لفت تنظيم "أنصار الشريعة" الذي ينتمي للتيار السلفي الجهادي في تونس الأنظار إليه من جديد مؤخرا بعد أن أقرّت الحكومة التونسية أمس تصنيفه كجماعة إرهابية. ويستمد "أنصار الشريعة" شرعية وجوده في تونس من عمق ثورة يناير 2011 مستفيدا من العفو الذي شمل سجناء الرأي والفكر وأيضا قيادات الحركة السلفية التي كانت مقموعة في عهد نظام زين العابدين بن علي السابق، فضلا عن القاعدة السلفية التي تجذّرت في الواقع التونسي طيلة العقد الماضي، سيّما مع تنامي أذرع تنظيم القاعدة على المستوى الدولي وبلوغها مناطق شمال إفريقيا فضلا عن إرتفاع نسب التديّن في المجتمعات الإسلامية عموما. وبمرور أشهر معدودات فقط بعد الثورة وبالتحديد في أبريل 2011 أعلن أبو عياض (سيف الدّين بن حسين) أحد أبرز السلفيين الذي قضى ثماني سنوات بتهمة "الارهاب" والجهاد في افغانستان، تكوين تنظيم برفقة عدد من القيادات الأخرى سرعان ما بات يوصف بأنه اللافتة المعبّرة عن التيار السلفي الجهادي في تونس، بعد أن عقد مؤتمره الأوّل في في أبريل 2011 تحت شعار " أسمعوا منا ولا تسعموا عنّا". وهناك خلاف حول طبيعة العمل التنظيمي داخل تيّار أنصار الشريعة نفسه فأبو عياض يرى أن "الواقع يفرض على أنصار التيّار السلفي الجهادي الخروج في شكل تنظيم يستقطب العباد ويدعو للفضيلة وتطبيق الشريعة" ولكن عددا من شيوخ التنظيم على غرار الخطيب الادريسي، محمد عبد الرحمان خليف، وسيف الدّين الرايس، رأوا في فكرة التنظيم خطرا بأن يكون احتكارا للمنهج السلفي ولكنهم بقوا مساندين لهذا التنظيم بل ومؤثرين في تحرّكاته عبر فتاويهم. وتتمثل أهداف هذا التنظيم بحسب تصريحات لقياداته في "البذل في سبيل تطبيق الشريعة الاسلامية وفق القرآن والسنّة وبحسب فهم السلف الصالح والتابعين من علماء الأمّة والفقهاء". ويرون حسب تصريحات أبو إبراهيم التونسي (أحد القريبين من القيادة) أن الوقت بات مناسبا بعد الثورة للخروج من مرحلة السرّية للانفتاح على العباد ودعوتهم للّه والتزام شرعه. ويعتبر التنظيم من وجهة نظرهم أن "أرض تونس لا يجوز فيها الجهاد فهي بلد مسلم غالبية سكّانه مسلمين ووجب التعامل برفق واللين لدعوتهم الى تطبيق شريعة الله بعد أن قامت الأنظمة السابقة على امتداد العقود الماضية بتجفيف منابع الدّين الاسلامي بغلق الروضات القرآنية والمساجد ونشر المحرّمات وحثّ الناس على الافطار في رمضان وعدم الصلاة". الوجه الاخر.. غير أنه بعد أن أعلن رئيس الحكومة التونسية، علي العريض، أمس، عن تصنيف "أنصار الشريعة" كتيار إرهابي، كشفت وزارة الداخلية عن مجموعة من الوثائق وجملة من الدلائل والإعترافات خلال ندوة صحفية عما أسمته "الوجه الاخر" لأنصار الشريعة الذي يتناقض مع نفيها أن تونس "أرض جهاد". وقال مدير الأمن العمومي، مصطفى الطيب بن عمر، في الندوة إن التحريات الامنية والإيقافات على امتداد أشهر التي شملت عدد من الإرهابيين المتورطين في عمليات اغتيالات سياسية وتشكيل جماعة إرهابية بمنطقة جبل الشعانبي أفضت إلى أن "الوجه الدعوي المشرق لأنصار الشريعة يخفي وجها آخر مظلما" يقوم بعمليات ارهابية. وأشار مدير الأمن العمومي إلى أن قوات الأمن التونسي تمّكّنت من التوصّل إلى البنية الحقيقة لهذا التيار الذي رفض تشكيل أي جمعية أو حزب بحسب القوانين المعمول بها في تونس، معتبّرا ان الهيكل التنظيمي لتيار أنصار يتكوّن من "الباني"، أبو عياض، وهو القائد الأعلى للتنظيم ويتنزّل تحته أربع مجموعات تتمثل في الجهاز الدعوي والجهاز المالي والجهاز العسكري والجهاز المالي للتنظيم، وهي أجهزة سرية لا يعرفها عامّة الناس من التونسيين الذي لا يعلمون فقط إلا بالجهاز الدعوي عبر أنشطته الدعوية وخدماته الإجتماعية المرئية. الأجهزة الأربعة للتنظيم تحكمها قيادات سلفية معظمها انظّمت لحركات جهادية مختلفة عبر العالم أو سبق وأن شاركت في عمليات قتالية او خضعت لتدريبات بالعراق أو ليبيا أو أفغانستان أو تونس أو سوريا، بحسب المصدر نفسه. وتم تقديم أهم أسماء التنظيم على غرار "كمال القضقاضي"، المتهم باغتيال شكري بلعيد، المعارض اليساري البارز في وقت سابق من العام الجاري، أو " أبوبكر الحكم " المتهم باغتيال المعارض محمد البراهمي مؤخرا، فضلا عن باقي أسماء الموقوفين أو الفارين الذي ارتبطوا باحد الاجهزة الثلاثة السريّة للتنظيم. وبحسب وزارة الداخلية التونسية، فإن أنصار الشريعة كانوا على اتصالات دائمة بتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وقد بايع "الباني" أبو عياض، أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، فيما تم تسجيل عدد من الإتصالات بين أتباع أنصار الشريعة وأبو مصعب عبد الودود أحد قيادات تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي. وكانت خطّة التنظيم تتمثل في بث الفوضى في البلاد عبر التفجيرات والاغتيالات التي كانت من المقرر أن تشمل سياسيين معارضين وفي حزب النهضة الإسلامي وإعلاميين ومفكرين أغلبهم من العلمانيين وذلك من اجل تأمين "الإنهيار الأمني للبلاد" لتتدخل حسب خطة التنظيم "لجان الاحياء" من السلفيين المعروفة بعملها الخيري والدعوي وتحلّ محلّ قوات الامن وتبدأ سيطرتها على الدولة وبالتالي "الإعلان عن تأسيس أوّل إمارة إسلامية في شمال إفريقيا". إلاّ أن أقوال وزارة الداخلية تبدو مغايرة على الأقلّ لما يعلنه التنظيم ففيما يتعلق بعلاقتهم بتنظيم القاعدة، يقول عاطف، أحد المسؤولين الاعلاميين في التنظيم وسجين سابق، بتهم الانتماء الى السلفية أن "التنظيم يساند جميع التيّارات الإسلامية والجماعات التي تبغي تحكيم شرع اللّه". ويضيف: "ولئن اختلفنا مع منهج القاعدة المعتمد في مناطق الصراع مع الكفر في أفغانستان والشيشان والصومال ومالي والقائم على الجهاد فإننا نساندهم في ذلك ولكن في الوقت نفسه نعتمد منهج الدعوة في تونس والدول التي لم تمنع فيها الدعوة السلمية لتطبيق شرع الله". وسبق وأن أثنى أبو عياض (قائد التنظيم وملاحق أمنيا اليوم) على زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. وفيما يتعلق بمصادر تمويل التنظيم، تظهر في بعض التصريحات الخاصّة للأناضول من أتباعه إلى أن أغلب مصادر التمويل هي ذاتية من أشخاص ميسوري الحال يساندون التنظيم ويبغون "تحكيم شرع الله"، ذلك أن أنصار الشريعة اكتشفوا أن الساكنين بالأحياء الراقية والغنيّة هم - على عكس ما يقع ترويجه- " محبّون للإسلام والدّين والشريعة". في نفس الوقت وفضلا عن تبرّعات يتلقاها بالمساجد عبر ما يسميها لجانه الشرعية، تعدّ الزكاة أحد مصادر التمويل الرئيسية للتنظيم حيث يختار الكثيرون اخراج زكاتهم لفائدة أتباع التنظيم "لما يرون فيهم من ورع وخشية على الدّين". إلاّ أن وزارة الداخلية صرّحت بأن التنظيم يتلقى تمويلات متأتية من مالي واليمن وليبيا وكذلك من شبكات ممولة في الداخل التونسي رفضت الكشف عنها. وتحكم أنصار الشريعة لجنة شرعية يقودها "فقهاء وعلماء" وقع اختيارهم بالتزكية توكل لهم مهمّة النظر في الشرعية الدينية في قرارته وتحرّكاته، كما أن القيادة المركزية مازالت في يد أبو عياض الذي يحظى بمولاة كبيرة من مختلف القيادات وتعتبر قراراه فتاوي ملزمة لا يمكن الخروج عنها. * وكالة الأناضول