الومضة الأولى: "احرص على ما ينفعك" قاعدة حياتية إن استطاع المرء فهم مفرداتها وتفعيلها في الواقع، فقد نال خيري الدنيا والآخرة. تسعى وتكد وتبذل الجهد في كل مرة لأجل أن تميز الواجب والأوجب، والنافع والأنفع، وتعمل على ترتيب أولوياتك حسب هذه القاعدة. "ما المطلوب مني على وجه التحديد في هذا الموقف بالضبط أو في هذه المرحلة الحياتية ؟ " تجعل مدار الأمر كله؛ ذلك النفع الذي يختاره المولى لعباده الصالحين : في نفسك، بتزكيتها والسمو بها إلى مفاوز النور ومعارج الكمال. فتخرج من ضيق خزفها المجبولة على الكسل والضعف والركون للدعة، إلى رحابة المحجة البيضاء وامتداد الخط الواحد المستقيم. تطّوّف بمحاريب السجود، ومقامات التسابيح. تلبي نداء القرآن، وتهرول بين الكرم والجود والسماحة وطاقات النور الكامنة في الوجدان . تحطم قيد الذنب، وتغتسل بماء التوبة كي تنبت كما تنبت الحبة في حميل السيل، وترحل عن بِرَك المعصية والدون والهوان التي تغرقها في أوحالها، وتثقل خطوها، وتهوي بها في سُحْقِها. وكلما سقطت، سارعت إلى النهوض، وكلما أذنبت، أحدثت توبة تجب الذنب. تختار من المشاريع أدومها وما لا تقطف ثماره إلا على أبواب الجنان. تحسن استثمارها، وتتفانى في الحرص عليها، فإن كان من ممات فعلى الطريق. وفي أمر معيشتك، فتحرص على الأصلح لتستقيم حياتك، وتستجلب ما به الاستكفاء وكرم العيش. وتتفانى في عملك، وتخلص في إنجازاتك، وتجعل رقابة المولى نبراسك. ومع غيرك، فتبذل وتعطي وتساعد وتؤثر وتلهم وتهدي وتكون في حاجة من سخرك المولى لقضاء حوائجهم. تنفعهم، فتنفع بذلك نفسك على الحقيقة، وتذخر لمعادك ما يبلغك بفضل مولاك المآمن. موقنا من أن حبك الخير الذي جبلت عليه، إنما هو جذوة تذكرك بأن في أعماقك طاقات نور آسنة قد غيرها طول المكث، وروح تواقة للعلا يكبحها التسويف تارة، والعجز والكسل أخرى، والغفلة بين هذا وذاك تسقيها حممها . إن أنت استطعت أن تحدد بالضبط ما عليك فعله، وعملت على تأخير ما ينبغي تأخيره، وبتر ما يجب بتره، وتقديم ما حقه التقديم، وجعلت كل حركة لأجل الاستنفاع؛ سواء في معاشك أو عاقبة أمرك؛ يحكمها الإخلاص والتقوى، فقد أنجزت ونفعت، وقد حرصت بحق على ما ينفعك.