الخطوة من الشكوك حول الصلات السعودية المزعومة بالهجمات الإرهابية. وكانت الحكومة السعودية قد نفت مراراً وتكراراً أي تورط لها في الهجمات، كما لم يجد تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر "أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين موَّلوا بشكل فردي" الهجمات التي دبرها تنظيم القاعدة، لكن اللجنة أشارت أيضاً إلى "احتمال" أن تكون مؤسسات خيرية ترعاها الحكومة السعودية قد قامت بذلك. الكشف عن اسم الجراح أيضاً "يظهر أن هناك تستراً حكومياً كاملاً على تورط السعودية"، حسب ما قال بريت إيجلسون، المتحدث باسم عائلات 11 سبتمبر، والذي قُتل والده في الهجمات. اللافت أن الكشف عن اسم الجراح قد تم في ذكرى أحداث 11 سبتمبر العام الماضي عندما التقى 25 ناجياً من وأقارب الناجين بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في، وفي اليوم التالي، كشف المدعي العام بيل بار عن اسم "الرجل الثالث" لمحامي الناجين، مع توقيعهم على "اتفاق بالسرية" يمنعهم من أن يتم الكشف عن اسمه علناً. توتر بسبب حرب النفط توقيت الكشف عن اسم الجراح أو الرجل الثالث لافت بالطبع، وتبرير أنه حدث "سهواً" يصعب تصديقه، حيث إن ذلك لم يأتِ "كزلة لسان" أثناء إحدى الجلسات مثلاً – وهذا أيضاً أمر يصعب تصديقه في مسألة بهذه الحساسية وبعد سنوات طويلة من حجب الاسم – لكنه جاء من خلال وثيقة تم تقديمها للمحكمة وحجب اسم الجراح من عنوانها، لكنه ظهر في إحدى الفقرات، فكيف يمكن تفسير أن يقدم "إف بي آي" أي وثيقة تحمل معلومة بهذه الدرجة من السرية دون مراجعتها من جانب القائمين على الدعوى من جانب المكتب الفيدرالي؟ الأسابيع الماضية شهدت توتراً متصاعداً في العلاقات بين البيت الأبيض والسعودية بسبب حرب أسعار النفط التي أشعلها ولي العهد وأدت لانهيار صناعة النفط الأمريكية وإفلاس عشرات الشركات وفقدان مئات الآلاف من الوظائف، وهو ما كشفت عنه إرهاصات الأيام الأخيرة من تخفيض واشنطن وجودها العسكري على أراضي السعودية، وتفسير ذلك بأنه رسالة قوية اللهجة من إدارة ترامب لولي العهد بمدى اعتماد مملكته على الحماية العسكرية الأمريكية. وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الأمريكية قد نشرت تقريراً انفردت به قبل أيام عن احتجاز السعودية للأمير فيصل بن عبدالله –نجل الملك الراحل عبدالله وابن عم ولي العهد– وإخفاء مكانه عن أسرته، على الرغم من أن الاعتقالات التي يقوم بها ولي العهد ضد أبناء عمومته وأمراء آل سعود لم تتوقف بسبب الصراع المكتوم على العرش، إلا أن التقرير الأخير للمنظمة كان توقيته لافتاً، في ظل التوتر بين الإدارتين. ماذا يعني الكشف عن اسم الجراح؟ منذ إقرار القانون المعروف باسم "جاستا"، تم رفع أكثر من 800 قضية تعويض من جانب أهالي الضحايا والناجين من الهجمات الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة في نيويورك ومبنى البنتاغون، إضافة لشركات التأمين التي تكبدت خسائر فادحة، وأخذت القضايا مساحة كبيرة من التغطية الإعلامية، وشكل المدعون هيئة دفاع مشتركة، ورغم محاولات السعودية الفاشلة لمنع تمرير القانون مثل التلويح بتقليص الاستثمارات، فإن المحاكم الفيدرالية الأمريكية بدأت في تحديد جلسات للمحاكمة وأصبحت قضية التعويضات أمراً واقعاً. وفي يوليو الماضي نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريراً قالت فيه إن الباكستاني خالد شيخ محمد، الذراع اليمنى لزعيم القاعدة الراحل أسامه بن لادن، والعقل المدبر المزعوم للهجمات الإرهابية عام 2001، أبدى استعداده للإدلاء بشهادته ضد السعودية، مقابل أن تُسقط الولاياتالمتحدة عقوبة الإعدام في محاكمته. وفي هذا السياق يمثل الكشف عن اسم الجراح خرقاً كبيراً في القضية التي طال أمدها، إذ يقدم لأول مرة تأكيداً واضحاً على أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين يحققون في الهجمات، يعتقدون أنهم اكتشفوا وجود صلة بين الخاطفين وبين السفارة السعودية في واشنطن. ورغم أن القضايا من هذا النوع تستغرق سنوات في العادة، فإن شهادة خالد شيخ محمد إن تمَّت، والكشف عن اسم الرجل الثالث، من المؤكد أنها ستساهم في تسريع إجراءات القضية بصورة لم يتوقعها أحد ولا حتى أهالي الضحايا. وفي حالة صدور حكم لصالح أهالي الضحايا في هذه القضية، ستكون تبعاته كارثية على كل المستويات بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فمن الناحية المالية، يكفي هنا أن نذكر كمثال سقوط طائرة بان أمريكان فوق اسكتلندا، وهي الكارثة المعروفة بسقوط طائرة لوكيربي (نسبة إلى المدينة التي سقطت فوقها الطائرة التجارية الأمريكية)، وكانت ليبيا المتهمة وراء تفجير الطائرة. فالطائرة التي تم تفجيرها في الجو في ديسمبر 1988 كان على متنها 269 شخصاً لقوا حتفهم جميعاً إضافة ل11 شخصاً آخرين على الأرض، بينهم 188 يحملون الجنسية الأمريكية، شهدت قيام 103 من أهالي الضحايا الأمريكيين برفع قضايا تعويض ضد الحكومة الليبية، واستمرت القضية مفتوحة عشرين عاماً، ولم تقفل إلا بعد أن دفعت ليبيا في نوفمبر عام 2008 مبلغ 1.5 مليار دولار أمريكي كتعويض لأهالي 103 من الضحايا. القياس هنا يعني أن السعودية ربما تجد نفسها مضطرة لدفع تعويضات لأهالي الضحايا في هجمات سبتمبر وأيضاً لشركات التأمين التي رفعت قضايا هي الأخرى على الرياض، ربما تصل لأرقام فلكية لا يمكن تخيلها، ولا يمكن تصور تأثيرها على الاقتصاد السعودي الذي كان يعد واحداً من أقوى اقتصادات العالم، قبل أن تتسبب العديد من المغامرات غير المحسوبة لولي العهد محمد بن سلمان في وضع ضغوط كبيرة على ميزانية المملكة، قبل أن تأتي مغامرة حرب أسعار النفط وجائحة كورونا لتصل الأمور إلى فرض قرارات "تقشفية" يكتوي بها المواطن السعودي. فإذا كنا نتحدث عن أهالي نحو ثلاثة آلاف قتيل، إضافة للمصابين وهم أيضاً بالآلاف بخلاف الناجين، هذا غير المئات من شركات التأمين، فسنجد أن أرقام التعويضات المنتظرة ربما تكون عصيَّة على الاستيعاب. ووفق "عربي بوست" فالمؤكد أن النتائج الكارثية لن تكون مادية فقط، فصدور حكم قضائي يُحمّل السعودية كدولة مسؤولية تلك الهجمات الإرهابية يعني ضربة قاصمة للعلاقات السعودية-الأمريكية، لا ترامب ولا غيره يمكنه أن يحتوي آثارها، حيث ستصبح الرياض بصورة رسمية دولة راعية للإرهاب.