تحتل مدرسة العدالة الاجتماعية مكانة خاصة في ملفات المنظومة التربوية في كثير من الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا وتكنولوجيا وتربويا. وأضحت مدرسة العدالة الاجتماعية خلال الظرفية الراهنة هدفا ووسيلة في الوقت نفسه، فإذا كان حاضرنا التربوي يشكو من عدة نواقص، وإكراهات، فإن الإصلاح التربوي والتعليمي المنشود يجد مرجعيته في التقرير العام للنموذج التنموي الجديد. وهذا الاصلاح يجب أن ينصب بالأساس على الإبداع والابتكار؛ ذلك أن حقل التعليم والتعلم مطالب بإحداث نهضة تربوية تلامس كل مكونات العملية التعليمية التعلمية، وإعادة النظر في كثير من تمفصلاتها، وميكانيزماتها، وآلياتها. وإرهاصات مدرسة العدالة الاجتماعية تبدأ بالعناية الخاصة بالثروة البشرية من قبل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بتنسيق تام مع كل القطاعات الحكومية، والشركاء الفعليين للمدرسة العمومية، وهنا لابد من الاقتداء بالبلدان التي تشكل قوى صاعدة، والتي استثمرت في الرأسمال البشري، وحسمت مبكرا في إصلاح وملاءمة أنظمتها التربوية. إن أدوار الممارس التربوي الحديث قد تغيرت بشكل جذري، إن على مستوى التكوين الأساس والتكوين المستمر، أو على مستوى الممارسة الفعلية للعملية التعليمية التعلمية. ولا يمكن أن نتحدث عن نهضة تربوية تتغيى مدرسة العدالة الاجتماعية إلا إذا تجاوز المشرفون على الإصلاح التربوي والتعليمي الأدوار التقليدية التي كان يضطلع بها الممارس التربوي، واقتراح بدائل جديدة تمتح من المستجدات التي تحدث على صعيد تطبيق المناهج والبرامج التعليمية، وعلى صعيد استراتيجيات البحث الديداكتيكي، وإخراج مشاريعه التربوية إلى حيز التطبيق، ورسم خطط للمشاريع التربوية القابلة للتنزيل على أرض الواقع، قصد تحقيق منتوج معرفي قابل للقياس، وبمؤشرات مضبوطة تستجيب لمعايير الجودة ، وتستشرف نسبا مهمة من الكفايات أثناء مزاولة مهنة التدريس، وأنشطة ومهارات الحياة المدرسية. مدرسة العدالة الاجتماعي تلزم المسؤولين على الإصلاح التربوي والتعليمي بتوفير الشروط الضرورية لاعتماد "التعليم الاستراتيجي" باعتباره نمطا حديثا وفعلا بيداغوجيا مبتكرا، يهدف بشكل أساس إلى الرقي بمردودية عمليات التدريس، وتحسين جودة المهارات الحياتية، وتأهيل ظروف اشتغالها أثناء معالجة الوضعيات التعليمية التعلمية. والرهان على جودة الممارسات التربوية من شأنه أن يرفع من وثيرة التحصيل الدراسي المحقق للنتاجات المعرفية، والثقافية، والوجدانية، والقيمية، والسيكوبيداغوجية. إن تحقيق الرفاه للجميع لن يتم بالشكل المطلوب إلا بوضع نظام محفز على الترقي في قطاع التربية والتكوين، وإصلاح هذا النظام مدخل أساسي للرقي بالممارسة البيداغوجية من جهة، وحفز المدرسين من جهة ثانية، للانخراط في دينامية جديدة لترسيخ المسؤولية، وبلورة تعاقد واضح المعالم بين الممارس التربوي وبين مدرسة العدالة الاجتماعية؛ هذه الأخيرة لن تقوم لها قائمة إلا إذا انخرطت مكونات منظومة التربية والتكوين في هذا الإصلاح بكل وعي ومسؤولية، وألا نلقي اللوم على المدرسين فقط، فمهامهم التربوية الجسيمة، وانخراطهم في أنشطة الحياة المدرسية، تلزم الدولة والشركاء الحقيقيين لمدرسة العدالة الاجتماعية الانخراط المسؤول في تقديم الدعم اللازم لها، والتصدي بكل حزم وبكل الوسائل المتاحة للممارسات السلبية. فمدرسة العدالة الاجتماعية لن يستوي عودها إلا بإعادة السلطة التربوية للمدرس والاحترام الذي يستحقه في المنظومة التعليمية التعلمية، مع إفساح المجال للمساءلة المهنية، والتثمين، والتقويم الموضوعي. إن مدرسة العدالة الاجتماعية كل لا يتجزأ لأن عناصر منظومة التربية والتكوين تتفاعل مع محيطها الخارجي، الاجتماعي ، والاقتصادي، والثقافي، من أجل تمكين كل متعلم من اكتساب المهارات الأساسية لضمان نجاحه الأكاديمي، والمهني، ، كما يجب أن تصبح هذه المدرسة بوتقة لتكوين شباب منفتح يطور ذاته، ويصنع مستقبل بلاده من خلال تلقينه معنى الاستقلالية والمسؤولية، وأخلاقيات مطبوعة بالقيم الإنسانية الراسخة في الهوية المغربية، وفكر منفتح، وقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم (التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد أبريل 2021). ويفترض في مدرسة العدالة الاجتماعية أن تنفتح على المجالين الصناعي، والتكنولوجي، في استعارتهما لمفهوم الجودة؛ فهذا المصطلح يعد مؤشرا يدل على الكفاءة، والقدرة، والإلمام، والمعرفة، والعلم، وغيرها من الصفات التي تبين إلى حد ما تحكم الشخص في المهمة التي يزاولها، ثم إن المحيط الاجتماعي هو الذي يتولى إصدار مثل هذه الصفات على الفرد الذي يتولى عملا ما، في المعمل، أو المصنع، أو المقاولة؛ أي المحيط الذي ينتمي إليه. وقد أوصت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بإعادة تنظيم المسار الدراسي، ونظام التقويم، لضمان نجاح كل متعلم، وتجنب تراكم فجوات التعلم، والرفع من فرص النجاح الأكاديمي، والمهني. إن مدرسة العدالة الاجتماعية تنبذ الرؤية الماضوية التي تمجد المقاربات التقليدية، فمنطق التطور فرض مفهوم الجودة في المجال التربوي والتعليمي بإلحاح كبير، خاصة وأن قيمة الجودة لم تبق حبيسة الجذور الغريزية الفطرية، بل تحولت في سياق مجتمع المعرفة إلى قيمة اقتصادية، وثقافية شكلت القاسم المشترك بين الشعوب والامم. وإذا كان النموذج التنموي المنشود يروم توجيه التعليم في ضوء مطالب التنمية واحتياجات المجتمع فإن مدرسة العدالة الاجتماعية تساهم في تحويل الضغط الاجتماعي من تعليم للنخبة إلى تعليم للجميع وهذا لن يتأتى إلا بالتركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وجعلها تمارس تأثيرها الإيجابي في إنشاء نماذج جديدة تجمع بين الدراسات النظرية والأنشطة العلمية، والدراسات التكنولوجية. ومن شان ذلك أن يتيح الاختيار أمام المتعلمين للانخراط في مجتمع المعرفة، والتوفيق بين مطالب المجتمع، ومطالب التعليم العالي وقد يكون لتجريب المدرسة الشاملة والمتنوعة راهنيتها العلمية والتنموية، وهنا لابد من استحضار أهمية التعليم التقني، والتربية على قيم المواطنة، والإبداع الخلاق. والنموذج التنموي ملزم بمراجعة شاملة لمحتوى وطرائق التعليم التقني واساليبه التي تمتح من مجتمع المعرفة. ومن مواصفات مدرسة العدالة الاجتماعية أنها تحرص على إعداد المواطنين والمواطنات للحياة العملية، وهي لا تكتفي بإكسابهم قدرات التملك والاختزان بقدر ما تمكنهم من الانتقال إلى مرحلة الاسترجاع، وتحويل العمليات المعرفية المكتسبة إلى مظاهر متعددة من معالجة المعلومات، وتكوين أنواع متعددة من القدرات في خبرة المتعلم.