قال الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، في المهرجان الخطابي الذي نظمه حزبه بمدينة العيون، بأنه يعتزم الالتماس من الملك بعد أن تتاح له فرصة اللقاء به، طلب العفو عن المعتقلين الصحراويين، المتهمين ب"تكوين عصابة إجرامية والعنف في حق أفراد من القوات العمومية والذي نتج عنه الموت مع نية إحداثه والمشاركة في ذلك والتمثيل بجثة" على خلفية الأحداث الأليمة التي كان مخيم "اكديم ازيك" مسرحا لها، في وقت لا زال فيه الملف رائجا أمام القضاء، كما سبق وأن صرح بذلك، القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، الياس العماري، في حوار له مع القناة الفرنسية، فرانس 24 ، قبل أشهر فقط. الكلام، الذي ورد على لسان الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، في تجمعه الحزبي الذي تكفل ولد الرشيد بكل ترتيباته، فيه تلاعب خطير، بمشاعر المغاربة، وبأحاسيس أمهات وأبناء المعتقلين وزوجاتهم وأبنائهم، وبدواخل أمهات وآباء وزوجات وعائلات الضحايا الذين سقطوا غدرا في ذلك المخيم اللئيم . كما أنه كلام، يغيب فيه حس المسؤولية السياسية التي ينبغي استحضارها في التعاطي مع مثل هذه القضايا الحساسة التي هزت وجدان المجتمع وكيان الدولة وخلخلت مشاعر المغاربة من الشمال إلى الجنوب. كان سيكون من الأفيد، لحميد شباط ولحزبه الاستقلال، لو طالب في تجمعه الحزبي بالعيون، بإعادة محاكمة المعتقلين أمام المحاكم المدنية لتفادي انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية، وبتعميق البحث وتحديد المسؤوليات في ما وقع من مأساة في ذلك المخيم اللعين، لا سيما، وأن القيادة الاستقلالية ، سبق لها وأن تبادلت الاتهام مع أطراف سياسية " البام" وأخرى في السلطة " الوالي جلموس" حول المسؤولية الكاملة في استنبات المخيم، الذي نظر إليه رئيس بلدية مدينة العيون، ولد الرشيد، كدسيسة مدبرة لإبعاد حزب الاستقلال من تسيير الشأن المحلي للمدينة بعد أن فشل خصوم حزبه السياسيين في ذلك انتخابيا. هل نسي الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، مساندته لولد الرشيد بعد تفجر الأحداث في العيون، من موقعه النقابي، كأمين عام لنقابة الاتحادي العام للشغالين بالمغرب؟ ألم يتهم حزب الأصالة والمعاصرة بالتسبب في تلك الأحداث وباستعمالهم لكل الوسائل بهدف عرقلة عمل مجلس بلدية العيون؟ ألم يقل شباط يوما أن العراقيل التي كان يضعها الوالي " جلموس" هي السبب وراء خروج المواطنين إلى نصب الخيام احتجاجا على مطالب اجتماعية قبل أن يستغلها من وصفهم بخصوم الوحدة الترابية؟ ما الذي تغير إذن، حتى خرج شباط على المغاربة من قلب الصحراء، للحديث عن رغبته في التقدم إلى ملك البلاد من أجل العفو عن المعتقلين الصحراويين، الذين صدرت في حقهم أحكاما قضائية متنوعة، في محاكمة استثنائية أمام محكمة عسكرية، بسبب مأساة ذلك المخيم الملعون ؟ حديث الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، عن رغبته في التقدم بملتمس العفو عن المعتقلين بعد أن يتم استقباله من طرف الملك، حديث يناقض تماما ما كان يقوله بالأمس. كما أنه يطرح أكثر من علامة استفهام عن الصفة التي سيتقدم بها شباط أمام الملك لطلب العفو للمعتقلين الصحراويين؟ هل بات شباط يتوفر على إنابة قانونية عن المعتقلين وعن هيئة دفاعهم؟ هل تحول شباط إلى خصم لعائلات الضحايا الذين قتلوا وتم التمثيل بجثثهم والتبول عليها بطريقة هزت مشاعر العالم؟ هل يريد شباط طي هذا الملف الساخن، والذي تبادل فيه كل من حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، سيلا من التهم، التي استدعت لجنة برلمانية للتحقيق، ودفعت الوزير الأول السابق عباس الفاسي، إلى التهديد باستقالته إذا تبث تورط وزارة الداخلية في ما حصل كما تناقلت ذلك الصحف ؟ عندما سئل القيادي النافد في حزب الأصالة والمعاصرة، الياس العمري، في حوار خاص أجراه مع قناة فرانس 24 بباريس - على هامش تواجده في فرنسا لترتيب البيت الحزبي هناك- عن الاتهام الذي وجه إليه من قبل أحد المعتقلين الصحراويين أثناء محاكمتهم فيما بات يعرف بملف "مخيم اكديم ازيك" بحضوره توقيع اتفاق هدنة بين المحتجين في المخيم والسلطة، بصفته مبعوثا من طرف جهات عليا في الدولة؟ نفى العماري أن يكون قد حضر لأي اجتماع أو وقع أي اتفاق مع أي جهة كانت. كما أكد بطريقة حسبت له على أن واجبه كحقوقي وكمغربي يلزمه بالحياد على اعتبار أن الملف لا زال رائجا أمام القضاء، وهو الكلام، الذي أثير حوله استفهام كبير، حول ما إذا كانت هناك أطراف في السلطة ترغب في طي هذا الملف، بحكم الانتقادات التي وجهت للمحاكمة من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، مثل منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية "أمنيستي" وبعض المنظمات الحقوقية الوطنية، التي استحسنت أجواء المحاكمة، دون أن تقبل بطبيعتها الاستثنائية.. الغريب في الأمر، أن من وجهت له تهمة الوقوف وراء ما حدث باكديم ازيك، من أطراف سياسية عدة، التزم الصمت والحياد، بمبرر أن الملف لا زال رائجا أمام القضاء، في حين، اختار من كان يتهم الوالي جلموس وقادة البام، بالتسبب في ما حدث بالمخيم الملعون من مأساة راح ضحيتها 11 فردا من أفراد القوة العمومية، اللجوء إلى القصر الملكي لطلب العفو عن المعتقلين، نيابة عن عائلات هؤلاء وعن هيئة دفاعهم، ودون أدنى مراعاة لمشاعر عائلات الضحايا الذين رزئوا في فلذات كبدهم ولمشاعر كل من شاهد تلك المشاهد المرعبة للقتل والتبول على جثث الموتى!. الملف أمام القضاء، والعفو الذي ينص عليه الفصل 58 من دستور فاتح يوليوز، من الحقوق الدستورية، التي يخول للملك ممارستها بشكل تلقائي، دون أن يحتاج في ذلك، إلى ملتمسات قادة الأحزاب السياسية، تفاديا لكل ما من شأنه، إقحام المؤسسة الملكية في أمور وقضايا حساسة، في إطار تدافع سياسي وتقاطع مصالحي ضيق جدا. الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري، من عقوبة المؤبد والسجن المحدد لمدد تتراوح بين 30 سنة و25 سنة و20 سنة وبما قضي إلى حكم البراءة التامة، أحكام بقدر ما كانت محبطة لأسر الضحايا، الذين كانوا يطالبون بإنزال أقصى العقوبات في حق المتهمين بقتل أبنائهم - مع كل ما يترتب عن ذلك من مصادرة لحقهم في الحياة-، كان لها في مقابل ذلك، صدى كبيرا في الأوساط الحقوقية بعد أن جاءت خالية من عقوبة الإعدام. كما أنها حملت رسائل حقوقية قوية، إلى المراقبين الدوليين والوطنيين، والى الهيئات الدبلوماسية عندما وفرت المحكمة شروط أفضل للمحاكمة...رغم وجود بعض المآخذ الحقوقية حميد شباط، أراد إقحام المؤسسة الملكية في صراع حزبه السياسي مع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، عند استجدائه بالفصل 42 من الدستور، دون أن يفلح في مسعاه إلى حدود الآن، ما دام أن الملك لم يستقبله إلى غاية اليوم، وهاهو اليوم، يريد إقحام المؤسسة الملكية في ملف حساس حضي بمواكبة دولية، ولا زال رائجا أمام القضاء. كما أن جراحه لا زالت لم تندمل بعد بسبب بشاعة الجريمة. فهل يفلح شباط في مسعاه؟