بعد النجاح الذي حققته السلسلة الأمريكية "Les experts" تسابقت مجموعة من شركات الإنتاج والمحطات التلفزيونية حول العالم من أجل اقتباس لب السلسلة البوليسية والنهل من نجاحها واستلهام توابل شهرتها المدوية. "" السلسلة البولسية التي فرخت سلسلتين جديدتين على المنوال نفسه هما "Les experts Miami" و"Les experts Manhathan" خلقت تقليدا تلفزيونيا جديدا باعتمادها على ميزانية ضخمة تليق بإنتاج سينمائي محترم، وتستعمل مؤثرات بصرية وصوتية مهولة، كما تعتمد على سيناريوهات محبوكة وتحقيقات بوليسية مشوقة. كل هذا خلق ظاهرة تلفزيونية جديدة اسمها "Les experts" التلفزيون المغربي أراد بدوره دخول تجربة السلسلة البوليسية المستقاة من نجاح فرقة الشرطة العلمية الشهيرة، ولم يكن وراء التجربة سوى المخرج الشاب نور الدين الخماري الذي أوكلت إليه هذه المهمة الصعبة. برز الخماري في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 1995 من خلال فيلمه القصير "بريف نوت". كما لفت إليه الأنظار من خلال فيلمه السينمائي الطويل "نظرة" وتبين أنه شاب واعد ينتظر منه الكثير. واقتحم الخماري عالم التلفزيون من خلال فيلم "القضية" الذي تحول في ما بعد إلى سلسلة عكست شغف المشاهد المغربي بهذه النوعية من الأعمال وإقباله على جنس التحقيقات البوليسية. إلا أن "القضية" تفقد الكثير من قيمتها وتقل جودتها بسبب مجموعة من الشوائب لابد من الانتباه إليها. فالأداء غير المقنع لبعض الممثلين أثر سلبا على قيمتها باستثناء المهدي الوزاني الذي قام بدور الكوميسير، وعبد المالك أخميس الذي برز في حلقة يوم الاثنين الماضي في دور جديد أحسن في أدائه. وحتى الممثلة حنان زهدي التي ظهرت في الفيلم السينمائي "عود الورد" في دور غاية في الروعة وعمق الأداء بدت شخصيتها في "القضية" باهتة وبلا ملامح. ويحاول الخماري في كثير من المشاهد تعويض ضعف السيناريو من خلال مؤثرات ومشاهد "ممسرحة". لقد اقتبس الخماري روح السلسلة الأمريكية دون أن يخضعها لظروف ومعايير البيئة المغربية والتقاليد التي تحكمها والطقوس التي ترافقها. إذ كثيرا ما بدت الشخوص كائنات هلامية هائمة لأنها لا تتكلم مثل العوام، وليس لها السلوك الطبيعي المتعارف عليه، فكانت النتيجة أنها شخوص لا تقنع بصدقيتها وبأدائها. الحوار أيضا كان غير مقنع ويحتاج لإعادة كتابة حقيقية يعتمد فيه الخماري على خبير في فن الحوار أو "Dialogiste" حقيقي يعطي لحوارات السلسلة قوة شبيهة بتلك المعهودة في السلسلة الأمريكية. وينتاب المتتبع الشعور بأن الحوارات الرئيسية كتبت أساسا بلغة غير العربية إلا أنه لم يبذل فيها أدنى مجهود لجعلها حوارات قريبة من المشاهد ومتضمنة لنفحات من الذكاء. إن الانزعاج الذي يحسه المشاهد وهو يتابع سلسلة القضية ليس باعثه الرئيسي هو اختلاف الصورة التي ترسمها السلسلة عن حالة الشرطة العلمية والتقنية أو الشرطة عموما، عن واقع الحال، بل لأن البنية الدرامية للعمل ككل غير مقنعة وهو ما يدفع بالمخرج إلى تعويض هفوات السيناريو بمؤثرات بصرية وسمعية تشعر المشاهد بالملل مع تكرارها وتقتل المجهود المبدل. مع ذلك تمكن الخماري من فرض اسمه مخرجا متكاملا له طموحات، ينجح أحيانا ويخفق أحيانا أخرى، لكنه يبقى أملا قويا من رهانات السينما المغربية يملك رؤية خاصة ومميزة. شاهد الحلقة الثانية من سلسلة القضية