تحت شعار "مشاركة الأطفال في تنمية إفريقيا".. افتتاح المنتدى الافريقي لبرلمان الطفل بالرباط    حظر جمع وتسويق الصدفيات بتارغة-الشماعلة وجنان النيش-أمتار الغرب    مندوبية بنموسى.. معدلات التضخم تواصل منحاها التراجعي    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        تسريب منسوب ل "المجلس الوطني للصحافة" يثير جدلاً واسعاً حول طريقة تدبير الملفات التأديبية واستقلال القضاء    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    ولد الرشيد: الأوراش المهيكلة التي تعرفها مدن الصحراء المغربية تفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة    بوانو: من العار الإبقاء على القاسم الانتخابي والمقاربة العقابية في القوانين الانتخابية غير مقبولة    حكيمي وبن صغير في القوائم النهائية لجوائز "غلوب سوكر"    النفط يواصل التراجع وسط ضغط أمريكي لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    أطباء مغاربة يهبون للتطوع في قطاع غزة.. وتنسيقية تتوصل بأزيد من 130 طلبا    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    التجمع الوطني للأحرار يصادق على تصوره لمقترح الحكم الذاتي استعداداً لرفعه إلى الملك    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    انقلاب "بيكوب" يودي بحياة شخص ضواحي برشيد    مونديال أقل من 17 سنة.. في مواجهة حاسمة المنتخب المغربي يلاقي البرازيل اليوم الجمعة وعينه على حجز مقعد في نصف النهائي    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم دورات تكوينية للقاضيات الراغبات في تولي مناصب المسؤولية    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    30 دولة تعارض مسودة اتفاق "كوب30"    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    بوعياش: تبادل إطلاق النار بحي بوسلامة ينتهي بتوقيف أحد المشتبه فيهم    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟
نشر في هسبريس يوم 09 - 11 - 2013

عادت مسألة الدارجة إلى دائرة النقاش من جديد بعد أن رفع السيد نور الدين عيوش مذكرة إلى الديوان الملكي، يدعو فيها إلى استعمال الدارجة في التعليم. وكما كان منتظرا، فإن الردود، بدل ان تناقش موقف السيد عيوش وتحلله لإبراز ما تدعي أنه ينطوي عليه من تضليل ومغالطات، انطلقت، وبكل جزم ووثوق، من نظرية المؤامرة (التي تفسر كل شيء وبكل سهولة) لتربط موقفه بالاستعمار والعداء للعربية، كما في رد السيد امحمد الخليفة، بعنوان "دعوتك لاعتماد الدارجة موقف استعماري شاذ"، المنشور بموقع "اليوم 24" بتاريخ 7 نونبر 2013 ، ومقالي السيد حماد القباج، "المستلبون واللغة العربية"،والسيد بلال التليدي، "مذكرة عيوش وأسلوب الاستدراج"، المنشوريْن بموقع "هسبريس" يومي 6 و7 نونبر 2013.
بمناسبة هذه الإثارة الجديدة لمسألة الدارجة، أجد الفرصة مواتية لتبيان التناقصات التي يقع فيها المدافعون عن الفصحى والمعارضون للدارجة، ومناقشة أسباب رفضها ومنعها من المدرسة والكتابة.
فهم يؤكدون أن هذه الدارجة لهجة عربية،وتشكل جزءا من اللسان العربي، وبالتالي فهي تنتمي إلى اللغة العربية التي تفرعت عنها واشتقت منها.لكن بمجرد ما يسمعون أن هناك دعوة إلى تدريس الدارجة وتأهيلها لتكون لغة كتابة، ينتفضون ويثورون ويصيحون: هذه مؤامرة، معلنين عن رفضهم المطلق لدخول الدارجة إلى المدرسة، مستعرضين ترسانة من الأوصاف التحقيرية التي يلصقونها بهذه الدارجة، ليبرروا إبقاءها بعيدة عن التأهيل المدرسيوتهييئها لتكون لغة تعليم وكتابة.فهي، كما يكررون، مجرد لهجة عامّية ومتخلفة لا تشبه العربية الفصحى في رقيها وأسلوبها وتراثها الضخم والغزير.
لكن ما أن يسمعوا من يقول بأن الدارجة ليست لهجة عربية، بل هي نظام لغوي مستقل عنها، لأن موطنها التاريخي الأصلي هو شمال إفريقيا وليس شبه الجزيرة العربية، كما هو الحال بالنسبة للعربية الفصحى، وهو ما يعطي لهذه اللغة هويتها الأمازيغية غير العربية،ما أن يسمعوا ذلك حتى يثوروا وينتفضوا ويصيحوا: هذه مؤامرة، معلنين رفضهم المطلق أن تكون للدارجة هوية أخرى غير الهوية العربية التي ينسبونها لها، مع استعراض ترسانة من "الأدلة" التي "تثبت" أنها لغة عربية كاملة العروبة، وليست ذات هوية أمازيغية أبدا.
فتجدهم يلجؤون إلى الطريقة "الخشيمية" (نسبة إلى منظّر العروبة لدى القذافي البائد، علي فهمي خشيم الذي رد اللغة الأمازيغية إلى العربية) لرد كل لفظ أمازيغيوغير عربي في الدارجة إلى أصل عربي، مثل القول بأن "دير" (افعل) أصله "أدار"؛و"نوض" (قم، انهض) من "نهض"؛و"سقسي" (اسأل) أصله "استقصى؛و"لبريا" (رسالة) تسمى كذلك لأن أصلها هو الفعل العربي (برى)، أي أعد وسوّى القلم الذي تكتب به الرسائل... وهلم جرا. وقد يقولون يوما بأن "أغيول" (الحمار بالأمازيغية) كلمة مشتقة من لفظ "الغلة"، التي كانت عادة ماتنقل على ظهر الحمار من المزارع إلى الأسواق.
مع أن هذا النوع من الهوس العربمانيArabomanie (عادة رد كل شيء إلى أصول عربية)، وحتى لو افترضنا أن أصل كل كلمات الدارجة عربي، هو غير مجدٍ في إثبات أن الدارجة لغة عربية، لأن الأمر لا يتعلق بالمعجم والمفردات، بل يتجاوزه إلى روح اللغة التي تكمن في تراكيبها ونظامها النحوي والصرفي، وحروف المعاني وأدوات الربط والاستفهام والشرط والزمان والمكان...
لكن وهذا هو بيت القصيد إذا كانت الدارجة لغة عربية، فلماذا يرفض هؤلاء المدافعون عن الفصحى تنميتها والعناية بها لتكون لغة كتابة تعلّم في المدرسة؟ لماذا لا يدعون إلى تأهيلها وتطويرها والانتقال بها من الاستعمال الشفوي إلى الاستعمال الكتابي، لقطع الطريق على الذين يقولون بأن العربية لغة نصف ميتة أو نصف حية لأنها لا تستعمل في التخاطب والتداول الشفوي؟ أليست الدارجة، ما داموا يصرون على أنها لهجة عربية، هي فرصة إنقاذ العربية وإخراجها من حالة الغيبوبة التي توجد فيها منذ أن انقطعت صلتها بالتداول الشفوي، أي بالحياة؟ فلماذا لا يعملون إذن على تطوير الدارجة لتطوير العربية نفسها ما دامت هي نفسها لغة عربية كما يقولون ويؤكدون؟
وتطوير العربية انطلاقا من تطوير الدارجة لن ينتج لغة أخرى ليست عربية ما دام أن الدارجة، حسب زعمهم، هي لغة عربية. أماأن هذه اللغة ستكون مختلفة في بعض مظاهرها المعجمية والتركيبية عن العربية الفصحى، فهذا شيء تعرفه وتعيشه العربية نفسها منذ عقود، ولم يحتجوا على ذلك ولم يرفضوه. فاللغة العربية الحديثة، لغة الصحافة والكتابة والمدرسة، مختلفة في معجمها وأسلوبها وجزء من تراكيبها، عما ما كانت عليه قبل القرن التاسع عشر. بل هناك من يذهب إلى القول بأنها لغة غريبة عن العربية الحقيقية والأصلية. وحول هذا الموضوع يقول المرحوم عبد السلام ياسين: «وها هي بين أيدينا لغة عربية عصرية لاييكية في صحف الإعلام والمجلات المصورة والإذاعات والتلفزيونات.
لغة ركيكة المباني، مترجمة المعاني، فاسدة النحو، قعيدة الصرف، ما بينها وبين لغة القرآن المبينة من قرابة إلا صلة اللفظ والحرف. لغة عصرية جسم، تسكنه روح دخيلة تتململ لاييكيتها وتتخبط المسكون، فلا تسمع من همس العربية إلا أنينا وحنينا إلى سالف عزها، يوم كانت لغة الدين والدنيا، لا ينفصل الدين والدنيا شقين وتعبيرين.» (عبد السلام ياسين، "حوار مع صديق أمازيغي"، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1997، صفحة 87).
فلماذا هذه الازدواجية وهذا الكيل بمكيالين في التعامل مع الدارجة المغربية؟
يصرون على أنها لغة عربية، لكنهم يرفضون أن يعاملوها كما يعاملون العربية. ألا يعني هذا التناقض أن لديهم قناعة لاشعورية بأنها لغة أمازيغية وليست عربية، لهذا يعارضون أن تعامل كالعربية، مثلما يعارضون أن تستفيد الأمازيغية من نفس الامتيازات التي تبقى حكرا على العربية؟
مع أنه لو تعاملوا مع الدارجة كلغة أمازيغية،لأن موطن نشأتها هو البلاد الأمازيغية وليس البلاد العربية، لكانوا أمام "عدو" واحد هو الأمازيغية، سواء في صيغتها الأصلية أو في صيغتها الدارجة، ولما شتتوا جهودهم في مواجهة عدوين اثنين، الأمازيغية والدارجة.
في الحقيقة، تفسير هذه الازدواجية، في الموقف من الدارجة، يكمن في الدور الذي تقوم به في تعريب الشعب المغربي. فلأن الدارجة موجودة في الشارع والبيت والمعمل والمقهى والتلفزيون، فإن اعتبارها لغة عربية يساهم في تعريب المغاربة أفضل بكثير من دور المدرسة، التي تلقن لغة عربية ليس لها تأثير كبير على تعريب المغاربة، لأنها لغة غير موجودة في التداول وفي الحياة. أما إذا كانت الدارجة عربية، كما يؤكدون، وإذا كان غالبية المغاربة يتحدثونها ويستعملونها، فالنتيجة أن غالبية المغاربة عرب لأن اللغة التي يستعملونها لغة عربية. وإذا أضفنا إلى هذا "المعطى" نسبة الأمية التي تفوق خمسين في المائة (50%)، ندرك نجاعة استعمال الدارجة لتعريب المغاربة، لأن الأميين جميعهم مقتنعون بأنهم عرب، اعتقادا منهم أن لغتهم عربية. وقد سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن نشرتفي 2007 إحصائيات مشكوك في صحتها طبعا تقول إن نسبة المتحدثين بالأمازيغية في المغرب لا تتجاوز الثلاثين في المائة (30%)، وهو ما يجعل منهم "أقلية" في مقابل أزيد من سبعين في المائة (70%) الذين يتحدثون ب"العربية"، والذين يشكلون "الأغلبية" العربية".وهذا عكس ما لو اعترف بالدارجة كلغة أمازيغية،وهو ما سينتج عنه مباشرة أن المغرب بلد أمازيغي أرضا ولغة.
هكذا تكون الدارجة قد نجحت إذن في تعريب الشعب المغربي. وهو ما فشلت فيه العربية الفصحى، وذلك لأن هذه الأخيرة:
لغة لا وجود لها في التداول، ولا حضور لها في الحياة اليومية، وبالتالي فهي لا تمس الأميين الذين يشكلون الأغلبية.
أعطت نتائج عكسية بالنسبة لعدد كبير من الأمازيغيين، الذين فرضت عليهم العربية قصد تعريبهم. لكنهم، عكس ذلك، سيستعملونها للدفاع عن أمازيغيتهم وللتعبير عن تعلقهم بهويتهم الأمازيغية. لهذا نجد أن الرواد المؤسسين للحركة الأمازيغية كانوا جميعهم يتقنون العربية ويكتبون بها بياناتهم ويسطرون بها مطالبهم الأمازيغية. لقد انقلب السحر على الساحر.
هذا هو الدور الحقيقي، الأول والخطير، للدارجة المغربية باعتبارها لغة عربية: نشر الوعي الزائف وترسيخ القناعة الكاذبة،وخصوصا لدى الأميين، بأن المغاربةشعب عربي، دولتهم عربية وحكامهم عرب.
أما دورها الثاني فيتمثل في الحفاظ على نسبة الأمية مرتفعة بالمغرب، حتى تنجح هذه الدارجة في القيام بدروها الأول، الخاص بتعريب الشعب المغربي.ولهذا إذا كانت الأمية متفشية بنسبة مرتفعة بالمغرب،فإن ذلك شيء طبيعي ومنطقي، لأن لغة التعليم المضاد للأمية لغة لا علاقة لها بالحياة حيث يعيش الأميون.
ولهذا تبقى لغة المدرسة، أي العربية الفصحى، لغة نخبوية لا يجيدها وللكتابة والقراءة فقط إلا عدد محدود من المغاربة. مع أنه لو طُورت الدارجة وأهّلت لتصبح لغة تعليمية، باعتبارها لغة عربية كما يدعون، لقضي على الأمية في مدة معقولة. لماذا؟ لأن محاربة الأمية تعني، في الدول التي تحترم لغات شعوبها، تعليم الكتابة والقراءة للمعنيين بذلك،وبلغة هم أصلا يعرفونها ويستعملونها ويتواصلون بها، مثل الدارجة المغربية، حيث سيكون الأمي، لو كانت الدارجة لغة تعليمية، ليس من لا يتقن هذه اللغة الدارجة، بل فقط من لا يتقن الكتابة والقراءة بها. أما وأن العربية هي المعترف بها كلغة مع إقصاء للدارجة، رغم اعتبارها لغة عربية، فإن محو الأمية بالمغرب لا يعني تعليم الكتابة والقراءة بالعربية، بل يعني تعليم لغة جديدة، هي العربية الفصحى، لتحل محل الدارجة التي هي لغة الأمي. ولهذا فإن الشرط الأوللنجاح محو الأمية بالمغرب،هو محو الدارجة، وكذلك الأمازيغية بالنسبة للناطقين بها.
هكذا تنتشر الأمية بالمغرب، وينتشر معها الجهل والتخلف، لأن لسان الشعب (الأمازيغية وصنوتها الدارجة) مقطوع، مع أن هذا اللسان هو الأداة الضرورية لاكتساب العلم والمعرفة. فالمفارقة الغريبة هي أن اللغة العربية لا تعتبر لغة إلا إذا لم يكن أحد يتكلمها ويستعملها في حياته.أي أنه لا يعترف بها كلغة إلا إذا كانت ميتة ولا تستعمل في التداول ولا في الحياة. أما إذا كانت مستعملة في صيغتها الدارجة باعتبارها لهجة عربية حسب الاعتقاد الشائع كلغة تعليمية ومدرسية، فهي ليست لغة عربية صالحة لذلك. فكيف للغة تكون عربية وغير عربية في نفس الوقت. إنها إحدى مفارقات التفكير العربماني.
من جهة أخرى، أدى تحقير الدارجة ومحاربتها عن طريق ما يسمى "محو الأمية"،إلى شيوع دارجة سمجة فيها الكثير من الصنعة والتكلف، شوهاها وأفقداها تلقائيتها وجمالها وعمقها، وشوها في نفس الوقت، نتيجة لذلك، العربية الفصحى التي تريد أن تحل محل هذه الدارجة،عبر "محو الأمية" التي هي محو لهذه الدارجة نفسها. مع أن حلول العربية محل الدارجةأمر مستحيل استحالة مطلقة وليس نسبية، لأن العربية لغة كتابة وليست لغة تداول شفوي مثل الدارجة. فالاعتقاد أن القضاء على الأمية سيجعل من العربية لغة تستعمل في التداول الشفوي، كما يردد ذلك السيد موسى الشامي رئيس "الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية" (انظر مقاله على الرابط: http://hespress.com/writers/76508.html) وغيره من مجانين العروبة، فكرة عامّية تنم عن جهل تام بطبيعة وماهية اللغة بصفة عامة، وباللغة العربية بصفة خاصة.فحتىلو أن المغاربة أصبحوا جميعهم حاصلين على دكتوراه الدولة في اللغة العربية وآدابها، فإنهم لن يستعملوا هذه اللغة أبدا في التخاطب الشفوي بينهم، لا في المغرب ولا في أي مكان في الدنيا.
إنها إذن لفكرة خاطئة وساذجة الاعتقاد أن بإمكان العربية أن تحل محل الدارجة بفضل التعليم والقضاء على الأمية. مع أن الممكن والواقعي والمفيد للعربية نفسها، هو أن تحل الدارجة محل الفصحى، بعد تأهيلها لذلك، وليس العكس.
أما السبب السياسي للتخوف من ترقية الدارجة، فهو التخوف من ترقية الشعب الذي سيصبح له لسان معترف به(اللغة الدارجة)، يستعمله في المطالبة بحقوقه، وفي الاحتجاج على الاستبداد والفساد.لهذا يرفض المسؤولون السياسيون فكرة تأهيل الدارجة، لأن لغة السلطة لن تبقى هي اللغة التي لا يعرفها الشعب، والتي تستعمل، نتيجة جهل الشعب بها، كآلية أخرى للاستبداد، بل ستكون هي لغته الدارجة، وهو ما يحرره ويحل عقدة لسانه.
والسبب الآخرلرفض تأهيل الدارجة، هو التخوف من لغة مغربية أصيلة تعبر عن الاستقلال الهوياتي واللغوي للمغرب. وهو ما يرفضه العروبيون الذين يجعلون من تبعيتهم للمشرق العربي علة وجودهم.
وهناك سبب آخر للتخوف من الدارجة، هو أن ترقيتها ستؤدي مباشرة إلى تراجع العربية،بل قد تؤدي إلى اختفائها إذا أصبحت الدارجة لغة تعليمية ومدرسية، لأن الأولى، عكس الثانية، لغة نصف حية أو نصف ميتة،لا تستعمل إلا في الكتابةفقط، الشيء الذي يوفر الفرص للدارجة لتجاوز العربية والتفوق عليها. فالعربية لها الهيمنةاللغوية فقط لأنه لا يسمح للغات الوطنية (الدارجة والأمازيغية) أن تنافسها، وذلك بالاستفادة من نفس فرص النمو والتطور المتوفرة للعربية وحدها.
إن توصية "جمعية زاكورة للقروض الصغرى والتربية"، التي يرأسها السيد نور الدين عيوش، والتي (التوصية) تدعو إلى اعتماد الدارجة كلغة للتدريس، إذا نظرنا إليها بموضوعية ونزاهة وعلمية ووطنية نعم أقول ووطنية ، وبعيدا عن نظرية المؤامرة الجاهزة، فسنجد أنها تقترح حلا حقيقيا لمعضلة التعليم والأمية والتخلف ببلادنا، يمكن أن يخرجها من الدائرة المفرغة التي تكبّل المغربوتفرض عليه الدوران داخلها: التدريس بلغة غير نافعة يعطي تكوينا غير نافع، وهو ما ينتج تخلفا اجتماعيا واقتصاديا، يعيد بدوره إنتاج نفس المستوى الضعيف والمتخلف من التكوين.فالسبب يصبح نتيجة، والنتيجة تتحول بدورها إلى سبب. وهكذاتغلق بإحكام الدائرة المفرغة التي لا يمكن التخلص منها إلا بتكسير إحدى حلقاتها، التي هي لغة التدريس، أي العربية الفصحى التي هي مصدر كل شرور التعليم بالمغرب.
اعتماد لغة الشعب،بعد تهييئها وتأهيلها لذلك،كلغة للمدرسة، هو شرط ضروري لإصلاح التعليم ببلادنا. وهو ما سيساهم، نتيجة تحسين وتجويد النظام التعليمي، في توفير شروط التنمية والتقدم. والتاريخ شاهد على الدور الفعال لاستعمال لغة الشعب في تحقيق النهوض والتقدم: فالنهضة الأوروبية سبقتها نهضة لغوية تمثلت في التخلي عن لغة النخبة التي لم تكن تستعمل إلا في الكتابة، مثلها مثل اللغة العربية، واستبدالها بالعامّية التي يتخاطب بها الشعب، كالعامّية الإيطالية، والعامّية الفرنسية، والعامّية البرتغالية، والعامّية الألمانية عندما ترجم بها "مارتن لوثر" الإنجيل في 1521.
كما أن كل الدراسات التي تناولت العلاقة بين اللغة والتنمية، تثبت وتؤكد أنه لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية إلا باستعمال لغة الأم في المدرسة. والحال أن مدرستنا تستعمل العربية الفصحى التي ليست بلغة الأم لأي مغربي، مع إقصاء للغة الأم الحقيقية للمغاربة التي هي الأمازيغية وبنتها الدارجة. وبالتالي فإن الدعوة إلى استعمال الدارجة كلغة للتدريس بعد تأهيلها لذلك كما قلت ، هي دعوة لتجاوز عوائق التنمية والنهوض، واقتراح سبل تحقيق هذه التنمية وهذا النهوض. لهذا فإن موقف السيد عيوش، الذي اعتبره معارضوه استعماريا ومعاديا للعربية، هو موقف وطني نزيه وصادق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.